العمل الدبلوماسي والتحولات السياسية الحديثة
14-11-2007, 06:47 PM
يشرفني ان اعرض للقراء الكرام سلسلة مقالات متتابعة من مذكرة بحثي وتربصي الميداني بوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية-قسم الشؤون العربية-سنة 1997

علها تكون مفيدة ومعينة لطلاب المعرفة والثقافة السياسة والدبلوماسية وإطلالة متواضعة للواقع العربي والدولي الذي يشد اهتمام الكثيرين من أحرار وأبناء هذه الأمة العريقة العظيمة

فلا تنسونا بتوجيهاتكم وتعليقاتكم المفيدة المشجعة

إن الدبلوماسية علم قائم ومستقل بذاته ,لما يتميز به من مرونة وسعة كبيرة في التعامل والإقناع ,خاصة بعد مرور العالم بعدة هزات وأزمات سياسية نشبت عنها نزاعات وحروب مسلحة دامية عانت منها الإنسانية سنينا وأجيالا متعاقبة .



ففي ظل هذه المتغيرات الدولية التي عقبت الحرب العالمية الثانية ,برز العمل الدبلوماسي كبديل وخيار وقائي آخر لتحقيق السلام والأمن في العالم ,وكوسيط فعّال في فك النزاعات والصدامات التي تنجم غالبا عن تباين مصالح الدول واختلاف إراداتها .



فلقد تأكدت حتمية العمل الدبلوماسي في عدة حالات ومناسبات حرجة شهدتها العلاقات الدولية أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية ,وذلك بميلاد معسكرين عملاقين خلفا من جراء تطاحنهما وحربهما الباردة تحولات كبيرة في السياسة الخارجية والداخلية للدول التي كانت تحت دائرة احتوائهما ,إلى جانب التكالب الرهيب الذي كانت تسعى به كل من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتي نحو التسلح والتكتل العسكري من أجل اكتساب مناطق النفوذ وتصدير النموذج السياسي والاقتصادي إلى دول العالم.



فكل هذه المؤشرات التي عاشتها العلاقات الدولية آنذاك قد أدت إلى مواجهة حقيقة كادت أن تدمر العالم لولا توصل الخصمين المتصارعين إلى مفاوضات سياسية وعلاقات دبلوماسية نشطت خاصة بعد ظهور سياسية التعايش السلمي بين المعسكرين,مما أدى إلى بروز شيء من الانفراج الدولي الذي كان نتيجة العمل الدبلوماسي المتبادل مابين الأطراف المتنازعة .



فقد شهد العمل الدبلوماسي تطورات متعددة نتيجة هذه التحولات الحديثة التي نجمت عن ميلاد النظام الدولي الجديد أو المتجدد في صفة وقناع آخر الذي كان هو الآخر تحصيل حاصل للعديد من الظروف الدولية المعقدة.



ولم يصادف هذا العمل الدبلوماسي تسهيلات في مسيرته لأن ساحة العلاقات الدولية قد عجت وضاقت ببؤر التوتر والنزاع التي خلفتهما سنوات الحرب الباردة والنزاعات ما بين المعسكرين,بالإضافة إلى نشوب العديد من الحروب والمواجهات المسلحة التي كان مراكز إدارتها وتوجيهها قوى المعسكرين الخفية المتصارعة ,وكل ذلك قد كان عاملا حاسما من العوامل المؤثرة في توجيه السياسة الخارجية لأفراد المجتمع الدولي وضرورة ملحة من طرفه ,تدعو للسلم والاستقرار الدوليين في ظل مبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وحقوقها (ما يجب أن يكون طبعا من مبادئ لا واقع لها على المسرح الدولي)



ولقد حاولنا في هذا البحث الميداني أن نهتم قدر الإمكان بقيمة العمل الدبلوماسي في ظل التطورات الدولية الحديثة وذلك بالتركيز على هذه التحولات التي أعطت دفعا حديدا للنشاط الدبلوماسي في واقع دولي يعاني من عدة معضلات ومشاكل متفاقمة تأججت خصوصا بعد سقوط الإتحاد السوفيتي والانتقال من الثنائية القطبية إلى الأحادية وظهور سياسة التكتل الاقتصادي المشترك بين الدول الأوربية بدل الأحلاف العسكرية السابقة الذكر ,كالإتحاد الأوربي والسوق الأوربية المشتركة ,والاتجاه بالعلاقات الدولية نحو البراغماتية والمصالح الإستراتيجية المشتركة بين الدول ,إلى جانب تأزم الأوضاع في المنطقة العربية وبالذات منطقة الشرق الأوسط بعد حرب الخليج الثانية 1991م وكذا تفاقم الخطر الإسرائيلي في المنطقة وتزايد الانتهاكات الإسرائيلية لكل القوانين الدولية والاتفاقيات الموقع عليها مع السلطة الفلسطينية مما إلى تعقيد القضية الفلسطينية وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني رغم كل المساعي الدولية والوساطات والمبادرات الأوربية والعربية .



قمن هذه المعطيات والمنطلقات ألينا إلا نأخذ نموذجا واقعيا في موضوع بحثنا هذا عن العمل الدبلوماسي الذي تبذله الجزائر بدبلوماسيتها المتفهمة للمتغيرات الدولية العديدة خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط وبالذات مواقفها الثابتة اتجاه القضية الفلسطينية التي سخر من أجل إجهاضها وترويضها العديد من الإمكانات والمناورات والمخططات المندرجة ضمن مشاريع السلام المعروفة والمعروضة في المنطقة العربية بمنطق القوة والضغط والهيمنة,وذلك لنوضح ولو الشيء القليل العمل الدبلوماسي في إطار هذه التحولات السياسية الكبيرة والمعقدة التي شهدها العالم وعاشتها المنطقة العربية بكل انعكاساتها وآثارها السلبية .



إن هذا الاهتمام الكبير الذي نوليه للعمل الدبلوماسي نجسده في دعوتنا الصريحة الملحة لدعم هذا العمل وتزويده بالإستراتيجيات المناسبة والناجحة والابتعاد به عن الركود والضعف والتوجه به نحو المواجهة والقوة من أجل إحداث التعايش السلمي والأمني بين الدول وضمان القدرة السيادية على صنع قرارات ومواقف عادلة اتجاه القضايا المصيرية ,خصوصا قضية فلسطين وتحرير العراق المحتل.



وإن كنا هنا نتناول موضوع شائكا واسعا من مواضيع العلوم السياسية والعلاقات الدولية,فإننا نطرح من خلال هذا التخصيص عدة تساؤلات وإشكاليات اتجاه هذه القضايا المصيرية العالقة ,وكذا الملفات التي تتمحور حول علاقة العمل الدبلوماسي بالظروف الدولية والتحولات السياسية ,وكيف تؤثر هذه المتغيرات الثقيلة غي توجيه السياسات الداخلية والخارجية للدول ؟؟وكذا جهود الدبلوماسية الجزائرية في دفع مسار التمثيل الدبلوماسي السياسي الذي يضمن الحقوق والواجبات معا ,وتمكينه لتحقيق الاستقرار الدولي والسلام العالمي في المستقبل على الأقل في العشرينيات اللاحقة ,انطلاقا من واقع وحاضر مؤثراته موحية بالاضطراب واللااستقرار نتيجة ظهور عوامل وفواعل جديدة مؤثرة في العلاقات الدولية التأثير البالغ والكبير .


يتبع.......