تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
المساجد وتربية المجتمع
20-07-2017, 09:44 AM
المساجد وتربية المجتمع
(1/5)
عبد العظيم بدران

الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

المسجد هيئة إسلامية ذات شأن عظيم في تربية المجتمع المسلم تربيةً إيمانية متكاملة، وحين يكون دور هذه الهيئة واضحًا وفاعلاً كما ينبغي، فإن آثار ذلك تظهر جليَّة في استقرار وتنمية هذا المجتمع.

ولو لم يكن ذلك، لما عمد النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم إلى تأسيس وإرساء قواعد المساجد إبَّان وصوله إلى حاضرة دولة الإسلام الوليدة، لقد كانت هذه إشارة بليغة إلى كافة من يريدون أن يلتمسوا أفضل الأماكن، وخير الوسائل في التربية، والتوجيه والإرشاد على الإطلاق في المجتمع المسلم، إنها: المساجد: خير الأماكن في أرض الله سبحانه.

وإذا كانت أشرف البقاع في الأرض هي: بيوتَ الله تعالى، فإن معمري هذه البيوت والقائمين عليها - لا شك - سيكونون من أطيب الناس نفسًا، وأوفرهم حظًّا في الصلة بخالقهم سبحانه وتعالى من ناحية، وفي الصلة بكافة المخلوقات، وخاصة المسلمين منهم، من ناحية أخرى؛ يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).

وعن عبد الله بن رباح: أن كعبًا قال: إني لأجد في التوراة يقول تبارك وتعالى: " إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد، فهو زائر الله، وحق على المزور أن يكرم زائره"، ثم قرأت القرآن، فوجدت فيه: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾الآية.

ثم وجدت في التوراة: أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض، حتى يكون بَدْؤُها من الله، ينزلها الله على أهل السماء، ثم ينزلها على أهل الأرض، ولم يكن بغضٌ لأحد من أهل الأرض، حتى يكون بدؤه من الله، ينزله على أهل السماء، ثم ينزله على أهل الأرض، ثم قرأت القرآن، فوجدت فيه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾. (كتاب الزهد لأبي داود، باب إن بيوتي في الأرض المساجد).

واقع المسجدالمعاصر:

إن نظرةً إلى واقع مساجدنا اليوم توضح أن الصورة الحالية تختلف - أو تتخلف - عما كان عليه، أو عما ينبغي أن يكون عليه هذا الصرح الإيماني، الذي هو: موطن الصلة الأول بين العبد وبين ربه - سبحانه وتعالى.

ولعل الأفضل في هذا المقام أن تسير خطتنا في وصف الحال المأمولة، بناء على المبادئ الراسخة في شريعة الإسلام، التي هي أصلح ما يكون لكل زمان ومكان، وذلك بعيدًا عن تكديس الشكاوى من الحال القائمة؛ ففي الأول ما يغني عن هذا الآخر.
وقد جاءت محاور هذه الكلمة كما يلي:

أ-لماذا المسجد؟.
ب-وظيفة المسجد.
ج-متى يرتاد الفتيان المسجد؟
د-استقبال المساجد للنساء.
هـ-سمات مسجد اليوم.
و-الدور الأمثل لمسجد اليوم.
ز-موضوعات مسجدية.
ح-الخاتمة والخلاصة.

وعلى الله تعالى التكلان، ومنه العون والتوفيق.

(أ) لماذاالمسجد؟.

في عصرنا الحاضر مؤسسات كثيرة تقوم على توجيه المجتمعات والعناية بها، ومن هذه المؤسسات: ما يبني أعماله على النظريات التربوية الحديثة، ومنها: ما يهمل ذلك ويعتمد فقط على الإداريات التجريبية أو المدروسة، وتأتي نتائج هذه التوجيهات من تلك المؤسسات شاهدة على مدى واقعية هذه النظريات أو إخفاقها.

أما المسجد، فإنه ينأى بعيدًا عن هذه النظريات التجريبية، إنه صرح إيماني يقوم على الأرض؛ ليصبغ نفوس زواره بصبغة الله؛ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾.

فاعتياد زيارته والتردد عليه: دليلٌ ظاهر على الإيمان غالبا؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ﴾ .
يقول العلامة: المباركفوري رحمه الله في:(تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي):

"﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾؛ ‏أي: بإنشائها، أو ترميمها، أو إحيائها بالعبادة والدروس، قال صاحب "الكشاف": عمارتها: كنسها، وتنظيفها، وتنويرها بالمصابيح، وتعظيمها، واعتيادها للعبادة والذكر، وصيانتها عما لم تُبْنَ له المساجد من حديث الدنيا، فضلاً عن فضول الحديث". اهـ.

(ب)وظيفةالمسجد:

إن المراقب لأحوال المساجد على مدى العصور الإسلامية: لَيسهلُ عليه الإقرار بأنها لم تقتصر يومًا على أداء الصلوات فحسب؛ بل لعله قد أصبح من المسلَّمات اليوم: أن المسجد في الإسلام هو: الجامع لقلوب المسلمين، والمانح لهم الطمأنينة والسكينة، والرحمة والمغفرة من عند الله سبحانه وتعالى.
وفي المسجد تتجلى رموز الوحدة والقوة، حين يجتمع فيه المسلمون خمس مرات في اليوم والليلة على الأقل، وتتأكد فيه روح النظام والحضارة الإسلامية حين يَأْتَمُّون بإمامهم، ويستمعون لخطيبهم، وتحيا فيه معاني الصفح والمودة، والتواصل والتراحم حين يهش المسلم في وجه أخيه ويبش له، ويلقي مع اهتزازات اليدين كلَّ ما له صلة بالضغائن والأحقاد، فتذوب وتنصهر بينهما بحرارة التماس والخشوع والمصافحة.

إنها والله معانٍ مفتقدةٌ، إلا في بيوت الله سبحانه.
والمسجد هو: المربي الأصيل لفتيان الأمة وشبابها وشيوخها على السواء، فكل ما فيه وما يتصل به يحفر في النفوس معانيَ الكرامة والإنسانية الصافية، البعيدة عن الكدر والعكر، فصاحب القلب المعلَّق بالمساجد: موعود بأن يكون في ظل الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله، كما أن الشاب الذي نشأ في عبادة الله سبحانه لا يمكن أن تتحقق له هذه الصفة بعيدًا عن ارتياد المساجد، والمشاركة في إعمارها.

ومعلِّم الناس الخيرَ الذي يصلي عليه الله وملائكتُه وأهل السموات والأرضين، والنمل في جحورها، والحيتان في البحار[1]: ما تزال صورته في الأذهان صورة المُحاضر الذي يُعلم أبناءه في ساحات المساجد وأركانها.

إن هذه الارتباطاتِ والمعانيَ تجعل من شرائح المجتمع أناسًا ذوي نفوس مطمئنة، ومبادئَ راسخةٍ، وتصرفات حضارية، وقلوب متفتحة، وأرواح شفافة متطلعة إلى المعالي، تستمد من رب هذا الكون قوتها وعونها، ولا تتوانى في التماس كافة الوسائل المشروعة في تطوير أحوال أمتها.


هوامش:
[1]انظر الحديث الذي رواه الترمذي في "سننه"، باب العلم عن رسول الله، ما جاء في فضل الفقه على العبادة.

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: المساجد وتربية المجتمع
22-07-2017, 02:13 PM
المساجد وتربية المجتمع

(2/5)


(هـ)سمات مسجد اليوم:
إنَّ مساجد اليوم لا يُمكن أن تكون كمساجد الأمسِ؛ نظرًا للتطوُّر الثقافي وللخبرات التراكمية للإنسان؛ بل إنَّ السابقين الأوَّلين لا يُرضيهم أن يظلَّ المسلمون لا يُواكبون تطوُّر الحياة في مساجدِهم ودعوتهم، فقد يخشى أن ينصرف بعضُ الشباب عنْها إذا لم تُلبِّ لَهم حوائجَهم الطبيعيَّة، وتعالج همومهم العارضة.

