أسئلة قيمة في الشعر أجاب عنها الشيخ يحيى بن علي الحجوري
12-12-2007, 09:49 PM
أسئلة أبي رواحة الحديثية والشعرية ( الجزء الأول )
أسئلة أبي رَوُاَحـة الحديـثية والشعرية ( الجزء الأول )
للشيخ العلامة / يحيى بن علي بالحجوري
وكانت في ليلة الأحد في 7 / جمادى الأولى / 1424 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال الأول : على ماذا يُحمل وفقكم الله حديث أبي هريرة المتفق عليه : (( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً )) ، وما صحة زيادة : (( فجئت به )) أو قال : (( هُجيت به )) ؟
الجواب : الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً أما بعد :
فالسؤال عن حديث (( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً يريه خيرٌ من أن يمتلئ شعراً )) جاء الحديث عن أبي هريرة وعن ابن عمر وهو في < الصحيحين > والحديث محمول على من استرسل في الشعر حتى شغله عن ذكر الله وعن تلاوة كتاب الله عز وجل وعن تعلم العلم الشرعي النافع ، هذا يكون قد أمتلئ جوفه شعراً ، ويكون قد حُرم من خيرٍ كثير ، وفي هذا الحال يصير جاهلاً بأمور دينه وفي هذا الحال لم يتفقه في دين الله ، فهذا (( لأن يمتلئ جوفه قيحاً خيرٌ من أن يمتلئ شعراً )) ، (( يمتلئ )) ولاحظ معي كلمة (( يمتلئ )) ، أما من كان يقول الشعر وهو مقبلٌ على قراءة القرآن وعلى ذكر الله وعلى تعلم العلم الشرعي ، فإن الشعر مشروعٌ في مثل هذا الحال عند جماهير العلماء ، الشعر الطيب مشروع عند جماهير العلماء ، ولا يتناوله هذه الحديث الذي تقدم ذكره ويكون مهدداً (( لأن يمتلئ جوفه قيحاً خيرٌ من أن يمتلئ شعراً )) هذا في من تقدم ذكره على ذلك المعنى .
أما زيادة (( فجئت به )) فمن حديث جابر بن عبد الله عند أبي يعلى من طريق النظر بن محرز وهو مجهول كما في < ميزان الإعتدال > والحديث مذكور فيه أيضاً في ترجمة النظر ، ولعل لفظة (( فجئت به )) والصواب (( هجيت )) ، فإن بعض أهل العلم أخذ هذه الزيادة وقال : الحديث يحمل : (( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً )) هذا في ما إذا كان يهجي به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أشعار الجاهلية ، وهذا ليس بصحيح والمعنى الذي ذكره العلماء هو الصواب ، وهذه اللفظة التي بنو عليها (( هجيت به )) زيادة ضعيفة فيها مجهول ولفظة (( فجئت به )) الظاهر أنها تصحفت هذا حاصل ما يتعلق بهذا السؤال .
السؤال الثاني : القصيدة المنسوبة في بعض كتب السيرة إلى أبي طالب وهي :
ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية دينا
فما صحة نسبتها إليه ؟
الجواب : هذه القصيدة سندها معضل ، وذلك أن يعقوب بن عقبة يرويها يذكر قصة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعن أبي طالب وهو من أتباع التابعين وسندها معضل لم تثبت ، وقد ذهب بعض المخرفين إلى إثبات إسلام أبي طالبٍ بناءً على هذه القصيدة
ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية ديناً
لولا الملامة وحذارِ مسبةٍ لوجدتني سمحاً بذاك أميناً
هذا ولو صحت الأبيات لكانت دالةً على عدم إسلامه ، لأنه قال :
لولا الملامة وحذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك أميناً
معناه : أنه لم تسمح نفسه أن يتبع دين محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم حذار الملامة ، وحذراً من مسبة قريش وعلى ذلك مات ، مات على الكفر ، أبو طالب مات على الكفر كما في < الصحيحين > من حديث المسيب بن حزن أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أتى وعنده أبو جهل بن هشام وآخر وهو ابن أمية ، فكان يقول له : (( يا عم قل لا إله إلا الله كلمةً أحاج لك بها عند الله )) كلما قال له هذه الكلمة أعاد عليه : أترغب عن ملة عبد المطلب ، قال : فكان آخر كلامه أن قال : هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله ، هكذا في الحديث ، فعبد المطلب مات كافراً وأيضاً قوله وأبى أن يقول لا إله إلا الله ، فعُلم من هذا عدم إسلام أبي طالبٍ ، وفي < البخاري ومسلم > أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له العباس : يا رسول الله ماذا أغنيت عن عمك فقد كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : (( هو في ضحضاحٍ من نار ، ولو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار )) هذا يدل أن أبا طالب مات على الكفر وأنه في النار ، وهكذا ثبت عند < النسائي > وغيره عن عَلِيَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ : أَنّهُ أَتَى النّبِـيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فَقَالَ : يا رسول الله إنّ عمك الشيخ الضال ، زيادة الضال ثابتة قد مَاتَ ، فَقَالَ : (( اذْهَبْ فواره ولا تحدثن شيئاً )) فذهب فواراه ، شاهدنا : إن عمك الشيخ الضال قد مات قال : (( أذهب فواره ولا تحدثن شيئاً )) ، وفي أبي طالبٍ نزل قول الله سبحانه وتعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } وفيه أيضاً نزل سببٌ آخر قال الله سبحانه : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدهٍ وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو له تبرئ منه إن إبراهيم لأواه حليم } .
