الجهود اللغوية في المصطلح العلمّي الحديث - الدكتور محمد علي الزركان
03-02-2009, 09:28 PM
الجهود اللغوية في المصطلح العلمّي الحديث
الدكتور محمد علي الزركان
دراســة
منشورات اتحاد الكتاب العرب1998




المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم‏
يبدو أن حركة وضع المصطلحات العلمية التي تجمدت في عصور الانحطاط بسبب توقف النشاط العلمي وانحسار العربية وانغلاقها قد عادت إلى النشاط من جديد حالما بدأت اللغة العربية تتجدد في مطلع القرن التاسع عشر.‏
وكان ذلك القرن يمثل مرحلة انتقالية مورس خلالها وضع المصطلحات العلمية الحديثة (تعريبا أو ترجمة) من خلال اللغتين المسيطرتين في الأقطار العربية وهما الفرنسية والانكليزية واللتين رافقتا ودعمتا الحضور الأجنبي الاستعماري.‏
فلقد بدأ العرب وفي مصر خاصة بالعناية بالعلوم التطبيقية ووضع مصطلحاتها بداية حسنة سليمة قامت على ترجمة المؤلفات والمنجزات العلمية إلى اللغة العربية كما درسوها في مدارسهم العليا بلغتهم العربية أول الأمر، ثم توقفوا عن ذلك قبيل انتهاء القرن التاسع عشر فأصيبت العربية بنكسة ما تزال تعاني منها حتى اليوم إذ مازالت معظم العلوم التطبيقية في الجامعات والمعاهد العليا العربية _ غير السورية - تدرس بإحدى اللغتين الانكليزية أو الفرنسية.‏
وبعد الحرب العالمية الأولى صار لوضع المصطلح العلمي مؤسساته الرسمية فالمجمعان في دمشق (1919) وفي القاهرة (1932) هما اللذان عنيا بالمصطلحات العلمية الحديثة، وكانت عنايتهما لغوية لفظية، ولكنهما فتحا الطريق أمام المؤسسات والهيئات المتخصصة الأخرى في وضع المصطلحات العلمية وتوليدها.‏
وأول ما فعله مجمع دمشق كان تعريب المصطلحات العسكرية للجيش العربي زمن الملك فيصل بن الحسين، وكان هم بعض أعضائه من الأطباء أن يجعلوا لغة الطب عربية صحيحة وقد فعلوا.‏
أما مجمع القاهرة فقد كانت اتجاهاته معجمية شمولية في الإطار نفسه، وعلى الطريقة نفسها جرى مجمعا بغداد وعمان من بعد.‏
وبعد الحرب العالمية الثانية تأثر وضع المصطلح العلمي كل التأثر بأجواء الاستقلال والحرية التي شملت المنطقة، وبالنمو الواسع للتعليم، إذ دخلت مصطلحات جديدة ما كانت بالحسبان، فولجت هذا الميدان جماعات أخرى ومؤسسات غير المجامع، إذ دخله أساتذة الجامعات بالإضافة إلى أساتذة الجامعة السورية (جامعة دمشق حاليا) الذين سبقوا في هذا المضمار، ثم دخلته مؤسسات البحث العلمي والمعاهد العليا بأنواعها.‏
ولقد كثر عدد نقلة العلوم الحديثة وعدد المؤلفين في تلك العلوم، فاختلفت بهذا المصطلحات العلمية اختلافاً كبيراً، وصار هذا الاختلاف داء من أدواء لغتنا العربية، وهو ينمو ويستشرى كلما اتسعت دائرة الثقافة والعلوم في بلاد العرب.‏
كما كثر المتصدون لوضع المصطلحات العلمية، سواء كان ذلك من خلال تآليفهم التي كانوا يضعونها بين أيدي طلابهم في المدارس المتخصصة العالية، أم من خلال تصنيف المعاجم العلمية المتخصصة. واستمرت أعمالهم في تزايد مستمر حتى العصر الحاضر، فإن العقد السابع من هذا القرن شهد من المعاجم الاصطلاحية المتخصصة مالم يشهده عقد في تاريخ العربية على مداه الطويل.‏
