الوردة النازفة!!؟
05-04-2018, 09:12 AM
الوردة النازفة!!؟


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

ما إن جلس راشد على الطاولة حتى أخرج حاسوبه المحمول من حقيبته، وبينما هو منهمك في تشغيله، خاطب مايكل قائلًا:" الليلة سأعرض عليك مقطع فيديو نادر، المقطع بالكاد تتجاوز مدته نصف الدقيقة بقليل، ولكنه غير معتاد؛ لأنه سينقلنا عبر التاريخ قرنًا من الزمان؛ إنه وثيقة مرئية،
انظر: ".

وباهتمام شديد اقتربت رأسا مايكل وراشد من الحاسوب، وصوبا بصريهما تجاه شاشته.
بريطانيا من مئة عام!!؟.
مايكل: أووه ممتع!، كم أنا سعيد وأنا أرى كيف كان نمط الحياة في بريطانيا بلدي منذ ما يقرب من مئة عام.. انظر إلى البهجة على وجوه المارة في الشارع.. انظر إلى فرحة هذا الطفل!.. كانت حياة أقرب إلى التلقائية والفطرة.. كم هي حياة أقرب إلى النفس.
راشد: سأعيد عرض المقطع، لألفت نظرك إلى ملحوظة أخرى مهمة.

