أخبار عاد في الجاهلية
14-07-2015, 07:39 PM
أخبار عاد في الجاهلية

يجد المتتبع للأشعار الجاهلية قبل الإسلام، ذكرا لقوم عاد في أشعار طرفة بن العبد والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى والهذليين .. وشعر طفيل بن عوف .. ولا يزال العرب يقولون عن الشيء المتعارف عليه في القدم (عادي) أي أن ذلك معروف منذ عهد عاد ..

ويقول المؤرخون الأجانب أن أقوام عاد عاشت بعد السيد المسيح، وهذا ما يجعل العرب يتذكرونهم ويبنون على أخبارهم شكلا أسطوريا، وحجتهم في ذلك أن التوراة لم تذكر أقواما بهذا الاسم .. في حين أن أهل الأخبار من العرب المسلمين يدحضون هذا الاستنكار من الغربيين، ويقولون أن التوراة قد ذكر قوم عاد .. ففي التوراة لفظ لقوم يسموا (هدورام) وهو لفظ يقارب لفظ (عاد و إرم) استنادا لقوله تعالى { ألم ترَ كيف فعل ربك بعاد، إرم ذات العماد} ..كما أن اليهود يعترفون بأنهم هم من كتب أسفار توراتهم، والتي لا تهتم إلا بأخبارهم، دون غيرهم .. وبالمقابل فإن التوراة تشير الى أن (هدورام) هو من نسل (يقطان) وهو (قحطان) عند العرب، وتشير التوراة الى مكانه قرب اليمن، والأمر هنا يستقيم في مسألة المكان، لكنه لا يستقيم مع تسلسل النسب عند العرب.

واعتاد الإخباريون العرب على تصنيف عاد الأولى ( وأنه أهلك عاداً الأولى) على أنهم نسل عاد بن عاديا بن سام بن نوح، أما عاد الثانية أو الأخرى، فهم بنو (تميم) و كانوا ينزلون برمال (عالج) ..

وقد ضرب العرب في الجاهلية المثل بالشؤم فيقولون (أشأم من أحمر عاد) .. وكان العرب يعتقدون أن عادا هم القوم الذين على مقربة زمنية من قوم نوح.. وقد روى الجاهليون أن رجلا موحدا من قوم (عاد) كان قد نجا من هلاكهم اسمه (حمار بن مويلع ) وكان غنيا كثير المال والبساتين، فسافر أبناؤه في تجارة، فضربتهم صاعقة في الطريق فماتوا، فكفر، فمحق الله أمواله كلها .. وأصبح الوادي الذي كان يعيش فيه ملعبا للجن، لا يجرؤ أحد أن يمر به وقد ضرب بالمكان المثل بالوحشة فقالت العرب (أخلى من جوف حمار) أي بطن الوادي الذي هلك به ذلك الرجل الغني ..

وعرف العرب في الجاهلية (هود) ونسبه النسابون الى : عبد الله بن رباح ابن جاوب بن عاد بن عوص بن إرم ومنهم من قال أنه هو عابر بن شالخ ابن أرفخشذ بن سام بن نوح الى غير ذلك ..
وعرف الجاهليون اسم لقمان، ووصفوه بأنه ثاني أكبر المعمرين في الأرض وكانوا إذا ذكروه ألصقوا به الحكمة فسمي بلقمان الحكيم، الذي كان يداوي العقول والأبدان، وقد ذكروا أنه عاش بعمر سبعة نسور، ولما كان النسر في رأي العرب يعيش 80 سنة فإن لقمان عاش 560 سنة .. وقد اضطربت القصص عنه فمنهم من يقول أنه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، ومنهم من يقول أنه أحد أبناء سام بن نوح، ومنهم من يقول أنه ابن أخت أيوب .. وامتد الخلاف حتى وصل المؤرخين، فالمسعودي يقول أنه (نوبي) من النوبة .. والواقدي يجعله قاضيا و يقول أنه كان على أيام النبي (داوود) .. ولكن أشعار العرب في الجاهلية تذكر لقمان في حكمته و طول عمره .. فهذا النابغة الذبياني يذكره:
كأن مشعشعاً من خمر بصرى.......... نمته البخت مشدود الـخـيام
حملن قلاله مـن بـين رأس .............. إلى لقمان في سوق مـقـام

ولكن الجاحظ ينبه من أن هناك شخصيتان باسم لقمان، لقمان بن عاد ولقمان الذي تعرفه العرب وهو قريب العهد منها .. وقد ذكر الجاحظ أنه كانت للقمان أخت محمقة أي تلد أولادا حمقى، فذهبت إلى زوجة لقمان، وطلبت منها أن تنام في فراشها حتى يتصل بها لقمان، فتلد منه ولداً كيساً على شاكلته، فوقع عليها فأحبلها ب (لقيم) الذي سيكون ابن لقمان من أخته. وقد أورد الجاحظ في ذلك شعراً جاء به على لسان الشاعر: (النمر بن تولب)، زعم أنه نظمه في هذه القصة. وزعم الجاحظ أيضاً أن لقمان قتل ابنته (صُحرا) أخت (لقيم)، وذلك أنه كان قد تزوج عدة نساء كلهّن خنّه في أنفسهن، فلما قتل أخراهن ونزل من الجبل، كان أول من تلقاه (صُحرا) ابنته فوثب عليها فقتلها، وقال: (وأنت أيضاً امرأة). وكان قد ابتلي بأخته على نحو ما ذكرت، فاستاء من النساء.
وقد زعم العرب في الجاهلية أن (زرقاء اليمامة)، التي اشتهرت بحدة بصرها وقوة رؤيتها حتى أنها كانت ترى من مسرة ثلاثة أيام، كانت امرأة من بنات لقمان بن عاد، وكانت ملكة اليمامة واليمامة أسمها، فسيمت الأرض باسمها.

ويظهر أن كثيراً من أخبار (عاد) وضعت في أيام (معاوية) الذي كان له ولع خاص بأخبار الماضين، فجمع في قصره جماعة اشتهرت بروايتها هذا النوع من القصص، وفي مقدمة هؤلاء (عُبَيْد بن شَريْة الجُرْهُمي) و (كعب الأحبار).

ويذكر بعض أهل الأخبار أن رجلاً قصّ في أيام معاوية، أن إبلا له ظلت في تيه أيمن، وهو غائط بين حضرموت وأبن، فالتقطها من هناك، ووجد فيه موضع (إرم ذات العماد)، ووصف أبنيته العجيبة، وهذا الرجل هو في جملة من موّن العاشقين للأساطير بأخبار عاد. وقد ذكر الطبري أن (وهب بن منبه)، قصّ أنه سمع من رجل اسمه (عبد الله بن قلابة) أن إبلاّ له كانت قد شردت، فأخذ يتعقبها، فبينما هو في صحارى (عدن)، وقف على موضع (إرم ذات العماد)، وقد وصف ذلك الموضع على النحو المالوف عن (وهب)، من إغراقه في الأساطير وفي القصص الخيالي البعيد عن العقل.
ــــــــــــــ
المرجع: المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام/د. جواد علي/دار العلم للملايين