القصة لم تثبت إلى أبي طالب ، هذه القصة أنه أتى إليه قريش وشكوا على أبي طالب فقال : إن قومك قد أتوا إليَّ فظن أنه سيتركه وأنه سيسلمه إلى قريش وإلى مشركي قريش ، فقال بعد أن أنتهى من كلامة : (( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا ديني لشيء حتى أهلك دونه )) ثم استعبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخرجت عبرته دم دموعه فلما ولى قال : إرجع يا ابن أخي ، ثم قال له : أفعل بدينك ما بدى لك أو نحو هذا ثم ذكر القصيدة ، وقد علمت أنها معضلة يعقوب بن عقبة هذا يذكر القصة وهو من أتباع التابعين .
السؤال الثالث : القصيدة المنسوبة إلى عبد الله بن المبارك رحمه الله التي أرسل بها إلى الفضيل بن عياض رحمه الله ومطلعها :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة نلعب
فما صحة نسبتها إليه ؟
الجواب : القصيدة ضعيفةٌ سنداً ومنكرةٌ متناً ، أما من حيث السند عبد الله بن محمد قاضي نصيبين يرويها عن محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة ، وابن أبي سكينة يذكرها عن ابن المبارك أنه أرسله ابن المبارك إلى الفضيل بن عياض بهذه الأبيات ، ابن أبي سكينة مجهول ، وقاضي نصيبين أيضاً من هذا الباب أو نحو هذا الباب وفيها نكارة في المتن ، اسمع إلى هذه الأبيات :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
ما كان السلف رضوان الله عليهم يُحقرون العبادة ويسمونها لعباً حشا ابن المبارك أن يُسمي الصلاة أو يجعل الصلاة والصيام والقيام في حرم الله على ما تعرفون في فضل الصلاة في الحرم يجعلها لعباً
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
وأيضاً حاشا ابن المبارك أن يتبجح بهذا التبجح وأنه أنك فقط دموعك تتخضب خدودك بماء أما نحن فدموعنا تسير على نحورنا إلى آخره ، أهل العلم قاطبة أرفع من هذا وأبعد من هذا هو يقول : نحن فعلنا كذا أنت فعلت كذا نحن فعلنا كذا وفعلنا كذا ، لا يا أخي هذه الأبيات وهي في < فتح المجيد > ومر بنا حكمها أيضاً ضعيفةٌ سنداً ومنكرةٌ متناً .
السؤال الرابع : القصيدة المنسوبة أيضاً إلى ابن الأمير الصنعاني رحمه الله ، وفيها تراجعه عن الثناء على الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب النجدي رحمه الله ،ومطلعها :
رجعت عن القول الذي قلت في النجدي
هل صحت نسبتها إليه ، وإذا صحت هل يلزم منها وقوع الصنعاني رحمه الله في التشيع أم أن سر تراجع الصنعاني كان مبنياً على كلامٍ من نقلة الوشاة والمغرضين من أمثال مربد الذي كان واسطة بينه وبين النجدي رحمه الله ؟
الجواب : الواقع أن جماعة من أهل العلم يثبتونها ، أما القصيدة فثابتة لكن التراجع الكلام عن التراجع القصيدة ثابتة عن الصنعاني ، إنما الكلام عن التراجع هل ثبت تراجع ابن الأمير الصنعاني عن تلك القصيدة أم لم يثبت ؟
فجماعة من أهل العلم أثبتوها ، ولقد قرأ عليَّ أخونا الفاضل أبو العباس الشحري حفظه الله مبحثاً نفيساً حول هذه القصيدة حرر فيه الأقوال بما حاله أن التاريخ لا يتلائم مع القول بالتراجع وأن تاريخ التراجع مختلف تماماً عن زمن ابن الأمير مما يدل أن < الديوان > مسته يدٌ غير أمينة فأدخلت فيه تراجعاً من قِبل أهل التشيع ، ومما يؤيد هذا أيضاً أن بعض أحفاد ابن الأمير كان شيعياً ، فالناظر في التاريخ يتخذ من ذلك أن التراجع في ثبوته ريبٌ وأيما ريب ، هذا وقد أبان شيئاً من ذلك أيضاً السحمان رحمه الله في جزءٍ حول هذه القصيدة وأبان أن التراجع مكذوبٌ على ابن الأمير رحمة الله عليه ، هذا بعض ما قرأه عليَّ الأخ أبو العباس حفظه الله في مبحثه حول هذه القصيدة ما حاصله أن التراجع غير ثابتٍ والحمد لله .
السؤال الخامس : ما صحة أبيات
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وأنها قيلت عند مقدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة ؟
الجواب : ذكرها الحافظ رحمة الله عليه في < فتح الباري > المجلد السابع وحكم عليها بالإعضال وهو كذلك عبيد الله بن أبي عائشة يذكر القصة وهو تابع تابعي ويذكر قصة حدثت في مقدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنه لما استقبله أهل المدينة ذكرها هذا
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
جئت شرفة المدينة مرحباً يا خير داع
إلى آخره التي يكررها ويرددها الإخوان المسلمون ، الإخوان المسلمون ملفلفون يا أخوان ما هم حول ثابت من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فضلاً عن قصة من القصص فهم حُطَّاب ليلٍ وأشد من ذلك .
