كتاب يرصد التطور التاريخي لحدود مصر الشرقية وتأثيرها على الأمن القومي
03-02-2009, 05:28 PM
كتاب يرصد التطور التاريخي لحدود مصر الشرقية وتأثيرها على الأمن القومي

مؤلفته حذرت من الفراغ السكاني في سيناء



«تاريخ تطور حدود مصر الشرقية، وتأثيره علي الأمن القومي المصري 1892 – 1988»
المؤلفة: ألفت أحمد الخشاب الناشر: «دار الشروق»
القاهرة : محمد عبد الرؤوف

«تاريخ تطور حدود مصر الشرقية، وتأثيره علي الأمن القومي المصري 1892 – 1988»، كتاب صدر حديثا عن «دار الشروق» لمؤلفته ألفت أحمد الخشاب، يتضمن دراسة تاريخية موثقة للحدود الشرقية المصرية، منذ شق قناة السويس، وأول ترسيم للحد الشرقي في عهد الخديو عباس.
يقع الكتاب في 533 صفحة من القطع الكبير، وتبرز أهميته بالنظر إلى أن الحدود الشرقية لمصر كانت مسرحا للعديد من النزاعات والحروب منذ ترسيمها، وحتى عام 1988، عندما نجحت مصر في استعادة طابا عبر التحكيم الدولي، لتستعيد كامل أراضي شبه جزيرة سيناء، التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
المؤرخ المصري، يونان لبيب رزق أشاد بالكتاب، ووصفه بـ«الكتاب المرجعي، فيما يخص حدود مصر الشرقية، يحتاج إليه المهتمون بالتاريخ المصري الحديث، بالقدر نفسه الذي يهتم به المعنيون بالشأن الوطني».
وحسبما يشير الكتاب، فإن حدود مصر الشرقية لفتت إليها الأنظار بقوة، منذ فترة حفر قناة السويس، حيث برز موقع مصر الحيوي كرابط بين أوروبا والشرق. ومن هذه النقطة تبدأ المؤلفة كتابها المهم، لافتة إلى أن أول عملية ترسيم للحد الشرقي لمصر، قام بها الخديو عباس حلمي الثاني، بعد خلافه مع السلطان العثماني، ثم الصراع بين بريطانيا والدولة العثمانية حول القضية ذاتها، فيما عرف بأزمة طابا الأولى عام 1906، كما يعرض الكتاب لقصة الصراع الأعنف حول هذا الحد السياسي، ومن ثم شبه جزيرة سيناء، منذ 1948 عند تأسيس دولة إسرائيل، مرورا بنكسة 1967، والانتصار عام 1973، ثم المراحل الطويلة والمرهقة للمفاوضات المصرية الإسرائيلية، حتى قرار محكمة العدل الدولية عام 1988، ولا يكتفي الكتاب بالعرض التاريخي للحدود الشرقية لمصر، بل يقدم أيضا تحليلا سياسيا متعمقا، يساعد القارئ على إدراك أهمية تلك البقعة الغالية من أرض مصر، وهي شبه جزيرة سيناء.
استهلت المؤلفة كتابها بتعريف مفهوم الحدود السياسية وأنواعها ووظائفها، وتطرقت إلى تعريف الحدود في الميثولوجيا الدينية اليهودية والمسيحية والإسلامية، على اعتبار أن الصراع في هذه المنطقة بدأ بين المسلمين والمسيحيين الغربيين، إبان الحروب الصليبية، ثم بين المسلمين واليهود في الحروب العربية مع إسرائيل منذ عام 1948.
وفي التعريف اليهودي للحدود، يوضح الكتاب أن تعريف الحدود في الديانة اليهودية يعتمد علي الكتب المقدسة، فالأرض مقدسة وموعودة من الرب لشعب إسرائيل‏.‏ وهي أرض كنعان، حيث يبدأ تاريخ الوعد منذ النبي إبراهيم‏ (‏عليه السلام‏)،‏ وكذلك وعد الرب لموسى عليه السلام بالأرض بعد التيه أربعين يوما‏، ومن ثم فهذه الأرض مملكة الله بوعد الله المقدس لليهود، وبوكالتهم عن الله في إقامة مملكته‏.‏ أما عن حدود هذه الأرض وفقا لتراث اليهود الديني، وكما تراها إسرائيل تاريخية وواقعية، فهي تمتد ‏(‏من النيل للفرات‏). وتوضح المؤلفة أن الأدبيات الدينية الصهيونية تشير إلى رحلة النبي إبراهيم، من قبيل الرمز لملكية الأرض، كأساس لحق إبراهيم ويعقوب وإسحاق في وراثة هذه الأرض، وهو ما يؤسس حدود هذه الدولة، وهو حق تمنحه إسرائيل لنفسها فقط، وكخيار تاريخي. وبحسب الكتاب، فإنه وفقا للفكر التلمودي فإن حيازة الأرض تتم بالغزو‏، وهذه هي الآلية المعتمدة لتأمين أرض إسرائيل حتى وقتنا الراهن.
‏ويشير الكتاب إلى أن إرهاصات الفكر الصهيوني، التي قادت للأطماع اليهودية في سيناء، بدأت منذ عام 1619، عندما نشر هنري فنشن كتابه «نداء اليهود»، ليكون أول دعوة علنية لإنشاء وطن قومي ليهود العالم، كما نشرت رسالة بعنوان «إلى إخواني في الدين»، طالب فيها كاتبها بإقامة دولة يهودية، تمتد حدودها من عكا للبحر الميت، ومن جنوب البحر الميت إلي البحر الأحمر‏.
وتوضح المؤلفة أن محاولات اليهود لاستيطان سيناء لم تتوقف منذ القرن السادس عشر، مما اضطر السلطان سليم الأول لإصدار فرمان حاسم في هذا الشأن، ومن بعده استمرت المحاولات التي نجح بعضها في استيطان مدينة الطور‏، وأثناء عصر محمد علي‏، حاول‏ جماعة مهندسين بناء مستعمرة تجارية في سيناء، ورفض محمد علي الفكرة .
ويقدم الفصل الخامس من الكتاب توضيحا لشبه جزيرة سيناء في الفكر التوسعي الإسرائيلي، إذ يكشف أن إعلان قيام دولة إسرائيل في‏15‏ مايو‏1948‏ لم يحقق للصهيونية هدفها النهائي بإنشاء دولة يهودية‏، لأن الحركة الصهيونية تري أن إسرائيل قامت علي جزء من أرض إسرائيل التاريخية، وأنه مازال هناك كامل أرض إسرائيل من المنظور التاريخي والديني، التي تقع فيها شبه جزيرة سيناء في مملكة يهودا القديمة.
وقدمت المؤلفة أدلة كثيرة على مصرية سيناء، منها أقدم أثر مصري يسمي صخرة «سمرخت» وعليها يظهر سابع ملوك الأسرة الأولي على ثلاثة أشكال، الأول على هيئة ملك مصر العليا، وعلي رأسه تاج مصر السفلي، والثاني ملك مصر السفلي وعلي رأسه تاج مصر العليا‏،‏ والثالث على هيئة ملك غير متوج يقبض بيده اليسرى على هذه الصخرة، كرمز إخضاع شبه جزيرة سيناء لسلطة مصر.
وتقول المؤلفة: «علينا أن نعي وندرك أن لدي الشعب الإسرائيلي قناعة قومية بأن شبه جزيرة سيناء جزء من إسرائيل، وقدرها‏‏ أن تضم إلى إسرائيل، وتستند في ذلك إلى رأي الباحث عادل محمود رياض في كتابه عن الفكر الإسرائيلي وحدود الدولة، فلدى الإسرائيليين عقيدة راسخة وأكيدة في الوجدان والفكر، وليس مجرد تهديدات».
وتحذر المؤلفة في نهاية دراستها من أمرين يهددان شبه جزيرة سيناء، الأول إسرائيل وأطماعها التوسعية في شبه الجزيرة، والثاني عدم الاهتمام بالتنمية والتطوير في سيناء، بالقدر الكافي، داعية إلى إنهاء الفراغ السكاني الذي تعاني منه سيناء، لأنه أكثر ما يشجع الطامعين فيها.
وتخلص المؤلفة إلى القول: إن «شبه جزيرة سيناء، بمميزاتها الجيوستراتيجية، تلعب دورا أساسيا في نظرية الأمن المصري، ولا يمكن اعتبارها مجرد فراغ أو عازل، وإنما هي عمق جغرافي وإنذار مبكر، وبها يمكن اختزال الزمان والمكان في الدفاع عن مصر، الدلتا والوادي».