نوفمبر وعقدة الذنب
01-07-2009, 10:47 AM
نوفمبر وعقدة الذنب
بقلم بن اسماعين زليخة خربوش
إن الموقف السلبي الذي اتخذه شعبنا إزاء الحركة ( بسكونالراء ) وأبناء الذين تخلفوا عن الكفاح أثناء ثورة نوفمبر كلف جزائرنا الكثير... لقدأجحفنا في حقهم و دفعناهم إلى من استغلهم في المس بالوطن وها نحن نراهم يعبثونبأهم أهداف الانتفاضة الشعبية ويعملون على تفرقة صفوف شعبنا و ضربتضامنه.
.ان هذه الفئة المتخلفة عن واجبها لسبب معلوم هو الاستعمار... هي من أبناءالجزائر حب من حب و كره من كره وعزلهم عرض الثورة إلى الطعن في محتواها و قيمهاالوطنية و الإنسانية. إذا أردنا أن نتجنب أخطار هذه الفئة فلندفع بالتي هي أحسن ونتخلص من شهوة السيطرة و الوعظ و التعالي.
لقد تسلط الاستدمار على كل الشعب دوناستثناء : و تنوع الغبن المادي و المعنوي و من لم يستشهد أو يسجن في سبيل التحرر عانى من المعاملة السيئة والأسلوب النازي الذي انتهجه العسكر: فإذا قتل فرنسي او انفجرت قنبلة فالعشرات من الابرياء يقتلون رميا بالرصاص... ومن صعد ابنه او ابنته الي الجبل يعدم بلا محكمة ، ومن مر مجاهد على بابه يفجر منزله... اضف الفواجع والحصارات المتكررة يوميا والرعب اليومي... ومن نجا من كل ذلك جره الاستعمار إلى صفه... و جرده من شرفه و وسم جبينه (بالحركية). فأعمى بصيرته عن الحقيقة و جعلهيسقط في فخ الأمراض النفسية.
وبعزل هذه الفئة سيطر عليها حب التنقيب عن الفضائح و التشفي, وها هيثورتنا تعاني من صياح هستيري مريض رواده من الخارج و أنصاره في الداخل,و ضجيج الزفةأخذ فئة من شبابنا و مثقفينا الذين اعتمدوا على تخميناتهم و ذكائهم ,الشيء الذي لايكفي لقول الحقيقة التاريخية و حتى بعض مناضلينا اندمجوا في هذا التيار, لحاجة فينفس يعقوب , أكلوا في الإناء و كسروه.
لذا نرى أغلب ما كتب عن ثورة نوفمبر جاءفارغا كثرثرة عابرة في الدروب (إلا القليل) كما أن استنتاجاتهم جاءت ساذجة لا ترتفع إلى مستوىالثورة المظفرة.
لا أقول أني ضد النقد الموضوعي الهادئ الذي يحلل الأحداث منطقيا ومنصفا , لكن هؤلاء ليسوا أهل فلسفة يدعون إليها أو أصحاب رأي يتحمسون إليه , و لانحن أمام عقلاء فهموا الكثير عن الحياة الإنسانية و استقروا على وجهة نظر مالواإليها , ولا نحن حتى أمام باحث دائم التفتيش لا يقبل التخمينات العابرة التي تنزلعليه هكذا فيجتهد في البحث عن الموقف الثوري الذي تصارعت فيه عواطف الناس وطموحاتهم. إنما نحن أمام مرضى أصابهم وباء الشعور بالذنب فشل سواعدهم وعقولهم و نشط عضلات ألسنتهم و أقلامهم وملأ أذهانهم بالأوهام.
لقد شاركالشعب كله في جلب هذه المحنة... و في صنع هذه الشريحة التي تعاني من الشعور بالنقصفي وطنيتها, و ذلك باضطهادها المعنوي بدون إنصاف ومن ثم أوقعناهم في إفلاس رهيب.
هذاوالمؤرخ المحلل مازال ساكتا لم يقل كلمته ليريح آذاننا من هذه الغربان الناعية وتلك البومالنائحة , مازال لم يستخدم وسائله العلمية لإحباط تطلعات وطاويط تريد أن تمتص دماءثورتنا.
إن عقد الذنب لا تنشر إلا عوامل الضعف و لا تدعو إلا للانكسار, وفي غياب العقل المجدد تتأثر البلاد و تسود الخلافات, و التجديد عندنا أصبح يمثلظهور تيارات تذكرنا في ماضينا البعيد... عهد الخلافات و ما نتج بعدها., أريد أن أقول مشاكلنا تختلف عن مشاكلهم, و الهروب منالواقع و المشاكل المطروحة إلى الحلم بمجتمع خيالي لا يفيدنا، وإذا كانت هناكعوائق تعوق مسيرتنا نحو المستقبل و التجديد يجب أن نكسرها.... إن الحفر بالمكينةالقديمة لا يخرج إلا القديم و التاريخ لا يهتم بالميتين .
