إجراءات جديدة في قطاع العدالة ؟
24-03-2008, 02:06 PM
http://droit.hisforum.com/montada-f8/topic-t515.htm#945
وزير العدل حافظ الأختام الطيب بلعيز لـ''الخبر''
''سيبقى ملف خليفة مفتوحا مهما كان موقف بريطانيا''
حطاب متابع في عدة قضايا، ومعالجتها تتم وفق القانون / لا مجال اليوم للخوض في أمور ثانوية عقيمة النتائج
كنتم عضوا في لجنة إصلاح العدالة، وتشرفون على القطاع منذ خمس سنوات. ما هو تقييمكم لمسار الإصلاح؟ وما تعليقكم على انتقادات رئيس اللجنة السيد أمحند يسعد الذي قال إن تقريره تعرض للدفن؟
عرف قطاع العدالة بداية إصلاحه، كأولوية وطنية، منذ تولي فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، مهام الرئاسة وتنصيبه لـ''الجنة الوطنية لإصلاح العدالة'' بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1999، مما أسفر عن وجود ديناميكية متكاملة الخطى، تتناول شتى الأوضاع بالمراجعة أو التغيير أو الاستحداث، وهي الإصلاحات التي جاءت لمعالجة السلبيات المسجلة، كعدم انسجام المنظومة التشريعية أو قصورها، وعدم تلاؤم الوسائل المادية والبشرية وكيفيات تسييرها مع متطلبات مرفق العدالة، إضافة إلى عدم توفر ضروريات ما تفرضه التحولات الداخلية والخارجية لبلادنا. وقد شكل انعقاد الندوة الوطنية حول إصلاح العدالة يومي 29 و30 مارس سنة 2005، تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية، بعد خمس سنوات من الإصلاح، وبمشاركة حوالي ألف وخمسمائة (1500) مشارك، من قضاة وخبراء وأمناء ضبط ومساعدي العدالة وأساتذة جامعيين وإطارات سامية من مختلف القطاعات، وبتغطية واسعة من مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية، محطة هامة في مسار الإصلاح، إذ تم تقييم الخطوات المنجزة بدقة، والتوصل إلى سلسلة من التوصيات المصادق عليها من طرف جميع المشاركين، والتي تعد وعاء لبرنامج عمل تنجزه وزارة العدل وتجسيده في الميدان تدريجيا حسب الأولويات. وقد أكدت هذه الندوة على إيجابية الأشواط التي قطعت، وعلى أن الإصلاح لم يمكن من تحسين آليات أداء الخدمة القضائية وتيسير سبل تحصيلها فحسب وإنما تعداه، وفي ظرف قياسي، إلى فرض أداء الخدمة القضائية النوعية.
إن هذه الإنجازات التي تم تحصيلها ضمن مسار إصلاح العدالة تعد ثمرة جهود متواصلة متكاملة بذلنا فيها، ولا زلنا نبذل، قصارى ما نستطيعه لأجل النهوض بقطاع العدالة والوصول به إلى تلك المدارك العليا المنوطة به كوسيلة لحفظ أمن المجتمع وسلمه وتدعيم تنميته ورقيه، وهو المبتغى الذي يتم العمل على تحقيقه بوتيرة وأساليب يتسنى القول إزاءها بأن الإصلاح في بلادنا قد آن له أن يتخذ تقاليد حميدة يحتدى بها في العديد من البلدان الشقيقة والصديقة، لذلك فلا مجال اليوم للخوض في أمور ثانوية واهية الأسانيد وعقيمة النتائج، في الوقت الذي يتوجب فيه توخي الإيجابية والفعالية، باقتراح الحلول البناءة والمستجدة، وشحذ المزيد من الجهود لأجل أن نكون صناع تقاليد في مجال الإصلاح وروادا يقتبسون شعلة الحضارة من مواقد يؤججها الفكر الإنساني المدرك الواعي بما يلزمه لإنارة دربه.