إذا كان الأمرُ كذلك،فما هي الصورة المأمولة لمسجِد اليوم، وما هيفعالياته التي ينتظِرُها منه شبابُ الأمَّة؛ ليعينَهم على أن يكونوا رجالاً بحقٍّكما يُريد لهم الله - سبحانه وتعالى!!؟.

المبدأ الثابت في ذلك هو: أن يكونَالمسجدمثابةً للنَّاس وأمنًا، وقبلةً لهم يؤمُّونَها ليس فقط لأداء الصَّلوات؛ بل لالتِماس أفضل طرائق الحياة وأمتَعِها في الآن ذاته.

1-فالمسجدرفيقٌ بزوَّاره، وإن كانت الحياة قاسيةً عليهم:
عن أبي هُريرةَ قال: بال أعرابي فيالمسجِد، فقام النَّاس إليه ليقعوا فيه – أي: ليدفعوه بالعنف - فقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دعوه، وأريقوا على بَوْله سَجْلاً من ماء - السَّجل: الدلو - فإنَّما بُعِثْتم ميسِّرين، ولم تبعثوا معسِّرين))؛ رواهُ البُخاريُّ والتّرمذيُّ والنسائيُّ.

2-والمسجِدمستمع جيد، كما أنَّه متحدِّث لبق:
فلا يصح أن يكونزائِر المسجدمستقبلاً دائمًا، وإنَّما يجِب أن يربَّى على التَّفاعل والإيجابيَّة والمشاركة، سواءٌ أكان ذلك بالمحاورة أم بإبْداء الآراء أم بتقْديم البحوث والمشاركات وغير ذلك.
والقرآن العظيم يقرِّر أمر المؤمنين فيقول: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، والرَّسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - يطلب من أصحابه المشورة، فيقول: ((أشيروا عليَّ أيُّها النَّاس)).

3-والمسجد مستشارٌ مؤتَمن، ومفتٍ خبيرٌ، ميسِّرٌ ومبشِّر:
فإذا توفَّر من مثل هؤلاء العُلماء الذين يُجيبون للنَّاس سؤالاتِهم بما يتوافق مع الأدلة الشرعية، ومقاصد الشريعة، وروح الإسلام - فإنَّ خيرًا عميمًا سيتدفَّق إلى المجتمع من طريقه، وسيمنع كذلك سيولاً من الشُّرور والفِتن والآثام، وسيتعافى المجتمعُ رويدًا رويدًا ممَّا أصابه من أوْجاع وأمراض، لتعود الأمَّة إلى سيرتِها الأولى.

4-والمسجد حفيظٌ عليمٌ:
والحفظ هنا بمعنى: الأمانة، فهو أمين على ثقافة الأمَّة وتراثها، وأمين على مقدَّراتها وأموالها، وأمين على أعْراضِها وكرامتِها، وهو من أجْل ذلك: عليم – أي: خبير - بطرائق إدارة هذه الشؤون، لا يتحرَّك خبْطَ عشواء، ولا كيْفما اتُّفق؛ بل على بصيرةٍ ودراية وخبرة.

5-والمسجد منطلق التَّرفيه والرياضة تمامًا كما أنَّه بيت للعبادة:
فلا يعقل أن يربِّي هذا الصَّرح الإيماني فتيان وشباب الأمَّة على الخمول والضعف والاستكانة أمام مجريات الحياة؛ بل يَجب على القائمين عليه أن يستوعِبوا طاقاتِ هؤلاء الشباب، ويوظِّفوها خير توظيف.
يَروي البخاريُّ عن عائشة - رضي الله عنْها - أنَّها قالت: "رأيتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يستُرُني برِدائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجِد، حتى أكون أنا التي أسأمُ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السِّنّ، الحريصة على اللَّهو".

ومن:(فتح الباري بشرْح صحيح البخاري): أنْقل هذه الكلماتِ، يقول ابن حجر رحمه الله:
" فيه جواز ذلك في المسجد، وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللَّخمي: أنَّ اللعِب بالحراب في المسجِد منسوخ بالقُرآن والسنَّة، أمَّا القرآن، فقوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ﴾، وأمَّا السنة، فحديث: ((جنِّبوا مساجدَكم صبيانكم ومجانينَكم))، وتعقِّب بأنَّ الحديث ضعيف، وليس فيه ولا في الآية تصريحٌ بما ادَّعاه، ولا عُرِف التَّاريخ فيثبت النَّسخ، وحكى بعض المالكيَّة عن مالك: أنَّ لعِبَهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجِد، وهذا لا يثبُت عن مالك؛ فإنَّه خلاف ما صرَّح به في طرُق هذا الحديث، وفي بعضِها: أنَّ عمر أنكر عليْهِم لعبَهم في المسجد، فقال له النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((دعهم))، واللَّعِب بالحراب ليس لعبًا مجرَّدًا؛ بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو، وقال المهلّب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله، جاز فيه" انتهى.

6-والمسجد موئل العلوم ومنبع الفنون الصافية:
فإذا غاض هذا النبع وشحَّتْ مواردُه، فإنَّ الواردين حتْمًا سيصدرون عنه بَحثًا عن سواه، وهل شقِيَتِ المجتمعات إلا بانْحراف أهلِها عن المنابع الصافية!!؟.

7-والمسجد موضع نزول الرحمة والسَّكينة واحتفاء الملائكة بالمؤمنين:
ويجب أن يكون هذا الموضع لائقًا باستِقْبال هذه الكرائم، ومن يستحقُّونها من المكرمين، فتسرُّ أركانُه الناظرين، وتشفي نفحاتُه صدورَ المؤمنين.

يَروي مسلمٌ ‏عن ‏أبي هريرة ‏قال: قال رسول الله -‏ ‏صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((‏مَن ‏نفَّس عن مؤمن كربة من كرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كُربةً من كُرب يوم القِيامة، ومَن يسَّر على مُعْسر، يسَّر الله عليْه في الدُّنيا والآخِرة، ومَن ستر مُسلمًا، ستَره الله في الدنيا والآخرة، والله في عوْن العبد ما كان العبد في عوْن أخيه، ومَن سلك طريقًا يلتمِس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنَّة، وما اجتَمَع قوْمٌ في بيْتٍ من بُيوت الله يتْلون كتابَ الله ويتدارسونَه بيْنَهم؛ إلا نزلتْ عليْهِم السكينة، وغشِيتْهم الرَّحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمَن عنده، ومَن بطَّأ به عمله، لم يُسْرِعْ به نسبُه".

8- والمسجد مبْعث النور في دُنيا الظلمات، ومصدر الهداية في بيْداء الحياة الموحشة:
ويجب أن يحسن الإعلانَ عن ذاتِه وكل ما فيه، من أجْل الحيارى والبائِسين، فيحسن جذْبَهم إليه أوَّلاً، ومن ثَمَّ يُحسن إعادة تأهيلهم للحياة الكريمة، وهذه مهمَّة الأنبياء - عليهم السلام - ثم ورَثَتِهم من العلماء الدُّعاة.

9- والمسجد مستودع التقوى وموطن المُطَّهِّرين:
قال تعالى: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾.

10-والمسجد هو: البقعة التي يبشَّر المشَّاؤون إليها بالنُّور التَّام يوم القيامة:
يقول الرَّسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((‏بَشِّرِ المَشَّائِين في الظُّلَمِ إلى المَساجِد بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيامَةِ))؛ رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه.

يتبع إن شاء الله.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: المساجد وتربية المجتمع
01-08-2017, 01:36 PM
المساجد وتربية المجتمع

(3/5)



و-الدور الأمثل لمسجد اليوم.