عبادة الماضي لاتعني اجترار ما أنتجه القدماء السابقون و إنما استعادة الأمة اللاحقة إلىالمركز الذي استحقه الاولون بالمساهمة الجديدة الفعلية في حياة الأمم.
يرى العلماء أنالوفاء للماضي هو الإبداع و البحث في التاريخ عن معنى يستجيب للحاضر ويستفيد من الماضي ويكشف عن المستقبل. لكننا لا يمكننا أن نبدع حتى نتخلص من العوامل الهدامة. ثورتناتعاني قبل كل شيء من أمراض موروثة: جبن فكري كسل عقلي سائد يغطي الحقائق و يخمدالأعصاب و يجعل الناس يقتنعون بالكلمة دون الحقائق. يقول الحديث الشريف ( الناسنيام فإذا ماتوا استيقظوا) و نحن نمنا 130 سنة وما كدنا نستيقظ حتى بدأ الموت يدبإلى عقول الغاشي , أقول الغاشي لأن الشعب له أهداف مشتركة و غاية نحو مصلحة واحدة , و الوطنية نداء من الأعماق ينذر بوجود ناحية فينا فقدت نقطة ارتكازها و انحرفت عنمدارها... إذا أردنا أن نكون موضوعيين يجب أن نشبعنفوسنا من الإحباط لعلنا نستيقظ من الموت الذي يلاحقنا...
اننا نضفيالمعقولية على اللامعقول ؟ و نقبل الاستلاب كقاعدة معقولة و الزمن الراهن يحتمعلينا أن تعقلن هذا اللامعقول ... لازلنا خاضعين للواقع دون تأثير في إبداله معأننا ندرك جيدا أن هذا الواقع غير معقول, لأنه مسير تخدمه القوة " أنا أقوي إذنأنا موجود " – تلك القوة أعمت بصيرة العقل و ودرته عن الوعي بالحقيقة. العالميتحدانا و القوة تهدد كياناتنا بفكرها و تكنولوجيتها و سلاحها و نحن مشغولون بالكروالفر و محاكمة تاريخنا و الطعن في ثورتنا . الدول تتسابق نحو المستقبل و نحن يصعبعلينا أن نهتم بمستقبلنا لأن حاضرنا هو ماضينا و مستقبلنا هو أخرتنا ...
مازلنا لمنرتب علاقتنا بماضينا وشطبنا على حاضرنا من قواميسنا ومن ثم اهملنا شبابنا الذي هو مستقبلنا... مازال الماضي مسيطر و يتحكمفي عقولنا و طريقة تفكيرنا.
إذا أردنا الوصول لابد من أن نتخلص اولا من عقدةالذنبالتي أصابت فئة منا وذلك بتعميم مبدأ المصالحة الوطنية.... كما يجب أن نتخلص من الأقدمية و السلطوية و الإلزام و الوصاية.... يجب ان نجمع الشمل و نكف عن اضطهاد الذينأخطئوا في حق الجهاد أثناء الثورة, فالأخطاء من أفعال كل البشر لا أحد يتنبأبموقفه أمام مخططات الاستعمار التي استعملها لسلب أمخاخ البسطاء... هم لبسواالسراويل كما فصلت لهم، وهناك المغريات التي تسيل اللعاب و ما أكثرها في يد العدو... وهناكالإرهاب الذي يفتك بالشجاعة و يذيب الإرادة وإرهاب الاستدمار لا يجاريه أي ارهاب... انه متفنن في البطش بالعقول الساذجة وباجساد الضضعفاء .
لماذا ننصب نفوسنا قضاة ؟ يكفي هؤلاء ما يعانونه من العنصرية والمعاملة السيئة في اكواخ باريس... يكفيهم ما يشعرون به من ذنب، و المصيبة تعظم عندما يورث هؤلاء شعورهم بالذنب إلى أبنائهمالذين هم من أجيال الجزائر الابرياء شئنا ام ابينا... وصلة الوطن أقوى من صلة الدم... يجب أن نعمل على أن تلتحمالأجيال بآبائها في الوطن و برجال نوفمبر و شهدائه و سجنائه... و قد يكون من بينهم من هو أخلص لوطنه من غيره... وهناك من فعل بالجزائر في عهد الاستقلال ما لم يفعله (الحركي ) وهذا حمزة في الجنة وذاك أبو لهب في النار.