أوصى تقرير الإصلاح بإبعاد الوصاية عن عمل الجهات القضائية، ما عدا في الحالات المنصوص عليها قانونا، لكن القضاة لا زالوا يشتكون من التدخل في سلطاتهم، في إشارة إلى تعليمة أصدرتموها في 2003، تتناول الحد من تأجيل الملفات في القضايا المدنية والجزائية..
من أهداف الإصلاح الشامل لقطاع العدالة هو ضمان عدالة فعالة وذات مصداقية، تفصل في النزاعات والقضايا المعروضة عليها في آجال معقولة وبأحكام ذات نوعية.
ومبدأ الفصل في الآجال المعقولة هو مبدأ معمول به دوليا، وقد كرسه القانون العضوي رقم 11-04 المتضمن القانون الأساسي للقضاء في المادة الـ10 منه التي نصت على أنه يتوجب على القاضي أن يفصل في القضايا المعروضة عليه في أحسن الآجال، وأكدت عليه مدونة أخلاقيات مهنة القضاة، كما تم تدعيمه بأحكام قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تحدد آجال المداولة والنطق بالحكم، لذلك فإن حرصنا على تجسيد هذا الحق المكفول قانونا للمواطن يعزز استقلالية القضاء، فهو من صميم صلاحيات وزير العدل، حافظ الأختام، بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 332-04 المؤرخ في 24 أكتوبر 2004، الذي يخوله مهام ضمان السير الحسن للجهاز القضائي الوطني وترقيته، في إطار احترام استقلالية السلطة القضائية التي يضمنها الدستور.
وقد نتج عن مجمل خطوات الإصلاح المتخذة بهذا الشأن ما يبعث على الارتياح في سير العمل القضائي، فبالتغلب على معظم الأسباب التي كانت تعيق السير الحسن للجهات القضائية، صار الفصل في القضايا المدنية يتم خلال ستة (06) أشهر من تسجيلها، ولا تتجاوز هذه المدة ثلاثة (03) أشهر في القضايا الجزائية، مع مراعاة حقوق الدفاع وحريات الأشخاص في القضايا التي تستوجب مددا أطول، إذ بلغت نسبة الفصل في القضايا سنة 2007، وفي ظل الحرص التام على مراعاة حقوق الدفاع والحريات، أكثـر من 84 بالمئة، ونسبة التنفيذ تجاوزت 86 بالمئة. كما أصبحت الأحكام والقرارات القضائية تسلم في أجل لا يتجاوز الشهر من تاريخ النطق بها، إلا استثناءً.
يرى غالبية القضاة أن الفصل في 200 قضية في يوم واحد، يؤثـر على نوعية الأحكام التي ينطقون بها، هل توافقون هذا الطرح؟
إن مجمل التحولات التي تعرفها بلادنا على الصعيدين الداخلي والخارجي، انبثق عنها تطور في طبيعة المنازعات وتزايد في حجمها، وهو ما يستدعي وجود موارد بشرية ومادية ملائمة، لذلك فقد أولينا أهمية قصوى في إطار تنفيذ برنامج إصلاح العدالة لتنمية الموارد البشرية للقطاع، من خلال ضمان تكوين عملي ملائم وذي نوعية للقضاة وموظفي قطاع العدالة ومساعديها، مع العمل على توفير العدد الملائم منهم.
فبالنسبة للقضاة، يتم العمل على تدارك النقص المسجل في عددهم تدريجيا، من خلال تكوين دفعات الطلبة القضاة على مستوى المدرسة العليا للقضاء، إذ لم يكن عددهم يتجاوز 2500 قاضي مع بداية سنة 1999، ليصل حاليا إلى 3337 قاضي، وهو العدد الذي لا يزال تدعيمه متواصلا في إطار برنامج فخامة رئيس الجمهورية الرامي إلى رفع عدد القضاة بنسبة 50% مع آفاق سنة .2009
لكنه رغم عدم استكمال عملية توظيف العدد الكافي من القضاة، ورغم تزايد عدد القضايا وتنوعها، فلا توجد أي جهة قضائية يفصل بها القاضي في 200 قضية في يوم واحد، والعارفون بطبيعة الممارسة القضائية أدرى بمدى خيالية وبعد هذه الفرضية عن الواقع، لأنهم يميزون بين عملية الفصل في القضايا، وهي آخر مرحلة من مراحل المحاكمة، وبين معالجة القضايا التي يرتفع فيها عدد القضايا في بعض الجهات القضائية لأسباب يتم العمل على تجاوزها بكل الإمكانيات المتاحة في إطار تطبيق برنامج الإصلاح.