احتشام المرأة البريطانية قديمًا.
يعيد راشد المقطع، ويتابع كلامه مع مايكل:
" انظر!.. هذه امرأة.. اثنتان.. خمسة ست نساء، لاحظ معي.. جميعهن لا يظهر منهن غير الرأس المغطى بالقبعة والكفّان.. وملابسهن فضفاضة لا تصف أجسامهن..
مايكل: صحيح!
راشد: إذن ما الذي جرى!!؟.
مايكل: في أي شيء؟.
راشد: في مجتمعاتكم..
مايكل: تقصد العري وقلة الاحتشام!؟.
التحول الأخلاقي في الغرب حديثًا:
راشد: بالضبط، ولكني أشير أيضًا أن ذلك مشهد من انهيار منظومة القيم الأخلاقية بصفة عامة.
مايكل: هذه حريات شخصية، نحن الآن مجتمعات تقدس الحرية، ولكل شخص الحق في اختيار نمط الحياة الذي يرده.
راشد: بالطبع أفهم ذلك، وهذا أمر يستحق إفراد جلسة أو جلسات حوار لمناقشته بعناية، ولكن ما يلفت النظر هو التوافق المجتمعي عندكم على هذا التحول في القيم الأخلاقية، وكأن جميع الأفراد يرجعون إلى مرجعية واحدة في اختياراتهم!!؟.
مايكل: لا يخفى عليك أن هناك ما يسمى بثقافة المجتمع، وهي التي ينشأ عليها الأفراد وتتحول إلى ممارسات تلقائية يفعلها الفرد بدون استحضار المرجعية، وبدون أن يستغربها أو ينكرها المجتمع، وضمن هذه الثقافة قد توجد اختلافات نوعية بين اختيارات الأفراد.
الإنجيل يدعو إلى الاحتشام:
راشد: جميل جدًا، إذا أخذنا هذه الظاهرة وبحثنا عن الصواب والخطأ فيها، فإننا نجد أن كتابكم المقدس يدعو إلى الاحتشام وعدم إظهار الزينة؛ فقد جاء في:( رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 9):
" كما أريد أيضًا أن تظهر النساء بمظهر لائق مَحشُوم اللباس، متزينات بالحياء والرَّزانة، غير متَحليَّات بالجدائل والذهب واللالئ والحُلل الغالية الثمن،(10) بل بما يليق بنساء يَعترِفْنَ علنًا بأنهن يَعِشْنَ في تقوى الله بالأعمال الصالحة».
مايكل: يا سيدي هذا يصلح للنساء المنتسبات إلى الكنيسة، أما نحن في حياتنا خارج الكنيسة، فقد سبق أن قلت لك سابقًا: إننا نحّينا الدين عن التدخل في حياتنا منذ عصور التنوير.
الغربيات من الاحتشام إلى الابتذال والعريّ:
راشد: ولكن يا صديقي، هذا المقطع الذي رأينا فيه النساء محتشمات في الشارع، وليس في الكنيسة، وقد كان بعد ما تسمونه بعصر النور بعدة قرون.. وإذا سلمت لك بخروج الدين من مكونات مرجعيتكم القيمية، فإني أعود وأسأل: ما الذي حدث!!؟، ما الذي حول نساءكم إلى هذا الابتذال والعري!!؟.
مايكل: ابتذال من وجهة نظرك، ولكني أراه شيئًا عاديًّا، ودعني ألفت نظرك إلى ملحوظة في مقطع الفيديو، وهو أنه صور في فصل شتاء أو وقت بارد على الأقل، وهذا واضح في طبيعة الملابس التي يرتديها الرجال والأطفال وألوانها الداكنة، فقد يكون هذا الاحتشام بسبب برودة الجو، وإن كان ذلك لا ينفي حقيقة نعرفها جميعًا؛ وهي أن النساء كن في هذا العصر وإلى وقت غير بعيد أكثر احتشامًا، أما ما الذي حدث؟، فإنه ببساطة: قد تغيرت القيم والمفاهيم تبعًا لتطور المجتمع.
راشد: هذه قضية أخرى يمكن أن نفرد لها جلسة نناقشها فيها، وهي مسألة نسبية الأخلاق، فأنا إن كنت أتفهم تطور العلوم والأدوات والوسائل إلا إني أرى أن الأخلاق والقيم تختلف في إخضاعها لهذا التطور.
مايكل: لا بأس بمناقشة ذلك لاحقًا، ولكن اسمح لي يا سيد راشد، لماذا تهتمون دائمًا بالنظر إلى المرأة على أنها جسد؟، لماذا يشغلكم هذا الأمر؟.
المرأة بين الإسلام والحضارة الغربية:
راشد: الإسلام ينظر للمرأة وللرجل على أن كلًّا منهما إنسان، والإنسان مخلوق يتكون من جسد وروح وعقل، لا نستطيع أن نتجاهل أيًّا من هذه المكونات، بما فيها ليس فقط مادية الجسم، بل أيضًا حيوانيته، ولا يمكن أن يرتقي هذا الحيوان الناطق ليصل إلى درجة الإنسانية إلا من خلال منظومة يتكامل فيها التهذيب الأخلاقي والسمو الروحي والتنظيم الاجتماعي والقانوني، وأنتم حينما حسبتم أنكم تنورتم وفصلتم الكنيسة، أو بالأحرى الدين عن الحياة: ارتضيتم أن تستقل الكنيسة بالروحانيات على أن ينطلق العقل خارج إطار الدين، وتفعلوا بالجسد ما شئتم!!؟، ولهذا أطلق شياطين الحضارة المادية العنان للتمتع بالشهوات الجسدية البهيمية خارج الإطار الأخلاقي والديني، ولأجل إشباع نهمهم البهيمي: شجعوا المرأة على إبراز مفاتنها بشتى السبل وفي جميع الأحوال، ورسخوا ذلك باسم الحقوق والحريات!!؟.
مايكل: ولكننا نشاهد النساء بهذا العري صباح مساء، ولا تحركنا هذه الشهوات التي تسميها بهيمية.