لقد ذهبت فئة من هؤلاء المرضى الى، المرحوم بوضياف، قبل ان يدخل الى الوطن وطلبوا منه ان يكون على رأسهم لإنقاذ البلاد في الايام السوداء ، ولكنه رفض قائلا: ابدا لن احمل السلاح في وجه وطني...ولما نادته الجزائر قال: لبيك يا جزائر... ودفع حياته ثمنا لها...
ليس الخوفمن عقدة الذنب على الثورة لأنها صماء بمقوماتها, و إنما كل الخوف على أبناء الجزائرعلى أجيالها، قد يغرر بهم و يشكون في قدرات نفوسهم على تحقيق المعجزات... و ليسالخوف مما يكتبه غير الجزائري لأننا نحتاط لعنصريتهم، و لكن الخوف مما يخطه أشباهالجزائريين، من المرضى والمتسترين تحت موضة الروح العلمية ليصلوا إلى المقولة المشهورة : (ديغولمنحنا الاستقلال مجانا) ويجهلون ما أجبر (ديغول) على الاعتراف بالاستقلال ... هؤلاء اصيبوا بفقد الذاكرة وتناسوا العذاب والسجون والمليون والنصف مليون من الشهداء... هذه المقولة لم تأتعبثا بل لهدف محو صفة المقاومة عن شعبنا و بذلك تصفى ضمائرهم بما خيل إليهم أنهمبرروا مواقفهم السابقة.
لقد نسي أولئك أن الهموم اليومية التي تراكمت وتجمعت و شكلت مآسيثقيلة على النفوس و الأعصاب... و أصبح الحلم و التطلع إلى الحرية وسواسا لا يهدا... فكانلابد من ثورة لنزع الحق المشروع... وتحولت الثورة من ردة فعل طبيعي إلى ردة فعل إنساني ...ليس العيب في تخلف هذه الفئة عن الكفاح، لأن هذا لا يضر الجزائر وإنما العيبفيما يبررون به موقفهم فلا صحة ولا مساومة لمن لا جذور له و من يتحزز من ماضي وطنهفلا وطن له في العالم لأن الإنسانية تمر حتما تحت أقدام الوطنية الاصلية... و بقدر ما ترنوالشعوب إلى المستقبل بقدر ما تعمق جذورها في الماضي. ويقول الفيلسوف: اذا لم تعرف من اين اتيت فلا تعرف اين تذهب.
يقول الواقع العلمي : الحياةزحف نحو المستقبل بمحو سلبيات الماضي , و الجيل الصحيح عقليا يستنبط و يجدد و يخلقو لا يتقيد بزمن ومكان و لا يهتم بالحياة الفردية إلا بقدر ما تخدم خطواته نحوالمستقبل , لا يمكن للوطن أن يحيا و يتقدم إذا خاصم تاريخه... و لن يتقدم إلا بالتواصل والتسامحوالتلاحم و تقوية الصلة بين الأجيال... فلننظر إلى مشاكلنا بعين عصرنا و لنأخذ الجانبالعقلي من تاريخنا و نبحث عما يقبله الإدراك العلمي و نتخلص من الوقوع فيالازدواجية و الصراع بين ما تريده العاطفة وما يريده العقل , الوطنية لا تقوى إلابوحدة اجيالها في وحدة حضارية ثقافية تحت شعور حاد بأننا شعب واحد له خصائصه و هذا يحتم علينا صيانةالمقومات من عبث العابثين. يتحتم علينا ان نفهم أن ثورة نوفمبر شجرة مشرقة وأن الجزائر عرضةللتلاشي و بعض العالم ينظر إليها كفريسة لمصالحه وأمنه القومي ، فيسيطر عليها دون زحف عسكري باسمالتقدم مرة و باسم العولمة و الإنسانية , لكن التاريخ كشف لنا أن الإنسانيةلا تنجح إلا إذا حافظ كل وطن على خاصيته و إلا لما يتحقق التوازن العادل و إلا لمايشارك كل وطن في دفع عجلة العالم .
حماية الثورة ليس التغني بها صبحا مساء، بل يعني الكشف عن مضمونها الفلسفي و المستقبلي و تركيزه في برامجنا التعليمية... و ثقافتناو بالاعتماد عليه في سياسة إعداد الأجيال لأن طبيعة الأمور تتطلب ذلك الدرب و لايتقدم الوطن إلا بهذه المبادئ .
