هل اللاشعور حقيقة علمية أم إفتراض فلسفي؟
03-06-2018, 06:42 PM
طرح المشكلة: إن تفسير الحياة النفسية كانت تستقر على أن مجملها حالة شعورية واعية،أي أن سلوك الإنسان مفهوم لأسباب و أن هناك تطابق بين النفس والشعور ولكن علماء النقس استفسروا حول مصدر السلوكات الإنسانية غير المفهومة. هذا ما جعلهم يبحثون عن مركز آخر في الحياة النفسية يرجع إليه هذه السلوكات غير الواعية الذي عرف باللاشعور، فهو مجموعة العوامل والعمليات والدوافع التي تؤثر في سلوك الفرد وفي تفكيره ومشاعره دون أن يكون شاعرا بها أو بكيفية حدوثها وتأثيرها. وقد تباينت الآراء حول حقيقة اللاشعور ، فهناك من فسره تفسيرا علميا وهناك من يرى أنه مذهب فلسفي. أمام هذا التعارض الفلسفي نطرح الإشكال التالي: هل يمكن أن يصاغ اللاشعور في قالب علمي أم أنه يظل مجرد إفتراض فلسفي؟
محاولة حل المشكلة: الاطروحة الأولى: إن اللاشعور حقيقة علمية و هذا ما ذهب اليه بروير وسيغموند فرويد.
المبررات: وقد استند هؤلاء في تبرير موقفهم على حجة علمية. إن الابحاث العلمية في معالجة مرض الهستيريا توصلت إلى إكتشاف وجود علاقة وثيقة بين الامراض النفسية العصبية المرضية و النشاطات النفسية اللاشعورية. مبتدعا منهجا خاصا هو منهج التحليل النفسي الذي يعتبر دليل على طابعه العلمي خاصة في علاج بعض الإضطرابات النفسية فانتشار العيادات النفسية في مختلف انحاء العالم بوتيرة سريعة هو أهم إنجاز علمي لمدرسة التحليل النفسي و اصبحت كثيرا من الأمراض و العقد النفسية التي كانت مستعصية قابلة للعلاج .كما ان التحليل النفسي تجاوز مجرد كونه طريقة في العلاج ليصير نظرية تفسر كل مظاهر الحياة، لا الأمراض فقط. فبفضل اللاشعور يمكن معرفة المناطق المظلمة من حياتنا النفسية ونعي ما كان خفيا. فقد اسهمت الفرويدية في تطور علم النفس الحديث خاصة مرحلة الطفولة و ما يحدث فيها من خبرات و احداث مؤلمة التي اسهمت في تطور الابحاث في علم نفس الطفولة.لذلك حرص فرويد على بيان المظاهر المختلفة التي يبدو من خلالها البعد اللاشعوري للسلوك و التي تعطي المشروعية التامة له. إذ يقول فرويد "إن فرضية اللاشعور فرضية لازمة و مشروعة و أن لنا أدلة كثيرة على وجود اللاشعور".ومنها( ادلة وجود اللاشعور المذكورة في المقال السابق)
- نقد ومناقشة: إن تصور فرويد لا يمكن مطلقا انكار أهميته في حقل علم النفس فهو تصور ثوري يتناول الشخص الإنساني في واقعيته. لكن عيبه الأصيل يكمن في إصراره على دور الغريزة الجنسية و الغريزة العدوانية، وبذلك فسر الأعلى بالأدنى. كما أن المحلل النفسي يؤول المعطيات بحسب ما يعتقده، مما يجعل هذا التأويل ذاتيا لا يؤدي إلى نتائج مجمع عليها. وهنا تغيب الموضوعية التي تعتبر شرطا من الشروط العلمية. مما يجعله أقرب إلى الافتراض الفلسفي

