من "سيدي" ميشال إلى "سيدي" شوفنمان
10-09-2016, 02:15 PM
من "سيدي" ميشال إلى "سيدي" شوفنمان
محمد الهادي الحسني

في الخامس من شهر ماي من عام 1931 وافقت السلطات الفرنسية في الجزائر على تأسيس "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين"، ولو استقبلت فرنسا من أمرها ما استدبرت لما وافقت على تأسيس جمعية تهدف إلى قبر المخطط الفرنسي اللئيم في الجزائر، الذي هو التنصير والفرنسة.
ويبدو أن السلطات الفرنسية رخصت لجمعية العلماء لعدة أسباب هي:

*) ظن فرنسا أن هؤلاء العلماء أعجز عن أن يفكروا أبعد من مسائل فقهية فرعية ستأكل أوقاتهم وجهودهم، وأنهم "قوالون" أكثر منهم "فعالون".
*) دس فرنسا عناصر من "أوليائها" في صفوف هؤلاء العلماء، تستخدمهم إن تطلب الأمر، وهي تعلم أنهم لا يعصون ما يؤمرون، وأنهم سمّاعون لها.
*) اغترار فرنسا بقوتها وطغواها، خاصة بعد احتفالها بمرور قرن على احتلالها الجزائر.. وقمعها الوحشي لكل المقاومات الجزائرية.. وهدوء الشعب الجزائري المؤقت.
*) إعلان الجمعية "الذكي" أنها جمعية "دينية ثقافية غير سياسية"، رغم إيمانها "أن الدين في الإسلام سياسة، وأن السياسة دين" وأن "ديننا يعد السياسة جزءا من العقيدة"، و"أن السياسة نوع من الجهاد"، فـ"نحن سياسيون منذ خلقنا، وما الإسلام الصحيح بجميع مظاهره إلا السياسة في أشرف مظاهرها". (انظر آثار الإمام الإبراهيمي ج4. صفحات 171. و 261. و260).

انقضى عام على تأسيس الجمعية، فأدركت فرنسا أن مؤسسي الجمعية الحقيقيين "غير قابلين للتسخير"، وأنهم مستعصون على الاحتواء، فحركت "جماعتها" في الجمعية للاستحواذ عليها، فخاب كيدهم، وبطل مكرهم، فأوحت إليهم أن أسسوا جميعة ضِرارا، ظاهرها فيه الرحمة، وباطنها كله نقمة، ونسوا أن الله لا يصلح عمل المفسدين... وأنه يبطل كيد الكائدين. "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه، وهو ألد الخصام".
كانت أعمال جمعية العلماء أرشد، وكانت أقوال علمائها أصح دليلا، وأن عزيمتهم أقوى وأمتن، وكان أنصارها يتكاثرون، ورأى الناس أن حجج أتباع فرنسا - وإن تظاهروا بنصرة "الدين" - داحضة، ودعواهم ضد السنة – التي زعموا الدفاع عنها – أوهن فما كان من فرنسا إلا أن عزمت على نفسها للتصدي لجمعية العلماء.. وتمثل هذا التصدي قبيل الحرب العالمية الثانية في:

* منشور ميشال.. (فبراير 1933).
* قرار وزير الداخلية (رينيي) (مارس 1935).
* قرار وزير الداخلية (شوطان) (مارس 1938).

كل أولئك وما تبعه من منع أعضاء جمعية العلماء من إلقاء دروس الوعظ والإرشاد في المساجد، ونفي بعضهم، وسجن بعضهم، وإغلاق مدارسهم ونواديهم، وتعطيل جرائدهم هدفه تحطيم هذه الجمعية، وترهيب أعضائها، ومنع – أو إبطاء – انتشار مبادئها..
كان مما يقتضيه منشور "فرديناند ميشال" منع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من إلقاء الدروس المسجدية. وكان هذا "الميشال" – وفرنسا – أن "يأكل الشوك بفم غيره"، فأمر "أحمد ابن صيام" – رئيس الجمعية الدينية الإسلامية، التي هي تحت إشراف فرنسا – أن يوقع ذلك المنشور.
كان في أحمد ابن صيام بقية من كرامة ومروءة، ونزعه عِرق شرف فأبى أن يمتثل لما أمره به ذلك "الميشال"، فما كان من هذا الأخير أن يقيل أحمد ابن صيام، ويتولى هو شخصيا وهو المسيحي، الممثل لدولة فرنسا اللائكية.. رئاسة "الجمعية الدينية الإسلامية" (!!!).
وقد تساءل الإمام الإبراهيمي عن هذا العمل الأحمق، وعلق عليه قائلا: "وهل في باب النكاية بالإسلام وأهله أبغ من هذا؟"، وأكد أن ذلك "ميراث لاتيني تتسلّمه أمة منهم من أمة". (أثار الإبراهيمي ج3. ص 145).
أما الشعب الجزائري الأصيل – الذي لا يحب فرنسا ولو أطعمته المن والسلوى، وحققت له كل ما نوى – فقد لجأ في هذه المرحلة – قبل أن يصفي الحساب مع ميشال، ورينيي، وشوطان، ودولتهم وخدامها –، لجأ إلى السخرية والاستهزاء من فرنسا إلى حين، فسمى ذلك المسئول الفرنسي الصليبي "سيدي" ميشال...
دعاني إلى تذكير الناسين وتنبيه الغافلين بهذا الـ"ميشال" الذي لم يستح – وهو المسيحي الدين، اللائكي المبدأ – أن يرأس "جمعية دينية إسلامية"، ذكرني به ما أقدمت عليه الحكومة الفرنسية "اللائكية" مؤخرا من تعيين مسؤول فرنسي مسيحي على رأس هيئة تسمى "مؤسسة الدين الإسلامي في فرنسا"، وهذا المسئول الفرنسي، الذي "يضحك" على "السذج منا"، هو: جان بيير شوفنمان، الذي يقولون عنه إنه "صديق" الجزائر، وما هو إلا "جان وصخرة".
وحتى تكتمل "المسخرة" عين في هذه المؤسسة من يزعم الإسلام وهو "على الإسلام"، فهم كما عرفنا بعضهم وقرأنا عن بعضهم "من أسماء الأضداد"، فلا "غالب"، ولا "كمال"، ولا "طاهر"، وجميعهم أسروا الـ"نجوى"، إذ يتناجون بالإثم والعدوان، وشعارهم إرضاء "ماريان" قبل إرضاء الرحمان.
إن في فرنسا مسلمين صادقين، ومن الفرنسيين الأصلاء، أو ممن تجنسوا بالجنسية الفرنسية، فما بال عين الحكومة الفرنسية "حولاء" لا تقع إلا على النطيحة والمتردية، والمنخنقة والموقوذة!!؟، وإذا كان أحدهم له بعض المصداقية، فما ذلك إلا ذرا للرماد في العيون.. لأن بعض الصدق الذي فيه سيغمره عكسه... فعلى طريقة آبائنا نطلق على رئيس هذه المؤسسة اسم "سيدي" شوفنمان، حتى نبدل ونغير ما بأنفسنا، ونصبح مسلمين لا "مسنافقين"، فيغير الله ما بنا، ويتحقق فينا قوله سبحانه وتعالى:
"ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين"..