العناية بالتاريخ و بالصحة العقلية للأجيالضرورية . و يجب أن تكون عناية موضوعية دون تعصب، ومن جعل نفسه نعجة أكلته الذئاب , وعملية تجهيل الأجيال بسلبيات التاريخ و إيجابياته عملية كذب جماعية ينبغي أن نتخلصمن عقد الغرور حتى نقرب أبناء الأمة الواحدة و نعمل على إحلال المودة محل الكراهيةو الاحتقار، و بهذا فقط نقضي على الحواجز الجهورية والخلافات العشائرية والقبلية التي أدتإلى الخلافات الرهيبة .
إن عملية التقصير في التاريخ عرضت بلادنا إلى عدد منالمشكلات لأن دراسة التاريخ تمد السياسة الحاضرة و تبررها و تقاوم الأحكام التيتأتي من أفراد يحكمون على الأشياء من خلال ظروفهم الخاصة وأهدافهم الفردية...
وهكذا تتعطل مسيرةالحرية و يعاق النصر و المريض يمتاز بالنفاق و يخدع القراءبسفاهة تسرق الذكاءالوطني. و نظرة المريض نفسيا , لا ترتبط بهدف وطني , و رؤيته تنتمي إلى تيار الجشعالبرجوازي في تبريره لاستغلال البسطاء, و ليس هناك أخطر من استبداد الإنسان علىنفسه و من الاحتكار بحقوق مشتركة , و المعقدين و المغرورين بآرائهم ليس لهم هدفمشترك بل لديهم لهيب ثار ينخر أمخاخهم... و لديهم ثورة عارمة على الحقيقة , و غايتهمإيجاد أنصار يصفقون لهم ليتمكنوا بواسطتهم من أن يغرروا بالبسطاء تحت شعار الصالحالعام.
،المصاب بداء الشعور بالذنب له قدرة على خلق خرافات بأوهامه، و يحكيحكايات (مقيدش) و جحا ليدغدغ عواطف البسطاء , و لا يهمه أن يقف موقف الجاسوس لتشويهوجه ثورة نوفمبر الطاهرة و إبعادها عن صفة العدل , و في كل ذلك هو مكبل بحبل الحنينإلى عهد إذلال بني جلدته.
ظاهرة استعراض عيوب الثورة أصبحت موضة أو ظاهرةنفسية, و المولع بالقدح يأخذ فترة سياسية عابرة (مثل العشرية السوداء) و يعممهابعد أن يضخمها ليحقر بالثورة و يخرجها عن ميدان المنافسة و المقاومة, لماذا ؟بسيطة لأن ذكر عيوب الغير يتضمن القول بتفوقالمريض... و يمحو عنه صفة التخاذلوالتقاعس . لكن مسيرة الكذاب قصيرة و مفاصله تتعب وهو في صراع دائم مع ضميره ومواقفه السابقة ....
حسب الثورة إنها حققت الحرية و السيادة لأهلها, و حققتمكانا للوطن في الحياة أولا و مكانة بين الأمم ثانيا ... حسبها بعثت الروح فيالتراث بعد أن استعمل كوسيلة للتجميد و الاستسلام والتخذير.... حسبها خلصت الشعب من سفاهةالسفهاء و دروشة الدراويش .
إن دور المؤرخ يكمن في الكشف عن مضمون ثورة نوفمبر وفي فضح جرائم الاستعمار التي ارتكبت في حق شعب أحب الحرية و ضحى بالكثير من أجلها , وهكذا لا تفقد الأجيال ذاكرتها و لا تنفصل عن جذورها و تفوت الفرصة عن المنتهزين , ويعرف القارئ للتاريخ الثمن الذي دفعه الوطن من اجل تلك الحرية... كل الشعب ضحى حتى (الحركي ) نزعت منه ثروته وشرفه وانتماءاته.
من عادة البعير يدور في مكانه ويدك الأرض التي يحرثها... فلنحذر تلك الجمال المريضة ونعتنى بها كي لا تدك الأرض التي حرثهاالمجاهدون بحياتهم وفداها السجناء بشبابهم و سقاها الشهداء بدمائهم .....
لقدأخبرتنا سورة التوبة بما فعله المسلمون المنافقون بالنبي الكريم عندما كان في طريقهلفتح الروم و الفرس ليرفع من شأن أمته و يجلسها على عرش أكبر دولتين في ذلك العصر... ومع ذلك عفا الرسول الكريم عنهم...ما أشبه اليوم بالبارحة ......