السؤال السادس : ما صحة قصة إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى ، ونسبة قصيدة
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ متيم إثرها لم يفد مكبول
وفيها أيضاً في نفس القصيدة
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
فما صحة نسبتها إليه ؟
الجواب : أما بالنسبة للقصيدة فهي في < الآحاد والمثاني > و< الكبرى > للبيهقي فيها مجاهيل مسلسلة بالمجاهيل بمن لا يُعرف حاله ، وقد بنى عليها جماعة من أهل العلم في ثبوت صحبة كعب بن زهير هذا ، حتى قال ابن عبد البر ماحاصله : أنه لا يعلم في ثبوت صحبه إلا هذه القصة ، وإذا كان الأمر كذلك ففي ثبوت صحبته نظر ، فإن القصة لم يثبت وقصيدة بانت سعاد من هذه الطريق المسلسلة بالمجاهيل كما ف < الآحاد والمثاني > وكما في البيهقي في ترجمة كعب بن زهير هذا من الآحاد ، حاصله أن القصة غير ثابتة بما تقدم ذكره .
ومعنى متبول : معناه أنه فقد حبيبته سعاد هذه وأنه قبله صار يهيم وأنه صار مشرد الذهن ومشتت البال وأنه قلبه أيضاً صار فاسداً وصار مشغولاً إلى آخره ، متبول بالتاء والباء والواو .
السائل : بقي بالنسبة للشهرة هل هي تكفي في صحة كتابٍ أو قصيدة أو نحو ذلك ؟
الشيخ : لا بد من النظر في السند ، لا بد من النظر في سندها ، والشهرة قد تشتهر يا أخي كم من حديث اشتهر عن الفقهاء وهو موضوع وكم من حديث اشتهر عند النحويين وهو موضوع وكم من حديث اشتهر أيضاً بين أهل الحديث وفيه إخلاف بين أهل الحديث منهم من يضعفه ، الشهرة لا تكفي ، وقد ألف السخاوي رحمه الله < المقاصد الحسنة فيما اشتهر على الألسنة > لخص منه العجلوني أيضاً في < كشف الخفاء والإلباس فيما اشتهر في ألسنة الناس > وربما زاد عليه بعضه ، فما تكفي الشهرة لا بد من توفر الصحة ما ذكره أهل المصطلح الثابت هو : ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذاً ولا معلاً ، ذكروا شروطاً ستة شروط للصحة ، فمجرد الشهرة ليست من شروط الصحة عند أهل الحديث .
السؤال السابع : اتهم شاعر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حسان بن ثابت رضي الله عنه أنه كان جباناً استدلالاً لما وقع له في إحدى الغزوات من أن امرأة أعطته عموداً ليضرب به رأس يهودي فقال لها : لست لهذا فما صحة هذه الرواية ، وما الرد على هذه الفرية ؟
الجواب : الرواية من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه وهو عبد الله بن الزبير عن صفية بنت عبد المطلب ، ولو فرضنا أنه عن أبيه هو بمعنى عن أبيه الأكبر الأعلى والجد فلا عبد الله بن الزبير ولا عباد بن الزبير سمع من صفية بنت عبد المطلب فالرواية يظهر منها الانقطاع لم نر من أثبت روايت عباد هذا ولا رواية عبد الله بن الزبير من صفية مع أنه يقول : كان معها فما رأينا ، هذا وقد بنا عليهاكثيرٌ من الذين ترجموا لحسان رضي الله عنه بنو عليها هذا الحكم الذي ذُكر ، وفي هذا قال بعضهم أنه كان من الشجعان ومن الأبطال طرأ عليه مرضٌ فحصل له من ذلك بناءً على هذه القصة ، وإذا لم تثبت القصة فينبغي الابتعاد عن هذا الوصف لصحابي شهد مغازي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبقي أيضاً أنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم الجبان ما يستطيع ينافح (( اهجهم وروح القدس معك )) ويقول :
هجوت محمداً فأجبت عنه ، يقول هذا لمن ؟ لأبي سفيان قبل أن يُسلم ، يقول هذا لصناديد قريش
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ
فإن أبي ووالده وعرضي بعض محمدٍ منكم وقاءُ
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء
فلو كان كما ذكروا لخاف أن يهجو أولئك الأبطال ما يستطيع يقول مثل هذا الكلام على أنه اشتهر في كتب التراجم اعتماداً على هذه القصة وفي النفس في ثبوتها شيءٌ كما سبق بيانه .
السؤال الثامن : ما حكم مناداة الزمان يا يوم كذا يا شهر كذا ، وما حكم نسبة الشر إليه أي إلى الزمان وإلى الدهر ، وخاصة أن هذا موجود وبكثرة في كلام الشعراء ومن ذلك قول أبي ذُئيب الهذلي :
وتجلدي للشامتين أريهمُ أني لريب الدهر لا أتضعضعُ
فنسب الريب للدهر ، وقد جاء في كتاب الله عز وجل { في أيامٍ نحسات } وجاء فيه أيضاً { في يوم نحسٍ مستمر } نرجو أن تذكروا لنا ضابطاً يُجلي هذه المسألة ؟
الجواب : مناداة الزمان يقول يا زمان أغثني أو يا يوم أنقذني أو يا شهر رمضان أكرمني أو ما إلى ذلك فهذا ما يجوز { ومن يدعو مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون } { وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين } { أدعو ربكم تضرعاً وخفيه إنه لا حب المعتدين } .