كما أن الجزم بأن ارتفاع عدد القضايا المعالجة في بعض الجهات القضائية يؤثـر على نوعية الأحكام القضائية هو إنكار لتلك الجهود الجبارة والنوعية التي يبذلها قضاتنا، والذين تؤهلهم كفاءاتهم وإيمانهم القوي بالعدالة وبالإصلاحات المتخذة لتجاوز العقبات العملية والتجاوب مع المتطلبات المرحلية لمرفق العدالة، والحرص على أداء مهامهم بكل نزاهة وإتقان، ولا سيما أن انتقاء القضاة يتم وفق شروط تراعى فيها الكفاءة والنزاهة والقدرة على تحمل أمانة القضاء، كما أنهم يخضعون لتكوين راق، من حيث آليات تلقينه ومضمونه، سواء كان قاعديا أو متخصصا أو مستمرا.
ما رأيكم في الأداء الحالي للمحكمة العليا ومجلس الدولة.. هل يؤديان فعلا دورهما الدستوري بخصوص السهر على احترام القانون وتوحيد الاجتهاد القضائي؟ ولماذا لا يزال مجلس الدولة يعقد اجتماعاته بالمحكمة العليا، رغم أن القانون يمنحه الاستقلالية المالية وفي التسيير؟
إن المحكمة العليا ومجلس الدولة هما هيئتان تسهران على توحيد الاجتهاد القضائي ورقابة تطبيق القانون، وهما تؤديان الدور المناط بهما في إطار القوانين سارية المفعول التي تنظم عمل كل منهما، لكن مستجدات العمل القضائي قد فرضت أوضاعا تستلزم إعادة النظر في الإطارين التشريعي والتنظيمي لهاتين الهيئتين، وكذا محكمة التنازع، وهو ما تم العمل عليه من خلال إعداد ثلاثة مشاريع قوانين عضوية، يتضمن الأول منهما القانون العضوي المتعلق بالمحكمة العليا، ويتضمن الثاني تعديل القانون العضوي رقم 01-98 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله، بينما يتضمن الثالث تعديل القانون العضوي رقم 03-98 المتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها، وهذه المشاريع هي حاليا قيد وضع الصيغة النهائية قصد عرضها على الجهات المختصة.
وبالنسبة لمجلس الدولة، الذي هو هيئة قضائية تتمتع بالاستقلالية في التسيير، فإن إنشاءه بموجب القانون العضوي رقم 01-98 كان خطوة هامة في مجال تجسيد مبدأ ازدواجية القضاء المنصوص عليه دستوريا، وهو يمارس مهامه بصفة عادية إلى حين انتقاله إلى مقر خاص به يتلاءم موقعا وظرفا مع طبيعة المهام المسندة إليه، وبالانسجام المطلوب مع توقيت استكمال تنصيب باقي الهيئات القضائية الإدارية.
تسعى وزارة العدل إلى تنصيب ما سمي ''أقطاب قضائية'' تتخصص في جرائم تبييض الأموال والمتاجرة بالمخدرات وغيرها، وهي مبادرة يعتبرها قطاع من القضاة مخالفة للقانون كون المجلس الدستوري رفضها. ما تعليقكم؟
اسمحوا لي أن أوضح بأن المجلس الدستوري لم يعترض على إنشاء الأقطاب القضائية في حد ذاتها، وإنما اعترض على إنشائها بموجب قانون التنظيم القضائي، الذي هو قانون عضوي، لأن المادة 122 فقرة 6 من الدستور تنص على أن إنشاء الجهات القضائية يكون بمقتضى قانون عادٍ.
ثم إن النقاش في مسألة إنشاء ما يسمى بالأقطاب القضائية لم يعد منه بدّ، لأن ما سعت وزارة العدل إلى إنجازه قد تحقق في ظل الشرعية الدستورية، وهو إنشاء جهات قضائية متخصصة في جرائم تبييض الأموال والمتاجرة بالمخدرات وغيرها، وهي ليست جهات قضائية جديدة وإنما الأمر يتعلق بمجرد تنظيم عملي، أي أنه تخصص بالمعنى الوظيفي وليس تخصصا بالمعنى العضوي، وقد بادرنا بذلك تأكيدا على ما الـتزمت به بلادنا بشأن الاتفاقيات الدولية التي تدين مختلف أشكال الإجرام، وتعزيزا لما بادرت به وزارة العدل من أحكام وقائية وردعية تهدف إلى التصدي لمختلف أشكال الإجرام التي باتت تهدد سلامـة الاقتصاد وأمن الأفراد في جميع أنحاء العالم، وعلى رأسها آفة الإرهاب، إذ تم النص على قواعد إجرائية تمدد الاختصاص المحلي لجهات الحكم وقاضي التحقيق ووكيل الجمهورية إلى إقليم معين إذا ما تعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في المادتين 37 و40 قانون الإجراءات الجزائية، وهي جرائم المخدرات، والجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية، والجرائم التي تمس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، وجرائم تبييض الأموال والإرهاب، والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف، وهو ما حددته أحكــام المرســوم التنفيـــذي رقـــم 348 -06 المؤرخ في 5 أكتوبر سنة 2006 الذي يتضمن تمديد الاختصاص المحلي لبعض جهات الحكم وكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق.
وقد تم حتى الآن، بحمد الله، إعطاء إشارة انطلاق الجهات القضائية الأربع المعنية بكل من محكمة سيدي محمد، وقسنطينة ووهران، وورفلة.
وزير العدل حافظ الأختام الطيب بلعيز لـ''الخبر''
''سيبقى ملف خليفة مفتوحا مهما كان موقف بريطانيا''
حطاب متابع في عدة قضايا، ومعالجتها تتم وفق القانون / لا مجال اليوم للخوض في أمور ثانوية عقيمة النتائج
كنتم عضوا في لجنة إصلاح العدالة، وتشرفون على القطاع منذ خمس سنوات. ما هو تقييمكم لمسار الإصلاح؟ وما تعليقكم على انتقادات رئيس اللجنة السيد أمحند يسعد الذي قال إن تقريره تعرض للدفن؟
عرف قطاع العدالة بداية إصلاحه، كأولوية وطنية، منذ تولي فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، مهام الرئاسة وتنصيبه لـ''الجنة الوطنية لإصلاح العدالة'' بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1999، مما أسفر عن وجود ديناميكية متكاملة الخطى، تتناول شتى الأوضاع بالمراجعة أو التغيير أو الاستحداث، وهي الإصلاحات التي جاءت لمعالجة السلبيات المسجلة، كعدم انسجام المنظومة التشريعية أو قصورها، وعدم تلاؤم الوسائل المادية والبشرية وكيفيات تسييرها مع متطلبات مرفق العدالة، إضافة إلى عدم توفر ضروريات ما تفرضه التحولات الداخلية والخارجية لبلادنا. وقد شكل انعقاد الندوة الوطنية حول إصلاح العدالة يومي 29 و30 مارس سنة 2005، تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية، بعد خمس سنوات من الإصلاح، وبمشاركة حوالي ألف وخمسمائة (1500) مشارك، من قضاة وخبراء وأمناء ضبط ومساعدي العدالة وأساتذة جامعيين وإطارات سامية من مختلف القطاعات، وبتغطية واسعة من مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية، محطة هامة في مسار الإصلاح، إذ تم تقييم الخطوات المنجزة بدقة، والتوصل إلى سلسلة من التوصيات المصادق عليها من طرف جميع المشاركين، والتي تعد وعاء لبرنامج عمل تنجزه وزارة العدل وتجسيده في الميدان تدريجيا حسب الأولويات. وقد أكدت هذه الندوة على إيجابية الأشواط التي قطعت، وعلى أن الإصلاح لم يمكن من تحسين آليات أداء الخدمة القضائية وتيسير سبل تحصيلها فحسب وإنما تعداه، وفي ظرف قياسي، إلى فرض أداء الخدمة القضائية النوعية.
إن هذه الإنجازات التي تم تحصيلها ضمن مسار إصلاح العدالة تعد ثمرة جهود متواصلة متكاملة بذلنا فيها، ولا زلنا نبذل، قصارى ما نستطيعه لأجل النهوض بقطاع العدالة والوصول به إلى تلك المدارك العليا المنوطة به كوسيلة لحفظ أمن المجتمع وسلمه وتدعيم تنميته ورقيه، وهو المبتغى الذي يتم العمل على تحقيقه بوتيرة وأساليب يتسنى القول إزاءها بأن الإصلاح في بلادنا قد آن له أن يتخذ تقاليد حميدة يحتدى بها في العديد من البلدان الشقيقة والصديقة، لذلك فلا مجال اليوم للخوض في أمور ثانوية واهية الأسانيد وعقيمة النتائج، في الوقت الذي يتوجب فيه توخي الإيجابية والفعالية، باقتراح الحلول البناءة والمستجدة، وشحذ المزيد من الجهود لأجل أن نكون صناع تقاليد في مجال الإصلاح وروادا يقتبسون شعلة الحضارة من مواقد يؤججها الفكر الإنساني المدرك الواعي بما يلزمه لإنارة دربه.
أوصى تقرير الإصلاح بإبعاد الوصاية عن عمل الجهات القضائية، ما عدا في الحالات المنصوص عليها قانونا، لكن القضاة لا زالوا يشتكون من التدخل في سلطاتهم، في إشارة إلى تعليمة أصدرتموها في 2003، تتناول الحد من تأجيل الملفات في القضايا المدنية والجزائية..
من أهداف الإصلاح الشامل لقطاع العدالة هو ضمان عدالة فعالة وذات مصداقية، تفصل في النزاعات والقضايا المعروضة عليها في آجال معقولة وبأحكام ذات نوعية.
ومبدأ الفصل في الآجال المعقولة هو مبدأ معمول به دوليا، وقد كرسه القانون العضوي رقم 11-04 المتضمن القانون الأساسي للقضاء في المادة الـ10 منه التي نصت على أنه يتوجب على القاضي أن يفصل في القضايا المعروضة عليه في أحسن الآجال، وأكدت عليه مدونة أخلاقيات مهنة القضاة، كما تم تدعيمه بأحكام قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي تحدد آجال المداولة والنطق بالحكم، لذلك فإن حرصنا على تجسيد هذا الحق المكفول قانونا للمواطن يعزز استقلالية القضاء، فهو من صميم صلاحيات وزير العدل، حافظ الأختام، بمقتضى المرسوم التنفيذي رقم 332-04 المؤرخ في 24 أكتوبر 2004، الذي يخوله مهام ضمان السير الحسن للجهاز القضائي الوطني وترقيته، في إطار احترام استقلالية السلطة القضائية التي يضمنها الدستور.
وقد نتج عن مجمل خطوات الإصلاح المتخذة بهذا الشأن ما يبعث على الارتياح في سير العمل القضائي، فبالتغلب على معظم الأسباب التي كانت تعيق السير الحسن للجهات القضائية، صار الفصل في القضايا المدنية يتم خلال ستة (06) أشهر من تسجيلها، ولا تتجاوز هذه المدة ثلاثة (03) أشهر في القضايا الجزائية، مع مراعاة حقوق الدفاع وحريات الأشخاص في القضايا التي تستوجب مددا أطول، إذ بلغت نسبة الفصل في القضايا سنة 2007، وفي ظل الحرص التام على مراعاة حقوق الدفاع والحريات، أكثـر من 84 بالمئة، ونسبة التنفيذ تجاوزت 86 بالمئة. كما أصبحت الأحكام والقرارات القضائية تسلم في أجل لا يتجاوز الشهر من تاريخ النطق بها، إلا استثناءً.
يرى غالبية القضاة أن الفصل في 200 قضية في يوم واحد، يؤثـر على نوعية الأحكام التي ينطقون بها، هل توافقون هذا الطرح؟
إن مجمل التحولات التي تعرفها بلادنا على الصعيدين الداخلي والخارجي، انبثق عنها تطور في طبيعة المنازعات وتزايد في حجمها، وهو ما يستدعي وجود موارد بشرية ومادية ملائمة، لذلك فقد أولينا أهمية قصوى في إطار تنفيذ برنامج إصلاح العدالة لتنمية الموارد البشرية للقطاع، من خلال ضمان تكوين عملي ملائم وذي نوعية للقضاة وموظفي قطاع العدالة ومساعديها، مع العمل على توفير العدد الملائم منهم.
فبالنسبة للقضاة، يتم العمل على تدارك النقص المسجل في عددهم تدريجيا، من خلال تكوين دفعات الطلبة القضاة على مستوى المدرسة العليا للقضاء، إذ لم يكن عددهم يتجاوز 2500 قاضي مع بداية سنة 1999، ليصل حاليا إلى 3337 قاضي، وهو العدد الذي لا يزال تدعيمه متواصلا في إطار برنامج فخامة رئيس الجمهورية الرامي إلى رفع عدد القضاة بنسبة 50% مع آفاق سنة .2009
لكنه رغم عدم استكمال عملية توظيف العدد الكافي من القضاة، ورغم تزايد عدد القضايا وتنوعها، فلا توجد أي جهة قضائية يفصل بها القاضي في 200 قضية في يوم واحد، والعارفون بطبيعة الممارسة القضائية أدرى بمدى خيالية وبعد هذه الفرضية عن الواقع، لأنهم يميزون بين عملية الفصل في القضايا، وهي آخر مرحلة من مراحل المحاكمة، وبين معالجة القضايا التي يرتفع فيها عدد القضايا في بعض الجهات القضائية لأسباب يتم العمل على تجاوزها بكل الإمكانيات المتاحة في إطار تطبيق برنامج الإصلاح.
كما أن الجزم بأن ارتفاع عدد القضايا المعالجة في بعض الجهات القضائية يؤثـر على نوعية الأحكام القضائية هو إنكار لتلك الجهود الجبارة والنوعية التي يبذلها قضاتنا، والذين تؤهلهم كفاءاتهم وإيمانهم القوي بالعدالة وبالإصلاحات المتخذة لتجاوز العقبات العملية والتجاوب مع المتطلبات المرحلية لمرفق العدالة، والحرص على أداء مهامهم بكل نزاهة وإتقان، ولا سيما أن انتقاء القضاة يتم وفق شروط تراعى فيها الكفاءة والنزاهة والقدرة على تحمل أمانة القضاء، كما أنهم يخضعون لتكوين راق، من حيث آليات تلقينه ومضمونه، سواء كان قاعديا أو متخصصا أو مستمرا.
ما رأيكم في الأداء الحالي للمحكمة العليا ومجلس الدولة.. هل يؤديان فعلا دورهما الدستوري بخصوص السهر على احترام القانون وتوحيد الاجتهاد القضائي؟ ولماذا لا يزال مجلس الدولة يعقد اجتماعاته بالمحكمة العليا، رغم أن القانون يمنحه الاستقلالية المالية وفي التسيير؟
إن المحكمة العليا ومجلس الدولة هما هيئتان تسهران على توحيد الاجتهاد القضائي ورقابة تطبيق القانون، وهما تؤديان الدور المناط بهما في إطار القوانين سارية المفعول التي تنظم عمل كل منهما، لكن مستجدات العمل القضائي قد فرضت أوضاعا تستلزم إعادة النظر في الإطارين التشريعي والتنظيمي لهاتين الهيئتين، وكذا محكمة التنازع، وهو ما تم العمل عليه من خلال إعداد ثلاثة مشاريع قوانين عضوية، يتضمن الأول منهما القانون العضوي المتعلق بالمحكمة العليا، ويتضمن الثاني تعديل القانون العضوي رقم 01-98 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله، بينما يتضمن الثالث تعديل القانون العضوي رقم 03-98 المتعلق باختصاصات محكمة التنازع وتنظيمها وعملها، وهذه المشاريع هي حاليا قيد وضع الصيغة النهائية قصد عرضها على الجهات المختصة.
وبالنسبة لمجلس الدولة، الذي هو هيئة قضائية تتمتع بالاستقلالية في التسيير، فإن إنشاءه بموجب القانون العضوي رقم 01-98 كان خطوة هامة في مجال تجسيد مبدأ ازدواجية القضاء المنصوص عليه دستوريا، وهو يمارس مهامه بصفة عادية إلى حين انتقاله إلى مقر خاص به يتلاءم موقعا وظرفا مع طبيعة المهام المسندة إليه، وبالانسجام المطلوب مع توقيت استكمال تنصيب باقي الهيئات القضائية الإدارية.
تسعى وزارة العدل إلى تنصيب ما سمي ''أقطاب قضائية'' تتخصص في جرائم تبييض الأموال والمتاجرة بالمخدرات وغيرها، وهي مبادرة يعتبرها قطاع من القضاة مخالفة للقانون كون المجلس الدستوري رفضها. ما تعليقكم؟
اسمحوا لي أن أوضح بأن المجلس الدستوري لم يعترض على إنشاء الأقطاب القضائية في حد ذاتها، وإنما اعترض على إنشائها بموجب قانون التنظيم القضائي، الذي هو قانون عضوي، لأن المادة 122 فقرة 6 من الدستور تنص على أن إنشاء الجهات القضائية يكون بمقتضى قانون عادٍ.
ثم إن النقاش في مسألة إنشاء ما يسمى بالأقطاب القضائية لم يعد منه بدّ، لأن ما سعت وزارة العدل إلى إنجازه قد تحقق في ظل الشرعية الدستورية، وهو إنشاء جهات قضائية متخصصة في جرائم تبييض الأموال والمتاجرة بالمخدرات وغيرها، وهي ليست جهات قضائية جديدة وإنما الأمر يتعلق بمجرد تنظيم عملي، أي أنه تخصص بالمعنى الوظيفي وليس تخصصا بالمعنى العضوي، وقد بادرنا بذلك تأكيدا على ما الـتزمت به بلادنا بشأن الاتفاقيات الدولية التي تدين مختلف أشكال الإجرام، وتعزيزا لما بادرت به وزارة العدل من أحكام وقائية وردعية تهدف إلى التصدي لمختلف أشكال الإجرام التي باتت تهدد سلامـة الاقتصاد وأمن الأفراد في جميع أنحاء العالم، وعلى رأسها آفة الإرهاب، إذ تم النص على قواعد إجرائية تمدد الاختصاص المحلي لجهات الحكم وقاضي التحقيق ووكيل الجمهورية إلى إقليم معين إذا ما تعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في المادتين 37 و40 قانون الإجراءات الجزائية، وهي جرائم المخدرات، والجرائم المنظمة عبر الحدود الوطنية، والجرائم التي تمس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، وجرائم تبييض الأموال والإرهاب، والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف، وهو ما حددته أحكــام المرســوم التنفيـــذي رقـــم 348 -06 المؤرخ في 5 أكتوبر سنة 2006 الذي يتضمن تمديد الاختصاص المحلي لبعض جهات الحكم وكلاء الجمهورية وقضاة التحقيق.
وقد تم حتى الآن، بحمد الله، إعطاء إشارة انطلاق الجهات القضائية الأربع المعنية بكل من محكمة سيدي محمد، وقسنطينة ووهران، وورفلة.