ثورة نوفمبر قام بها شعب خاف الله فخافمنه كل شيء أما الكذاب فلم يخف الله فمرض و خاف من كل شيء .
zoulikha2
بقلم بن اسماعين زليخة خربوش
إن الموقف السلبي الذي اتخذه شعبنا إزاء الحركة ( بسكونالراء ) وأبناء الذين تخلفوا عن الكفاح أثناء ثورة نوفمبر كلف جزائرنا الكثير... لقدأجحفنا في حقهم و دفعناهم إلى من استغلهم في المس بالوطن وها نحن نراهم يعبثونبأهم أهداف الانتفاضة الشعبية ويعملون على تفرقة صفوف شعبنا و ضربتضامنه.
.ان هذه الفئة المتخلفة عن واجبها لسبب معلوم هو الاستعمار... هي من أبناءالجزائر حب من حب و كره من كره وعزلهم عرض الثورة إلى الطعن في محتواها و قيمهاالوطنية و الإنسانية. إذا أردنا أن نتجنب أخطار هذه الفئة فلندفع بالتي هي أحسن ونتخلص من شهوة السيطرة و الوعظ و التعالي.
لقد تسلط الاستدمار على كل الشعب دوناستثناء : و تنوع الغبن المادي و المعنوي و من لم يستشهد أو يسجن في سبيل التحرر عانى من المعاملة السيئة والأسلوب النازي الذي انتهجه العسكر: فإذا قتل فرنسي او انفجرت قنبلة فالعشرات من الابرياء يقتلون رميا بالرصاص... ومن صعد ابنه او ابنته الي الجبل يعدم بلا محكمة ، ومن مر مجاهد على بابه يفجر منزله... اضف الفواجع والحصارات المتكررة يوميا والرعب اليومي... ومن نجا من كل ذلك جره الاستعمار إلى صفه... و جرده من شرفه و وسم جبينه (بالحركية). فأعمى بصيرته عن الحقيقة و جعلهيسقط في فخ الأمراض النفسية.
وبعزل هذه الفئة سيطر عليها حب التنقيب عن الفضائح و التشفي, وها هيثورتنا تعاني من صياح هستيري مريض رواده من الخارج و أنصاره في الداخل,و ضجيج الزفةأخذ فئة من شبابنا و مثقفينا الذين اعتمدوا على تخميناتهم و ذكائهم ,الشيء الذي لايكفي لقول الحقيقة التاريخية و حتى بعض مناضلينا اندمجوا في هذا التيار, لحاجة فينفس يعقوب , أكلوا في الإناء و كسروه.
لذا نرى أغلب ما كتب عن ثورة نوفمبر جاءفارغا كثرثرة عابرة في الدروب (إلا القليل) كما أن استنتاجاتهم جاءت ساذجة لا ترتفع إلى مستوىالثورة المظفرة.
لا أقول أني ضد النقد الموضوعي الهادئ الذي يحلل الأحداث منطقيا ومنصفا , لكن هؤلاء ليسوا أهل فلسفة يدعون إليها أو أصحاب رأي يتحمسون إليه , و لانحن أمام عقلاء فهموا الكثير عن الحياة الإنسانية و استقروا على وجهة نظر مالواإليها , ولا نحن حتى أمام باحث دائم التفتيش لا يقبل التخمينات العابرة التي تنزلعليه هكذا فيجتهد في البحث عن الموقف الثوري الذي تصارعت فيه عواطف الناس وطموحاتهم. إنما نحن أمام مرضى أصابهم وباء الشعور بالذنب فشل سواعدهم وعقولهم و نشط عضلات ألسنتهم و أقلامهم وملأ أذهانهم بالأوهام.
لقد شاركالشعب كله في جلب هذه المحنة... و في صنع هذه الشريحة التي تعاني من الشعور بالنقصفي وطنيتها, و ذلك باضطهادها المعنوي بدون إنصاف ومن ثم أوقعناهم في إفلاس رهيب.
هذاوالمؤرخ المحلل مازال ساكتا لم يقل كلمته ليريح آذاننا من هذه الغربان الناعية وتلك البومالنائحة , مازال لم يستخدم وسائله العلمية لإحباط تطلعات وطاويط تريد أن تمتص دماءثورتنا.
إن عقد الذنب لا تنشر إلا عوامل الضعف و لا تدعو إلا للانكسار, وفي غياب العقل المجدد تتأثر البلاد و تسود الخلافات, و التجديد عندنا أصبح يمثلظهور تيارات تذكرنا في ماضينا البعيد... عهد الخلافات و ما نتج بعدها., أريد أن أقول مشاكلنا تختلف عن مشاكلهم, و الهروب منالواقع و المشاكل المطروحة إلى الحلم بمجتمع خيالي لا يفيدنا، وإذا كانت هناكعوائق تعوق مسيرتنا نحو المستقبل و التجديد يجب أن نكسرها.... إن الحفر بالمكينةالقديمة لا يخرج إلا القديم و التاريخ لا يهتم بالميتين .
