في الأدب المغاربي: ------- ما بين شعرية النثر، و شعرية الشعر (عند الروائي الجزائري عبد الحميد مغيش)
31-01-2016, 10:42 AM
أدب مغاربي:
-------
شعرية الشعر، و شعرية النثر
عند الروائي الجزائري عبد الحميد مغيش

إلى أي مدى يستطيع الروائي أن يقترب من مسمى الشعر في إبداعه؟
و هل هناك خصوصية لشعرية النثر، مقابل شعرية الشعر؟
و ما هو الضامن يا ترى الذي يستطيع الروائي أن يقدمه لقرائه في هذا الصدد. أعني لتفادي ذلك النشاز المتعلق بصفاء الجنس الروائي، الذي قد يحدثه تقاطعه مع ماهية الشعر؟
ثم ألا يشتكي الكثير من قراء الرواية من ذلك النغص القرائي الذي تفرزه الشعرية داخلها؟
هنا و إزاء هذه الأسئلة المأزقية القرائية يقف رهان الروائي، خاصة ذلك الذي يعكف على تقديم لغة عذبة في سرده.
حيث أنه و لا شك بأن اللغة الشعرية، و باعتبارها قيمة مبالِغة في الاستطرادية و متماهية مع البعد التخييلي الشعري، تفرض تلك الهيمنة النسقية داخل السياق النثري.
فما العمل إذن و الحال هذه؟
إن روائيا مثل عبد الحميد مغيش، وبوصفه روائيا صرفا، أي أنه لم ينشر أي مجموعات شعرية، قد نعتبره أنموذجا و في هذا المتعلق أعلاه، ذلك أنه يمكننا أن نقف على الكثير من القيم الشعرية اللغوية المتميزة في تجربته الروائية.
فإلى أي قدر استطاع عبد الحميد مغيش أن يحافظ على ماهية الجنس الروائي في أعماله، برغم كل ما يشابكها من تلك اللغة الشعرية التي اتسمت بها تجربته الروائية؟
في روايته الأولى الموسومة ب " وادي الذهب" اتضحت تلك الملامح الشعرية الكبرى التي تؤسس لكيان عمله الروائي، لقد نهل الروائي من لغة البيئة الروائية التي دارت روايته حول معالمها الروحية و الحضارية و الأنثروبولوجية، لذلك فإن السبخة و الملح و الأرواح و الرهبان و غيرها من المفاتيح الشعرية التي يعمد إليها الشعراء لترصيع نصوصهم، هي في الحقيقة كلمات مبذولة و متاحة في مدار الروائي عبد الحميد مغيش الحياتي، أي أنها من اللغة اليومية، لذلك فإن استعمالاته المحسوبة لها لم تخرج بنصه الروائي عن جوهره السردي النثري الواقعي المحض.
في روايته الثانية: " الحياة في إسطبل" أيضا نعثر على تلك اللغة الشعرية ذات القيم النثرية، و التي تتشربها اللغة السردية، وهي تحاول أن تقدم أوجاع رجل أديب مظلوم " الهاشمي سعيداني" ، رجل على قدرٍ كبير من الإنسانية و التضحية.
أما في روايته الأخيرة " مواويل الملح والتبغ" فإن قضية شعرية النثر عند عبد الحميد مغيش قد صارت قيمة أرسخ و أكثر نضوجا و إيغالا في شعرية النثرية لا في شعرية الشعر:
إنها لغة إحالات تشير بلغة شعرية النثرية إلى مقوم روحي ميثولوجي نشأ عبد الحميد مغيش الروائي الإنسان بين أكنافه، هناك حيث لا يفرق الناس حتى العاديون منهم، بين العقلي و العاطفي، خاصة إذا اختص الأمر بمفاهيم جماليات الحياة.
بلغة شعرية صوفية إلى حد كبير يتشح جوهر النثر عند عبد الحميد مغيش هنا، يحفر في منجم النثر ليعثر داخله على كنوز الشعرية، إنه لا يفعل عكس هذا.
إنها تلك اللغة المستجلبة للأهواء العقلية و العاطفية، لأجل قضية نثرية روائية عميقة، فالكاتب لا ينساق إلى نداء العاطفة الخالصة، بقدر ما يجعلها هي نفسها تنصت إلى نداء الجوهر الواقعي الذي تقتضيه القضية الروائية في أهم خصوصياتها
إن تجربة عبد الحميد مغيش مع اللغة في إصداراته الروائية السابقة، تقدم لنا صنفا من المبدعين الذين لا ينطلقون من الرواية بوسمها رافدا حياتيا أكبر، للوصول إلى مصب الحياة، إن عبد الحميد مغيش يفعل عكس هذا تماما، و هذا ما ينبغي في رأينا، إنه يعبر من تفاصيل الحياة الصغيرة، و باختلاف بواعثها وقيمها، كل ذلك لترسيخ جوهر الحكي لا غير، هناك حيث تصير اللغة و بكل ما يتلبسها من قيم مهيمنة، ذات أصل روائي سردي حقيقي.
-------------------
عبدالقادر مهداوي/أستاذ جامعي و أكاديمي من الجزائر.