وطبيعي أن تتجه جهود هؤلاء العلماء والباحثين إلى مواكبة ما تتطلبه تلك النهضة العلمية من المصطلحات الجديدة. وقد شهدت لهم مؤلفاتهم الكثيرة بأنهم بذلوا جهدهم ولم يقصروا في السعي إلى وضع المصطلحات العلمية العربية لما استجد من مفاهيم علمية، ولكن بعض المعوقات قد شتت تلك الجهود وأضعفت قيمتها العلمية. وسيتناول هذا البحث الجهود التي بذلت في وضع المصطلحات وتصنيف المعاجم العلمية في عصر النهضة الحديثة، أي منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى نهايات القرن العشرين. ولقد اقتصر البحث على مصطلحات العلوم التطبيقية دون مصطلحات العلوم الإنسانية وألفاظ الحضارة التي ليست موضوع هذا البحث، إلا ما ورد منها عرضاً ضمن سياق معين من قبل أحد الباحثين.‏
وقد تتابعت الموضوعات حسب التسلسل الزمني قدر الامكان وجاءت طريقة العرض متخذة صفة الوصف والتفسير إن أمكن من غير أن يكون هناك موقف سابق يسعى إلى نصرة أحد على أحد، أو ينتصر لهذا المؤلف أو لتلك الهيئة أو المؤسسة دون غيرهما. فالمبدأ الأساس هو عرض الجهود اللغوية في المصطلح العلمي الحديث ضمن موضوعية لغوية بعيدة عن الهوى والتسرع في إصدار الأحكام ما أمكن ذلك.‏
هذا وقد أفادت الدراسة من مصادر ومراجع كثيرة ومتنوعة سواء ما ألف منها في القرن الماضي أم في القرن الحالي. وسواء كانت مؤلفات علمية تدريسية أم معاجم اصطلاحية متخصصة. فكانت دراستي التي كان موضوعها(الجوانب اللغوية عند أحمد فارس الشدياق) قد فتحت لي آفاق الاهتمام بالمصطلحات العلمية والجهود اللغوية المبذولة من أجلها. وذلك لأن الشدياق اهتم بوضع المصطلحات العلمية والحضارية اهتماماً كبيراً، فقد عاش في عصر النهضة في مصر والشام ثم انتقل إلى أوربة واطلع على ما عند القوم من مخترعات ومبتكرات جديدة، فأحاط بما لم يحط به غيره في قضايا المصطلح العلمي في ذلك الوقت.‏
كما أفادت الدراسة من مجموع المحاضرات التي ألقاها المرحوم مصطفى الشهابي على طلاب معهد الدراسات العربية بالقاهرة، والتي جمعها في كتاب (المصطلحات العلمية في اللغة العربية في القديم والحديث).‏
وقد حفزتني كلمته في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه هذا حين قال : " فأرجو أن تنبه هذه المحاضرات الموجزة طلاب المعهد على الاهتمام بقضية المصطلحات، لأنها أهم قضية تعترض سبيلنا عندما نحاول جعل لغتنا الضادية المضرية صالحة للتعليم العالي وللتعبير عن حاجات الحياة العصرية " ويعد كتابه هذا من أهم الكتب التي ألفت في هذا الموضوع خلال النصف الأول من القرن الحالي. ولا أظن أحداً قد تناول المصطلحات العلمية بالدراسة والتأليف بعد الشهابي إلا ما كان من بعض المقالات المتفرقة في أعداد مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة وبعض أعداد مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق وفي مجلة (اللسان العربي) التي يصدرها مكتب تنسيق التعريب بالرباط والتي أفادت منها هذه الدراسة إفادة ملحوظة.‏
أما المعاجم المتخصصة في المصطلحات العلمية سواء كانت جهودا فردية أم جهودا جماعية فقد أغنت الرسالة بمعالجاتها المصطلحات العلمية التي أنجزتها فضلاً عن منهجيتها في التأليف المعجمي المصطلحي المتخصص إذ كان لكل منهجيته الخاصة به ولكل أسلوبه في التأليف المعجمي الاصطلاحي.‏