عبادة الماضي لاتعني اجترار ما أنتجه القدماء السابقون و إنما استعادة الأمة اللاحقة إلىالمركز الذي استحقه الاولون بالمساهمة الجديدة الفعلية في حياة الأمم.
يرى العلماء أنالوفاء للماضي هو الإبداع و البحث في التاريخ عن معنى يستجيب للحاضر ويستفيد من الماضي ويكشف عن المستقبل. لكننا لا يمكننا أن نبدع حتى نتخلص من العوامل الهدامة. ثورتناتعاني قبل كل شيء من أمراض موروثة: جبن فكري كسل عقلي سائد يغطي الحقائق و يخمدالأعصاب و يجعل الناس يقتنعون بالكلمة دون الحقائق. يقول الحديث الشريف ( الناسنيام فإذا ماتوا استيقظوا) و نحن نمنا 130 سنة وما كدنا نستيقظ حتى بدأ الموت يدبإلى عقول الغاشي , أقول الغاشي لأن الشعب له أهداف مشتركة و غاية نحو مصلحة واحدة , و الوطنية نداء من الأعماق ينذر بوجود ناحية فينا فقدت نقطة ارتكازها و انحرفت عنمدارها... إذا أردنا أن نكون موضوعيين يجب أن نشبعنفوسنا من الإحباط لعلنا نستيقظ من الموت الذي يلاحقنا...
اننا نضفيالمعقولية على اللامعقول ؟ و نقبل الاستلاب كقاعدة معقولة و الزمن الراهن يحتمعلينا أن تعقلن هذا اللامعقول ... لازلنا خاضعين للواقع دون تأثير في إبداله معأننا ندرك جيدا أن هذا الواقع غير معقول, لأنه مسير تخدمه القوة " أنا أقوي إذنأنا موجود " – تلك القوة أعمت بصيرة العقل و ودرته عن الوعي بالحقيقة. العالميتحدانا و القوة تهدد كياناتنا بفكرها و تكنولوجيتها و سلاحها و نحن مشغولون بالكروالفر و محاكمة تاريخنا و الطعن في ثورتنا . الدول تتسابق نحو المستقبل و نحن يصعبعلينا أن نهتم بمستقبلنا لأن حاضرنا هو ماضينا و مستقبلنا هو أخرتنا ...
مازلنا لمنرتب علاقتنا بماضينا وشطبنا على حاضرنا من قواميسنا ومن ثم اهملنا شبابنا الذي هو مستقبلنا... مازال الماضي مسيطر و يتحكمفي عقولنا و طريقة تفكيرنا.
إذا أردنا الوصول لابد من أن نتخلص اولا من عقدةالذنبالتي أصابت فئة منا وذلك بتعميم مبدأ المصالحة الوطنية.... كما يجب أن نتخلص من الأقدمية و السلطوية و الإلزام و الوصاية.... يجب ان نجمع الشمل و نكف عن اضطهاد الذينأخطئوا في حق الجهاد أثناء الثورة, فالأخطاء من أفعال كل البشر لا أحد يتنبأبموقفه أمام مخططات الاستعمار التي استعملها لسلب أمخاخ البسطاء... هم لبسواالسراويل كما فصلت لهم، وهناك المغريات التي تسيل اللعاب و ما أكثرها في يد العدو... وهناكالإرهاب الذي يفتك بالشجاعة و يذيب الإرادة وإرهاب الاستدمار لا يجاريه أي ارهاب... انه متفنن في البطش بالعقول الساذجة وباجساد الضضعفاء .
لماذا ننصب نفوسنا قضاة ؟ يكفي هؤلاء ما يعانونه من العنصرية والمعاملة السيئة في اكواخ باريس... يكفيهم ما يشعرون به من ذنب، و المصيبة تعظم عندما يورث هؤلاء شعورهم بالذنب إلى أبنائهمالذين هم من أجيال الجزائر الابرياء شئنا ام ابينا... وصلة الوطن أقوى من صلة الدم... يجب أن نعمل على أن تلتحمالأجيال بآبائها في الوطن و برجال نوفمبر و شهدائه و سجنائه... و قد يكون من بينهم من هو أخلص لوطنه من غيره... وهناك من فعل بالجزائر في عهد الاستقلال ما لم يفعله (الحركي ) وهذا حمزة في الجنة وذاك أبو لهب في النار.
لقد ذهبت فئة من هؤلاء المرضى الى، المرحوم بوضياف، قبل ان يدخل الى الوطن وطلبوا منه ان يكون على رأسهم لإنقاذ البلاد في الايام السوداء ، ولكنه رفض قائلا: ابدا لن احمل السلاح في وجه وطني...ولما نادته الجزائر قال: لبيك يا جزائر... ودفع حياته ثمنا لها...