- لأطروحة الثانية: ذهب علماء النفس المعاصر إلى ان اللاشعور مجرد افتراض فلسفي ولا يعتبر نظرية علمية قائمة بذاتها وهذا ما ذهب اليه تلامذة فرويد: الفرد آدلر وكارل يونغ.
المبررات: وقد استند هؤلاء في تبربر موقفهم على جملة من الحجج العلمية. حيث ظهرت اتجاهات من داخل الفرويدية حاولت إعادة تفسير الخطاب الفرويدي وتعتبر محاولة الطبيب و المحلل النفسي آدلر من المحاولات التي انتقدت سيغموند فرويد لأنه يعتبر من المعارضين لفرويد، حيث خالفه في أن الإنسان كائن إجتماعي وليس بيولوجي. لذلك تعتبر الحاجات الإجتماعية هامة. اما الجنس فليس له أهمية كما أنه لايمكن تقسيم الشخصية لأنها تكوين كلي. أما فيما يخص عقدة اوديب و الكترا لا يمكن تعميمها على جميع الأطفال. لذلك اكد على اللاشعور الفردي الذي له علاقة بالجماعة و بالتالي فإن القوة الدافعة في حياة الإنسان هي الشعور بالنقص و التي تبدأ عندما يبدأ الطفل في فهم وجود الآخرين و الذين لديهم قدرة احسن منه. ومن اللحظة التي ينشأ الشعور بالنقص يحاول الشخص لاشعوريا تعويضه. فسلوك الفتاة القصيرة تعتمد لبس حذاء له كعب عال وسبب ذلك هو شعورها بالنقص. أما كارل يونغ فأكد على اللاشعور الجمعي و استخدم الليبيدو ولم يقصد به الطاقة الجنسية فقط و إنما جميع الدوافع النفسية وبناءا على نظريته، يتألف اللاشعور من قسمين: اللاشعور الفردي حيث تتجه الى خبرة الفرد المكبوتة، اللاشعور الجمعي وهو مخزن لخبرة الجماعة تظهر فيه صور بدائية وهي تعتبر الأنماط الأولية للفكر، فكل إنسان منا يحمل معه تاريخ أجداده. ويستشهد يونغ على ذلك من خلال ان جميع الشعوب تمتلك تصورات متشايهة حول المحاربين، العظماء ، الحكماء...الخ، وهذه النماذج هي جزء من الشعور الجمعي الذي تشترك فيه البشرية. كما أن هناك ردود أفعال مشتركة بين الناس جميعا. نقوم بها لاشعوريا ، فنحن نستجيب للموت بالحزن و البكاء و للولادة بالفرح وللخطر بالهرب... الخ. يقول سيغموند فرويد:" غير أنني أود ان أضيف بضع كلمات على سبيل النقد و التعقيب. فلقد يسأل السائل الى اي حد وصل إقتناعي. انا بصحة الفروض التي ذهبت إليها؟ وعن هذا أجيب بأنني انا نفسي غير مقتنع...".
- نقد و مناقشة: صحيح ان التعارض الذي وقع في مدرسة التحليل النقسي يجعله فرض فلسفي ولكن لا يمكن إنكار تصور فرويد و أهميته في حقل علم النفس و النجاح الذي حققه منهج التحليل النفسي خاصة إنجازاته على الصعيد العيادي.
- التركيب: يعتبر اللاشعور حقيقة علمية و فرض فلسفي فهو حقيقة علمية لأنه اجتهاد أدى إلى اكتشافات هامة حول النفس البشرية و معالجة الكثير من أمراضها و هذا ما كشف فاعليته في العيادات كما أنه يعتبر فرض فلسفي من منطلق التعارض الذي وقع في بيت مدرسة النحليل النفسي ولكن جعل فرضية اللاشعور نظرية علمية لم تحقق النجاح المأمول إلا من الناحية التطبيقية ما يجعله أقرب إلى الإفتراض الفلسفي اكثر منه حقيقة علمية .
- حل المشكلة: وفي الأخير نستنتج أن اللاشعور كإجتهاد اقرب إلى الفرض الفلسفي أكثر منه إلى نظرية علمية متكاملة لأن " التحليل النفسي شبه علم " مثلما أكد عليه كارل بوبر. وتظلّ نظرية اللاشعور بوجه خاصّ اجتهاد أدّى إلى اكتشافات مضي


سحر الحرف والكلام


شكرا للأخ صقر الأوراس على التوقيع