هذا دعاء لغير الله شركٌ ، إذا نادى الزمان يستغيث به .
وأما نسبة الشر إلى الدهر فيه تفصيل (( يؤذني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار )) ففي نسبة الشر إلى الدهر كأن يقول هذا دهرٌ سيئ سواء دهرٌ أو يومٌ أو شهرٌ ويعني بذلك أن الله هو الدهر ويقصد بذلك سب الله سبحانه وتعالى أو يقصد بذلك أن الدهر هو الذي أحدث ذلك الشر هذا شركٌ بالله سبحانه إذا عنى أن الدهر هو الذي أحدث ذلك الشر أو أحدث ذلك البرد أو أحدث ذلك القيض إلى آخره هذا شركٌ بالله سبحانه ، فإن كان يتسخط ويقول دهرٌ نحس أو شهرٌ حر أو شهر حصل فيه قيض أو يوم حصل فيه بردٌ ما باب الإخبار جائزٌ ، وإن كان بقصد التسخط على أقدار الله فهذا لا يجوز محرم قال الله { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } { إنا كل شيءٍ خلقناه بقدر } { وخلق كل شيء وقدره تقديراً } ، وقول الله عز وجل { في أيام نحسات } من باب الإخبار بما فيها { في يوم نحسٍ مستمر } أو كان من هذا من باب الإخبار ويستدل به أنك إن قلت الليلة باردة الليلة حصل بردٌ خبر ما فيه شيءٌ اعتراض للقدر ولا فيه سبٌ للدهر ولا إضافة الشر للدهر أنه خلق الشر ، أو كذلك إذا قلت هذه سنةٌ مجذبة من باب الإخبار نحو ما تقدم من حيث أنه لا بأس به ، فعلى ذلك المنوال في هذه المسألة .
أما قول أبي ذُئيب
وتجلدي للشامتين أريهمُ أني لريب الدهر لا أتضعضعُ
يعني لما يحصل في الدهر من الريب خبر لما يحصل فيه من الأمور ومن المشاكل ومن القلاقل ، فيبدو لي والله أعلم أن قول أبي ذُئيب هذا ما فيه ما يُخالف العقيدة الصحيحة هذا الذي ظهر لي الآن .
السائل : هل هذا من هذا الباب ما نُسب للشافعي
دع الأيام تفعل ما تشاء ؟
الشيخ : ونحو هذا أيضاً على أنه ينبغي تركها
دع الأيام تفعل ما تشاء ، والديوان منسوب للشافعي وفي نسبته إليه نظر .
السؤال التاسع : لما أنزل الله تعالى { والشعراء يتبعهم الغاوون * أم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون * وأنهم يقولون مالا يفعلون * } جاء حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبكون ويقولون : قد علم الله أنا شعراء فأنزل الله { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلموا } فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( أنتم )) فما صحة هذه القصة ؟
الجواب : هي مذكورة في < تفسير ابن جرير > أشار إليها صاحب < الدر المنثور > بعض أسانيدها مقاطيع وبعض أسانيدها فيها مجاهيل ، لذا لم يذكرها شيخنا رحمة الله عليه في < الصحيح المسند من أسباب النزول > لما سبق ذكره .
السؤال العاشر : رأيت في بعض كتب الأدب حديثاُ في ترجمة عنترة بن شداد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال فيه : (( ما وُصف لي أحدٌ فأحببت أن أراه مثل عنترة )) فما صحة هذا الحديث ؟
الجواب : لا أعرف صحة هذا الحديث ولا أعرف ثبوت هذا الحديث ولا أراه ثابتاً وليس حتى في الكتب الستة المتداولة فيما يبدو والله أعلم .
السؤال الحادي عشر : ما صحة حديث أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في أمية بن أبي الصلت : (( آمن شعرك ولم يؤمن قلبك )) وفي لفظٍ (( آمن لسانه وكفر قلبه )) ؟
الجواب : الثابت في < الصحيحين > من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : (( أصدق كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيد ، لبيد بن ربيعة صحابي رضي الله عنه ، ألا كل شيء ما خلى الله باطلُ ، قال : وكاد أمية بن أبي الصلت أن يُسلم ، هذا في < الصحيحين > ، أما الحديث بهذا اللفظ فقد ذكره ابن كثير في < البداية والنهاية > وقال : لا يعرفه ، وذكره ابن عساكر في ترجمة أمية بن أبي الصلت هذا من < تاريخه > وفي سنده أبو بكر الهذلي قال النسائي : ليس بثقة ، فالحديث الثابت هو الذي في < الصحيحين > أما الذي فيه (( آمن شعره ولم يؤمن قبله )) فضعيف جداً كما سبق .
السؤال الثاني عشر : رأيت على واجه بعض كتب اللغة حديث (( تعلموا العربية وعلموها الناس )) فهل رأيتموه في بعض الكتب المسندة ؟
الجواب : لا أعرفه في بعض الكتب المسندة ولا أعرف له إسناداً ولا أصلاً صحيحاً .
