تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
أرسطو طاليس
زائر
  • المشاركات : n/a
أرسطو طاليس
زائر
فلسطيــن: تصويــر الفجيــعة
29-04-2009, 10:31 PM
فلسطيــن: تصويــر الفجيــعة

يا فلسطين! إن في قلب كل مسلم جزائري من قضيتك جروحا دامية، وفي جفن كل مسلم جزائري من محنتك عبرات هامية، وعلى لسان كل مسلم جزائري في حقك كلمة مترددة هي: فلسطين قطعة من وطني الإسلامي الكبير قبل أن تكون قطعة من وطني العربي الصغير• وفي عنق كل مسلم جزائري ـ يا فلسطين ـ حق واجب الأداء، وذمام متأكد الرعاية، فإن فرط في جنبك، أو أضاع بعض حقك، فما الذنب ذنبه، وإنما هو ذنب الاستعمار الذي يحول بين المرء وأخيه، والمرء وداره، والمسلم وقبلته•

يا فلسطين! إذا كان حب الأوطان من أثر الهواء والتراب، والمآرب التي يقضيها الشباب، فإن هوى المسلم لك أن فيك أولى القبلتين، وأن فيك المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وإنك كنت نهاية المرحلة الأرضية، وبداية المرحلة السماوية، من تلك الرحلة الواصلة بين السماء والأرض صعودا، بعد رحلة آدم الواصلة بينهما هبوطا، وإليك إليك ترامت همم الفاتحين، وترامت الأينق الذلل بالفاتحين، تحمل الهدى والسلام، وشرائع الإسلام، وتنقل النبوة العامة إلى أرض النبوات الخاصة، وثمار الوحي الجديد إلى منابت الوحي القديم، وتكشف عن الحقيقة التي كانت وقفت عند تبوك بقيادة محمد بن عبد الله، ثم وقفت عند مؤتة بقيادة زيد بن حارثة، فكانت الغزوتان تحويما من الإسلام عليك، وكانت الثالثة وردا، وكانت النتيجة أن الإسلام طهرك من رجس الرومان، كما طهر أطراف الجزيرة قبلك من رجس الأوثان•

داست حماك سنابك الخيول البابلية، وجاست خلال الديار، وسبي بنوك (أسلاف الصهيونيين)، فلم ينتصر لك ولا لهم أحد، لولا أن منّ عليهم الفاتحون المستعبدون، وأن المنّ لأنكى على الحر الاسترقاق• ثم غزاك الرومان وأذلوا بنيك واشتفوْا منهم إثخانا في القتل وانتقاما ـ زعموا ـ من جريرة الصلب، وما ظلمت يا فلسطين، ولكن بنيك جروا على الجرائر• وما كنت لتفلتي من براثن الرومان لولا أن انتصف الله لك من عدوك بالإسلام والعرب، فنصروك وطهروك وبلوا الرحم الابراهيمية ببلالها، ووفوا لأبناء العمومة بحق القربى والحوار، وأصبحت من ذلك الحين ملكا ثابتا للإسلام وإرثا مستحقا من موسى لمحمد ومن التوراة للقرآن، ومن إسحاق لاسماعيل•

يافلسطين! ملكك الإسلام بالسيف، ولكنه ما ساسك ولا ساس بنيك بالحيف، فما بال هذه الطائفة الصهيونية اليوم تنكر الحق، وتتجاهل الحقيقة، وتجحد الفضل، وتكفر النعمة، فتزاحم العربي الوارث باستحقاق عن موارد الرزق فيك، ثم تغلو فتزعم أنه لا شرب له من ذلك المورد•

ما بال هذه الطائفة تدّعي ما ليس لها بحث، وتطوي عشرات القرون لتصل ـ بسفاهتها ـ وعد موسى بوعد ''بلفور''، وإن بينهما لمدا وجزرا من الأحداث، وجذبا ودفعا من الفاتحين• ما بالها تدّعي إرثا لم يدفع عنه أسلافها غارة بابل، ولا غزو الرومان، ولا عادية الصليبيين، وإنما يستحق التراث من دافع عنه وحامى دونه، وما دفع بابل إلا انحسار الموجة البابلية بعد أن بلغت مداها، وما دافع الرومان إلا عمر والعرب وأبطال اليرموك وأجنادين، وما دافع الصليب وحامليه إلا صلاح الدين وفوارس (حطين)•

إن العرب على الخصوص، والمسلمين على العموم، حرروا فلسطين مرتين في التاريخ، ودفعوا عنها الغارات المجتاحة مرات، وانتظم ملكهم إياها ثلاثة عشر قرنا، وعاش فيها بنو إسرائيل تحت راية الإسلام وفي ظل حمايته آمنين على أرواحهم وأبدانهم، وأعراضهم وأموالهم، وعلى دينهم، ومن المحال أن يحيف المسلم الذي يؤمن بموسى على قوم موسى• ما أشبه الصهيونيين بأولهم في الاحتياط للحياة، أولئك لم يقنعوا بوعد الله، فقالوا: يا موسى إن فيها قوما جبارين، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، وهؤلاء لم يثقوا بوعد بلفور حتى ضمنت لهم بريطانيا أن يكونوا في ظل حرابها، وتحت حماية مدافعها وقوانينينها، وبكل ذلك استطاعوا أن يدخلوا مهاجرين ثم يصبحوا سادة مالكين، ودع عنك حديث الإرهاب فما هو إلا سراب•
ولو أن السيوف الإنجليزية أغمدت والذهب الصهيوني رجع إلى مكانه، وعرضت القضية على مجلس عدل وعقل لا يستهويه بريق الذهب، ولا يرهبه بريق السيوف، لقال القانون: إن ثلاثة عشر قرنا كافية للتملك بحق الحيازة، وقال الدين: إن أحق الناس بمدافن الأنبياء هم الذين يؤمنون بجميع الأنبياء، وقال التاريخ: إن العرب لم ينزعوا فلسطين من اليهود، ولم يهدموا لهم فيها دولة قائمة، ولا ثلوا لهم عرشا مرفوعا، وإنما انتزعوها من الرومان، فهم أحق بها من كل إنسان•

إن الصهيونية فيما بلونا من ظاهر أمرها وباطنه نظام يقوم على الحاخام والصيرفي والتاجر، ويتسلح بالتوراة والبنك والمصنع، وغايتها جمع طائفة قدر لها أن تعيش أوزاعا بلا وازع، وقدر لها أن تعيش بلا وطن، ولكن جميع الأوطان لها، فجاءت الصهيونية تحاول جمعها في وطن تسميه قولا فلسطين، ثم تفسره فعلا بجزيرة العرب كلها، فهو في حقيقته استعمار من طراز جديد في أسلوبه ودواعيه وحججه وغاياته، يجتمع مع الاستعمار المعروف في أشياء، وتفرق بينهما فوارق، منها أن الصهيونية تعتمد قبل كل شيء على الذهب، تشتري به الضمائر والأرض والسلاح، وتشتري به السكوت والنطق، وتشتري به الحكومات والشعوب، تعتمد عليه وعلى الحيلة والمكر والتباكي والتصاغر في حينه، وعلى التنمر والإرهاب في فرصته•

إن فلسطين أرض عربية لأنها قطعة من جزيرة العرب، وموطن عريق لسلائل من العرب، استقر فيها العرب أكثر مما استقر اليهود، وتمكن فيها الإسلام أكثر مما تمكنت اليهودية، وغلب عليها القرآن أكثر مما غلبت التوارة، وسادت فيها العربية أكثر مما سادت العبرية، وما الانتداب الإنجليزي إلا باطل، ليس من مصلحة العرب ولا من مصلحة اليهود، وما الوطن القومي إلا خيال جسمته الأحلام الدينية والمطامع المادية، وما منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولجنة التحقيق إلا تعِلاّت لا تسكت ولا تسكن، وما استمرار الهجرة إلا مد للحمأة وتأريث للنار، ومن ضاقت به رحاب الدنيا لا تسعه فلسطين، ومن لفظته حواشي الأرض لا تستقر به فلسطين، أما حديث التشريد والمشردين من اليهود فهو مشترك إلزام في القضية، وما أكثر المشردين في الأمم الإسلامية، بل ما أكثر المشردين من العرب، فإذا أخذنا الرحمة بالمشردين قاعدة كان أحق إليها أنها شرعية أو بدعية كما يقال في هجرة اليهود، وما ظلمت كلمة الشرع بأفحش من نسبة الحيل إليها عند بعض فقهائها ومن نسبة الهجرة اليهودية إليها عند فقهاء الاستعمار•

أيظن الظانون أن الجزائر بعراقها في الإسلام والعروبة تنسى فلسطين، أو تضعها في غير منزلتها التي وضعها الإسلام من نفسها• لا والله، ويأبى لها ذلك شرف الإسلام ومجد العروبة ووشائج القربى، ولكن الاستعمار الذي عقد العقدة لمصلحته وأبى حلها لمصلحته وقايض بفلسطين لمصلحته، هو الذي يباعد بين أجزاء الإسلام لئلا تلتم، ويقطع أوصال العروبة كيلا تلتحم، وهيهات هيهات لما يروم•

إن بين دول الاستعمار علائق ماسة، وإنهن يتباعدن ما دام خيال الشرق وبنيه والإسلام وأممه بعيدا، فإذا لاح ذلك الخيال، حنـّت من الاستعمار الدماء، وتعاطفت الأرحام، وتنوسيت الأحقاد، فهلاّ فعلنا مثل ما فعلوا• أيها العرب! إن قضية فلسطين محنة امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليست حقوق العرب فيها تنال بأنها حق في نفسها، وليس تنال بالهوينا والضعف، وليست تنال بالعشريات والخطابيات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والاتحاد والقوة•

إن الصهيونية وأنصارها مصممون، فقابلوا التصميم بتصميم أقوى منه، وقابلوا الاتحاد باتحاد أمتن منه• وكونوا حائطا لا صدع فيه وصفا لا يرقع بالكسالى•

محمد البشيرالإبراهيمي

نشرت في العدد 5 من جريدة البصائر سنة 1947
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 11:18 AM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى