القط "بش بش" أكثر شهرة من عدة نواب.. وهذه قصة "سبيسيفيك"
02-10-2015, 10:54 PM

حاورته: نادية سليماني
الجميع يترقّب "قصفه بالثقيل" للوزراء في أسئلة البرلمان الشفوية، لما تحمله من جُرأة لم يتعودوا عليها لدى النوّاب، خاصة خلال السنوات الأخيرة، لدرجة طلب من وزير الصحة السابق عبد العزيز زياري الاستقالة على المباشر... خرجاته غريبة من "القط مِشْمِشْ وبشْبش" إلى وزارة "سبيسيفيك" وصولا إلى "إمبراطور في دشرة". فهل ثراء الطاهر ميسوم القادم من المدية حصّنه من غضبة الوزراء ومنحه جرأة زائدة، أم هو نائب يطمح لخدمة الشعب الذي منحه صوته؟
التقيناه بمكتبه بمقر المجلس الشعبي الوطني مساء، محاولين معرفة سر الجرأة الزائدة لديه، فكشف لنا خلفيات أسئلته الشفوية الحاملة للكثير من الصواريخ الكلامية، وردود فعل ضحاياه من الوزراء المقصوفين أمثال عمارة بن يونس وزياري وبلعيز...



هل مهّدت لك ثروتك الطريق للبرلمان، أم مشوارك بدأ بنضال سياسي؟

لم أفكر يوما في العمل السياسي، كنت متفرغا لاستثماراتي الناجحة في ميدان تربية الأبقار والحليب ومشتقاته، وفي مجالات أخرى بمدينة قصر البخاري بالمدية، لكن لما رأيت أشخاصا لا مستوى تعليمي وحتى ثقافي لهم ويتواجدون تحت قبة البرلمان، ولم يقدموا شيئا لمواطنيهم، قررت خوض التجربة مع عزم أن أكون في مستوى تطلعات من انتخبني... لم أرد ترك المجال للرداءة.



قلت لا مستوى لهم... فما هو مستواك؟

أنا خرّيج كلية الحقوق ببجاية، ومن أسرة أبناؤها العشرة 5 بنات و5 ذكور جميعهم إطارات دولة، ووالدي كان موظفا محترما بمؤسسة السكة الحديدية "الشومينو"، ويتنقل عبر الولايات. والدتي كانت "تْزٌوخ" بوظيفته أمام قريباتها...



لو كنت فقيرا، فهل كنت لتمتلك هذه الجرأة؟

لو كنتُ فقيرا لما تمنيتُ أن أكون نائبا، لأنني ساعتها لن أتمكن من تأدية رسالتي، الأموال تساعد كثيرا وهذه حقيقة، بعض النواب يفرحون بالراتب الكبير الذي يتلقونه فيتجنبون أي صدام مع السلطة خوفا على أجرهم، لدرجة شاهدت نوابا يخجلون حتى من إيصال رسالة مواطنين ليَد وزير.. من يخاف لن يصل أبدا. فمرة استقبلت مواطنين من ولاية خنشلة وأدخلتهم بنفسي إلى مكتب وزير.



وكيف بدأت الرحلة للبرلمان؟

انخرطت في 2012 في حزب التجمع الجزائري لرئيسه علي زغدود، هربا من شرط جمع 5 آلاف صوت للترشح للنيابة، رغم وصول عدة عروض من أحزاب كبيرة.



لِمَ كنت متيقنا أنك لن تجمع 5 آلاف صوت من أبناء منطقتك، هل لك معهم مشاكل؟

أبدا، بالعكس، أنا مُستثمر معروف هناك وأشغّل 450 عامل كلهم أرباب أسر...



هل الجرأة طبع لدى الطاهر ميسوم، أم أن حلاوة الشهرة الإعلامية هي ما جعلت أسئلته الشفوية مثيرة للجدل؟

منذ صغري أملك قدرة إقناع كبيرة، خاصة أمام والدي، لا يملكها بقية إخوتي... لكن قبل نجاحي في البرلمان، خفت أن لا أكون في المستوى... ليس سهلا نقل الانشغالات لأعلى سلطة، كما أنه صعب أن تتمتع بجرأة في الحديث أمام الوزراء والصحافة، وجميع الأنظار موجهة إليك.



القط "مشْ مش" و"بش بش" ووزارة "سبيسيفيك" جعلاك نجم مواقع التواصل الاجتماعي، فما قصتك مع وزير التجارة السابق عمارة بن يونس؟

لا قصة لي معه، ولا حتى تصفية حساب، أنا أملك حق الرقابة على الوزير والحكومة.. وأسئلتي الجريئة بدأتها قبل ذلك بكثير... فأنا أول نائب طلب على المباشر من وزير الصحة الأسبق عبد العزيز زياري الاستقالة، على خلفية فضائح الأخطاء الطبية وندرة الأدوية.



كيف ذلك؟

في سؤالي الشفوي للوزير زياري في أول نزول له بالبرلمان، أخرجت له قارورة ماء فارغة كان يستعملها المرضى في مستشفى بني سليمان بالمدية في مكان قارورات السيروم. كما واجهته بحادثة موت 8 مواطنين من قصر البخاري بالعيادة الخاصة أمينة بالشفة، وقلت له أن الجنرال العمّاري مات إثر خطأ طبي، حسب ما أخبرتني به زوجته، التي أكدت أن سيارة الإسعاف التي نقلته ينعدم منها جهاز التنفس، وقلت أن الصحة مريضة، وليست مجانية مادامت التحاليل المهمة والأدوية يشتريها المريض من الخواص ليعطيها للمستشفى، فقلت له "لو كنت مكانك لاستقلت... لو عندكم النيف دير مستشفى لرئيس الجمهورية"، وسألته عن مستشفى تابلاط الذي قدمت أمواله السعودية كهبة ولم يظهر له خبرا لليوم.



وكيف تلقى الوزير زياري سؤالك؟

هو وزير معروف عنه "التكبّر" وعدم احترام النواب.. ردّ علي بدبلوماسية، وبأن النائب من حقه الكلام، لكن بعد يوم من سؤالي جاءت مصالح الأمن لمصنعي للحليب ومشتقاته بقصر البخاري واتهموني بسرقة المياه، حتى لو سرقتُ الماء فيه قانون للتسوية، لكنهم أرسلوها مباشرة للعدالة، والحمد لله القضاء أنصفني وأرجع الماء. وساعتها اتهموني بِعضّ يد الممثلة القانونية، وأنا أؤكد أنني لم أفعل، الفتاة كانت تقوم بتصويري دون رضاي، وعندما حاولتُ أخذ الكاميرا من يدها، حاولت عضّ يدي لأتركها، فعضّيت يدها، (أظهر لنا آثار الندوب على يده)، والقضية لاتزال على مستوى المحكمة الابتدائية لحين انتهاء حصانتي. وبعد قضية الماء بحثوا عن خروقات محتملة بمحطتي للخدمات في المدية، وسألوا عني الضرائب والحمد لله لم يجدوا شيئا.



وبعدها مع وزير المالية السابق محمد جلاّب؟

سألته حول التوظيف والترقية المشبوهة في الجمارك، وإدخال المفرقعات في الحاويات رغم القول بوجود سكانير، وقلت له أن منصب مدير جهوي بالجمارك يُباع بـ30 مليارا، وأطلقت تسمية إمبراطور في دشرة على أحد المديرين.



وحكايتك مع الوزير السابق للتجارة عمارة بن يونس؟

قبلها بيوم قصدت مركزا تجاريا بباب الزوار، وأثناء تجولي لاحظت وجود عدة أنواع من أكل الحيوانات المستورد، فاشتريتها بـ5 آلاف دج، وأظهرتها للوزير في سؤالي الشفوي حول تحايل المستوردين وحيازة راعي أغنام على سجل تجاري... فشبّهت الأمر بنص قرأناه في الابتدائي حول "القط مشمش"، فالقط عندما حاول دعوة صديقه القط على الأكل، قدم له هيكلا عظميا لسرْدينة وليس لحما، أردت أن أوصل رسالة أن المنطق يقول أن القط يأكل فضلات الانسان، فحوّله بعض المستوردين لأحسن من البشر يستوردون له لحم البقر والدجاج و"اللاّنْجات"، "أنا ما عنديش مشوارة في جيبي والقط عندو لانْجات".



وكيف تلقى عمارة بن يونس سؤالك؟

أكيد لم يعجبه السؤال، لكن الوزير لم يغضبه سؤالي بقدر ما أغضبه ضحك الحضور، خاصة الوزراء... رأيته غاضبا من الوزير المنتدب المكلف بالعلاقة مع البرلمان طاهر خاوة، ويستفسره بغضب عن سبب ضحكه عليه، وأنه كان أولى أن يتضامن معه، ولو بالصمت وليس الضحك.



وماذا جرى بعد السؤال؟

مديرية التجارة بالمدية أرسلت 120 عون رقابة لقصر البخاري لتفتيش ومراقبة المحلات.. وحرّروا عدة مخالفات.



ألا يبدو أنك تربط الأمور ببعضها، فلربّما هو تفتيش عادي وروتيني؟

أنا أدرى بأوضاع منطقتي...



وكيف يستقبل أبناء المدية خرجاتك الجريئة؟

أبناء قصر البخاري اعتبروني نقمة وليس نعمة، من كثرة المشاكل التي تحدث لهم بسببي..



وماذا عن عائلتك؟

لي أربعة أولاد، بنتين وولدين، يتصلون بي مباشرة بعد انتهاء جلسة البرلمان، للسؤال عن أحوالي، ويقولون أنهم متخوفون من حصول أمر بعد سؤالي...



وزوجتك؟

بالمناسبة، جريدة "الشروق" هي من جمعتني بزوجتي، ففي سنوات التسعينيات، كانت الجريدة تخصص صفحة لآراء القراء، فأرسلت موضوعا انتقدت فيه النظرة السلبية للمجتمع نحو المسبوقين قضائيا، معتبرا أننا كلنا معرضون للخطأ والسجن، فراسلتني عبر الجريدة فتاة من الشرق الجزائري، مبدية إعجابها بالموضوع، وبقينا على تواصل إلى أن تزوجنا، وهي الآن مديرة الإنتاج بمصنع الحليب والألبان بالمدية. ولا أفكر في زوجة ثانية مثلما يفعل بعض النواب، لأن زوجتي هي سندي.



في آخر سؤال لك لوزير التعليم العالي الطاهر حجار أظهرت له صورة طبق جامعي وعليها حلزون، وعاودت الاسشهاد بالقط مشمش؟ من أين التقطت الصورة؟

الصورة حقيقية، والتقطتها بطرقي الخاصة من جامعة المدية، وقلت للوزير "القط مشمش ياكل بالعملة الصعبة والطالب يأكل الوجبة الصعبة".



ولماذا غضب منك الوزير الطيب بلعيز؟

تدخلت مع وزير الداخلية أنذاك الطيب بلعيز في 2015 وسألته عن غياب الأمن في منطقة قصر البخاري، فأجاب بوجود 799 شرطي، فتحديته وأكدت له وجود 30 شرطيا فقط. وكلمة "أتحداك" أغضبت بلعيز.



من أين جاءتك فكرة إحضار أدلة ملموسة للاستشهاد بها في أسئلتك الشفوية؟

أنا أحب التعامل بالوقائع الملموسة، في صغري كنت أتفرج على مسلسلات كوميدية لعادل أمام كان يُظهر فيها الأدلة لمنتقديه، من كان سيعلم بوجود "لانْجات" لمسح شلاغم القطط، أو تراب يباع في المحلات، لو لم أحضرها؟ هو لم يكن ينتظر ذلك، لأنه لا أحد فعلها قبلي، "رانا في وقت العولمة، بكري جدّاتنا يحكو على الغولة ونحن نتخيّل ونصدق، أما الآن 1500 قناة ولم تعجب الشباب، بسبب كثرة الكذب".



هل تفكر في التقليل من جرأة تدخلاتك مستقبلا؟

لن أتراجع عن جرأتي، ولدي ما أقوله لوزيرة التربية بن غبريط، ووزيرة البريد وتكنولوجيات الإعلام هدى فرعون.



هل ستترشح لعهدة ثانية في البرلمان؟

لن أترشح، وجدت النيابة نقمة وليست نعمة، عمري 50 سنة، وأمامي الكثير في ميدان الاستثمار بالمدية، لأنني شعرت أني جلبت مشاكل لأبناء منطقتي، الأمر الذي أخافهم وجعلوهم لا يساندونني. وأينما أردت إيصال انشغال مواطنين تغلق أبواب الإدارات المحلية في وجهي... ويتهمونني بالتحريض، وإذا قمت بتبرع خيري يتهموني بحملة انتخابية مسبقة. سلالة أبا جهل لاتزال موجودة في عصرنا، كما لاحقتني إشاعات كثيرة.



أيّ إشاعات؟

قالوا أنني أدفع أموالا لموظفي البرلمان حتى أكون دائما أول من يطرح سؤاله الشفوي منذ 2012، وقالوا بأن خلفي شخصيات نافذة، ويشاركني في مصنعي جنرال. في 2008 أحضرت حافلات لأهل منطقتي فقالوا بأن خليدة تومي شريكتي فيها، مع أنني لم ألتقها في حياتي... أنا إنسان بسيط، أردت نقل معاناة المواطنين بطريقتي الخاصة.



ألا ترى أن "القط مش مش" أصبح أكثر شهرة من تدخلات كثير من البرلمانيين؟

تعلمت أن توصيل مشكل وتلقي الحل المناسب يحتاج لاجتهادات من الناقل، حتى لو تعلق الأمر بالاستعانة بالقط مًشْ مَشْ.