السؤال الثالث عشر : ما صحة حديث (( أمرو القيس حامل لواء الشعر إلى النار )) ؟
الجواب : هذا الحديث في < مسند أحمد > وهو من طريق صبيح بن عبد الله وهو ضعيف ، وله طريقٌ أخرى ذكرها الذهبي في < الميزان > ترجمة محمد الصلصال كذاب ، وكان متهماً بشرب الخمر ومتهماً بالزوز ، وقد ذكروه في < الموضوعات > فهو موضوع ، وذلك الحديث الذي فيه ضعيف لا بد على أنه ليس بموضوع بل حكموا عليه بالوضع
السؤال الرابع عشر : يستشهد بعض النحاه بحديث (( نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه )) فما صحة هذا الحديث ؟
الجواب : هذا الحديث ذكره الشوكاني رحمه الله في < الفوائد المجموعة > بل جل من ألف في < الموضوعات > ذكر هذا الحديث ، وفي < السلسلة الضعيفة > قال الشيخ الألباني رحمة الله عليه : لا أصل له ، إنه موضوع ومن أحب أن ينظر طرقه ينظر موسوعة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، (( نعم العبد )) في هذا الموضع أشار إلي الذين ذكروه في < الموضوعات > لا أصل له .
السؤال الخامس عشر : استشهد بن هشام في < قطر الندى > على صحة لغة حميَّر بحديث (( ليس من أمبر أمصيام في أمسفر )) فما صحة هذا الحديث بهذا اللفظ ؟
الجواب : الحديث المتفق عليه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (( ليس من البر الصيام في السفر )) على اللغة المشهورة ، أما على لغة أهل حميَّر (( ليس من امبر امصيام أمسفر )) فهذا الحديث لا أصل له بهذا اللفظ إنما يذكرونه ، وأيضاً يستشهدون على لغة حميَّر
ذا حبيبي وذو يواصلني يرمي ورائي بامقوس وامسلمة
لو استشهدوا بالبيت كان يكفي ، أما الحديث فلا ينبغي أن يأتوا بحديث مكذوب ما له أصل ثم يضيفونه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما تكلم به ما له أصل .
السؤال السادس عشر : ما صحة حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن تناشد الأشعار في المسجد ؟
الجواب : من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وجده على الصحيح عبد الله بن عمرو بن العاص جده الأعلى وإلا لو أردت أن حيث الجد الأدنى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، عمرو بن شعيب أبوه شعيب وجده محمد ستكون انقطاعاً في هذه السلسلة قد خاض السيوطي رحمة الله عليه في < التدريب > في هذه السلسلة وبيان هذه السلسلة على أنه قد أتى التصريح في بعض المصادر الثابتة في هذه السلسلة ويعتبرها الذهبي رحمة الله عليه في < الموقظة > من أحسن طرق الحسن على أنه جاء التصريح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص وهي إذا كان الأمر كذلك فجمهور العلماء على حسنها فالحديث حسن وهذه السلسلة حسنة إذا ثبتت إلى عمرو بن شعيب ، شعيب الكلام فيه ما فيه توثيق من معتبر في < التهذيب > وفي المصادر لكن هذه السلسلة متلقاةٌ بالقبول عند أهل العلم لا لأنهما يعني مجرد التلقي يكفي إنما هذه سلسلة مع التوثيق الحاصل قبول جمهور العلماء لها مثل ابن حبان وبعض المتساهيل بالتوثيق ، فبقل هذا كما سبق والحديث حسن أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن تناشد الأشعار في المسجد ، وهو محمول كما يقول البيهقي عن الأشعار الماجنة البطالة البذيئة التي كان يعملها الجاهلية ، أما الأشعار التي فيها نفاحٌ عن دين الله وعن كتاب الله وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه هجاء للباطل وأهل الباطل فيها حماية { والشعراء يتبعهم الغاوون * أم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين آمنوا } انظر الاستثناء الآن { وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلموا } فيه ثناءٌ على من توفرت فيه هذه الصفات { آمنوا } توفر فيه الإيمان والعمل الصالح وذكر الله سبحانه لم يشغله الشعر عن ذكر الله { ذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظُلموا } انتصار للحق فإذا توفر هذا فالشعر محمودٌ في المسجد أو في غيره ، وحسان بن ثابت نصب له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسجد قال : (( روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم اهجهم وروح القدس معك )) وقام حسان يُنافح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحو ذلك الشعر الذي سبق بيانه ، وهكذا ابن رواحة بل إن عمر بن الخطاب اعترضه لماذا ينشر الشعر ، قال : قلته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ومن حديث جابر بن سمرة قال : لقد رأيت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أكثر من مائة مرة وأصحابه في المسجد يتناشدون الشعر ويذكرون شيئاً من أمور الجاهلية فيضحكون ويتبسم ، وهكذا ابن رواحة رضي الله عنه يهجو الكفار في الحرم
حلو بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
قال له ابن الخطاب تقول الشعر يا ابن رواحة في حرم الله هذا دليل حرم وبين يدي رسول الله قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( دعه يا ابن الخطاب لهو أشد عليهم من وقع النبل )) هذا يدل على جواز الشعر الحسن الشعر الطيب الشعر الذي فيه نصر لكتاب الله ودينه شعر الحق أنه جائزٌ في المسجد وفي غيره كما يقول البيهقي رحمة الله عليه وأن الحديث إنما حُمل على الشعر الماجن أو على الشعر البطال أو على الشعر الذي فيه البعد عن الحق والوقيعة بأهل الحق أو نحو ذلك .
