غلاء الأسعار وموقف المؤمن منه
27-04-2008, 12:00 PM

لقد بثت إحدى القنوات برنامجا عن مشكلة غلاء الأسعار ورأينا فيه العجب
حتى يقول قائلهم أما آنَ للشعوب أن تثور
ولا حولّ ولا قوة إلا بالله العظيم
فنقول لهؤلاء:


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
(
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).
(يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا ).
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا ).

أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فمن المشاهد في هذه الأيّام قضية ارتفاع الأسعار وانتشار الغلاء فصار كثير من الناس إلا من رحم الله يصيحون ويتقلبون في الإشتكاء والسخط وكأنما لم يصابوا أبدا بمصيبة
وهذا من المحاذير
فإنّ العبد متقلب في النعم من أوّل وجوده
سواء أصابته ضراء فالواجب ان يكون صبر وذاك خير له
وإمّا أن يصاب بسراء فيكون قد شكر وهذا خير له
ونعم الله كثيرة لا تعد ولا تحصى قال تعالى ( وما بكم من نعمة فمن الله )
وقال تعالى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها )
ولكن من الناس من لا يعرف لله نعمة فحق عليه البلاء
قال تعالى ( وإذ تأذّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد )قال البغوي رحمه الله
وإذ تأذن ربكم } أي : أعلم يقال : أذن وتأذن بمعنى واحد مثل أوعد وتوعد { لئن شكرتم } يعني فآمنتم وأطعتم { لأزيدنكم } في النعمة
وقيل : الشكر : قيد الموجود وصيد المفقود
وقيل : لئن شكرتن بالطاعة لأزيدنكم في الثواب
{ ولئن كفرتم } نعمتي فجحدتموها ولم تشكروها { إن عذابي لشديد }
وقال في فتح القدير
والمعنى : لإن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنكم نعمة إلى نعمة تفضلا مني
وقيل لأزيدنكم من طاعتي
وقيل لأزيدنكم من الثواب والأول أظهر فالشك سبب المزيد
ولئن كفرتم ذلك وجحدتموه إن عذابي لشديد
فلا بد أن يصيبكم منه ما يصيب
وقيل إن الجواب محذوف : أي ولئن كفرتم لأعذبنكم والمذكور تعليل للجواب المحذوف
فحق على كل مؤمن أن يصبر على أقدار الله المؤلمة وأن يشكر الله على أنّ المصاب لم يكن في الدين
فالدين هو الذي عليه البكاء*** وماسوه فلا ضير ولا اشتكاء
الحلول التي بها تتقى فتنة ارتفاع الأسعار :
إنّ من الواجب على الإنسان أن يتذكّر أنّ الإنسان لم يخلق ليلهو ويلعب ويأكل ويشرب وإنّما خلق لغاية سامية رفيعة وحكمة عظيمة ألا وهي عبادة الله عز وجل
كما قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا لتعبدون )
وإن كان من مستلزمات الحياة الأكل والشرب والتلذذ بالنساء والأولاد وما شابه
فليس للإكثار منه حتى إن نقص منه شيء صار الهم إيجاده
قال تعالى ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلو من رزقه وإليه النشور )
قال في تفسير البيضاوي
}هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا } لينة يسهل لكم السلوك فيها
{ فامشوا في مناكبها } في جوانبها أو جبالها وهو مثل لفرط التذليل فإن منكب البعير ينبو عن أن يطأه الراكب ولا يتذلل له فإذا جعل الأرض في الذلك بحيث يمشي في مناكبها لم يبق شيء لم يتذلل { وكلوا من رزقه } والتمسوا من نعم الله { وإليه النشور } المرجع فيسألكم من شكر ما أنعم عليكم
قال القرطبي
{ فامشوا في مناكبها } هو أمر إباحة وفيه إظهار الامتنان وقيل : هو خبر بلفظ الأمر أي لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها وآكامها وجبالها وقال ابن عباس و قتادة و بشير بن كعب : { في مناكبها } في جبالها
انتهى كلامه
ومع ذالك إن حقق الإنسان المقصود الأعلى وهو العبادة فإنه ستهون عليه الدنيا برمتها
ومهما رارتفعت الأسعار وحدث ما حدث فلا ضير عليه
وفي أخبار ما سلف عبرة وأعضم العبرة في أحاديث رسول الله حيث قال
( ثلاث أكلات أو ثلاث لقمات يقمن صلب ابن آدم فإن غلبته نفسه فثلث لطعام وثلث لشراب وثلث لنفسه ) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه فمن كانت هذه حاله فلا يدري على الأسعار ارتفعت أم لا فثلاث لقمات كافيات
وأخرج وكيع أيضا عن نافع أنّ ابن عمر أتي بجوارش فكرهه وقال ما شبعت منذ كذا وكذا
وأخرج وكيع في كتاب الزهد قال حدّثنا مبارك عن الحسن أنّ ابنا لسمرة بن جندب أكل حتى بشم فقال سمرة لو متّ ما صليت عليك
وأخرج بسنده عن عائشة قالت ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام يومين إلا وأحدهما تمر
قلت وقد رواه مسلم والبخاري
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنّا لنرفع للنبيّ صلى الله عليه وسلم الكراع فيأكله بعد شهر رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم
و الكُرَاعُ بالضم في البقر والغنم كالوظيف في الفرس والبعير وهو مستدق الساق يذكر ويؤنث والجمع أكْرُعٌ ثم أكارِعُ وفي المثل أعطي العبد كُرَاعاً فطلب ذراعا لأن الذراع في اليد وهو أفضل من الكراع في الرجل و الكُرَاعث اسم يجمع الخيل
قاله في مختار الصحاح
وعن أنس بن مالك قال ما من غني و لا فقير إلا يودّ أنّه كان أوتي في الدنيا قوتا رواه أحمد وابن ماجه
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ) رواه أحمد ومسلم والترمذي والبخاري
ش - ( قوتا ) أي على قدر الحاجة الضرورية
ومما سبق نعرف أنّ الزهد وترك الشبع وترك التبذير والرضا بالقليل من أعظم الأسباب المعينة على اتقاء فتنة ارتفاع الأسعار
وللفقر فوائد عظيمة تهوّن من خطب ارتفاع الأسعار ومنها
إنّ الفقراء أحباب الله كما جاء في الحديث عن عمران ابن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنّ الله عز وجل يحبّ الفقير المتعفف أبا العيال ) رواه ابن ماجه وفي سنده ضعف
وروى ابن ماجه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: ( يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم . خمسائة عام ) .
قال الشيخ الألباني : حسن صحيح

ومن فضل الفقراء أنهم يدخلون الجنة أولا
روى الترمذي
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام نصف يوم قال هذا حديث حسن صحيح

قال الشيخ الألباني : حسن صحيح
فسبحان الله أيكره الإنسان هذه الفضائل ويسخط على قدر الله
وحقا على الناس بعد هذا أن يصبروا ويشكروا الله على نعمه