باطل في سبيل الله!
13-07-2013, 10:36 PM
من أغرب ما شاع في عصرنا الحالي أنّ الأشياء الرخيصة أو المجانية هي فقط التي تكون في سبيل الله بينما الغالي والنفيس والمدفوع لأجله لا يكون إلا في غير ذلك من السُبُل وكأننا نسينا بأن الله طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا وبأن أجود الأمور وأطيبها هي التي تكون في سبيل الله ، ولستُ أقصد بهذا أننا لا نتقرّب إلى ربِّنا بأجود وأفضل أموالنا وأوقاتنا وجهودنا فهذه حكاية أخرى، ولا أقصد كذلك الإستهانة بفضل العطاء والصدقة والتطوُّع والعمل بلا مقابل ولكنني أتحدث عن زُهدنا في ما نجعله في سبيل الله وإزدرائنا له عن وعي وعن غير وعي ولو كان قناطيراً مقنطرة من الذهب والفضة، زهدٌ إشترك فيه أعلانا مستوى وثقافة مع أدنانا إلى درجة أنني سمعتُ الدكتور طارق السويدان في إحدى حلقاته التدريبية المتلفزة ينصح الكُتّاب الشباب بأن يجعلوا مؤلفاتهم من الكتب في سبيل الله لأنها لا تجلب لهم عائدا ماديا كبيرا وكانت إبتسامته وإشارة يديه وهو يقول " في سبيل الله" توحي بأنه يستخدم هذه الكلمة الثقيلة مثلما استخدمها قيّم المسجد الذي سمعته ذات يوم وأنا طفل صغير يقول وهو يبيع روزنامات لأجل تمويل أعمال تصليح في المسجد :" يا جماعة ضعوا لنا نقودا في الصندوق فهذه الروزنامات ليست في سبيل الله" ، طبعًا كان يقصد أنها ليست مجانية ولكن إستخدامه لعبارة عظيمة من طراز في سبيل الله في هذا الموضع يجعل السامع يشعر وكأن الروزنامات في حالة بيعها وعودتها بأموال على المسجد لا تكون في سبيل الله على الرغم من أنها كذلك فما بيعت إلا لغرض تمويل تصليحات في بيت من بيوت الله، فكذلك جعلنا كلام الدكتور نشعر وكأن من يحصل على عوائد مالية جيّدة من كتب نافعة ينشرها بين الناس لا يكون عمله في سبيل الله بينما هو في الحقيقة وبلا أدنى شكّ عملٌ في سبيل الله، طالما كانت نيّة عامله أن يكون لله وكان حلالا لا يخالف الدّين وإن حصل منه على الملايين، فالأجرة المادية لا تنفي الأجر الربّاني وإلا لقُلنا أن الإمام الذي يقبض راتبًا على وظيفته من وزارة الشؤون الدينية ليس في سبيل الله، والمعلّم الذي يعلّم الأطفال سورة الفاتحة وحروف العربية ويقبض مالا من وزارة التربية ليس في سبيل الله، والإعلامي الذي ينصح للخير ويعمّم النفع ويقبض أجرًا على عمله الصحفي ليس في سبيل الله ولو كانت نيّتُه لذلك، وهذا مُحالٌ طبعًا، لأن العبرة في الأعمال إنما تكون بالنيّات فمن كانت نيّته لله فعمله لله ومن كانت نيّته لغير الله فعمله لما نوى، على أن لا نجعل عبارة في سبيل الله مرادفًا لعبارة مجاّني أو باطل كما يقولون، ومن النكت أن الجزائري يقول :" هاد السلعة راني نوزّع فيها باطل في سبيل الله"، والباطل لا يكون في سبيل الله كما هو معلوم، وجديًّا ، فإنّ العمل في سبيل الله لا يكون مجانيًّا بالضرورة وكذلك العمل المجاني لا يكون في سبيل الله بالضرورة، فقد تكون في سبيل الله وظيفتك التي تقبض عليها راتبًا وتُحسن أداءها وتُتقنُها وتنوي بها ما يُرضي الله ولا يكون في سبيل الله عملٌ تطوُّعي تريد به رياء الناس والعياذ بالله، فرسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول بأن الرجل إذا كان يسعى في عمل مأجور على نفسه يعفُّها أو على أولاده يضمن قوتهم فهو في سبيل الله وإن كان يخرج رياء الناس ولو لجهاد فهو في سبيل الشيطان، فالعبرة ليست بالمجاّنية وما يجعل العمل في سبيل الله ليس المجّانية وإنّما النيّة الصالحة.