العاقّون لأصحاب نبيّهم!!؟
13-10-2018, 03:55 PM
العاقّون لأصحاب نبيّهم!!؟
سلطان بركاني

كان لا بدّ من العودة إلى الحديث عن مكانة الصّحابة الأخيار، من حين إلى آخر، خاصّة في أيامنا هذه التي أصبح فيها أولئك الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدّنيا ينظرون إلى الدّين كما ينظرون إلى أيّ متاع آخر: يحتاجون إليه في بعض الأوقات والأحوال، ويستغنون عنه في جلّ أوقاتهم وأحوالهم، وأحسنهم حالا: من لا يعجبهم أن يسمعوا من أحكام الدّين وشرائعه وآدابه سوى ما يتعلّق بإصلاح الحياة الدّنيا وما يصلح البدن الترابيّ، وينسون أنّ هذا الدّين العظيم جاء ليصلح حياة الإنسان التي تبدأ بلحظة ميلاده ولا تنتهي بوفاته، بل تمتدّ إلى أبد الآبدين، وليصلح تفكيره وقلبه وروحه، وليس بدنه فحسب.
بناءً على هذه النّظرة القاصرة إلى دور الدّين في الحياة، ينظر هؤلاء الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدّنيا إلى الصّحابة الأبرار على أنّهم جيل من الأمّة عاش في الدّنيا لأجل أن يفلح في الآخرة فحسب، وانقضى زمانه، ولم يبق من داع للحديث عنه وعن مآثره.
أصبح التعريض بالصحابة والاستهانة بمكانتهم موضة عند بعض المتجرّئين الذين ورثوا الإسلام كما يورث المتاع، وما علموا أنّ هذا الدّين العظيم الذي يستهوي العلماء والمنصفين في الغرب، وتدور حوله رحى أحداث العالم في هذا الزّمان، لم يصل إلى بلادنا على أطباق من ذهب أو مكتوبا في رسائل يحملها الحمام الزّاجل، إنّما وصل على جماجم الصّحابة الأبرار وعلى أشلاء التابعين الأخيار.
شهدت مواقع التواصل الاجتماعيّ خلال الأيام الماضية حملة استنكار واسعة لكلمات استهتار بمكانة وحقّ صحابيّ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أبي هريرة رضي الله عنه، تفوّه بها أحد المسؤولين في معرض حثّه أحد الأئمّة على التّركيز في دروسه وخطبه على أهمية النّظافة، حيث قال المسؤول ناصحا الإمام: “تكلّمْ عن النّظافة ودعنا من أبي هريرة وغيره”، وإن كان المسؤول المذكور، كما بدا من سياق كلامه وظهر في توضيحه، لم يقصد الإساءة إلى أبي هريرة في حدّ ذاته، إلاّ أنّ الحديث عن الصّحابة الأبرار يفترض ألا يكون مثل الحديث عن أيّ أناس آخرين، لما لهم من مكانة بوّأتها إياهم نصوص الوحيين، ولما لهم من فضل بعد الله، ثمّ بعد رسوله صلى الله عليه وآله وسلّم، في تبليغ رسالة السّماء، وحفظ الكتاب المبين ونقل السنّة المطهّرة التي من ضِمنها عشرات الأحاديث التي تحثّ على النّظافة وإماطة الأذى عن الطّريق والاهتمام بالشّأن العام والمساهمة في أعمال الخير التي يعود نفعها على الآخرين.
الصّحابة بذلوا مهجهم وأرواحهم ليس ليهيّئوا النّاس للآخرة فحسب، كما ينظر إليهم بعض المستهترين، وإنّما أيضا: ليصلحوا الدّنيا والعالم بِعدل الإسلام وشمول تشريعاته لشتّى مناحي الحياة، وقد قالها ربعي بن عامر -رضي الله عنه- لرستم ملك الفرس: “إنّ الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام”.
لقد أوصى القرآن بحفظ مكانة الصّحابة والدّعاء لهم، فقال جلّ من قائل: [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم]. (التوبة، 10)، وأوصى الحبيب المصطفى –عليه الصّلاة والسّلام- بهم خيرا، في أحاديث كثيرة، منها قوله–عليه الصّلاة والسّلام- في أواخر أيام حياته:
" أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا، وأوصي المهاجرين فيما بينهم.. وأوصيكم بالأنصار خيرا، فإنّهم الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلكم، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم في الثمار؟، ألم يوسعوا لكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسكم وبهم الخصاصة؟، ألا فمن ولي أن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم، وليتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وإني فرط لكم وأنتم لاحقون بي، ألا فإن موعدكم الحوض، ألا فمن أحب أن يرده عليّ غدا فليكفف يده ولسانه".
فهل يجرؤ مسلم يخشى الله والدّار الآخرة على الاستهانة بمكانة الصّحابة وعلى التّعريض بهم، وهو يسمع مثل هذه الوصايا العظيمة!!؟.
إنّ من أشنع درجات العقوق: أن يستهين المسلم بمكانة صفوة الخلق بعد الأنبياء عليهم السّلام، ويقلّل من شأنهم؛ وكيف لا تكون الاستهانة بمكانتهم عقوقا، وفضلهم على أجيال الأمّة: أهمُّ وأعظم من فضل والدي أحدنا عليه!!؟.