الحضارة الإسلامية
16-02-2020, 12:59 PM


إن الذي يريد أن يفهم مسيرة الإنسانية لن يستطيع أن يُدرك ذلك بغير الاطلاع والتعمُّق في دراسة الحضارة الإسلامية، ليس لأنها تمثل حلقة مهمة من حلقات التاريخ فقط، وليس لمجرَّد أنها ربطت الحضارات القديمة بالحضارات الحديثة، ولكن لأن إسهامات المسلمين في مسيرة الإنسانية ما أكثرها وما أهمها، بحيث إننا لا يمكن أن نستوعب ما وصلت إليه البشرية من تَقَدُّم في أي مجال من مجالات الحياة إلا بدراسة الحضارة الإسلامية، وبكل خصائصها ودقائقها، منذ عهد النبوة وإلى زماننا الآن، إنها حضارة راقية حقًّا.

ورغم ذلك نشاهد ونرى ازدياد الهجمة الشرسة الموجَّهة إلى الإسلام والمسلمين، ومن بنود هذه الهجمة وآلياتها اتهام المسلمين بالتخلُّف والرجعية، ووصمهم بالجمود والهمجية، وادعاء أن العنف والإرهاب من صميم أخلاقهم وصفاتهم.. ويقف كثير من المسلمين أمام هذه الاتهامات مكتوفي الأيدي، معقودي اللسان، لا يستطيعون الردَّ بما يُقنع، أو الدفاع بما يُلجم، وهذا السكوت في معظمه بسبب جهلنا الشديد بأصولنا وتاريخنا، ومناهجنا، وحضارتنا.

وفوق الجهل الذي يُكَبِّل عقولنا هناك الإحباط واليأس، الذي يسيطر على مشاعر المسلمين؛ نتيجة عوامل شتى تمرُّ بها الأمة في زماننا الراهن، فلا شكَّ أن متابعة خريطة العالم الإسلامي السياسية تُثير في القلب الكثير من الأحزان، كما أن الحالة العلمية والثقافية والاقتصادية، بل والأخلاقية تعاني من تخلُّف شديد لا يتناسب مع أمة كريمة كأمة الإسلام، وهذا يترك في النفس آثارًا سلبية تدفعها إلى قنوط غير مقبول، وفتور لا يليق.

في هذه الظروف يتحتَّم علينا أن نعود إلى أصولنا، وأن نقرأ تاريخنا، وأن نعرف أسباب سيادتنا وريادتنا؛ فإنه لن ينصلح حال آخِرِ هذه الأمة إلا بما صلح به أَوَّلها، ولهذا فإننا لا ندرس التاريخ، ولا نتفقَّه في الحضارة لمجرَّد المعرفة النظرية، أو للاستخدام في المناظرات الأكاديمية، إنما نهدف إلى إعادة البناء، وإلى ترميم الصدع، وإلى إعادة المسلمين إلى المسار الصحيح، كما نهدف إلى تعريف العالم بدورنا في مسيرة الإنسانية، وبفضلنا في حياة البشرية، ليس من قبيل المنِّ والكبر، وإنما إسناد الحق لأهله، وكذلك الدعوة إلى خير دين بَنَى خير أمة أُخْرِجت للناس.

ورغم اختلاف المفكرين والمؤلفين في تعريف معنى كلمة الحضارة فهي من وجهة نظر إسلامية تعني قدرة الإنسان على إقامة علاقة سوية مع ربه ومع البشرِ الذين يعيش معهم، وكذلك مع البيئة بكل ما فيها من ثروات، وكلما ازدادت هذه العلاقة سموًّا، زادت الحضارة رقيًّا وتقدُّمًا، وكلما قَلَّتْ وضعفتْ صار الإنسان متخلِّفًا منحدرًا، إذن قمة الحضارة أن يستطيع الإنسان إقامة أفضل علاقة مع ربه ومجتمعه وبيئته، وقمة التخلُّف أن يفشل في إقامتها جميعًا.

وهناك مجتمعات قد تكون في قمة التحضُّر في جانب، بينما تكون مُتَخَلِّفة شديدة التخلُّف في جانب آخر، فهناك الإنسان الذي يستطيع أن يبتكر الآلة، ويخترع الأجهزة، ويُطَوِّر الاختراعات، ويُحْسِن استخدام كل ذلك دون أن يتعرَّض لبقية عناصر البيئة بالأذى أو الضرر، لكن على الجانب الآخر يمكن أن نجد نفس هذا الإنسان يُنْكِر وجود الخالق جلَّ وعلا، أو يُهْمِل عبادته والتوجُّه إليه، ومن ناحية أخرى قد يُحسن الإنسان إلى أولاده ووالديه وزوجته وجيرانه، ويتعامل معهم في داخل إطار الأخلاق الرفيعة، والقيم النبيلة، لكنه قد يُسيء التعامل مع بيئته، فلا يكترث بالطيور أو الأسماك؛ فيُدَمِّر، ويُؤذي، ويُصِيب، ويتجاوز.