ولقد كان من وراء هذه المنهجية هدف علمي كان الحافز على إنشاء الدراسة وهو كشف الجهود اللغوية على مستويات مختلفة في وضع المصطلح العلمي الحديث . فقد توخينا منه دعم العربية الفصحى وتمكينها من حمل العلوم والتقنية في العصر الحديث. وتجدر الإشارة إلى أننا أفدنا من هذه المراجع بحسب ما سمح به منهج البحث وحدوده من غير تزيّد أو اسراف في الحواشي اظهاراً لسعة الاطلاع.‏
وهذا البحث مرجو منه أن يحقق غاية أساسية هي الوصول إلى منهجية متفق عليها لوضع المصطلحات العلمية باللغة العربية تتصف بالتحديد والوضوح، كما يهدف إلى تحقيق غايتين اثنتين:‏
الأولى : أن يدفع عن اللغة العربية تهمة التقصير والعجز، ويرد إلى نفوس المتحدثين بها شيئاً من الثقة بالنفس أريد لهم أن يفتقدوه منذ زمن عبر خطط مدبرة.‏
الثانية : المشاركة في الجهد المبذول لجعل اللغة العلمية في بعض جوانبها العامة متاحة للجميع، وليست وقفاً على فئة قليلة من الناس تقرأ وتتحدث بغير اللسان العربي.‏
المنهج والخطة :‏
لقد ارتئي أن يقسم البحث من حيث الزمن إلى مرحلتين رئيسيتين كانت نهاية الحرب العالمية الأولى فاصلاً بينهما، وذلك لأن تلك الحرب كانت فاصلا تاريخيا هاماً في المشرق العربي بين عهدين هما : عهد الدولة العثمانية الذي انتهى بنهاية الحرب العالمية الأولى، وعهد الاستقلال الذي بدأ بعد نهاية تلك الحرب، حتى إنه ليمكن القول إنها كانت فاصلاً متميزاً بين القرنين التاسع عشر والعشرين ولا شك أن هذا التقسيم تقريبي لاحتمي، إذ لايمكن الفصل بين مرحلة تاريخية وأخرى فصلاً دقيقاً قاطعاً، وذلك بسبب تداخلهما وتلاحمهما من جهة واختلافهما من جهة أخرى. حتى أن المرحلة التاريخية الواحدة يصعب أن يدل عليها ويستوعبها عنوان واحد ينطبق على كل ما تحتويه من أحداث، إذ لابد من وجود فروق جزئية قلت أم كثرت. فلا يعقل أن تستمر مرحلة تاريخية تقارب القرن من الزمن على وتيرة واحدة دون تحول أو تبدل أو تطور، وخاصة بعد قيام الحرب العالمية الثانية التي قلبت المفاهيم العلمية رأساً على عقب. فقد تقدمت المخترعات العلمية بأنواعها تقدماً لم يسبق له مثيل، مما حمل العلماء واللغويين على وضع أوتوليد مصطلحات جديدة لم يكن لها وجود من ذي قبل، أو أنهم أعادوا النظر في المصطلحات القديمة التي تخطاها الزمن.‏
ولقد اقتضت طبيعة البحث هذا التقسيم التاريخي التقريبي، نظراً لأن العمل العلمي كان متصلاً اتصالاً وثيقاً بين المرحلتين وخاصة في أعمال العلماء والباحثين الذين عاشوا نهاية الأولى وبداية الثانية.‏
وصار المشرق العربي في المرحلة التاريخية الثانية يشكل وحدة متكاملة في الجهود اللغوية في وضع المصطلحات العلمية الحديثة. فظهر تعاون بين الأفراد من جهة والمؤسسات العلمية من جهة أخرى في كل من مصر والشام والعراق.‏
فالمرحلة الأولى ابتدأت بأوائل القرن التاسع عشر وانتهت بنهاية الحرب العالمية الأولى، وهي التي يمكن أن يطلق عليها (عصر النهضة) وقد خصص لها الباب الأول من الرسالة كما سيأتي، أما المرحلة الثانية فقد ابتدأت بنهاية الحرب العالمية الأولى وما تزال مستمرة حتى اليوم، ويمكن أن يطلق عليها (العصر الحديث)، وقد خصصت لها الأبواب الثلاثة الباقية من الرسالة، كما سنرى.‏
وأما من حيث المنهجية فقد انقسم هذا البحث إلى أربعة أبواب وخاتمة.‏
فالباب الأول : خصص لبحث وضع المصطلح العلمي في المشرق العربي في عصر النهضة منذ بدايات القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، وهذا الباب - كما قلنا - مخصص لاستيعاب المرحلة التاريخية الأولى وقد انقسم إلى ثلاثة فصول. تناول الفصل الأول المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في مصر، والطريقة التي اتبعت في نقلها، مبيناً جهود الأساتذة الأجانب والمصريين في نقل هذه العلوم ووضع مصطلحاتها في مدرسة الطب المصرية. وتناول جهود المترجمين من غير الأطباء والأساتذة، وجهود المحررين والمصححين في وضع وتوليد المصطلحات العلمية كما أشار إلى صعوبة ترجمة هذه المصطلحات ومحاولة التغلب عليها.‏
وأما الفصل الثاني فقد تناول المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في الشام مشيراً إلى جهود أساتذة الكلية السورية الانجيلية، وإلى جهود الكتاب والمترجمين من غير أساتذة الكلية في وضع المصطلحات العلمية.‏
وأما الفصل الثالث فقد تناول المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة بين الشام ومصر والعراق، مشيراً إلى جهود الدكتور يعقوب صروف ومجلة (المقتطف) في وضع المصطلحات العلمية وتوليدها. وأشار أخيراً إلى وضع المصطلح العلمي ونقل العلوم الحديثة في العراق الذي كان نشاطه محدوداً في هذا الشأن.‏
وأما الباب الثاني : فقد خصص لجهود مجامع اللغة العربية الأربعة ومنهجيتها في وضع المصطلحات العلمية، فأفرد لكل مجمع منها فصلاً خاصاً به.‏
فكان الفصل الأول للبحث في جهود مجمع اللغة العربية بدمشق (المجمع العلمي العربي سابقا) مذ بدأ بوضع المصطلحات الإدارية وغيرها في مراحله الأولى. كما بحث في أعمال مجلة المجمع ودورها في وضع وتوليد المصطلحات العلمية الجديدة.‏
أما الفصل الثاني فقد تناول جهود مجمع اللغة العربية بالقاهرة في وضع المصطلحات العلمية وتوحيدها، وقد بدأ بلمحة موجزة عن تاريخ المحاولات الأولى لا نشاء هيئات لغوية علمية تشبه المجامع، وعن إنشاء المجمع الحالي والأدوار التي مر بها كما تناول البحث منهجية المجمع في قبول المصطلحات، وكيفية صوغها، كما استعرض بعض قرارات المجمع في أقيسة اللغة وأوضاعها، وقراراته في الترجمة والتعريب كما تناول التوصيات الخاصة بوضع المصطلحات العلمية والأمثلة عليها.‏
والفصل الثالث تناول جهود المجمع العلمي العراقي ومساهمته في وضع المصطلحات العلمية، فتكلم عن المحاولات الأولى لانشاء المجمع، والقواعد التي سار عليها المجمع القديم في وضع المصطلحات وتوليدها. ثم وقف عند أعمال المجمع الجديد ومنهجيته في وضع المصطلحات العلمية واقرارها. وأشار في النهاية إلى عدد من مجموعات المصطلحات العلمية في العلوم المختلفة التي وضعها المجمع وأقرها.‏
أما الفصل الرابع فكان لأعمال مجمع اللغة العربية الأردني وأهدافه ووسائله لتحقيقها، ومنهجيته في وضع المصطلحات العلمية، وجهوده في تعريب كثير من مصطلحات العلوم المختلفة التي تدرس في الجامعات الأردنية، والمنهج الذي كان يتبعه في عملية التعريب. وإفادة المجمع من الحاسوب في تدوين مصطلحاته التي عربها وأقرها.‏
والباب الثالث : تناول الجهود الأخرى غير المجمعية في وضع المصطلحات وتأليف المعاجم العلمية المتخصصة، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى نهايات هذا القرن. وقد انقسم إلى تمهيد وثلاثة فصول.‏