إن أمتنا اليوم لتنتظر منالمسجد أن يؤدي دوره، بِناءً على ما يلي:

1-أن ينطلقَ مِن شُمُوليَّة دينالإسلام:
فلا تقوقع ولا انحسار حول عبادة واحدة؛ لأن هذا لن يغني من الحق شيئًا، إن المسجد ليس ديرًا ولا كنيسة، وليس في الإسلام رهبانية تقطع صاحبها عن مجريات الحياة، والمسجد هو: الأَولى - قبل غيره من المؤسسات - أن يستوعب كافة الوسائل الحديثة المُعينة على التوجيه والتربية، فموضع الصلاة يجب أن يحاطَ بقاعات الدروس، وتعلم الحاسب الآلي، والتدرُّب على المهارات والحِرَف اليدوية والإلكترونية، ومراكز الأبحاث الموسوعية الشاملة في كافة المجالات والعلوم الإنسانية والكونية.
وإذا كانت هذه الكلمات واسعةَ الدلالات، وصعبة التحقيق في طفرة واحدة، فإنَّ منَ المتَّفَق عليه أنه:( ما تأخر من بدأ، و: العلم بالتعلُّم، و: رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة).
وإذا كانتِ الإمكانات محدودة، فإن إدارة المسجد الذكية تستطيع أن تبني جسور التواصل والتعاون، بينها وبين الجمعيات والمؤسسات الشبابية النظيفة، من تلك التي تعمل على رعاية فتيان المجتمع وشبابه، رعاية نفسية، وصحية، وثقافية، ورياضية، واقتصادية، واجتماعية، ولا مانع مِن بذل الوسع في العمل المشترك فيما اتفق عليه، على أن تَتَّسع الصدور، وتقدم النوايا الحسنة، مع الحرص والاحتراز في كل الأعمال، والله - تعالى – هو: الراعي لهذا الغرس الطيب، والجهد القليل، وأفضل الصدقة: جهد المقل.

2- أن يشاركَ المسجد بالحلُول العملية في حصار مشكلات المجتمع، ومن ثَمَّ القضاء عليها:
والحلول العملية: كلمة تعني الكثير، ولها من الآثار أيضًا جم غفير، وثقافة هذا الدين: لا يمكن أن تتصور مثلاً في: أن رعاية أمهات الأيتام والأرامل والحالات الاجتماعية البائسة: تكون فقط بتناول نَزْرٍ يسير مِن أموال الزكوات من أيدي المحسنين، ثم مناولتها لأيدي هؤلاء الفقراء والمساكين، وإن كان هذا في ذاته دورًا مهمًّا وجوهريًّا؛ لكنه لا يكفي أبدًا للحدِّ من مشكلات المجتمع أو إيقافها.
إنَّ هؤلاء الأمهات يُشرفْن بطريقة مبكرة ومباشرة على تربية قطاع كبير منَ الجيل القادم من فتيان وشباب الأمة، فإذا حدث التساهُل في رعايتهن والمنّ بما تناله أيديهن من قليل الصدقات، وبعض الأطعمة والملابس في المناسبات - فسوف يؤدِّي ذلك حتمًا إلى بؤس متجذر في المجتمع المسلم، ويتبعه من ثَمَّ آثار متشعِّبة قد تُعلم بداياتها، ولا تدرك نهاياتها!!؟، وهي: أكبر من أن تُحْصَى في مثل هذا المقام، وحينئذٍ، سيعضُّ المجتمع على يديه، ويقول:" يا ليتني التفتُّ لهؤلاء باكرًا، ولاتَ حينَ مَنْدَمِ!!؟".
والواجب الذي ينتظره المجتمع هنا منالمسجدهو:
التنسيق الكافي للعمل في عدَّة محاور؛ لضمان معالجة هذه الأوجاع، ومن هذه المحاور على سبيل المثال:( مشروعات تشغيل العاطلين، والاستشارات الشرعية والطبية والنفسية والاجتماعية، ودراسات الجدوى للمشروعات الصغيرة، والمعاونة في تزويج العزَّاب منَ الجانبين، والعمل على تطويق المفاهيم الخاطئة التي تم ترسيخها على مدى سنوات طويلة من وسائل الإعلام ومن غيرها، حتى أصبحت مستقرة في الوعي العام كأنها لا تقبل جدالاً)، فأصبح لزامًا على المسجد أن يحمل عبْء تغييرها رويدًا رويدًا، وبالجوانب العملية مع الاستئناس النظري.
لقد فرضت كثيرٌ منَ المجتمعات على الأرملة والمطلقة حياةً جد قاسية، ملأَهَا اليأس والإحباط والدمار النفسي الشامل، الذي لا مُنجي منه إلا الله - سبحانه - وضربتْ هذه المجتمعات حول هؤلاء أطواقًا وهْميَّة منَ الحصار المعنوي المَقيت، والذي تنعكس آثاره سلبًا على شرائحَ عريضةٍ من شبابنا وفتياتنا، حين يَتَرَعرعون في هذا المجتمع على أخلاق البغضاء والشحناء، والتمييز والنظرات المريبة.
فمَن غير المسجد سيعالج هذه الآثار المدمِّرة، ويصلح ما فسد منها!!؟.

إن هذه قضيَّة واحدة تعرضت هنا للإشارة إليها، أما القضايا الحاضرة على الساحة، فهي أكثر من أن تحصى، والأمر متروك في تحديد الأولويات إلى فريق المسجد، حين ينظر فيما يحيط به في مجتمعه الصغير والكبير سواء بسواء.
ولعله لا يخفى على فريق العاملين بالدعوة المسجدية: أن تقديم القضايا المهمة على ما دونها يحتاج إلى تفكر ونظر، وأن الاختيار العشوائي للموضوعات يصيب المتلقِّي بالحيرة!!؟، ويصرفه عنِ المتابعة، ومن ثَمَّ تقل المنفعة، وتضيع الجهود؛ لتكون:(كمَن يحرث في البحر أو يبذر في الصخر!!؟)، فتأملوا يرحمكم الله.

3-أن يستوعبَ المسجد طاقات الشباب، ويسعى جاهدًا لتوظيفها وتهذيبها:
وهذا مجال رحب، يجب أن تُعَد له كوادره، فالشباب طاقة متجدِّدة، لا يستوعبها إلا من خبر مداخل النفوس وطرائق التأثير والاحتواء، وهذا لا يكون أبدًا بالكلام النظري، والتوجيه العابر، إنما لا بد له منَ المُعَايَشة والمصاحبة والمتابَعة عن قُرب وعن بُعد، وبذل الوسع في مشاركة هؤلاء الفتية في همومهم وآمالهم المستقبلية، والعمل على تذليل ما يستطاع منَ الصعوبات أمامهم.
وكما أنه لا بد للنجار من أدوات النجارة، وللسباك من أدوات السباكة، وهكذا، فلا يخفى على أحد أنه لا بد من توفُّر أدوات التنمية والمتابَعة لهؤلاء المربين، الذين سينطلقون في رعاية المجتمع والشباب من المسجد، ولا يكفي أبدًا الاعتماد على كونهم من المشهود لهم بالإيمان؛ لأنهم يعتادون المساجد، فهذا أمرٌ قلبي لا يُغني عنِ اتخاذ الأسباب الحياتيَّة اللازمة لصناعة جيل سويٍّ مصبوغ بصبغة الرجولة المذكورة في القرآن العظيم؛ ﴿رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ)، والحديث الشريف يقول: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم))؛ جامع الأحاديث للسيوطي، رقم 2601.
وإذا صحَّ العَزْم على ذلك، فيجب أن يزود المسجد بفريق منَ العاملين المؤهلين في مجالات التربية والتوجيه والاحتواء، ومن ذوي الخبرات في التعامُل مع الطوائف الشبابية المختلفة، وليس الملتزمون منهم فقط، مع توفير مكتبة كبيرة ورقية وإلكترونية، للاطلاع والبحث والاستعارة إن أمكن.
ويجب أن توضع الخطط والبرامج التثقيفية والتربوية، والرياضية والترفيهية، وما يلزمها من جولات وزيارات، ورحلات ومسابقات، ودورات وغيرها، ويجب أن تحسب طريقة المتابعة حسب برامج مستخدمة بالفعل، أو تصنع من أجل ذلك، وهذا أقل ما يجب أن تسير عليه مساجد اليوم في أمور المتابعة والأنشطة، أما الاكتفاء بالطرق الإدارية القديمة، فهو ضرب من الرضا بالدون، ولن يكون قادرًا على التحدِّي في زمن العولمة الهادرة.