ليس الخوفمن عقدة الذنب على الثورة لأنها صماء بمقوماتها, و إنما كل الخوف على أبناء الجزائرعلى أجيالها، قد يغرر بهم و يشكون في قدرات نفوسهم على تحقيق المعجزات... و ليسالخوف مما يكتبه غير الجزائري لأننا نحتاط لعنصريتهم، و لكن الخوف مما يخطه أشباهالجزائريين، من المرضى والمتسترين تحت موضة الروح العلمية ليصلوا إلى المقولة المشهورة : (ديغولمنحنا الاستقلال مجانا) ويجهلون ما أجبر (ديغول) على الاعتراف بالاستقلال ... هؤلاء اصيبوا بفقد الذاكرة وتناسوا العذاب والسجون والمليون والنصف مليون من الشهداء... هذه المقولة لم تأتعبثا بل لهدف محو صفة المقاومة عن شعبنا و بذلك تصفى ضمائرهم بما خيل إليهم أنهمبرروا مواقفهم السابقة.
لقد نسي أولئك أن الهموم اليومية التي تراكمت وتجمعت و شكلت مآسيثقيلة على النفوس و الأعصاب... و أصبح الحلم و التطلع إلى الحرية وسواسا لا يهدا... فكانلابد من ثورة لنزع الحق المشروع... وتحولت الثورة من ردة فعل طبيعي إلى ردة فعل إنساني ...ليس العيب في تخلف هذه الفئة عن الكفاح، لأن هذا لا يضر الجزائر وإنما العيبفيما يبررون به موقفهم فلا صحة ولا مساومة لمن لا جذور له و من يتحزز من ماضي وطنهفلا وطن له في العالم لأن الإنسانية تمر حتما تحت أقدام الوطنية الاصلية... و بقدر ما ترنوالشعوب إلى المستقبل بقدر ما تعمق جذورها في الماضي. ويقول الفيلسوف: اذا لم تعرف من اين اتيت فلا تعرف اين تذهب.
يقول الواقع العلمي : الحياةزحف نحو المستقبل بمحو سلبيات الماضي , و الجيل الصحيح عقليا يستنبط و يجدد و يخلقو لا يتقيد بزمن ومكان و لا يهتم بالحياة الفردية إلا بقدر ما تخدم خطواته نحوالمستقبل , لا يمكن للوطن أن يحيا و يتقدم إذا خاصم تاريخه... و لن يتقدم إلا بالتواصل والتسامحوالتلاحم و تقوية الصلة بين الأجيال... فلننظر إلى مشاكلنا بعين عصرنا و لنأخذ الجانبالعقلي من تاريخنا و نبحث عما يقبله الإدراك العلمي و نتخلص من الوقوع فيالازدواجية و الصراع بين ما تريده العاطفة وما يريده العقل , الوطنية لا تقوى إلابوحدة اجيالها في وحدة حضارية ثقافية تحت شعور حاد بأننا شعب واحد له خصائصه و هذا يحتم علينا صيانةالمقومات من عبث العابثين. يتحتم علينا ان نفهم أن ثورة نوفمبر شجرة مشرقة وأن الجزائر عرضةللتلاشي و بعض العالم ينظر إليها كفريسة لمصالحه وأمنه القومي ، فيسيطر عليها دون زحف عسكري باسمالتقدم مرة و باسم العولمة و الإنسانية , لكن التاريخ كشف لنا أن الإنسانيةلا تنجح إلا إذا حافظ كل وطن على خاصيته و إلا لما يتحقق التوازن العادل و إلا لمايشارك كل وطن في دفع عجلة العالم .
حماية الثورة ليس التغني بها صبحا مساء، بل يعني الكشف عن مضمونها الفلسفي و المستقبلي و تركيزه في برامجنا التعليمية... و ثقافتناو بالاعتماد عليه في سياسة إعداد الأجيال لأن طبيعة الأمور تتطلب ذلك الدرب و لايتقدم الوطن إلا بهذه المبادئ .
العناية بالتاريخ و بالصحة العقلية للأجيالضرورية . و يجب أن تكون عناية موضوعية دون تعصب، ومن جعل نفسه نعجة أكلته الذئاب , وعملية تجهيل الأجيال بسلبيات التاريخ و إيجابياته عملية كذب جماعية ينبغي أن نتخلصمن عقد الغرور حتى نقرب أبناء الأمة الواحدة و نعمل على إحلال المودة محل الكراهيةو الاحتقار، و بهذا فقط نقضي على الحواجز الجهورية والخلافات العشائرية والقبلية التي أدتإلى الخلافات الرهيبة .
إن عملية التقصير في التاريخ عرضت بلادنا إلى عدد منالمشكلات لأن دراسة التاريخ تمد السياسة الحاضرة و تبررها و تقاوم الأحكام التيتأتي من أفراد يحكمون على الأشياء من خلال ظروفهم الخاصة وأهدافهم الفردية...
وهكذا تتعطل مسيرةالحرية و يعاق النصر و المريض يمتاز بالنفاق و يخدع القراءبسفاهة تسرق الذكاءالوطني. و نظرة المريض نفسيا , لا ترتبط بهدف وطني , و رؤيته تنتمي إلى تيار الجشعالبرجوازي في تبريره لاستغلال البسطاء, و ليس هناك أخطر من استبداد الإنسان علىنفسه و من الاحتكار بحقوق مشتركة , و المعقدين و المغرورين بآرائهم ليس لهم هدفمشترك بل لديهم لهيب ثار ينخر أمخاخهم... و لديهم ثورة عارمة على الحقيقة , و غايتهمإيجاد أنصار يصفقون لهم ليتمكنوا بواسطتهم من أن يغرروا بالبسطاء تحت شعار الصالحالعام.
،المصاب بداء الشعور بالذنب له قدرة على خلق خرافات بأوهامه، و يحكيحكايات (مقيدش) و جحا ليدغدغ عواطف البسطاء , و لا يهمه أن يقف موقف الجاسوس لتشويهوجه ثورة نوفمبر الطاهرة و إبعادها عن صفة العدل , و في كل ذلك هو مكبل بحبل الحنينإلى عهد إذلال بني جلدته.
ظاهرة استعراض عيوب الثورة أصبحت موضة أو ظاهرةنفسية, و المولع بالقدح يأخذ فترة سياسية عابرة (مثل العشرية السوداء) و يعممهابعد أن يضخمها ليحقر بالثورة و يخرجها عن ميدان المنافسة و المقاومة, لماذا ؟بسيطة لأن ذكر عيوب الغير يتضمن القول بتفوقالمريض... و يمحو عنه صفة التخاذلوالتقاعس . لكن مسيرة الكذاب قصيرة و مفاصله تتعب وهو في صراع دائم مع ضميره ومواقفه السابقة ....
حسب الثورة إنها حققت الحرية و السيادة لأهلها, و حققتمكانا للوطن في الحياة أولا و مكانة بين الأمم ثانيا ... حسبها بعثت الروح فيالتراث بعد أن استعمل كوسيلة للتجميد و الاستسلام والتخذير.... حسبها خلصت الشعب من سفاهةالسفهاء و دروشة الدراويش .
إن دور المؤرخ يكمن في الكشف عن مضمون ثورة نوفمبر وفي فضح جرائم الاستعمار التي ارتكبت في حق شعب أحب الحرية و ضحى بالكثير من أجلها , وهكذا لا تفقد الأجيال ذاكرتها و لا تنفصل عن جذورها و تفوت الفرصة عن المنتهزين , ويعرف القارئ للتاريخ الثمن الذي دفعه الوطن من اجل تلك الحرية... كل الشعب ضحى حتى (الحركي ) نزعت منه ثروته وشرفه وانتماءاته.
من عادة البعير يدور في مكانه ويدك الأرض التي يحرثها... فلنحذر تلك الجمال المريضة ونعتنى بها كي لا تدك الأرض التي حرثهاالمجاهدون بحياتهم وفداها السجناء بشبابهم و سقاها الشهداء بدمائهم .....
لقدأخبرتنا سورة التوبة بما فعله المسلمون المنافقون بالنبي الكريم عندما كان في طريقهلفتح الروم و الفرس ليرفع من شأن أمته و يجلسها على عرش أكبر دولتين في ذلك العصر... ومع ذلك عفا الرسول الكريم عنهم...ما أشبه اليوم بالبارحة ......
ثورة نوفمبر قام بها شعب خاف الله فخافمنه كل شيء أما الكذاب فلم يخف الله فمرض و خاف من كل شيء .
zoulikha2
ربنا زدنا علما وعملا بما علمتنا
من مواضيعي
0 الهُوية؟
0 أين أمتنا من النحل الياباني!
0 عدت با نوفمبر وعودك محمود!
0 الكفرة الفجرة؟
0 دعه يسقط!
0 الشهيد
0 أين أمتنا من النحل الياباني!
0 عدت با نوفمبر وعودك محمود!
0 الكفرة الفجرة؟
0 دعه يسقط!
0 الشهيد