أما الفصل الأول : فكان لإبراز جهود الجامعة السورية (جامعة دمشق) في وضع المصطلحات العلمية وتوليدها، وتأليف المعاجم المتخصصة. وقد تناول جهود أساتذة الجامعة في تأليف الكتب العلمية ووضعهم المصطلحات لهذه التآليف ومنهجيتهم في وضع هذه المصطلحات. كما أشار إلى بعض المشكلات التي يتعرض لها المصطلح، والجهود المبذولة للقضاء عليها. وتحدث عن مجلة (المعهد الطبي العربي) ودورها في وضع المصطلحات العلمية وتحقيقها ومناقشتها. وتناول جهود أساتذة الجامعة في تصنيف المعاجم العلمية مثل ترجمة معجم (كليرفيل) الكثير اللغات وتأليف (معجم العلوم الطبية).‏
وأما الفصل الثاني فكان لاستعراض جهود هيئات ومنظمات أخرى في وضع المصطلحات وتصنيف المعاجم العلمية المتخصصة، فبدأ بجهود وزارة الدفاع السورية التي وضعت (المعجم العسكري) و (المعجم الكهربائي الالكتروني). كما تناول جهود لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية في وضع (المعجم العسكري الموحد) ثم أشار إلى جهود القوات المسلحة المصرية في وضع معجم المصطلحات الفنية). وإلى جهود اتحاد الأطباء العرب، ووزراء الصحة العرب، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في وضع (المعجم الطبي الموحد) وإلى جهود اتحاد المهندسين العرب في وضع (المعجم الشامل للمصطلحات الفنية للهندسة والتكنولوجيا والعلوم...) إلخ ثم أنهى الفصل بخاتمة وتعليق وتقويم.‏
والفصل الثالث تناول جهود الأفراد في وضع المصطلحات وتأليف المعاجم العلمية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى حتى أواخر هذا القرن، فاستعرض جهود خمسة عشر معجمياً كانت أعمالهم ذات أثر فعال في مسيرة وضع المصطلحات العلمية وتصنيف المعاجم العلمية المتخصصة أمثال الدكتور أمين المعلوف والأب أنستاس مارى الكرملي ومحمد شرف ومصطفى الشهابي.... وغيرهم. وأنهي الفصل بإجراء موازنة أو مقارنة بين ثلاثة معاجم طبية حديثة كان القصد منها ايضاح التحول من التعريب أوالاقتراض اللغوي إلى الألفاظ والمفردات العربية الدالة على المفاهيم العلمية. واختتم بملاحظات حول جهود هؤلاء الأفراد وتقويمها.‏
وأما الباب الرابع : فكان بعنوان (سبل توحيد المصطلح العلمي العربي) وسيبحث هذا الباب في الجهود التي قامت بها هيئات ومؤسسات ومنظمات عربية من أجل التنسيق بين المصطلحات العلمية والعمل على توحيدها في الأقطار العربية، وعلم المصطلحات وضرورة تدريسه في المعاهد العليا والجامعات العربية. وقد انقسم هذا الباب إلى تمهيد وأربعة فصول.‏
فالفصل الأول : كان لبحث جهود اتحاد المجامع اللغوية العربية، فمهد بلمحة موجزة عن نشأة الاتحاد، ثم عرض لتوصيات لجنة المصطلحات العلمية المنبثقة عن مؤتمره الأول، كما استعرض الندوات التي عقدها الاتحاد.‏
أما الفصل الثاني : فقد تناول جهود مكتب تنسيق التعريب بالرباط فمهد بلمحة موجزة عن تأسيس المكتب والغاية من انشائه، ثم بين منهجيته في توحيد المصطلحات العلمية ووضع مشاريعه المعجمية. كما بين مفهوم التنسيق والمنهج الذي رسمه المكتب لنفسه في ذلك. وأشار إلى كيفية وضع مشروعات المعاجم المصطلحية العلمية، والوسائل المتبعة في انجاز هذه المعاجم. كما تناول الفصل قضية المكتب وبنوك المصطلحات العلمية، ودعوته إلى انشاء بنك المصطلحات المركزي وتطرق إلى مؤتمرات التعريب والنتائج المتمخضة عنها وتوصياتها وإلى ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلح العلمي، وإلى الدور الذي قامت به مجلة (اللسان العربي) في نشر المصطلحات ومشروعات المعاجم المتخصصة، ثم استعرض الفصل بعض المعاجم التي نشرها المكتب بمؤازرة هيئات عربية أخرى، ثم اثبات نماذج من التباين في تسمية المصطلحات في بعض المعاجم العلمية الموحدة التي شاركت المنظمة العربية للتربية والثقافة في اصدارها.‏
وتناول الفصل الثالث : جهود بعض الهيئات والمنظمات في توحيد مصطلحاتها، فتكلم عن مشروع (راب) لترجمة مصطلحات الاتصالات السلكية واللاسلكية. كما تكلم عن جهود المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس وعن أعمال المعهد القومي للمواصفات والملكية الصناعية بتونس وتكلم أخيراً عن البنك الآلي السعودي (باسم).‏
وتناول الفصل الرابع : علم المصطلحات : تعريفه، نشوؤه، ونموه وتدريسه في الجامعات. كما تناول تجربة معهد بورقيبة في تدريس علم المصطلحات وأشار إلى اهتمام المعهد القومي للمواصفات والمقاييس بتونس بهذا العلم، والدعوة إلى تدريس علم المصطلحات في الجامعات العربية. وأخيراً اختتمت الرسالة بأهم النتائج التي توصل إليها البحث.‏
ومهما يكن من أمر فإن هذا العرض السريع لما انطوى عليه هذا البحث لايتعدى أن يكون - فيما أرى - ملخصاً عرض فيه موضوع الدراسة وخطتها من خلال الأبواب والفصول عرضاً سريعاً. وهو قاصر حتماً عن التعريف المفصل لمحتوى هذا البحث. فلا بد لمن يريد الوقوف على التفاصيل من أن يتأمل كل فصل من فصوله ويقف عند سائر جزئياته وقفة متأنية غير مستعجلة لعله يجد ما يفيد منه في التعرف على الجهود المبذولة من قبل الأفراد والجماعات في ايجاد المصطلحات العلمية العربية وتوليدها، منذ بدايات القرن الماضي وحتى نهايات هذا القرن.فلقد هدف هذا البحث إلى إبراز قدرة اللغة العربية على أن تكون لغة العلوم والفنون تتدفق فيها الحياة كما كانت أيام عزها وازدهارها، فاللغة التي لا تتمكن مفرداتها من الوفاء بمصطلحات العلوم الحديثة مقضي عليها بالجمود والتخلف والموت، وليست لغتنا كذلك.‏
وأستميح القارئ الكريم العذر فأقول : إذا كنت أصبت فذلك المنشود والمأمول، وإلا فحسبي أنني ما كنت لحظة ضنينا في تلمس الصواب وابتغاء سواء السبيل. متمثلاً بما صنع الدكتور حسني سبح حين قال:‏
" ولست أدعي أنني جئت فيما عرضت له بالقول الفصل، وأكبر ظني أنني لو أتيح لي معاودة النظر فيما كتبت لزدت أشياء وغيرت أشياء، إلا أنني أرجو أن أكون بما صنعت قد قدمت خدمة ولو ضئيلة، وأن أكون قد ذللت بعض المصاعب، وفتحت الباب أمام الباحثين الآخرين، لأن الحاجة إلى متابعة العمل وتضافر الجهود ستظل قائمة مادام العلم في تطور ونمو".‏
ولم يكن لي ذلك كله لولا رعاية أستاذي الفاضل الدكتور شاكر الفحام الذي تفضل بالإشراف على هذه الرسالة - على الرغم من ضيق وقته - وأحاطها بعلمه وكرمه وصبره، ولم يدخر وسعاً في تعديلها وتصحيحها، فلقد وجدت في آرائه الرصينة خير مرشد فيما سلكت، حتى استوت على صورتها الحاضرة. فإن اعتراها بعض النقص فعلي وزره، وإن لاقت القبول والرضا فمن بعض فضله، فجزاه الله عني الجزاء الأوفى. وحسبي شفيعاً صدق مابذلت، راجياً من الله تعالى السداد والرشاد في الفكر والقول والعمل.‏
كما أتوجه بالشكر إلى الأساتذة الكرام أعضاء لجنة الحكم لما تجشموه من عناء في قراءة البحث واصلاح ما انآد منه، وإني على ثقة بأن ملاحظاتهم وآراءهم القيمة ستغني البحث وستكون موضع اهتمام وتقدير إن شاء الله.‏
محمد علي الزركان.‏