4- ويجب على المسجد أن يوجه كافة إمكاناته لطَرْح حلول قابلة للتنفيذ في قضايا المجتمع الحاضرة:
وخاصة تلك التي يعاني منها الشباب؛ كمشاكل البطالة والمخدرات، والزواج وبناء الذات، من النواحي الإيمانية والتثقيفية، والمادية والمجتمعيَّة.
إن ذلك لجدير بضمان حُسن الانتماء لهذه المؤسسة التنموية الإيمانية، وهذا بدَوْره سيخلق تعاونًا مشتركًا بين فئات المجتمع؛ ليكون المسجد واسطة العقد والخير.

5-وعلى المسجد أنيتابع أهم القضايا التي تهم الأمةالإسلامية:
ويوجه الشباب للتعامُل الأمثل مع هذه القضايا، بما يضمن عدم إهدار طاقاتهم في ردود أفعال تلقائية غير محسوبة.
إن ذلك جدير باحترام مكانة هذه المؤسسة من شتى الجهات - الرسمية والأهلية على السواء - وخاصة إذا كان التعامُل مع قضايا العصر مبنيًّا على فقه ووعي يبني ولا يهدم، يطور ولا يتحجر.

6-وعلى المسجد أن يقدمَ الزاد الروحي والثقافي الكافي، والضامن لمسيرة الحياة الشبابية مسيرة مطمئنة هادئة، مستبصرة بأهدافها في يومها وميعادها:
إن ذلك جدير بتحرير الشباب من هزات اليأس والإحباط التي تنتابهم بين الحين والحين، وسوف تدفعهم برفْق ولين إلى ممارسة الحياة والاستمتاع بها، كأفضل ما يكون، وهو ما يرمي الإسلام إلى تحقيقه.

7 -وعلى المسجد أن يسر المستمعين من معانيه، كما يسر الناظرين من مبانيه:
والأولى هنا مقدمة على الأخيرة، وليس للمبنى دون المعنى فائدة ترتجى؛ لكن التناسُق بينهما يولد ذوقًا إسلاميًّا رفيعًا لا يقاوم سحره، ولا يُقدر على هجره.
إن سحر البيان وبلاغة القول يجب أن تتجلَّى أول ما تتجلى هناك في ساحات المساجد، أما تضييع الأوقات في تَكرار المعاني دون حاجة لها، أو في الأساليب الممجوجة التي لا يقبلها ذوو الفطر السليمة، فإنه حريٌّ بإخلاء ساحات المسجد من كل ذي لُبٍّ وفكر، وإن أبقى على من تعودوا المجيء إليه بسبب الجوار وقُرب المسافة، مهما كانتِ الظروف والأحوال.

8-وعلى المسجد أن يعمل على كسْب ولاء الفئات الشبابية من حوله:
ولهذا الكسْب فنون وطرائق، والحكمة تقول:

أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُ♦♦♦لَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ
وهنا يتساءل صاحب صناعة الحياة قائلاً:
" كيف يحصل إذعان الناس للواعظ!!؟"، ويسعفنا بالإجابة، فيقول:
"هي معادلة معقَّدة، لا ندري جميع أطرافها، ولكن يمكننا أن نميز أهم رقمين:
الأول:أنه تيسير من الله - تعالى - أي: إن إيمان الواعظ يجعل لسانه صادقًا، فيميز الناس نبرة الصدق - بإذن الله - فيتبعونه، وما خرج من القلب دخل القلب، وما خرج من اللسان لا يتعدى الآذان، فالتأثير بقدرة الله - سبحانه – وكان:" عطاء بن أبي رباح تلميذ ابن عباس - رضي الله عنهما - أفطس أعمى، وفوق ذلك كان مقعدًا"، ولم يمنعه ذلك أن يكون سيد التابعين بمكة، وأن تملأ كتب التفسير والحديث والفقه أقواله.

الثاني:أنها فصاحة وقابلية وعلم لا يحوجه إلى تكرار المعاني، وإنما يجدد شواهده دائمًا، وهذه منح من الله أيضًا يعرفها الشَّكُور، وبعض الوعاظ يتميز على بعض، ثم الله يزيد ويُبارك.

فلو أنَّ خطة الدعوة لا تدع الدُّعاة إلى أقدارهم يواجهونها؛ بل تصارع القدر بالقدر، وتدفع الجهل والانزواء الذي كَلْكَل على بعضهم بقدر العلم والجُرأة على مواجهة الناس وتعليم الفصاحة - إذًا لاشتغل رهط من بعد بطالة، ولتحركتْ طاقات مِن بعد تعطيل، ولتقدمنا مرحلة في صناعة الحياة.
وبموازاة هذا الأثر، فإنَّالواعظينيقومون بدوْرٍ مهمٍّ في إحلال التعادُل مع آثار العقلانيَّة الناتجة من كلام العلماء والمفكِّرين، ففي مباحث الفِقْه ومُقارنات الفكر يبس وجفاف، ولا بد من ترطيب النفوس بنداوة العاطفيات التي هي بضاعة الوعاظ".
ويُقَرِّر حقيقة - أجدها هنا مهمة - فيقول: "إذا كان حجم الولاء الإيماني للمؤمنين في المجتمع مقابلاً لحجم الولاء الجاهلي العصياني، فقد أُذنت لهم الغلبة في الصراع؛ بل إذا كان الثلث؛ إذ المؤمن منصور بقوة الله على اثنين من الكافرين على الأقل".
" فالأدب - بشعره ونثره، وأمثاله وحِكمه، ووصاياه وخطبه - مهم للداعية، يثقف به لسانه، ويجود أسلوبه، ويرهف حسَّه، ويوقفه على أبواب من العبارات الرائقة، والأساليب الفائقة، والصور المُعَبِّرة، والأمثال السائرة، والحِكَم البالغة، ويفتح له نافذة على الروائع والشوامخ، ويضع يده على مئات بل ألوف من الشواهد البليغة، التي يستخدمها الداعية في محلها، فتقع من القلوب أحسن موقع وأبلغه".

9-وعلى دعاة المسجد أن يخاطبوا الشباب من منطلق إحسان الظن بهم، والأخذ بأيديهم بالرفق واللين:
فالحق: أن الكثيرين منهم يتحرقون شوقًا، ويمتلئون كمدًا، ويفيض بهم الهم عندما تفوتهم الصلوات والعبادات، وهؤلاء تنشرح صدورهم، وتطمئن قلوبهم، وتطير نفوسهم في آفاق رحبة، تحلق في عالم "ملائكي" طاهر، وتغمرهم مشاعر فياضة من الأريحية والنقاء والصفاء والفرحة، وتتنسم عبق الورود والرياحين حينما يشهدون الصلواتبالمسجد؛ لكن حال معظمهم كما قال الشاعر :
كَالْعِيسِ فِي البَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا♦♦♦وَالمَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ
إن المشكلة لدى هؤلاء هي: المكبلات التي لا تكاد تنفك عنهم، وكلما أفلتوا منها: طاردتهم والتصقت بهم:( التعب والإرهاق والسهر، العمل والمواعيد والزيارات، التلفاز والقنوات والمباريات): مكبلات لا تنتهي، يصرعونها حينًا، وتصرعهم أحيانًا، يبكون في أعماقهم دموعًا بغير دموع، بكاء جاف لا يخفف من وطئته قطرات تَتَدَحرج لتطفئ حرقة المعصية، وتغسل أوضار الخطيئة.
مَنْ ذَا يُعِيرُكَ عَيْنَهُ تَبْكِي بِهَا♦♦♦أَرَأَيْتَ عَيْنًا لِلْبُكَاءِ تُعَارُ؟
فمَن يا ترى سيأخذ بأيدي هؤلاء الشباب، إلا دعاةالمساجدالذين يتفهَّمون طبيعته، ويفقهون كيف تكون دعوته!!؟.

يتبع إن شاء الله.
ا
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: المساجد وتربية المجتمع
05-08-2017, 08:34 AM
المساجد وتربية المجتمع
(4/5)


(ز)- موضوعات مسجدية:


سحر الخطيب وجاذبيته:
إن خطبة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام التي لم تُعطَّل على مدى عُمر هذا الدِّين، ولو أنصفنا لشهِدنا بأن أثر هذه الخُطب في توعية الشباب وإرشاد المجتمع قد يصل إلى أبعد مدى، شريطة أن يحسن اختيار الخطيب، واختيار منهج خطبه الأسبوعية.
أورد ابن حجر في كتابه:"فتح الباري شرح صحيح البخاري"حديثَ ابن عمر:"جاء رجلان من المشرق فخطبا"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من البيان لَسحرًا)).
وكان مما أورده في التعليق عليه:
"البيان نوعان: الأول: ما يبين به المراد، والثاني: تحسين اللفظ حتى يستميل قلوب السامعين، والثاني هو: الذي يشبَّه بالسحر، والمذموم منه ما يقصد به الباطل، وشبَّهه بالسحر؛ لأن السحر صرف الشيء عن حقيقته. قال صعصعة بن صوحان: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يكون عليه الحق، وهو ألحن بالحُجة من صاحب الحق، فيسحر الناسَ بيانه، فيذهب بالحق".

وليس عيبًا أن يكون الخطيب بمستوى متواضع، إذا كان في بداية حياته الدعوية، أو كان طالب علم، أو تضيق عليه ظروف الحياة، بحيث لا يستطيع أن يبحث بالدرجة الكافية لإعداد خطبته الأسبوعية؛ لكن العيب: أن يُقنع الخطيب ذاتَه بأنه لا يستطيع التحسن إلى أفضل من هذا، ويسوق من الكلام ما يعلن به أنه ليس أهلاً لهذا الموضع، وأنه إنما يقوم بذلك ريثما يتاح خطيب آخر بدلاً عنه.

إن من المتَّفق عليه أن العالِم لا يولد عالمًا،كذلك المخترع، والعبقري، والمبدع، والأديب، والقصاص، والمحترف في أي أمر من أمور الحياة.

وهنا نستطيع أن نقول: إن الخطيب الناجح لم يفتح عينيه في يوم من الأيام لِيجدَ نفسه واقفًا على المنبر يخطب في الناس بأفضل مستوى، وأجمل حديث؛ بل إن العلم بالتعلُّم - كما يقال - وما دام الخطيب يستطيع التحصيل والتقدم، فإن التقصير بالتراجع عن ذلك يعدُّ ذنبًا، كما قال أبو الطيب:

ولم أرى في عيوب الناس عيبا÷ كَنَقْصِ القَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ

ولا يُقبل من داعية - صغيرًا كان أو كبيرًا - أن يظل على مستواه الذي وجد نفسه عليه في بداية دعوته.

لقد كان"واصل بن عطاء":ألثغ اللسان، لا يستطيع نطق حرف الراء بطريقة سليمة، وكان خصومه يعيبون عليه ذلك، فأراد أن يلقي خطبته خالية من حرف الراء، وبالفعل استطاع أن ينظم خطبة بليغة، لا تكاد تشعر وأنت تقرؤها أنه يتجنب فيها هذا الحرف، فكانت دليلاً على تمكنه من لغته، وثقته في نفسه، وهذا نص خطبته:

"الحمد لله القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوِّه، ودنا في علوِّه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يَؤُوده حفظ ما خلق، ولم يخلقه على مثال سبق؛ بل أنشأه ابتداعًا، وعدَّله اصطناعًا، فأحسن كل شيء خلقه، وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدل على ألوهيته، فسبحانه! لا معقب لحكمه، ولا دافع لقضائه، تواضع كلُّ شيءٍ لعظمته، وذل كل شيء لسلطانه، ووسع كلَّ شيء فضلُه، لا يعزب عنه مثقال حبة وهو السميع العليم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا مثيل له، إلهًا تقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كل مخلوق، وتنزه عن شبه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يُعصى فيحلم، ويُدعى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون، وأشهد شهادة حق، وقولَ صدق، بإخلاص ونية، وصدق طوية: أن محمد بن عبد الله عبده ونبيه، وخالصته وصفيُّه، ابتعثه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق، فبلَّغ مألكته(أي رسالته)، ونصح لأمته، وجاهد في سبيله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يصده عنه زعم زاعم، ماضيًا على سنته، موفيًا على قصده، حتى أتاه اليقين، فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى، وأتم وأنمى، وأجلّ وأعلى صلاة صلاها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد.
أوصيكم - عباد الله - مع نفسي بتقوى الله والعمل بطاعته،والمجانبة لمعصيته، فأحضكم على ما يدنيكم منه، ويزلفكم لديه، فإن تقوى الله أفضل زاد، وأحسن عاقبة في معاد، ولا تلهينكم الحياة الدنيا بزينتها وخدعها، وفواتن لذاتها، وشهوات آمالها؛ فإنها متاع قليل، ومدة إلى حين، وكل شيء منها يزول، فكم عانيتم من أعاجيبها، وكم نصبتْ لكم من حبائلها، وأهلكت ممن جنح إليها واعتمد عليها، أذاقتهم حلوًا، ومزجت لهم سمًّا.
أين الملوك الذين بنوا المدائن،وشيدوا المصانع، وأوثقوا الأبواب، وكثفوا الحجاب، وأعدوا الجياد، وملكوا العباد، واستخدموا التلاد؟، قبضتهم بمخالبها، وطحنتهم بكلكلها، وعضتهم بأنيابها، وعاضتهم عن السعة ضيقًا، ومن العز ذلاًّ، ومن الحياة فناء، فسكنوا اللحود، وأكلهم الدود، وأصبحوا لا تعاين إلا مساكنَهم، ولا تجد إلا معالمهم، ولا تحس منهم من أحد، ولا تسمع لهم نبسًا، فتزوَّدوا عافاكم الله؛ فإن أفضل الزاد التقوى، واتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون.
جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بمواعظه،ويعمل لحظه وسعادته، وممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب، إن أحسن قصص المؤمنين، وأبلغ مواعظ المتقين - كتاب الله، الزكية آياته، الواضح بيناته، فإذا تلي عليكم، فاستمعوا له وأنصتوا؛ لعلكم تهتدون.
أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي، إن الله هو السميع العليم، بسم الله الفتاح المنان: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ*اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.
نفعنا الله وإياكم بالكتاب الحكيم،وبالآيات والوحي المبين، وأعاذنا وإياكم من العذاب الأليم، وأدخلنا وإياكم جنات النعيم".اهـ.

ولا يخفى في هذه الخطبة العجيبة حرص"واصل"على الإتيان بمرادفات الكلمات واسعة الانتشار التي بها حرف الراء، وحين يريد الاستدلال بآية تحتوي على حرف الراء، فإنه يلجأ إلى ذكر معناها، أفيعجز خطباء اليوم عن الارتقاء بمستواهم التعبيري،وهم أفضل حالاً من واصل؟.
صراخ الخطيب وألفاظهغير اللائقة:
إن لغة الصراخ والتأنيب والتوبيخ: لم تَعُدْ تُجْدي نفعًا في خطبة اليوم، والحق أن هذا الصراخ: ما هو إلا تنفيس شخصي، ينبعث من نفس الخطيب، ليفرضه فرضًا على جموع المصلِّين والمستمعين لخطبته، على غير رغبة منهم في الاستماع إليه!!؟.
ولو علم إخواننا الخطباء: أن مكبرات الصوت اليوم قد أغنتهم عن صراخاتهم المتواصلة في معظم خطبة الجمعة، لكفُّوا عن ذلك، واستبدلوا بها معلومة جديدة تؤثر في القلوب قبل أن تسمع بها الآذان.
فهل يُعقل مثلاً أن يصرخ خطيب جمعتنا قائلاً:" اسمع أيها الغافل، أيهاالمغفل!!؟".
والله، إنك لتسترجع حين تسمعه ينفِّر الناس من كلماته؛ بل ومن جنس الخطابة والخطباء، ليصدق عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((إن منكم مُنَفِّرِين))؛"صحيح البخاري".