راشد: هل تظن أن ذلك فضيلة أو حسن خلق!!؟.
إن أقرب عواقب اعتياد مشاهدة العري أو المناظر المثيرة هو: إصابة هذا المعتاد ببرود جنسي، وهذا يعقبه ضرر آخر أشد منه، وهو البحث عن مثيرات أخرى غير ما اعتاده، وهو ما قد يؤدي إلى الشذوذ الجنسي.
مايكل: العواقب لديك يا سيد راشد أنواع، فيها أقرب ومنها أبعد.
إحصائيات غربية عن حوادث الاغتصاب:
راشد: نعم، فهناك عواقب لهذه الظاهرة تقع في نطاق الجرائم؛ إذ إن من لم يصل إلى هذا البرود بسبب ظروف جسدية أو اجتماعية أو تربوية، فإنه يصاب بسعار جنسي، تكون من نتائجه انتشار حالات الاغتصاب، وهذا ما تسجله إحصائيات حوادث الاغتصاب، ودعني أذكر لك نزرًا يسيرًا منها: تشير إحصائية لوزارة الداخلية الفرنسية إلى وقوع (4412) حادثة اغتصاب خلال عام واحد في فرنسا، أي ما معدله حادثة كل ساعتين تقريبًا. وفي بريطانيا: نظمت شرطة العاصمة لندن حملة توعية مكثفة لتشجيع النساء على تعلم فنون الدفاع عن النفس، واتخاذ مواقف إيجابية، بدلاً من الاستسلام عندما يتعرضن لهجوم الرجال، وذلك في أعقاب الإعلان عن ارتفاع عدد جرائم العنف والاغتصاب في شوارع لندن بنسبة (11%) خلال عام واحد.
وفي أمريكا: أعلن مركز الضحايا الوطني المناصر لحقوق ضحايا جرائم العنف: أن معدل الاغتصاب في الولايات المتحدة أصبح (1.3) امرأة بالغة في الدقيقة الواحدة، وأضاف المركز: إن واحدة من كل ثماني بالغات في الولايات المتحدة تعرضت للاغتصاب، وذلك في عام 1991م.
أما في عام 2009 فتشير الإحصاءات إلى أن واحدة من كل ثلاث فتيات في سن 14 سنة معرضة للاغتصاب، ويوجد بأمريكا نصف مليون عملية اغتصاب سنويًّا، وأن (61%) من البنات الأمريكيات فقدن بكارتهن قبل سن 12 سنة.
وهناك نوع آخر من الجرائم، يسمى الجريمة المسكوت عنها، وهي: تحرش أرباب العمل أو المديرين بالنساء اللاتي يقعن تحت نفوذهم، وفي العادة لا تسجل هذه الجرائم؛ بسبب خوف المرأة على وظيفتها، أو طمعها في تعويض، أو صعوبة الإثبات.
وبالطبع إن هذه الأرقام لا تمثل كل الحقيقة؛ إذ تقدر (جمعية مناهضة اغتصاب النساء) أن (35 حالة) تلتزم الصمت مقابل حالة واحدة يبلغ عنها.
مايكل: ولكن مشكلة كمشكلة الاغتصاب مشكلة معقدة، تتداخل فيها عوامل كثيرة، نفسية وتربوية واجتماعية، بل واقتصادية.
جرائم الاغتصاب بين الصيف والشتاء:
راشد: هذا صحيح، ولكن أيضًا لا نستطيع إنكار أن من أكبر العوامل: الإثارة الجسدية حتى ولو كانت بالنظر، ومما يلفت النظر أن دراسة أميركية رصدت: أن جرائم الاغتصاب تنخفض خلال الشتاء، وقد يكون هذا لانخفاض نسبة العري في ملابس النساء، أو لأن الناس لا يخرجون كثيرًا؛ مما يجعل فرص الالتقاء أقل، والاحتمالان يؤكدان العلة ذاتها.
مايكل: ولكن في النهاية، فإن النساء هن اللاتي يردن ذلك بإرادتهن، هذه حرية شخصية كما قلت لك، ولا نستطيع منعهن من ذلك.
امتهان المرأة الغربية:
راشد: هذا ما يبدو في الظاهر، ولكن الحقيقة أن قادة المجتمع الغربي، وعلى رأسهم الرجال هم: الذين روجوا لثقافة التعري وزينوه، وهيئوا له البيئة المساعدة، وابتكروا الوسائل الميسرة لانتشاره؛ ليستمتعوا بالمرأة بلا قيود!!؟، بل إنهم وضعوا القوانين الظالمة لعفة المرأة وحيائها وضعفها؛ فالقوانين الوضعية في الغرب ترأف بحال الرجل المغتصب أكثر مما ترأف بحال المرأة المغتصبة؛ مما يساعد على استشراء الاغتصاب، بل إن بعض الدول الغربية تعد الاغتصاب مخالفة أخلاقية وليس جريمة عنف!!؟.
وخذ هذا المثال العملي: في فنلندا، وهي إحدى الدول التي تعد متقدمة في الاهتمام بالمرأة، قام رجل بإجبار امرأة على ممارسة الجنس معه في مرحاض للمعوّقين في باحة لاصطفاف السيارات بضرب رأسها بالحائط وليّ ذراعها خلف ظهرها، وبحسب رأي الادعاء العام، لم يكن هذا اغتصابًا؛ نظرًا لأن العنف الذي استخدم كان من درجة خفيفة!!؟، وأُدين الرجل بإكراه الضحية على الممارسة الجنسية، وحكم عليه بالسجن المشروط (مع وقف التنفيذ) مدة سبعة أشهر!!؟.
يا صديقي!: أي المجتمعين أكثر أمانًا أخلاقيًّا: مجتمع اليوم، أم المجتمع منذ قرن مضى؟، هل تريد التمتع بمشاهدة مقطع الفيديو مرة أخرى؟.
مايكل: واضح يا سيد راشد، ولكن من وجهة النظر الإسلامية: ما هو تصوركم لهذا الأمر؟.
راشد: إن هذا الأمر يحتاج إلى جلسة، بل جلسات أخرى؛ لمناقشته.

منقول من موقع الطريق إلى السعادة، جزى الله خيرا راقمه: