دموع على أخاديد الحياء
01-09-2016, 04:34 PM
دموع على أخاديد الحياء
أحمد كمال أحمد محمد


وما ضرَّهم لو تركوني في حالي!!؟.

هكذا تَحكي دموعها كل يوم أمام المرآة، وهي تستعدُّ للخروج إلى جامعتها؛ للشُّهرة ضريبة، وللالتزام تنغيص، تَرتدي (الجوانتي)، وتضَع نقابَها على وجهِ الطِّيبة، وتستعدُّ لِمَعاول أمِّها:
ضعي قليلاً من الكحل كي تَظهر عيونك التي أكَلها النِّقاب!.

تَصمت وهي خارجة من أثَر الكلام.
غريبة هي الدنيا!، يريدون منِّي أن آكل الشَّهد بكِسرة الصبَّار، إنَّ الإنسان لا يموت دفعةً واحدة، لكنَّه يموت على أجزاء، هم لا يعلمون أنَّ نقابي سرُّ حياتي، دفءٌ مِن قرِّ التحرُّر، هم لا يعلمون أنِّي أحمل قلبَ طفلة تعشق المرَح، لكن الورود تَكره كثرةَ الأيدي، وتَعاف كَثرة الشمِّ، ليتَهم يَعلمون أنِّي غير معقَّدة ولا معتوهة!!؟
إنَّني أكره أن أكون رخوةً في زمن العتَه.

تحمل حقائبَ الودِّ إلى والدتها وهي تفتح الباب:
السلام عليكم.

يَصمت الجميع، وينصبون سرادقَ العزاء:
"عفاف" الطَّالبة في الفرقة الأولى خطبتها اليوم، وأنت تَزحفين نحو التخرُّج وما زلتِ تضَعين خيمَتَكِ السوداء، "عفاف" هي الثالثة في إخوتها، وستتزوَّج قريبًا بعد "راندا" و"جميلة".

تَدخل إلى غرفتها كاسفة البال، تكتب في دفترها الصغير:
اللهمَّ لا عزَّ إلاَّ بك، ولا لذَّة إلاَّ في قربك، اللهمَّ خفِّف الوجع.

أجراس انتهاء السَّنة تَضرب في كون البيت، وصوتٌ أكثر حدَّة يَضرب بعقلها من جديد، والدتها حين ترى العربات تَحمل عشاء "عفاف" تكيل لها السباب:
لا وظيفة ولا "عريس"!!؟.

من جديد تَنقر على الدفتر، تتحرَّك يدها في رعشة وتكتب:
يا رب، العُزلة خير لي من ذئاب المجتمع، لكنِّي أحبُّ دينك، وأرجو أن أترك بصمتي من خلال التعليم والوظيفة، اللهمَّ لا تخيِّب رجائي!.

" جلوكوز " الكلمات يعطي لها جرعةَ الحياة لفترات مؤقَّتة.

يدقُّ الباب: كوني مستعدَّة؛ سوف نزور "عفاف"؛ والدتها تقول: إنَّها في حالة سيئة!.

تسير في بطء، تتحاشى أسلحةَ الهجوم من والدتها في بيت "عفاف"، طرَقات خفيفة على غرفة "عفاف"، تفتح البابَ على استحياء، تَنهمر في الدموع وتُخفي وجهَها براحتَيها، تحكي بشهقةٍ:
صاحَب وجهي المكياج قبل الزواج، أَسير في الطرقات بلا وَعي، وبعد زواجي ظهرَت البُثور، وانقلبَت أخاديدُ وجهي إلى مرتفعات القُبح، عافَني زوجي، وطلَّقني بعد شهرين من الزَّواج!!؟.
لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله.

تَهمس الأمُّ في أذنها:
سامحيني يا بنيتي، قسوتُ عليكِ كثيرًا؛ نقابك وتمسُّككِ بدينك أعزُّ عليَّ الآن من زواجٍ طائش، ووظيفة تَحمل لنا الهموم!!؟.

لا تَدري؛ هل دموعها الآن برضا والدتها، أم حزنًا على "عفاف"، لكن الصوت المتكرر في عقلها، الذي لا يكفُّ عن التكرار:
" وظنِّي فيك يا إلهي جميل".

رفعَت رأسها إلى السماء، وناجَت ربَّها:
اللهمَّ ارزقنا العفاف، واجعل الحياء لنا رفيقًا.