ويزيد الأمرُ عليك حين تسمع لهذا الخطيب،وهو يستنفر كل طاقاته وأصوات حناجره، ثم تجده يخطئ أخطاء فاحشة، ويكررها مرة بعد مرة، كأن يقول: هذه تعاليم القرآن منذ ألفٍ وأربعِمائة وثمانيةٍ و(عشرون)عامًا!!؟.
ويكررها مرة أخرى قائلاً:أقول لكم مرة أخرى: هذه تعاليم القرآن منذ ألف وأربعمائة وثمانية و(عشرون)عامًا!!؟.
وهنا تجد نفسك مستحضرًا قول حافظ:
يَا عَيْنُ سُحِّي يَا قُلُوبُ تَفَطَّري÷ يَا نَفْسُ رِقِّي يَا مُرُوءَةُ وَلِّي

عقول الشباب والخطيب المبالِغ:
إن عقول الشباب اليوم لا تستسيغ المبالغة اللفظية ممن يستقبلون منه المعلومة، فقد أضحى هذا مجافيًا لعصر المعلومات والمكتشفات المتجددة، وحري بدعاة المساجد: أن يَعُوا ذلك، فمِن المؤسف: أن بعض الناس يجعلون من حياتهم مهرجانات للمبالغة في الأقوال والأفعال، وتجد الغالب في أساليبهم"أفعل التفضيل"، فتسمع منهم دائمًا - أو غالبًا - مثل هذه الكلمات:( أكبر، أشد، أفظع، أكثر، مهم جدًّا، إلى حد لا يطاق، بطريقة غريبة، لا يمكن احتماله، لم يفعل خيرًا قط، لا يحبه أحد على الإطلاق، لم يَسلم أحدٌ من أذاه، لا يمكن الاستغناء عنه، مستحيل...) إلى آخر هذا القاموس الذي يصرُّ هؤلاء على إحياء جميع ألفاظه في كل تعبيراتهم، مهما كان الموضوع المطروح للحوار.
والحق أن هؤلاء إنما يلجؤون إلى هذا النوع من أسلوب التحدث مع الآخرين؛ليداروا به عوار النقص، أو عدم القدرة البيانية الموضوعية لأجل توصيل ما يريدون، وربما يكون السبب في اتخاذ هذا الأسلوب - من ناحية أخرى - الرغبةَ في لفت الأنظار، والتلذذ بجذب انتباهات الآخرين، والارتياح برؤية علامات الاستغراب على قسمات وجوههم!!؟، والشعور بالرضا عند رؤية ردود الأفعال التي أُريدَ لها أن تكون كذلك مِن قِبَل المبالغين في إيصال المعلومات.
وإذا تتبعتَ أسلوب النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لما وجدت به شيئًا من هذه الظاهرة، خذ مثلاً حديث: ((المؤمن الذي يخالط الناسَ، ويصبر على أذاهم خيرٌ من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم))، وقل لي بالله عليك: هل تجد فيه مبالغة؟.
الحديث صحيح وثابت بهذا اللفظ، أو بنحوه مما لا مبالغة فيه،فهل تجده حقَّق المعنى؟.

أنت تستغرب حينما تجد بعض الخطباء يتحدثون في موضوع عن الأخلاق مثلاً،فتجده ينبِّه على أن هذا الموضوع في غاية الأهمية، وأن الأمر خطيرجدًّا: إذا تم التفريط فيه، ثم حينما يتناول موضوعًا حول اليوم الآخر، تجده أيضًا ينبه على أن هذا الموضوع في غاية الأهمية، وأن الأمر خطير جدًّا: إذا تم التساهل فيه، ثم حينما يتناول موضوعًا في المعاملات، أو في الحث على العلم، أو في العلاقة بين الزوجين، تجده ينبه على أن هذا الموضوع في غاية الأهمية، وأن الأمر خطير جدًّا: إذا تم الإهمال فيه.
فقل لي بالله عليك:كيف يستقيم هذا!!؟.
والحق أنني لا أكاد أجد في كتب علمائنا - في كافة المصنفات - أمثالَ هذه الظواهر التي تصيب القارئَ بالشد والجذب دون فائدة علمية تذكر!!؟؛ بل إن علماءنا يفصِّلون الكلام في الموضوع ببلاغة وفصاحة، تبعث فيك الإعجابَ والتقدير لهؤلاء؛ لما بذلوا من جهد، وما ورثوا من علوم.
ألا فلنبذل من المجهود في أساليب الخطاب ما يحترم عقلية المتلقين،دون إهمال ولا مبالغة، وهذا إذا أردنا بحق أن نؤثر في طوائف مجتمعنا المختلفة، وخاصةً الشبابَ منهم.

الترفيه المسجدي:
النفس البشرية ملولة، وخاصة في فترة المراهقة والشباب، وهي لا تحتمل الجد على الدوام، وكثير من هؤلاء تستهويه الفكاهة والدعابة، وتصنع به أكثر من غيرها من الجِد والحسم، وقد جاء الإسلام موافقًا للفطرة السليمة حين حض على الترويح والترفيه، والتنزه والفسحة، والرياضة والفكاهة، بكل الأساليب النظيفة التي تمتع النفس، وتنشر البِشْر والفرح، وتزيح الحزن والهمَّ، وتشرح الصدور، وتبسم الثغور، وتضحك الأسنان، في فرح ونشاط، لا يأخذ من الهيبة، ولا يضيع من الوقار، ولا يقطع ما بين الصغار والكبار.
ولقد حفظ لنا التراثُ الإسلاميمبادئَ في الترويح،ومواقفَ في النزهة، ومن المفيد للغاية عند أصحاب الدعوة المسجدية: أن يجعلوا هذا الباب أصيلاً في الدخول إلى غيرهم، فتُعد الحفلات، وتُرسل الدعوات، ويُتفنن في الأداء، وينوع في الفقرات، ويُبتكر في الوسائل، مع تطعيم ذلك كله بالروح الإسلامية البريئة والجميلة والحبيبة.
وتحتفظ لنا السيرةُ بمواقفَ للرسول العظيم - صلوات الله وسلامه عليه - وللصحابة الكرام - رضي الله عنهم - في الفكاهة والضحك والترويح، والنكتة الصادقة البريئة، ومن هذه المواقف ما لا يتصور كثيرون من شباب الدعوة المساكين أنه يحدث بين الصحابة؛ كبيع"نعيمان"- رضي الله عنه -"سويبط بن حرملة"على أنه عبد رقيق، وليس كذلك، وكذبح بعضهم ناقةَ ضيف حلَّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقديمها لهم وليمةً سمينة، على أنه قد أكرمهم بها، ثم يكتشف الأمر، ويضحك الجميع، ويجزع صاحب الناقة؛ ولكنه يحصل على بديل لها، ويطيب خاطره.
فهذه كلها إشارات تشعل الضوءَ الأخضر؛للتفكير حثيثًا في تبني كل وسيلة تملأ النفس بِشرًا وسرورًا وفرحًا، وخاصة حين يكون في صحبة إخوانه الأبرار المؤمنين.