بل قد يكون الإنسان متحضِّرًا في أحد المحاور من شِقٍّ مُعَيَّن، ومتخلِّفًا في نفس المحور من شقٍّ آخر! بمعنى أنَّه يُحسن العلاقة مع رحمه ومجتمعه وأُمَّته، لكنه قد يسيء إلى المجتمعات الأخرى من البشر، فلا يتعامل معهم بالعدل الذي يتعامل به أهله، ولا يتواصل معهم بالرحمة التي يتواصل بها مع أُمَّته، أما الإنسان الذي يخترع سلاحًا متطوِّرًا يكون متحضرًا إذا استخدمه في الدفاع عن نفسه، وفي إقرار الحق والعدل، وفي تحقيق الحرية والخير، أمَّا إذا استخدم هذا السلاح المتطوِّر في الظلم والبغي، فهو إنسان متخلف، وإن بلغ قمة السموِّ الإنساني في الاختراع والابتكار.

وهكذا فالدول التي يُطلق عليها اليوم الدول المتحضرة؛ مثل: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، قد تكون متحضرة فعلاً في تطويرها للبيئة، واستخدامها لثرواتها، وقد تكون متحضرة في تحقيق بعض جوانب الحقوق للإنسان وللحيوان، ولكنها قد تكون متخلفة في تحقيقها لبعض الضوابط الأخلاقية داخل أو خارج مجتمعاتها، فالمُنْكِر لفكرة وجود إله لا يمكن أن يكون متحضرًا، والذي يُقيم علاقات خارج إطار زواجه، وينتج عنها فساد كبير في المجتمع وإباحية واختلاط أنساب وضياع الأولاد لا يمكن أن يكون متحضرًا، والذي يُهمل والديه ويقطع أرحامه لا يمكن أن يكون متحضرًا، والذي يشرب الخمر ويتعامل بالربا ويتعاطى المخدرات ويُؤَصِّل القمار ويُقَنِّن الدعارة لا يمكن أن يكون متحضرًا، والذي يكيل بمكيالين ويوقع الظلم على الشعوب الضعيفة ويستنزف ثروات المساكين لا يمكن أن يكون متحضرًا.

وليس معنى هذا أننا نُنكر عليهم تحضُّرَهم في جوانب أخرى من الحياة؛ كابتكار النظم النافعة، والآلات المفيدة، وغير ذلك، وبهذا فإننا نستطيع أن نقول وبلا تحيز أو محاباة إنَّ الأمة الإسلامية هي الوحيدة في الكون التي تمتلك تصوُّرًا شاملًا للحضارة وذلك من خلال امتلاكها تصوُّرًا صحيحًا عن الخالق سبحانه وتعالى، وتفهم كيف تعبده حقَّ العبادة، وهي التي جعلت إتمام الأخلاق أجلَّ مهامها بعد عبادة الله سبحانه تعالى.

وتعاملتْ بهذا الخُلق الحسن مع كامل أبناء أُمَّتها من القريب والبعيد، ثم تجاوزت ذلك إلى التعامل الحسن مع كل المخالفين والمعارضين حتى أنَّ المسلمين في حال حربهم وشدة اختلافهم مع الآخرين يحترمون الضوابط الأخلاقية، ويتعاملون بالتحضُّر اللائق بهم كمسلمين، والحضارة الإسلامية هي التي شَهِدَتْ دخول امرأة النار في هِرَّة حبستها، وهي التي شَهِدَتْ كذلك دخول الجنة لرجل سقى كلبًا، وهي الحضارة التي أسهمت إسهامًا مباشرًا في تَقَدُّم العديد من العلوم الحياتية كالطب والهندسة والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا وغيرها من العلوم.

إن الحضارة الإسلامية بهذا المنظور هي الحضارة الوحيدة التي بلغت قمة الرقي في كل الجوانب، وغيرها من الحضارات منقوصٌ؛ إمَّا في جانبٍ، وإمَّا في جوانب، فنحن نشهد أن المجتمع الروماني قد تحضَّر في كذا وتخلَّف في كذا، ونشهد كذلك على المجتمع الفارسي أو الهندي أو الصيني، ونشهد أيضًا على المجتمعات الأوربية والأمريكية الحديثة أنهم تحضَّروا في جانبٍ وتخلَّفوا في جوانب أخرى، ومن هنا نفهم قول الله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110].

إننا إذن لا نتحدَّث عن حضارة عادية لها مثيلات أو أشباه، إنما نتحدَّث عن «الحضارة النموذج»، التي ينبغي لكل المجتمعات أن تقيس نفسها عليها، ولعله من الواضح تمامًا في قصة الحضارة الإسلامية أن السرَّ الأكبر في تفوُّقها ونجاحها كان الارتباط الوثيق بكتاب الله عز وجل وسُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث إن هذين المصدرين هما اللذان دفعا في اتجاه تقوية العلاقة بين المسلم وبين ربه ومجتمعه وبيئته، وفيهما جاءت القوانين والتشريعات الدقيقة، التي تكفل قيام حضارة سوية راقية في كل المجالات، حتى المجالات المادية، بل والترفيهية، ولعلَّ المعنى كان واضحًا جدًّا في كلمات المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون، وهو يُدْلِي بشهادته عن الحضارة الإسلامية، فيقول: «إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوربية الوحشية في عالم الإنسانية، وإن جامعات الغرب لم تعرف لها موردًا علميًّا سوى مؤلفات العرب؛ فهم الذين مَدَّنُوا أوربا مادةً وعقلًا وأخلاقًا، والتاريخ لا يعرف أُمَّة أنتجت ما أنتجوه».

السؤال المهم الذي يتردَّد في أذهان الجميع، وهو: إذا كنا قد وصلنا إلى هذه الحالة الباهرة من التقدُّم والرقي، فلماذا وصلنا إلى وضعنا الآن، بكل ما فيه من أزمات، ومشاكل، وانحدار، وتخلف؟!، والإجابة الواضحة على هذا السؤال هو أن المسلمين تركوا أسباب قوتهم، وأهملوا القرآن والسُّنَّة، بكل ما فيهما من قوانين مُحْكَمة وتشريعات خالدة، بل وأكثر من ذلك، لقد فُتِنَ المسلمون بالغرب فتنةً جعلتهم يبحثون في الحضارة الغربية عن أسباب القوة، وعن وسائل النهضة، وما أدركوا أنها وإن علت في مجال فقد سقطت في مجالات أخرى كثيرة، وأنها في النهاية نتاج بشر يُصيبون ويخطئون، أمَّا الإسلام فهو شرع مُحْكَم، لا باطل فيه ولا أخطاء.

فيجب علينا أن نثق بديننا وشرعنا ثقة عملية تدفعنا إلى الافتخار والاعتزاز بالإسلام، وتدفعنا كذلك إلى التسامي على حضارات البشر، ولكن علينا أولًا أن نفهم بشكل عملي أن فلاح هذه الأمة ونجاحها هو في اتباع القرآن والسنة في كل مجالات الحياة، فالتفوق الحضاري الإسلامي لم يكن محدودًا في محراب الصلاة، أو في ساحات الجهاد، إنما كان في كل صغيرة وكبيرة من حياة الإنسان، لقد نجحت التجرِبة الإسلامية نجاحًا غير مسبوق في العقيدة والفكر، وفي الفنون والآداب، وفي العلوم والتجارِب، وفي الأخلاق والقيم، وفي النظم والمؤسسات، وفي السلام والحروب، وهذه التجربة المتميزة بُنِيَتْ في كل مراحلها على قواعد جلية من القرآن والسُّنَّة.

فإذا أردنا عودة إلى هذا النسق الباهر من الحياة فلا بديل عن الشريعة، ولا خيار في دين الله، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ، وَسُنَّتِي»[1]، وهكذا فإن أول أدوارنا هو عودة صادقة، وهي عودة ستكفل لنا الهداية بعد الضلال، والقيادة بعد التبعية، والحضارة بعد الهمجية كما ستكفل لنا فوق سعادة الدنيا سعادة الآخرة، وصدق ربي إذ يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

أيضًا لابد أن نبذل جهدًا كافيًا لمعرفة أصولنا وجذورنا، فلا يكفي في هذا الصدد كُتَيِّب صغير، ولا وريقات معدودة، بل لا يكفي في ذلك مجلد من المجلدات.. إننا نحتاج ببساطة إلى تفريغ أوقات، بل أعمار لقراءة هذا التاريخ المجيد، ودراسة مراحله وكل جوانبه حتى نغوص في التراث الهائل الذي تركه لنا العلماء المخلصون، والمفكرون الأجلاء، نحتاج أن نقرأ في أبواب الأسرة، والحقوق، والسياسة، والفكر، والاقتصاد، والقضاء، والفنون، والجمال، وغير ذلك من أبواب وفصول.. نحتاج أن نتعرف على أعلامنا الأفذاذ، وأسلافنا الأمجاد، وكيف كانت حياتهم، وكيف فهموا الدين، وكيف ساسوا به الدنيا، إن التاريخ يحوي كنوزًا لا حصر لها وثروات لا تنتهي، وإذا كان هذا الكلام صحيحًا في وصف كل تاريخ، فهو في حق تاريخ الإسلام أصحُّ وأدقُّ وأعمق.

كذلك يجب علينا نقل هذا التاريخ بكل ثرواته إلى العالمين، فأبناء العالم يجهلون قصتنا وحضارتنا، بل إنهم يعرفون عَنَّا أمورًا مُزَوَّرة، وتاريخًا مشوَّهًا، وهذا بالتبعية يقود إلى توجُّس وخيفة، ويقود كذلك إلى استهزاء وسخرية، بل قد يقود إلى حرب وعدوان.. والإنسان بطبعه عدوُّ ما يجهل، فلماذا نجلب عداء الدنيا بجهلهم حقيقتنا؟ بل حتى إن لم نجد منهم العداء والكراهية، ألسنا مُطَالَبِينَ بدعوتهم إلى دين الإسلام، وتوضيح الخير الذي فيه؟

إن الرسالة الإسلامية الخالدة لم تنزل لأهل الجزيرة العربية فقط، إنما نزلت من يومها الأول للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»[2]، وهذا المفهوم يتطلَّب مِنَّا حركة دؤوبة في الكون لحمل هذا الدين الخالد وهذه الحضارة الراقية إلى العالمين، كما يحتاج مِنَّا أن نَرُدَّ عن تاريخنا الشبهات، ونُزِيل عنه المنكرات، ونُبرز للإنسانية ما قَدَّمْنَاه لها، ونُوَضِّح للبشر ما أسهمنا به في حياتهم.
عند ذلك سيعلم الجميع أن سبب هذا الرقي هو هذا الدين الجليل، وانظروا إلى ما قاله الكاتب والصحفي المستشرق البريطاني بودلي بعد أن درس الحضارة الإسلامية، وعرف قصة الإسلام، يقول في انبهار عن المسلمين: «كانوا كالغيث الذي يخصب المكان الذي ينزل فيه، وإنَّ عصر الإحياء في أوربا ليرجع إلى أحفاد صحابة محمد صلى الله عليه وسلم، الذين حملوا مشعل الثقافة، حيث كانت أوربا غارقة في ظلمات العصور الوسطى»، إنها شهادة عظيمة ورائعة.
ولكن كيف كان بودلي سيشهد هذه الشهادة بغير دراسة ولا علم؟! أليس من الممكن أن تصبح هذه الشهادة شهادات؟! وأليس من الممكن كذلك أن تصبح أمثال هذه الشهادات مِفتاحًا إلى قلوب وعقول غير المسلمين؟! إنها مسئولية كبرى، وأمانة عظمى، وهي أن نتحرَّك بهذا الدين إلى كل العالمين، فنحن أتباع الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، وحُمِّلْنَا من بعده أمانة التبليغ، «فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»[3].

ولن نُعيد هذه الحضارة الذهبية إلا بنفس أَبِيَّة، وروح معنوية عالية، وعِزَّة غير متكبِّرة، وقوة غير باغية، هذه هي الروح التي يمكن أن تحمل هذه الرسالة، وهذه هي النفس التي تليق بهذه الحضارة، ولا نشكُّ في أن عودة المسلمين لصدارة العالم ستصبح أمرًا واقعًا، وسيراها الأقربون والأبعدون،{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}[الإسراء: 51]، وأخيرًا نحمد الله كثيرًا على أنه خُلقنا مسلمين، ولنا الفخر أن حملنا هذا الدين، وأن صرنا أتباعًا لسيد المرسلين، وخير البشر أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنَّ لنا الفخر أن جعل الله عز وجل لنا هذا التاريخ المضيء، وهذه الحضارة النقية، وإنه آن الأوان أن نرفع رؤوسنا عالية، وأن نباهي الخلق أجمعين بأننا والحمد لله مسلمون[4].


[1] رواه مالك في الموطأ: كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر (1594)، والبيهقي: السنن الكبرى (20833)، والدارقطني (4665)، والحاكم (319)، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع (5248).
[2] البخاري: كتاب التيمم (328).
[3] البخاري: كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى (1654).
[4] راغب السرجاني: ماذا قدم المسلمون للعالم.
قصة الإسلام