السؤال السابع عشر : ما صحة هذه القصة أن عبد الله بن رواحة أنشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبياتاً منها :
فثبت الله ما آتاك من حسنٍ تثبيت موسى ونصراً كالذي نُصروا
قال : فأقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوجهه متبسماً وقال : (( وإياك فثبت )) .
الجواب : القصة مذكورة في < طبقات ابن سعد > وفي < سير أعلام النبلاء > من طريق مُدرك بن عمارة وهو مجهولٌ روى عنه جماعة ولم يوثقه معتبر فهي غير ثابتة بهذا السند .
السؤال الثامن عشر : ما صحة هذه القصة أن نابغة الجعدي أنشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبياتاً منها
تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا
سقيناهم كأساً سقونا بمثله ولكننا كنا على الموت أصبرا
إلى أن قال :
بلغنا السماء جوداً ومجداً وسؤدداً وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراً
فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (( أين المظهر يا أبا ليلى ؟ )) فقال : الجنة ، قال : (( فلا فض فوك )) ؟
الجواب : مذكورة في < كشف الأستار > للهيثمي وفيها مجهول وضعيف أما المجهول فهو ابن جراد وأما الضعيف فهو الأشدق بهذا ضعفها الهيثمي في < مجمع الزوائد > بالأشدق فهي ضعيفة .
السؤال التاسع عشر : ذكر أهل التفسير عند قوله تعالى : { وأنهم يقولون ما لا يفعلون } هذه القصة وهي أن عمر ابن الخطاب استعمل النعمان بن عدي بن نظلة على ميسان في أرض البصرة وكان يقول الشعر فقال :
من مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقي في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر أسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم
فلما قدم على عمر قال له قد بلغني قولكم وأيم والله إنه ليسوءني وقد عزلتك ، فقال : والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط وما ذلك الشعر إلى شيء طفح على لساني ، فقال عمر : أظن ذلك ولكن والله لا تعمل لي عملاً أبداً وقد قلت ما قلت ، فلم يذكر أنه حده على الشراب ، والسؤال من شقين : الشق الأول : ما صحة هذه القصة ؟ والشق الثاني : أختلف أهل العلم في الشاعر إذا اعترف في شعره ما يستوجب حداً هل يُقام عليه الحد ؟ على قولين : فأي قولٍ منهما ترجحون فلماً بأن صاحب < أضواء البيان > جنح إلى القول بأنه لا يُحد ولكن يستوجب الملامة والتأديب استدلالاً بالآية والقصة فما هو الحق في ذلك ؟
الجواب : والله الذي يظهر لي أن القصة فيها نكارة ويذكرونه في أسانيد ملفلفة هكذا في بعض كتب التفسير فكتفينا بالنكارة فيها ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول كما في < الصحيحين > من حديث أبي هريرة : (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )) ، قال الحافظ رحمه الله عند هذا الحديث : الحديث دالٌ على أن من تكلم بسوء له غنمه وعليه غرمه المعنى ،هذا يدل على أن من تكلم بشعر أو بغيره سواءٌ قذف أو سواءٌ أفترى أو ما إلى ذلك أنه يؤخذ به ، ومما يؤيد هذا القول أنه قد جاء عن عمر بن الخطاب في قصة الزبرقان بن بدر حين هجاه جرول بن مالك الحطيئة ، هجاه بأبياتٍ ظاهرها عدم الهجاء قال :
دع المكارم لا تسعى لبغيتها وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فجاء الزبرقان يشكوه على عمر بن الخطاب ، قال : ما أراه إلا مدحك قال : لا إنه هجاني ، فدعوا حسان يحكم بالقضية لمعرفته الشعر قال : يا أمير المؤمنين ما هجاه ولكنه سلح على رأسه ، ومع هذا جاء عن عمر رضي الله عنه أنه أراد قطع لسان جرول بن مالك بما حصل له من هجاء للمسلمين ثم بعد ذلك افتداه وأعطاه بعض المال على أنه يكتم يكف عن أعراض المسلمين ، هذا يدل على أن عمر ما سامحه في أعراض المسلمين فقط أنه لم لما قال : دع المكارم ، ولو رماه أيضاً بفرية لأقام عليه الحد ، إنما هذا مجرد سبٍ ومجرد طعن ليست بفرية ، أنت الطاعم الكاسي عبارة من الذين يطمون ويكسون وينفق عليهم وبعبارة أنهم جالسون في البيوت لا قدرة لهم على الاكتساب والقيام بشؤون الناس وعبارة عن عالة على غيره ، فهذا ما فيه فرية وما فيه كذلك ما يستلزم الحد هذا الذي يظهر والله أعلم ، نكارة هذه الأبيات ، وأما قول الشنقيطي رحمة الله عليه أنه ما فيه حد فأنا لم أنظر قوله ولكن هذا الذي ظهر لي ، فهو عليه الحد إذا ظهر منه ما يستوجب الحد مثلاً قال في شعره فلانه زنت لابد من أن يأتي بأربعة شهداء وإلا يجلد ، أو كذلك ما يتعلق بهذا ، أما من حيث أن الشعراء قد يُبالغون في الكلام ويقلون بعضهم أعذبه أكذبه وقد تسمعهم يقولون بكينا على أولئك بحاراً على موت فلان أو كذا ربما لو اجتمع منهم مائة يبكون سواء ويصبون دموعهم على علبة صلصة ما أمتلئت علبة الصلصة لكن مبالغة الشعراء يُغض الطرف فيما يتعلق بهذا ، حذاري حذاري من رمي الناس بالباطل أو من الكذب أو من المجازفة وملازمة العدل في القول مأمور في ذلك في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والشعر من القول الله يقول : { وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى } ويقول : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربون } لا بد في ملازمة العدل في القول وفي سائر الأعمال ومن ذلك الشعر .
السؤال العشرون : ما صحة حديث : (( الشعر بمنزلة الكلام ، حسنه كحسن الكلام ، وقبيحه كقبيح الكلام )) علماً بأن الألباني رحمه الله في < الصحيحة > حكم عليه بالصحة بينما قال البيهقي في < السنن الكبرى > وصله جماعة والصحيح عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرسل فما الصواب في ذلك ؟
الجواب : حكم المتقدمين على الأحاديث إذا حكم عليه إمام بالإرسال معناه أنه اطلع على علة فيه ، فإذا حكم عليه البيهقي بالإرسال البيهقي حافظ من الحفاظ بلا شك فبقي أن ظاهر السند مجرد ما يُرى في ظاهر السند يُعاد إلى العلة الخفية ، الإرسال قد يكون من العلل الخفية فقول الحُفاظ مقدم ، ويُحتاج إلى نظر أيضاً هل حكم على طريق واحدة بالإرسال ، إذا كان من طريق واحدة فما حكم عليه الشيخ الألباني رحمه الله من طريق أخرى فالقول قول الشيخ الألباني رحمة الله عليه ، وإذا كان حكم على أصل الحديث أنه مرسل فإن هذا من باب العلل التي اطلع عليها المتقدمون وقولهم مقدم لحفظهم ولمكانتهم في ذلك .
السؤال الحادي والعشرون : أخرج الإمام أحمد في < مسنده > من حديث الأعشى أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشكو زوجته ويقول :
يا مالك الناس وديان العرب أني لقيت ذربة من الذرب
وهن شر غالبٍ لمن غلب
فما صحة هذه القصة ؟
الجواب : القصة في ترجمة الأعشى وقد مرت بينا في < ضعيف المفاريد > ليس له هذه القصة الضعيفة فيما مر
يا مالك الناس وديان العرب أني لقيت ذربة من الذرب
غدوت أبغيها الطعام في رجب فخلفتني بنزاع وهرب
اخلفت العهد ولطت بالذنب وهن شر غالب لمن غلب
فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يردد : وهن شر غالبٍ لمن غلب ، فيها مجولان أحدهما صدقة بن طيلسة فيكفي في ضعفيها هذا .
السائل : وفي ختام هذه الأسئلة نرجو منكم وفقكم الله نصيحة في الذين يطعون في إخواننا الشعراء المدافعين عن هذه الدعوة المباركة فيستهجلون ما يقومون به من جهودٍ فاعلة بدعوى أنهم شغلوا أنفسهم بالشعر أو أن ليس لهم زادٌ من العلم إلا الشعر ، ومن ذلك من قد يقال عن هذه الأسئلة أنها أخذت وقتاً كان غيرها أولى منها ، فنرجو نصيحةً لأمثال هؤلاء ؟
الشيخ : لا أبداً بل إن أهل السنة يعرفون ويشجعون من له قدرات خيرية ، فيشجعون من له قدرة على الشعر أن يقول الشعر في الحق وأن لا يُشغل عن ذكر الله عن ما سبق بيانه ، ويشجعون من له قدرة على أي فن من الفنون العلمية الشرعية على ما هو عليه من الخير ، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينصب الكرسي لحسان رضي الله عنه ويقول : (( روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجب عني يا حسان )) الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يقول الشعر { وما علمناه الشعر وما ينبغي له } ، فما كان يقول الشعر فهو ربما جاءت قصيدة من بعض المشركين يحتاج إلى أن يُجيب عنها الشعراء ، كان يُجيب عنها مثل حسان بن ثابت وابن رواحة وكعب بن مالك وأمثال هؤلاء الشعراء وهؤلاء هم من أشهرهم في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولا أعلم أحداً يقول : إن إخواننا الشعراء قد ضيعوا أوقاتهم هذا كذبٌ ، الشعراء هنا في دار الحديث مدرسون وخاصة هنا في دار الحديث في من أهل السنة مدرسون وبعضهم محققون وكذلك خطباء وبعضهم عنده اتقان على عدة فنون من العلم الشرعي ما أمتلئ جوفه بالشعر وإنما إذا دعت الحاجة لنفاحٍ عن حق ولبيان باطل قام ونظم في ذلك وهذا ليس بجديد بل إنه قديم من زمن سلفنا رحمة الله عليهم سواء من شعر الرثاء أو غير ذلك ، فمندل بن علي العنزي لما مات رثاه أخوه حبان بن علي العنزي قال :
عجباً يا عمرو من غفلتنا والمنايا مقبلات عنقاً
قادمات إلينا مسرعة يتخللن إلينا الطرقا
فإذا أذكر فقدان أخي أتقلب في فراشي عرقاً
وأخي أيُ أخٍ مثل أخي قد يرى في كل شيءٍ سبقاً
وهو محدث أيضاً وإن كان ضعيفاً ويقول الشعر ، بل إن البخاري قال بيتاً في الدارمي رحمة الله عليه قال :
إن تبقَ تفجع بالأحبة كلهم وفناء نفسك لا أبا لك أفجع
الإمام البخاري قال هذا البيت لما مات الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي رحمة الله عليه وهو يحبه ، هكذا أيضاً والد الإمام ابن كثير رحمه الله يصفونه أنه كان شاعراً وأنه كان خطيباً وإنه أنشد من أبياتٍ له وذكر بعض الأبيات لوالده ، وهكذا ابن المبارك شعره كان معروفاً بالشعر الحسن ويذكرونه إليه :
يا جاعل العلم له بازيا يصطاد به أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها بحيلةٍ تذهب بالدين
أين رواياتك فيما مضى عن ابن عون وابن سيرين
أين رواياتك في سردها ترك أبواب السلاطين
إن قلت أكرهت ذا باطلٌ زل حمار العلم في الطين
في بعض طرقها ضعفٌ وقرأ علينا بعض إخواننا مما يدل على ثبوتها ، وهكذا ابن حزم رحمة الله عليه رد في قصيدة على بعض أهل الزيغ والهوى على الأرميني قال ابن كثير في ترجمته : أرجو أن يغفر الله له في هذه القصيدة ، وهكذا ابن الوزير أيضاً كان من الشعراء كان يقول وهو محدث وفقيه ولم تنجب بلادنا اليمنية مثله فيما يذكر شيخنا رحمة الله عليه :
فحينا بطود تمطر السحب دونه أشم منيف بالغمام موزر
وحينا بشعب بطن واد كأنه حشا قلم تمسي به الطير تصفر
أجاور في أرجائه البوم والقطا فجيرتها للمرء أولى وأجدر
هنااك يصفو لي من العيش ورده وإلا فورد العيش رنق مكدر
ولا عار أن ينجو كريم بنفسه ولكن عارا عجزه حين ينصر
فقد هاجر المختار قبلي وصحبه وفر إلى أرض النجاشي جعفر
، وهكذا ابن الأمير الصنعاني له ديوان في الشعر ، وكم تعدد وكم تعدد ، ابن المبارك من شعره ذلك أنه كان يقول :
وطارت الصحف في الأيدي منشرةً فيها السرائر والأخبار تتطلع
فكيف سهمك والأنباء واقعةٌ عما قريب ولا تدري بما تقع
أفي الجنان فوز لا انقطاع له أم في الجحيم فلا تبق ولا تدع
تهور بصاحبها طوراً وترفعهم أذا رجو مخرجها من غمها قمعُ
طال البكاء فلن يرحم تضرعهم كلا ولا رقة تغني ولا جزعُ
لينفع العلم قبل الموت عالمه قد سأل قوم بها الرجعى فما رجع
وأبيات :
رأيت الذنب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وهل افسد الدين إلا الملوك وأخبار سوء ورهبانها
لأبن المبارك أيضاً إلى آخر ذلك يطول ذكر الشعر والشعراء بما تعلمونه ، وما يعذب أيضاً من الشعر شعر حافظ حكمي رحمة الله عليه شعر طيب نظم في العقيدة نظماً سلساً طيباً جداً ، وهكذا منظومة ابن أبي زيد القيرواني المقدمة نظمها ذلك صاحب الإحساء فيه بيان العقيدة الصحيحة ، وهكذا أيضاً نظم الشيخ أحمد النجمي حفظه الله شاعرٌ مُجيدٌ يقول شعراً نفيساً ينافح فيه عن دين الله وعن السنة ، وهكذا أيضاً الشيخ زيد بن هادي يقول الشعر وغالب تدويناته يدونها شعراً فلا ينبغي لأحدٍ أن يطعن في سني شاعر يا أخي ، إنه يُحتاج إلى السني الشاعر ويحتاج إلى السني العالم ويحتاج إلى السني المحدث والسني الفقيه والسني العاقل ما يستغني عن سني أيداً ما دام على السنة فهو على خيرٍ كثير ، إنما أهل الهوى يُذمون ويمقتون أهل البدع والحزبيات والخرافات .
سائل يقول : أتباع أبو الحسن ( أبو الفتن ) هم الذين يطعنون في شعر أهل السنة ؟
الشيخ : ما يُبالى بهذا هذا يتعارض مع القرآن ومع السنة ومع فعل سلفنا رضوان الله عليهم الذي يطعن في هذا إنما الكلام في الذي يُضيع وقته ، يا أخي الذي يُضيع وقته بغير الشعر في الشوارع أو يُضيع وقته في المقاهي أو يُضيع على النوم هذا ما هو محمود عندنا ما نحب من أحد أ، يُضيع وقته أبداً ، في غير شيء غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس بمضيعة علم كتاب الله وسنة رسوله لا من شاعر ولا من غيره ، ورب أحدٍ من الشعراء ينظمها في ربع ساعة وينفع الله بها ويدافع عن الحق .
هذا حاصل ما يتعلق بهذه المسألة سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .