المكتبة المدرسية مؤسسة المطالعة
30-10-2016, 09:15 PM
المكتبة المدرسية كمؤسسة للقراءة
***
القراءة أو المطالعة ملكة نربيها و ننميها في الأطفال و التلاميذ بالمدرسة كما يُربى الرضيع و يُنمى في الأسرة ، و المكتبة المدرسية هي الوسيلة (أو المؤسسة) الكفيلة بهذه المهمة النبيلة ، و قد كان لنا في الطفل الجزائري محمد فرح ابن عاصمة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (قسنطينة) في الأيام القليلة الماضية الدليل القاطع على أهمية آلية القراءة في اكتساب العلم و تلقين القيم و تربية النشء ، و أقدم هنا مقتطفا من موضوع طويل عن المكتبة المدرسية ، يجلي دورها العظيم في هذا الشأن ، كمساهمة متواضعة في تشجيع مدارسنا و مسيريها على الأخص في الاهتمام بها :

تنظيم المكتبة المدرسية:

إن تنظيم المكتبة المدرسية و تسييرها اليومي ؛ هو عمل أبعد من أن يكون مجرد عملية روتينية أو مجرد إجراءات إدارية متمثلة في تسجيل الكتب و جردها، أو إعداد البطاقية ..إلخ ،و لكن التنظيم الناجع للمكتبة و التسيير المحكم لها هو عملية تربوية و فنية،شأنها العطاء بين القراء و المترددين عليها بأسلوب يحقق الأغراض التي تتشكل خارج المكتبة، عند التلاميذ و الأساتذة باعتبار المكتبة المدرسية أداة تعليم و تربية و توجيه،و يمكنها القيام بما لديها من إمكانيات بإعادة تنظيم أفكار الوسط المدرسي المشوش بالتيارات الفكرية المتنوعة، و صياغته في قالب فكري وطني ناصع، على مستوى التلاميذ والأساتذة على السواء، و بالأخص في المرحلة الثانوية التي تزدحم فيها الأفكار و التصورات ، و المتناقضة أحيانا ، باعتبار الثانوية محطة تنزل فيها كل الأفكار الرائجة في الجامعات، عن طريق الأساتذة القادمين منها، من جهة و من جهة أخرى، طموحات التلاميذ المقبلين على الانتقال إلى الجامعة، تزامنا مع تفتح شخصياتهم و تبلور أفكارهم ، فهي (الثانوية)، مرحلة حاسمة من التعليم ، يجب الاهتمام بها كثيرا ، ليس على مستوى البرامج المقررة فقط و لا من حيث التكفل بالجانب النفسي عن طريق مستشار التوجيه المدرسي فحسب، و لكن يجب الاهتمام بمصادر تثقيف المراهقين و حسن انتقاء المراجع و الكتب التي تخدم فيهم الوسطية و الاعتدال و حب الوطن، و لا يقدم هذه الخدمة إلا المكتبة المدرسية ، التي لها نظام تربوي متخصص، و تقع مسؤولية النهوض بهذه المهمة على المدير و سائر الأساتذة ، خاصة ذوي الأدبيين منهم.
و المكتبــة التي يلقى على عاتقها هذا الهـم الثقيـل ، يجب أن تحظى بالاهـتـمام الكبيــر و التنظيم المحكم و التسيير السلس، لتسهل عملية القراءة و تتسع دائرتها بين التلاميذ و حتى بين المدرسين، و يبدأ حسن التسيير من كيفية عرض الكتاب و تقديمه للتلميذ، فليس هناك كتاب يعلن عن نفسه إن لم نعرف به و نقدمه بنوع من التشهير، للترغيب في قراءته، والأستاذ أول مسؤول على هذا العمل ، إذ يمكنه استغلال الح صص العملية في التعريف بالكتب الجيدة و المناسبة لتطلعات التلاميذ في المعرفة و التربية ، كما أن للسيد نائب المديرللدراسات مسؤولية كبيرة في التعريف بمحتوى المكتبة عن طريق إعلانات خاصة بالكتب في الأماكن التي تستقطب العدد الكبير من التلاميذ و حتى للأساتذة في قاعتهم للتعريف بها و االتشجيع على قراءتها، زيادة على التصنيف الجيد في المكتبة و تسهيل وصول التلاميذ و الأساتذة إلى كل الكتب دون استثناء.
و يتميز دور المكتبة المدرسية عن المكتبات العامة بأنها تربوية بالدرجة الأولى، لذا يجب مراعاة و تعزيزالجانب الوطني الممتدة جذوره م ن أصالتنا العربية الإسلامية، دون أن يدفع ذلك إلى إقصاء الثقافات الأجنبية ، التي تخدم ثقافتنا و لاتتعارض مع قيمنا و تراثنا الحضاري .و ينبغي استغلال التفتح على الثقافات الأجنبية لمساعدة النشء على التفتح بإيجابية على الفنون و الثقافات الأخرى في العالم المحيط بنا ،تحصينا له من الإنبهار بها و الوقوع في شراكها و التنكر فيما بعد لأصالته من جهة، و لإخراجه من قوقعته وإنقاذه من آفة التعصب و الانكماش على الذات من جهة أخرى.
و لا بأس بعد توطيد علاقة التلاميذ والأساتذة بمكتبتهم ، أن تعزز تلك المبادرات التحفيزية بإجراءات نظامية من شأنها تسهيل الاستعارة والحفاظ على حرارة إقبال الجميع على المطالعة، فإن سوء المواظبة في فتح المكتبة أمام جمهورها وسوء الاستقبال يؤدي إلى النفور و الابتعاد عنها ،و بالتالي تضعف المطالعة فيها .

فــرز الكـتـب:

و هي إحدى العمليات التنظيمية لممتلكات المكتبة ، ففيها يقوم المكتبي بفرز الكتب و ترتيبها حسب الموضوعات و التخصصات في أجنحة قريبة من التناول، و للاطلاع عليها بسهولة ، ويستحسن اتباع التسلسل الرسمي للمواد، و الموضوع من قبل الوزارة، فتظهر المواد الأدبية متجاورة تنسيقيا ثم العلمية ثم الدوريات و النشريات الأخرى، دون خلط بين الكتب و المواد كي لا يؤدي إلى إرباك الزائر و إضاعة وقته في البحث عن مراده،كما يتعب المكتبي و يعسر مهمته في المراقبة و المتابعة لحركة الكتب محافظة عليها من الضياع. و من الوسائل المشجعة للتلاميذ على المطالعة كذلك حسن عرض الكتب و في صورة أنيقة جذابة ، سواء على الرفوف أو في الخزانات، التي يستحسن أن تكون ذات أبواب زجاجية شفافة يمكننا رؤية ما بداخلها من العناوين ،بالإضافة إلى إلصاق قوائم كتب كل خزانة على وجهها بخط بارز، مساعدة للقارىء في الوصول بيسر إلى كتابه، و تشجيعا لمن لا فكرة ولاكتاب في ذهنه على اختيار ما يقرأ بكل بساطة .
إن هذا الأسلوب في فرز الكتب و تنسيق عرضها في المكتبة يساعد المؤسسة على مراقـبتهــا و تقييمها و مراجعتها عند التجديد و الإثراء، بالإضافة إلى التشجيع على المطالعة .

دور المكتبــي (عون المكتبة) :

لا شك في أن كل المبادرات و النشاطات التي تبذلها المؤسسة في التشجيع على المطالعة مرهونة بالدور الذي يلعبه المكتبي في تسيير وتنشيط المكتبة، فهو يوفر الجو المناسب للقراءة بأسلوب الخدمة التي يقدمها لضيوفه، و لذا يجب انتقاؤه من بين أحسن الموظفين ؛ سلوكا و خبرة و معاملة و شخصية و أمانة، ولا ينبغي الاكتفاء بالمقاييس الإدارية الجافة، لأن دوره من دور المكتبة ، فهو يوجه التلاميذ إلى ما يناسبهم من القراءات و يساعدهم على اختيار و جمع المراجع المناسبة لأعمالهم الدراسية، كما يعينهم على طرق البحث و القراءة للمضامين المبتغاة بذكاء و يسر و في اختصار للوقت و الجهد، و لا يؤدي هذه المهمة من ديدنه الإهمال و التهاون، أو الذي يتعامل مع المكتبة كتعامل أي موظف تقليدي مع مكتبه، و المكتبي الجيد هو الذي يكون متميزا بسعة البال والفطنة و الذكاء و حب المطالعة و التثقف باستمرار، يعمل دائما على تحسين خدمته لجلب أكبر عدد من القراء و لرفع نسبة المطالعة في مكتبته، شأنه في ذلك شأن التاجر الماهر الذي يعمل بجهد للترويج لسلعته .
و على إدارة المؤسسة مساعدته و الاهتمام بعمله و تشجيعه و التنويه بمبادراته الإيجابية
وإشراكه في اقتناء الكتب و تزويده بالوسائل الضرورية لعمله، وأكثر من ذلك تحسيسه بمسؤوليته في كل شؤون المكتبة. ونقترح بهذا الصدد على الوصاية تنظيم ندوات لأعوان المكتبات و تربصات تكوينية بانتظام تحسينا لآدائهم .

أهـداف المكتبــة المدرسية:

يتوقف انتهاج الأسلوب الجيد في ت سيير المكتبة، على تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها لصالح التلاميذ، باعتبارهم القراء الرئيسيين الذين وجدت أجلهم المكتبة في المؤسسة ،و هذه الأهداف كثيرة و متنوعة، أحاول الإتيان على أهمها و لو بإيجاز مع التركيز على ما له علاقة مباشرة بالبرامج الدراسية المقررة ، باعتبار هذه هي المهمة الرئيسية للمكتبة المدرسية. ونرى أن من بين هذه الأهداف، التي تخدم العملية التربوية مباشرة ، و ينعكس مردودها على تحصيل التلاميذ، و تحسين مستواهم الدراسي و التربوي ما يأتي:

العمل على إبراز مواهبهم و بلورة أفكارهم .
و نرى أن ما سردناه من أهم الأهداف التربوية و ليست كلها ، وهي ممكنة التحقيق إذا أحسنا التنظيم و الاستغلال للمكتبة ، مع الإرادة و المثابرة في العمل في هذا المجال ، وهو واسع و العمل فيه ممتع، خاصة إذا تضافرت الجهود بين الجميع في المؤسسة؛ فالمدير بمساهماته الثقافية والتنشيطية في النشاط الثقافي عامة، و نشاط المكتبة خاصة ،يقدم المثال الحسن للأساتذة و التلاميذ للمشاركة في العمل الثقافي ويكون إقبالهم على المكتبة بدرجة إقباله هو عليها ، وهكذا بالنسبة لنائب المدير للدراســات و الأساتــــــــذة و وجود الأساتذة إلى جانب تلاميذهم في نادي المكتبة حافز كبير لهم على الإنخراط فيه وتنشيط المكتبة من ، وتركيز الأساتذة في الأعمال الموجهة المقدمة للتلاميذ على ما تحتوي عليه المكتبة استغلال جيد و محمود لإمكانياتها، و استثمار عظيم في المعرفة و تنمية روح البحث و الاستكشاف و يستمرون عليه طيلة حياتهم بعد الخروج للحياة العامة، فالمؤسسة التي تخرج ، لديهم،فيشبون عليه حملة عقول محبة للعلم وشغوفة بالبحث والاستكشاف خير من مؤسسة تخرج حملة شهادات بعقول خاملة سرعان ما تركن إلى الكسل و الجمود، ولا يبقى لها من رصيد علمي سوى الشهادة ، و التي لاتبقى معبرة عن مستواهم الحقيقي.

1) تعويدهم على المطالعة ، و لو خارج البرامـــج الدراسـيــة المقـــررة عليهم، أو بدون غرض إنجاز العروض و البحوث المقررة عليهم، بحيث تصبح المطالعة هواية أوعادة في حياتهم(المدرسية و العامة )و هذا مبتغى أساسي في تكوين إطارات الأمة في المستقبل، حتى لا يركنوا إلى الكسل بعد التخرج و تجمد إرادتهم عن البحث و التعلم ، و تضمحل معارفهم السابقة ، و يتحولون إلى شبه أميين منعزلين عن العالم وغافلين عن تطوره. 2) إرشاد التلاميذ في جميع المراحل التعليمية و توجيههم وتنمية مداركهم و ميولاتهم و 3)إكساب التلاميذ القدرة على الاستفادة من مقروئياتهم و است خدامها الواعي و المفيد، الأمر الذي يكسبهم حصانة فكرية ضد كل الأف كار الهدامة و الرجعية، فيحميهم من الإنفلات جراء التيارات المغرضة و المشوشة ، فالتلميذ الذي يستطيع تحليل و تمحيص ما يقرأ و ما يسمع لا يورط في أي مغامرة. 4)تكملة البرامج الدراسية ، بما يتوفر من مراجع في مختلف المواد من جهة و فسح المجال أمام التلاميذ 4 للانفتاح على المحيط الخارجي؛ الوطني و العالمي، من خــــلال ما يطالعـــون ، و يتوقف تحقيق هذا الهدف على دور الأساتذة في التوجيه و الأخذ بيد التلاميذ في تصحيح ما يطلعون عليه من أفكار و توضيحها عند الحاجة ، و هنا تظهر فاعلية الأعمال الموجهة في المواد الأدبية . 5)تنمية القيم النبيلة و السلوكيات الراقية ،الحضارية، في المعاملات العامة للتلاميذ، كمواطنين صالحين في المستقبل،و يتأتى لهم ذلك من خلال اطلاعهم على خبرات و سلوكيات المفكريـن و الأدباء و الشعراء و غيرهم من أعلام الفكر و الثقافة، وطنيا و عالميا.

(منقول عن :ع/ بن رزق الله)
بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ
التعديل الأخير تم بواسطة بلحاج بن الشريف ; 08-08-2017 الساعة 10:40 PM