أنـا حُـرَّة !!؟
01-08-2018, 03:00 PM
أنـا حُـرَّة !!؟
عبد الرحمن بن رشيد الوهيبي



الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلَّمنا الحكمة والقرآن، أنزل إلينا أفضل كُتُبه وأرسل إلينا خاتم رسله، خلقنا مـــن عدم، وأسبغ علينا وافر النعم، هدانا من ضلالة، وعلَّمنا من جهالة، وبصَّرنا من عمى، كسانا مـن عُــري، وأطعمنا من جوع، ونصلِّي ونسلِّمُ على خير خلقه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واستنَّ بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدِّين، أما بعد:

فإن الله قد أنعم علينا نعماً كثيرة: صحةً في الأبدان، وكثرةً في الأموال والأولاد، وأمناً في البلدان، وقبل ذلك كلِّه: هدانا للإسلام والإيمان.
لذا: وجب علينا شُكر نعم الله علينا، وذلك بطاعته سبحانه وتعالى، واجتناب نهيه، والعمل بما يرضيه سبحانه وتعالى، فالشكر باللسان مطلوب، لكنه لا يكفي، بل يجب أن يُدلِّلَ المسلمُ على صدق شكر اللسان بالعمل، قال تعالى:
[ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ].( سبأ: 13).
ولقد علَّمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم الشكر العملي، حيث كان يقوم الليل حتى تفطَّرت قدماه، وعندما قيل له: لم تفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك؟، قال:" أفلا أحبّ أن أكون عبداً شكوراً". متفق عليه.
وكما قال الشاعر:
إذا كنتَ في نعمةٍ فارعها÷ فإن المعاصي تزيلُ النِّعم
وحُطْها بطاعة ربِّ العباد÷ فربُّ العبادِ سريعُ النِّقَم

ومن هذه النعم يا عباد الله: نعمة الأولاد:(بنين وبنات ) الذين أوجب الله علينا رعايتهم، قال تعالى:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ].(التحريم:6).
وقال صلى الله عليه وسلم:" كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته...". متفق عليه.
وقد خصت البنات بشيء لم يخص به الذكور، لأن فسادهن يسبب فتناً كثيرة كما قال صلى الله عليه وسلم:" ما تركت فتنة هي أضرُّ على الرجال من النساء". متفق عليه.
لذا قال صلى الله عليه وسلم:" من ابتُلي من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهنَّ، كُنَّ له ستراً من النار". متفق عليه، ومعنى ابتُلي: أي اختُبر، هل يُحسن لهنَّ أم يسيء كما كان أهل الجاهلية يفعلون؟.
إن بعض بنات المسلمين خُدعن بالمظاهر الزائفة، فزُيِّنت لهن زهرة الدنيا، فاتخذنها غاية، فكانت همومهن هابطة وطموحاتهنَّ سطحية.
أصبحت همومهن: اللباس وألوانه، والعطر وأنواعه، والحقيبة وأشكالها، وتسريحة الشعر وموضاتها، والحذاءُ وموديلاته، والعدسات وألوانها، والبنطلونات وموديلاتها ... الخ
ولم يَصِلْنَ إلى هذه النتيجة بين عشية وضحاها، بل كل هذا وغيره جاء نتيجة غفلتهنَّ وتفريط أهلهنَّ وتقليد صويحباتهنَّ.
شاهدن الأفلام والمسلسلات، وقرأن القصص الروايات، تابعن الفن ونقدن المباريات، تجاهلن الأحاديث وأعرضن عن الآيات.
حدث هذا عندما وُجِدَ في المجتمع من زيَّنوا لبعض بناتنا ونسائنا الباطل والشهوات، وأعانوهن على التمرد على رب الأرض والسموات، أراد الله للمسلمة: أن تكون درة مصونة وجوهرة مكنونة: لا ينظر إليها ولا يمسَّ جسدها إلا محارمها:[ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدتين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين].
وأرادها أصحابُ الشهوات: سلعة معروضة، ومائدة مكشوفة ينهشونها بأعينهم الجائعة، ونظراتهم المسمومة الرخيصة، وما هؤلاء إلا كفرعون الذي قال الله عنه:[ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ].(غافر: 29).
ودعاة التغريب يقولون للمسلمات: هذا طريق الحرية، وهكذا الحبُ البريء، وهذه أزياء المرأة الأنيقة، وتلك تسريحة الفتاة الجميلة، وما دمتِ عفيفة، فلا بأس بالحب!!؟.
صنعوا لها حجاباً برَّاقاً فلبسته، وصدّروا لها ثوباً مفتوحاً فامتلكته، وفاخرتْ به.
وزعموا أن الثياب الضيِّقة موضة العصر فأعجبتها!!؟، وفَّروا بين يديها أزياءً فاضحة فقلَّدتها، وطرَّزوا لها ملابس بعبارات ساقطة فارتدتها!!؟.
وافقت هواها، وخالفت أمر خالقها الذي يقول:[ فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى].(النازعات).
فيا كل غيور على بنات المسلمين: إن بعض بناتنا رفضن الحق على ألسنة أهله لا لشيء إلا للدعاية له من قبل من لا يَخشون عقوبةً ولا يخافون حساباً.

أيها المسلمون: نحن لا نتشاءم من حال نسائنا، فالصالحات والمصلِحات ــ ولله الحمد ــ كُثر، وأخبار التائبات من المسلمات تنقل لنا دائماً، وحلق القرآن تخرِّج لنا المئات من الحافظات، والدروس العلميَّة تحضرها العشرات من طالبات العلم، وجهود الغيورات في الجامعات والمدارس تُذكر فتُشكر، أحسبهنّ كما قال تعالى:[فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ].(النساء: 34).
ولكن الواقع يشهد بأن هناك فئة من بناتنا يتعرَّضن لعواصف عاتية وأمواج من الفتن متلاطمة لم يستطعن مقاومتها: لقلة علمهنَّ، العلم الذي يورث الخشية كما قال تعالى:[إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ].(فاطر:28).
وضَعُف إيمانهنَّ، مما أفقدهنَّ ــ نتيجة لذلك ــ الحياء، الذي هو من جمال المرأة.
انظروا إلى هذا الصنف عند أبواب بعض الجامعات، وفي قصور الأفراح، وفي الحدائق المختلطة، وفي الأسواق المركزية الكبرى وفي أماكن كثيرة.
اقرؤوا ما تكتبه بعض فتياتنا ــ هداهنَّ الله ــ عن الفن، عن الحب، عن الرياضة، عن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، عن الحجاب الذي شرعه الله، عن وعن...
ستجدون ما يؤلم القلب، ويدمع العين، ويحزُّ في النفس.
أنـا حُـرَّة!!؟.
إنك لتعجب عندما تُناصح إحداهنَّ عن واجب تركته، أو محرَّم فعلته، فتنبري لك بكل جرأة قائلة: أنا حرَّة!!؟، أو تُناصح وليَّها، فيقول: هي حرَّة!!؟.
سبحان الله!!؟، إنها كلمة يردِّدها هؤلاء دون معرفة لمعناها!!؟.
يقول د. عمر الأشقر – رحمه الله – ( حول حرية الرجل والمرأة):
" إن الإسلام ألزم الرجل والمرأة بالعبودية لله الواحد الأحد في صورة الخضوع لمنهجه ودينه، وهذه العبودية هي أعظم مراتب الحرية، فالإنسان من خلال توجهه لله وعبادته له، يتحرر من كل سلطان، فلا يوجه قلبه ولا يطأطئ رأسه إلا لخالق السموات والأرض.
والإنسان في الإسلام يتحرَّر حتى من سيطرة الهوى وسلطان الشهوة، فالذي يسيطر على ضميره ودخيلته إنما هو: سلطان الشرع، وهو يطرد سلطان الهوى إذا عارض سلطان الشرع.
قال تعالى:[ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى].
وقال:[ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)].( الشمس).
إذاً هي حرية في صورة العبودية، ولا يمكن للبشرية أن تتحرر إلا بهذه العبودية.
إن الحرية في غير الإسلام تصبحُ حرية جوفاء لا معنى لها، بل هي العبودية المُذلة المهينة، وإن بدت في صورة الحريةَ!!؟.
إن الخضوع للزعماء والرؤوساء والمناهج والقوانين والنُظم وما تحبه النفس بعيداً عن تشريع الخالق، إنما هو عبودية، وأيّ عبودية!!؟.
إن الحرية الغربية التي يريدنا أدعياء التقدم أن ننتمي إليها حُرية جوفاء.
الحرية كلمة رنانة، ولكن لا مضمون لها ولا محتوى، ويفسرها كل قوم بحسب ما يشتهون، وقد نادى بها اليهود لتحطيم المجتمعات الإنسانية. والحرية بغير مضمون وبغير ضوابط ولا حدود: تنقلب إلى سلاح فتاك يعصف بأمن الناس وحريتهم الحقَّة".( كتاب المرأة بين دعاة الإسلام وأدعياء التقدم، ص36-37).
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن قول بعض الناس:
(أنا حُر):هل هذا القول صحيح أم لا!!؟.
فأجاب بقوله:" إذا قال ذلك رجلٌ حرٌ، وأراد أنه حرٌ من رِقِّ الخلق فنعم، هو حرٌ من رِقِّ الخلق، وأما إن أراد: أنه حرٌّ من رِقِّ العبودية لله – عز وجل–، فقد أساء فهم العبودية، ولم يعرف معنى الحريَّة، لأن العبودية لغير الله هي الرِّق، أما عبودية المرء لربِّه – عز وجل – فهي الحريَّة، فإنه إن لم يذلَّ لله: ذلَّ لغير الله، فيكون هنا خادعاً نفسه، إذا قال: إنه حر، يعني أنه متجرِّدٌ من طاعة الله، ولن يقوم بها".
كما سُئل رحمه الله عمَّن يقول: أنا حرٌ في تصرفاتي، عندما يُنصح عن فعل معصيةٍ ما!.
فأجاب بقوله:" هذا خطأ، نقول له: لستَ حراً في معصية الله، بل إنك إذا عصيتَ ربَّك، فقد خرجتَ من الرِّق الذي تدَّعيه في عبودية الله إلى رق الهوى والشيطان".( ألفاظ ومفاهيم /العلاَّمة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ص11 ص 12 ).

وفَّق الله بناتنا خاصة، ونساءنا عامَّة إلى تحقيق العبودية الحقَّة لله سبحانه وتعالى، ومعرفة حقيقةالحريَّة التي يدعو إليها من يريدون سلخها من دينها وأخلاقها، اللهم آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.