المسجد الإلكتروني:
لقد أصبح من اليسير اليوم تدشين موقع للمسجد على شبكة المعلومات الدولية"الإنترنت"، والحديث عن خطة هذا الموقع وما يراد منه قد يستغرق بحثًا مستقلاًّ؛ لكنه بلا شك سيفيد رواده أيما إفادة، وسيكون بمثابة المنفذ الإلكتروني لخطب المسجد ودروسه، وفعالياته وأنشطته واستشاراته، كما أنه سيعكس ردود أفعال المصلِّين والزائرين لما يجري في هذا المسجد بواقعية وشفافية؛ ليؤخذ ذلك بالاعتبار فيما هو آتٍ من الأنشطة، وهذا – لعمر الله - هو ما يجب أن يكون في هذه الحقبة الزمنية المفعمة بالوسائل الحديثة، ودون ذلك تخلف عن المستوى المعقول.
لقد سبقَنَا الأولون بالدعوة إلى الله – تعالى - والتمسوا لذلك أحسنَ السبل والوسائل، حتى فتحوا البلاد، واهتدى على أيديهم العباد، وها نحن في عصرنا نعيش ثورات هائلة في وسائل الاتصال، والتكنولوجيا المتطورة، التي لا يكاد المتابعون يدركون ما يُستجد منها كل يوم.
ويستوجب هذا على دعاة العصر أن ينفضوا من على كاهلهم تلكم الوسائلَ النمطية التقليدية،التي كانت تصلح في أزمنة منصرمة، فأصبح لزامًا عليهم أن يوجهوا الدعوة إلى مجتمعاتهم بلسانهم الذي يفهمون، ووسيلتهم التي يحبذون، ما دامت هذه الوسيلة مباحة في شرع الله، والأصل في شرع الله الإباحة.
ولقد ضرب القرآن العظيم، والأنبياء والمرسلون - عليهم الصلاة والتسليم - للدعاة أمثلةً رائعة في تنويع الحوار، وجذب الأنظار، وتحريك الفكر والوجدان، والتذكير بالنعماء، والتفكير بالأكوان، حتى توصلوا مع أقوامهم إلى الحقيقة الناصعة، ومع ذلك لم يؤمن لأكثرهم إلا قليلٌ، فما يئسوا ولا قنطوا، فكانوا ينتقلون من قوم إلى قوم، ومن أرض إلى أرض، ليبدؤوا من جديد.
وها هي الأرض اليوم متصلة الأطراف،متقاربة المسافات، قد انهارت فيها جل الحواجز، فطارت فيها الدعوات، كل الدعوات، من أقصاها إلى أقصاها، وليس من عذر يُقبل الآن من دعاة اليوم - والحال هذه - حتى يلتمسوا لإبلاغ دعوة الله إلى خلق الله كلَّ وسيلة، فيُعذروا إلى ربهم – سبحانه - ولتكن النتائج على صاحب هذا الكون وحده، فهو - سبحانه - المتفرد بالملك، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
إن استلهام الماضي يُعين على تخطي الحاضر،واستشراف المستقبل، وليس بين الأمم جميعها أمةٌ تمتلك من التراث الإيماني كما تمتلك أمة الإسلام، فنحن - بفضل من الله - خير أمة أخرجت للناس، إذا أمرنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، وآمنا بالله، ونحن الذين ورثنا الإيمان بالله وملائكته وكتبه، وجميع أنبيائه ورسله، نستلهم ماضينا من لدن آدم حتى خاتم النبيين: محمد بن عبد الله - عليهم جميعًا أفضل الصلوات وأزكى التسليم.
وأول ما يجب على دعاة المساجد استكشافُه هو: منهجالأنبياء والمرسلين في دعوة أقوامهم،ودراسة الوسائل التي بها استعانوا، واستجلاء المراحل التي لها تخطوا، والصعوبات التي بها جوبهوا، وكيف تغلبوا عليها ونصرهم الله وأظهر دينه.
كما يجب على أولي الأمر في بلاد المسلمين، وكذلك الذين يتحملون أمام الله هذه الأمانة - أن يعملوا على تدشين الهيئات والمؤسسات التي تُعِد هؤلاء الدعاةَ، وتمدهم بأفضل المناهج والوسائل العصرية، ولقد أصبح هذا - اليوم - مرتقى سهلاً، وخاصة في ظل التواصل الجبار بين أطراف الأرض، وبأحدث التقنيات وأقلها كلفة.

المسجد الفضائي:
إذا استكمل المسجد أركانَ بنائه - الأرضية، والفضائية، والعنكبوتية - فإن ذلك سيطوي الزمان، ويقرب المسافات، فإذا تضافرت هذه الأركان، وتناسقت تناسق الأزهار والرياحين في الدوحة الباسقة، لفاحت منها عطورٌ تملأ الكونَ شذًى، ونقاء، ومحبة، بطريقة طبيعية تلقائية، لا يشوبها كدر، ولا يعطلها حقود، كيف وهي دعوة الله في أرضه، ورسالة الأنبياء والمرسلين، والعلماء ورثتهم، والدعاة بإحسان أحبتهم ورفقتهم.

المسجد الهادئ:
الهدوء سمة حضارية إسلامية، دعا إليها القرآن العظيم والسنة النبوية؛ يقول الله – تعالى -: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾، ويستنكر القرآن على المشركين علوَّ أصواتِهم عند الكعبة، وطريقة عبادتهم الهمجية؛ يقول الله – تعالى -: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾، وحين رفع بعض الصحابة أصواتهم بالدعاء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تَدْعون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا، وهو معكم))؛ متفق عليه.
ولا شك أن للمدن المزدحمة أحكامًا شرعية،تتفق مع طبيعتها، وتُلَبِّي احتياجاتِها الإنسانيةَ، وتضمن بقاء العلاقة بين الناس هادئة ونظيفة، لا يشوبها كدر، ولا يعكرها عناد، فلا يصح أبدًا أن تصدر ضوضاء من المسجد، وهو: بيت الله، ومقرُّ العبادة، بينما يجد الناس من الهيئات الأخرى النظامَ والهدوء والسكينة، إن ذلك يُعَدُّ تناقضًا فاضحًا بين المبادئ الإسلامية الراسخة من ناحية، وبين السلوكيات الصادرة عمَّن ينادون بها، ألا فليتقوا الله فيما يصنعون.
ومما لا يكاد يخفى على أحد:تداخُل أصوات المساجد المتجاورة، والتسابق في توجيه مكبرات الأصوات؛ ليطغى بعضها على بعض، وليلغي بعضها بعضًا، برغم أن ذلك ليس من أخلاقيات الإسلام في شيء.
وقد يجد جيرانُ العديد من المساجد عنتًا كبيرًا في مجرد التفاهم مع القائمين على هذه المساجد،فيما يخص تنظيم الأصوات الصادرة عن بيوت الله - سبحانه وتعالى - ليتحول الأمر في النهاية إلى عقدة لا حل لها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
بل إن المجموعاتِ القائمةَ على خدمة المساجد المتجاورة، لا يكادون يتفقون فيما بينهم في شيء من ذلك؛ إلا ما رحم ربي.
إنها بلوى التنافس الوظيفي المحمومة، وليست روح الإسلام الخالصة.

المسجد المجمِّع:
بافتراض أن ثمة اختلافًا في التوجهات أو الآراء أو المذاهب أو ما يشابهها، فإن من المتوقع أن يُدار هذا الاختلاف بأسلوب حضاري، نابع من عظمة الإسلام وصفائه، ما دام أن هذه الاختلافات لا تُخرج من الملة، ولا تفضي إلى الكفر، والعياذ بالله.
إن مواقف الخلاف بين المؤمنين تكون بالغة الأثر في عامة الناس،وخاصة في نفوس الفتيان والشباب منهم، فإما أن تحزِّبهم أحزابًا وشيعًا، وإما أن تصرفهم بالجملة عن مبادئ الإسلام السامية في احتواء الآخر والتعامل معه، وكلا طرفي الأمور ذميم.
هل نلوم الناس حين لا يتفاهمون فيما بينهم بطريقة تحترم العقول والآدمية،وتوقر الكبير، وترحم الصغير، وتعظم شعائر الله – سبحانه - بينما نحن في المقابل تمور نفوسنا بأمراض مفتعَلة وهمية، نفخت فيها شياطين الإنس مرة بعد مرة، حتى صيرتها كأنها حقائق، وليست مجرد شبهات؛ ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾، ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا﴾.
ما البأس في التنوع!!؟.
إن الاختلاف سُنة من سنن الله في هذا الكون، والمهم ألا يفضي إلى خلاف، وكما يقال:" لكل أرض غارس، ولكل علم قابس، ولكل ثوب لابس، ولكل جواد فارس".
منذ متى اتَّفق الناس؟! ألم تختلف الملائكة والأنبياء والصحابة والتابعون والأئمة؟!، ولكن هل أدى اختلافهم هذا إلى خلاف وفُرقة، إلا في حالات نادرة، ثم استدركوا بعدها قبل فوات الأوان؟!.
إن حال أمتنا اليوم لا يحتمل مزيدًا من تفريق الدين، وإذا ذهبْتَ لتقيم الناس على مذهب واحد، لَتكونن فتنة؛ ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا﴾ .
وما أجملَ الدعاءَ القائل:"اللهم أصلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور".
وما أجمل أن يتخذ مسجد اليوم: منهجَ التوحيد والوحدة!، حينها سنستبشر بقرب نصر الله لهذه الأمة.

مسابقات المسجد:
من التجارِب المسجدية الدعوية التي كان لها - ولا يزال - أثرٌ طيب في تربية الشباب وتوجيهه وتثقيفه: المسابقاتالقرآنية الصغيرة والكبيرة، إن سوادًا عظيمًا من الفتيان والشباب يظل يحتفظ في صدره باحترام وتبجيل لهذا المسجد أو ذاك، وكذلك للذين قاموا على رعايته وتحفيظه هنا وهناك، وأيضًا هؤلاء الذين كافؤوه بعد أن اجتهد وحفظ، وفاز على أقرانه، إنه شعور يحفر في الوجدان، ويؤثر في السلوك الإنساني العام، مهما تباعد ما بين هؤلاء وأولئك.
أما الذي يُكْتب لهم دوام المتابعة وحسن التربية والتوجيه، فهم أعظم حظًّا ولا شك من غيرهم، وسيكون منهم العلماء والأئمة والمميزون، كل في مجاله، مع الاحتفاظ برابط الإيمان الذي اكتسبوه من ريادة المساجد والمتابعة فيها لأوقات طويلة.
وأول ما يجب على دعاة المساجد أن يهيئوا نفوس الفتيان والشباب له - القرآنُ العظيم، وما يتصل به من صحة القراءة، وحسن فهم المعاني والمقاصد المستنبطة منه، والسنة النبوية الشريفة، وقصص الأنبياء وسير الأمم السابقة، وغير ذلك مما يتصل بكتاب الله تعالى.
ولا مانع من موازاة ذلك بالعلوم الشرعية الأخرى،على ألا تؤخر دراسة القرآن الكريم عن غيرها أو تهمل، فإن حدث هذا، فلا يؤمن فساد الأفهام، واضطراب الأحكام، وهو - للأسف - ما حصل مع شرائحَ عريضةٍ من شباب اليوم الذين يُظَنُّ بهم الالتزام.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: المساجد وتربية المجتمع
08-08-2017, 12:48 PM
المساجد وتربية المجتمع

(5/5)



(ح)-الخاتمة والخلاصة:

1-في ظل تطورات التقنية الحديثة، أصبح لزامًا على الأمة: أن تصدر في أعمالها المسجدية - خاصة فيما يُعْنى بالتوجيه والإرشاد - عن منهجية واضحة المعالم، وبرغم المحاولات التي بُذلت في هذا الإطار، فما يزال البون شاسعًا جدًا بين الواقع والمأمول.



2-إن الأمة الإسلامية يتعذر عليها النهوض من كبوتها، إلا بتفعيل دورالمساجدكما أراد الله - تعالى - لها، وهذا أمر منوط بكل مَن بيده أدنى طرف من هذه المسؤولية.

3-إنخير البقاععلى وجه الأرض يجب أن تدار بخير الوسائل، وخير البرامج، ودون ذلك تقصير غير مقبول.

4-إن توجيه الفتيان والشباب يجب أن يكون باللسان الذي يفهمون، وذلك على غرار قول الله - تعالى -: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾، واللسان هنا: يشمل في معناه كافةَ الوسائل التوضيحية الحديثة، الكفيلة بتوصيل المعلومة.

5-تقتضي المسؤولية المشتركة بين جميع أبناء الأمة: أن يتقدم مَن يجد في نفسه: الكفاءةَوالمقدرة على الأداء، إلى شغل هذه المنابر أو المواطن التوجيهية، وذلك على غرار قول سيدنا يوسف - عليه السلام -: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾.

6-يجب على المؤسسات الدعوية القائمة على رعاية المساجد: أن تمعن في اختيار فرق العمل القائمة على التوجيه والإرشاد، وأن تتابع العمل على تطوير إمكاناتهم وقدراتهم يومًا بعد يوم.

7-يجب على القائمين على أمور التوجيهالمسجديالدعوي: أن يجتهدوا ما استطاعوا في التعانق مع فقه الزمان والمكان، كلٌّ حسب ما يناسبه، وفي شرع الله: متسعات تشكو هجرًا وإنكارًا من بني الإسلام؛ بحجة الاحتياط والأحوط!!؟، وهذا إن صح مع الخاصة، فلا يصلح مع العامة.

8-يجب على المساجد أن تراعي الأخلاق الإسلامية الحضارية في التعامل فيما بينها إذا كانت متجاورة، وفيما بينها وبين زوارها، وخاصة من الفتيان والشباب، فتحترم العقول في الخطاب الدعوي، وتحرص على هدوء الأجواء، ولا تشارك في التلوث السمعي البيئي بتداخل أصواتها، وصدورها بطريقة منفِّرة قد يصدق عليها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنمنكم منفرين)).

9-يجب على القائمين على المساجد ألا يهمشوا أدوار النساء بها؛ وَفقًا للضوابط الشرعية؛ لأن ذلك حري بأن يخلق شيئًا من عدم التوازن المعرفي في الثقافة الإسلامية المجتمعية، ومن ثم: إبطاءمشروعات نهضة الأمة الحضارية.

10-يجب العمل على إنشاء المسجد المتكامل: بنائيًّا، وفضائيًّا، وإلكترونيًّا، مع الحرص التام على أن تكون صورته مشرِّفة للدعوة الإسلامية داخليًّا وخارجيًّا، وعلى أن يستوعب جميع أبناء الأمة، ما داموا منضبطبن بالكتاب والسنة: عملاً أو دعوة؛ ليُجمِّع ولا يُفرق، ويؤلف ولا يتكلف، وييسر ولا يعسر، ويبشِّر ولا ينفر.
والله - تعالى - ولي التوفيق.


  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية دائمة الذكر
دائمة الذكر
مشرفة سابقة
  • تاريخ التسجيل : 29-03-2009
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 43,268

  • زسام التحرير 

  • معدل تقييم المستوى :

    61

  • دائمة الذكر is a jewel in the roughدائمة الذكر is a jewel in the roughدائمة الذكر is a jewel in the rough
الصورة الرمزية دائمة الذكر
دائمة الذكر
مشرفة سابقة
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية Karim Ibn Karim
Karim Ibn Karim
مشرف منتدى الخاطرة
  • تاريخ التسجيل : 20-10-2012
  • الدولة : الجزائر
  • المشاركات : 3,045
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • Karim Ibn Karim has a spectacular aura aboutKarim Ibn Karim has a spectacular aura about
الصورة الرمزية Karim Ibn Karim
Karim Ibn Karim
مشرف منتدى الخاطرة
رد: المساجد وتربية المجتمع
08-10-2017, 08:17 AM
السلام عليكم
جميل جدا
بارك الله فيك على هذا الموضوع

للمساجد دور كبير
قد غيب هذه الايام

فلا صار الخطيب ينكر منكرا او يامر بمعروف

او يهتم لحال الامة

او يتكلم عن قليل من الوعي


جزاك الله خيرا
ياحي يا قيوم
برحمتك استغيث
اصلح لي شاني كله و لا تكلني الى نفسي
طرفة عين
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: المساجد وتربية المجتمع
27-11-2017, 09:44 AM
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

ابتداء: أعتذر عن التأخر في التعقيب على المشاركات، لأنني لم أطلع عليها إلا مؤخرا.
الأخت:"أم هديل".
وفيك بارك الله وجزاك خيرا على تثبيتك للموضوع، وجعل ذلك من صالح عملك المكتوب في ميزان حسناتك.
صدقت وبررت في دعوتك للأولياء لقراءة الموضوع، فهو ذو أهمية بالغة تتعلق بفلذات أكبادهم في زمن كثرت فيه الفتن، وصعبت فيه التربية المنزلية إن لم تؤيد بالتربية المسجدية.

الأخ:" كريم".
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
وفيك بارك الله وجزاك خيرا على كريم تصفحك، وتميز تعليقك.
حقا وصدقا: حال مساجدنا اليوم كما وصفته إلا ما ندر!!؟، لذلك نستنهض في أئمتنا نخوة مسؤولية تحمل أمانة الإصلاح المسجدي مستعينين بالله لحسن التوفيق، وليتذكروا بأنهم مسؤولون عما استرعوا عليه، والله سائل كل مسؤول عن رعيته.

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 04:18 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى