حديث الصباح.. الرّجال مواقف
11-11-2017, 07:01 AM
من الصعب طبعا أن يغير المرء بين عشية و ضحاها مواقف صاحَبَتْهُ مذ دخوله الحياة العملية، أو أخذها من أناسٍ كانوا في السابق قُدْوَةً له، قد يكون والده.. مُعَلِّمَهُ، أو شخصا آخر في مؤسسة دينية كانت أو سياسية ، رأيت بعض من الذين كنت أقرأ مواقفهم، و كم هالني و أنا أرى واحدا من هؤلاء (صاحب المواقف) الذي كان مثل الجبل لا تحركه ريح و لا عواصف ( هكذا كان يبدو لي) يتحطم و يسقط ، تتناثر أجزاؤه على الأرض ، الجزء تلو الآخر ، و هو يغير مواقفه و يرفع بني آدم إلى مصف الآلهة و يحيطهم بهالة من التقديس، هؤلاء الملوثة أيديهم باغتصاب حقوق الآخر، يغيرون الأقنعة وفق ما تقتضيه المصلحة.. فما أبشع أن يتحول الإنسان من سيّد يعتز بشخصه إلى تبعيّ.. و الرجل التبعيّ يرى سيده و كأنه الموت قادم، يلتزم الصمت، فتجده يمشي كالأعمى لا يبصر.. كالأبكم لا يتكلم.. و كالأصم لا يسمع..فهل يعي التبعيون أنّه سيأتي يوم يُنْقَلبُ عليهم عندما تنتهي مهمتهم و يصبحون نسيًا منسيَّا..
كنت قد وقفت على واحد منهم وقف ذات يوم في الطابور الطويل بمقر حزب جبهة التحرير الوطني ينتظر قدوم الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم ليقدم له تهنئة العيد، لأفاجأ به اليوم ينقلب عليه و يسيء إليه و يتهمه بأنه سبب المصائب التي وقعت، ألا يعي هؤلاء أن ازدواجية المواقف و ازدواجية القرارات تخلق العداء بين أبناء الوطن الواحد و أبناء الحزب الواحد، و تخلق العداء حتى بين أبناء الأسرة الواحدة، و من الصّعبِ جِدًّا أن تغرد خارج السرب أنت المتمسك بمواقفكَ، أنت تُغَرِّدُ خارج السّرب.. ، إذن أنت خائن..، هكذا تبدوا لهم.. و هكذا يقولون، و قد تُجَرَّدُ من صفتكَ "النّضَاليّة"..، و لا تستطيع الرد، ليس من باب الضعف أو الخوف، و إنما من باب الأدب مع الآخر، عندما تكون في مكتبه أو بيته..
طالما النضال و "المناضل" الحقيقي لم يعد لهما وجود في زمن "الرداءة" فليس غريبا أن يبرز أحدهم أنياب الحقد و الضغينة أمامك، و لو أنها صفة ظهرت مع أبناء آدم القدامى، و في القَصَصِ أمثال كثيرة، و يكفي الوقوف على كيف عمى الحقد هابيل لقتل أخيه قابيل، و يكفي الوقوف على قصة سيدنا يوسف عليه السلام و حقد إخوته عليه فألقوه في الجُبِّ لولا قافلة أنقذته..
إن الذي يكذب على الناس هو في الحقيقة اعتاد الكذب على نفسه عندما يتخيل الوهم حقيقة، يتكرر كذبه، و تلي الكذبة الأخرى، هؤلاء يكذبون في اليوم ألف كذبة، يصدقونها لتصبح حقيقة، يجعلون منها مبدأ يسيرون عليه في حياتهم اليومية، ينظمونها في شكل قانون، يصادقون عليه بالإجماع، ثم يقدسونه و كأنه القرآن المنزل من عند الإله، إنهم يكذبون و سيكذبون و في كل لحظة يفجرون لغمة من ألغام كذبهم ، يمارسون بها القتل المعنوي.. هؤلاء الذين اعتادوا الكذب على الناس من أجل الحصول على شيك بمليون صفر بجانبه واحد أو اثنان أو حتى ثلاثة، هم في الحقيقة أغبياء، يجهلون أن هذا الشيك مساومة في رجولتهم، و لو عرفوا نهاية هذه الأرقام لما قبلوا المساومة، و لكنهم يمسكون الشيك فرحين مبتسمين، يقيمون شعائر الفرح على أنقاض دموع اليتامى و الثكالى، يخاطبون أصحاب المبادئ و القيم: " أيها النمل أدخلوا مساكنكم و إلاّ.."، و في الساعة السياسية الحرجة ، يغيرون القوائم، أو يبرمجون الإضرابات، حتى يحلو لهم اللعب ، و في الظلام وتحت الطاولة يصدرون البيانات و القرارات هي شبيهة بحالة الطوارئ..
الأوفياء وحدهم لا يخشون الموت و لهذا تجدهم في الواجهة صامدون، و كم تثيرنا مواقف البعض منهم في بلد فقد قدسيته التاريخية، بلد يعرض فاكهة "نتنة" يأكلها "الـ.. شّـ..عـ..ب"، لا يشعر برائحتها الكريهة، هي في الحقيقة فاكهة مسمومة، يريدون بذلك تخدير الضعفاء و الغافلين كي يهرولون كالبعير إلى صناديق الاقتراع من أجل تأسيس دولة غير قادرة على خوض كل الرهانات، دولة لا تحترم فيها الحريات الفردية و السياسية، يبصمون بأصابعهم بأن كل شيئ على ما يرام في بلد تُغَيَّبُ فيه العدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان..
عندما تنتهي حريتكَ.. تبدأ حريتي أنا..
التعديل الأخير تم بواسطة علجية عيش ; 11-11-2017 الساعة 05:29 PM