دراسة الإسلام من غير مصادره المعتمدة في البحث الاستشراقي
05-05-2016, 11:00 AM
دراسة الإسلام من غير مصادره المعتمدة في البحث الاستشراقي

د. إسماعيل علي محمد
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


إن المنهج العلميَّ يفرض على أيّ باحث أو دارس للإسلام: أن يرجع إلى مصادره المعتمدة، وعلى رأسها:" القرآن والسنة"، فمنهما تُستَقى عقائدُ الإسلام وتشريعاتُه وأخلاقُه، وغيرُ ذلك مما يتصل بالدين الإسلامي.
لكن هناك:" جمهورًا عريضًا من المستشرقين": يتبنى اتجاهًا غيرَ علمي فيما يتصل بدراسة الإسلام، فيذهب ليستقيَ معلوماته بعيداً عن المصادر المعتمدة للإسلام، ولهذا النّهج صورٌ مختلفة، أشير إليها فيما يلي:

أ- دراسة الإسلام من واقع المسلمين، أو من واقع بعض فِرقه، أو من الأمثال الشعبية الدارجة:
من المستشرقين من يَدرُس الإسلامَ من واقع المسلمين، أو من واقع فرقة معينه منهم، كالمتصوفة أو الشيعة أو أية جماعة أخرى.
وهذا من أكبر الخطأ؛ فإن سلوك المسلمين - أيَّا كانوا - ليس حجة أو حاكمًا على الإسلام، بل الإسلام متمثلًا في القرآن والسنة هو: الحجة والحكم على الجميع، وهو: المرجع وليس الأفراد.
ومن الأمثلة على هذا الاتجاه: المستشرقُ والمنصر الأمريكيُّ:"ماكدونالد" في كتاب له تناولَ فيه جوانبَ مختلفةً عن الإسلام، وهذا الكتاب -كما يقول- المستشرق:(بفانموللمر) يقوم على محاضرات ألقاها:"ماكدونالد" في المعهد اللاهوتي في هارتفورد، وغاية هذه المحاضرات: أن تكون بمثابة مدخل لدراسة الإسلام الحاضر بالنسبة لهؤلاء الذين سيكونون منصرين في المستقبل.
ثم يقول:(بفانموللمر):{ والنتيجة الرئيسية لأبحاثه هي: أنه من الناحية العلمية يعد كل الناس الذين يفكرون تفكيرًا دينيَّا متصوفةً، وأنه يجب البحث عن الدين الإسلامي الحقيقي بين الدراويش}[1].
بل إن مِنَ المستشرقين مَنْ يتصدّى للحديث عن معضلات المسائل في الإسلام، ويكوِّن فيها رأْيا مبنيَّا على الأمثال العامية الشائعة بين عموم الناس، كما فعل الفيلسوف الألماني:(أوزفالد شبنجلر).
لقد كتب:(أوزفالد شبنجلر): كتابا ذاع صيته، أسماه:"انحلال الغرب"، وقد عقد فيه فصلين عن الثقافة العربية، كما يذكر فيلسوف الإسلام:"محمد إقبال"، وكان مما اعتقده، وحاول إثباته نظرية:"الجبر" في الإسلام -زعموا- وكان مما بنى عليه آراءه في هذا الأمر: الأمثال العامية الشائعة، وفي هذا يقول:"إقبال":
{ وبدلا مِن أن يتلمّس الهدى من تاريخ التفكير والتجربة في الإسلام؛ آثر أن يُقيم حُكمَه على أساس معتقدات العامة في بداية الزمان ومنتهاه.
تصوَّروا رجلا فياض المعرفة: يلتمس الدليل على الجبر المزعوم في الإسلام مِن عبارة مثل: "حُكْمِ الزمان"، أو "كل شيء له أوان"}.[2].
وهكذا يجافي هؤلاء المستشرقون مسلمات وقواعدَ منهجِ البحث العلميّ، حين يتجهون للبحث عن الدين الإسلامي الحقيقيِّ بين بعض طوائف المسلمين، ويتركون البحث عن الدين الحقيقي في مصدريه الرئيسين، وهما: القرآن والسنة.

ب- الاعتماد على ما كتبه المستشرقون غير المنصفين:
وكثيرٌ من المستشرقين يَرجِع في دراسته للإسلام إلى ما كتبه غيرُهم من المستشرقين المعادين له، ويجعل كتاباتهم وآراءهم: المصادرَ المعتمَدة!!؟، فهو ينقل عن ما كتبه أمثال:(جولد زيهر، وشاخت، وموير وغيرهم)، وهكذا يتناقل هؤلاء خلفا عن سلف، ويروجون الشبهات والأباطيل، فتصبح بمرور الوقت والشهرة: حقائق مسلَّمة!!؟، والحال أنها في الأساس: لا صلة لها بمصدر علميِّ معتمد، فضلا عن أنها صادرة عن كتّاب تطفح قلوبهم بالحقد والكراهية للإسلام، وتَعِجّ كتاباتهم بالافتراء والتحامل، والتحريف المتعمَّدِ للحقائق.
وهذا شاهدُ عِيانِ قد زار أكثرَ جامعاتِ أوربا عام 1956م، واختلط بالمستشرقين فيها، وتحدث إليهم وناقشهم، وهو الدكتور:" مصطفي السباعي" - رحمه الله -، ونأخذ مما كتبه عن هذه الرحلة شهادة على ما نحن بصدد الحديث عنه، حيث قال:
{ وفي جامعه أكسفورد: وجدنا رئيس قسم الدراسات الإسلامية والعربية فيها يهوديَّا يتكلم العربية ببطء وصعوبة، وكان أيضًا يعمل في دائرة الاستخبارات البريطانية في ليبيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهناك تعلم العربية العامية، وتلك هي: مؤهلاته التي بوأته هذا القسم، ومن العجَب: أني رأيت في منهاج دراسته التي يلقيها على طلاب الاستشراق: تفسير آيات من القرآن الكريم من ((الكشاف)) للزمخشري، (إي والله وهو لا يُحسِن فَهْمَ عبارة بسيطة في جريدة عادية)، ودراسة أحاديث من البخاري ومسلم، وأبواب من الفقه في أمهات كتب الحنفية والحنابلة، وسألْتُه عن مراجع هذه الدراسات، فأخبرني أنها من كتب المستشرقين أمثال: "جولدتسيهر"، و"مرجليوث"، و"شاختوحسبك بهؤلاء عنوانًا على الدراسات المدخولة المدسوسة الموجهة ضد الإسلام والمسلمين"[3].

ج- الاعتماد على الأساطير والحكايات الشائعة:
بل ومن أعجب العجب أن من المستشرقين: مَن لم يكن له مرجع في الكتابة عن الإسلام إلا: الأساطير والحكايات الشائعة!!؟.
وتاريخ الحركة الاستشراقية: مكتظٌ بعشرات بل مئات الخرافات والأساطير التي نُسِجت حول الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، وخاصة في العصر الوسيط، وهي: أساطير لا يمكن أن يكون لها ظل من الحقيقة، ولا أثرٌ من وجود إلا في عقول مخترعيها، لا سيما في ذلك العصر!!؟.
وقد عرض المستشرق:(بفانموللمر) في كتابه:(موجز في أدب علوم الإسلام) لطائفة من تلك الأساطير والخرافات التي سادت في القرون الوسطى، وظلت بصماتُها وآثارها إلى الآن تسري في تيار الاستشراق.
ومن بين تلك التصورات الأسطورية التي كانت منتشرة -كما ذكر :(بفانموللمر): القول بأن المحمديين لم يكونوا يُجِلّون محمدًا لمجرد كونه نبيَّهم، ومؤسّسَ دينِهم، بل كانوا يعبدونه بوصفه يمثّل الألوهية!!؟، وبالإضافة إلى ذلك: وصْفُ دينِ محمد- على النقيض تماما من الحقيقة التاريخية- بأنه دين الشرك، وتعدُّد الألوهية!!؟، وقد اتُّهِم المحمديون أيضًا-دون سندٍ تاريخيٌ- بأنهم يمارسون عبادة التماثيل بطريقة فظة!!؟.
ثم يقرر:(بفانموللمر): أن البيزنطيين هم أول من أذاع في الغرب معظم الأساطير عن محمد والإسلام، وعنهم أخد الغرب تلك الأساطير.[4]
ومن الأساطير الجنونية، والخرافات المضحكة التي ذكرها:(بفانموللمر)أيضًا: تلك التي تتعلق بوفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم: " فالخنازير قد التهمته، وهو في حالة سكر!!؟، ولهذا السبب أصبح أكل لحم الخنزير محرما لدى المحمديين!!؟".[5].
قاتل الله أولئك المفتريين الأفاكين.
وهناك:" الخرافة التي انتشرت انتشارًا واسعًا في العصر الوسيط، والتي تقول بأن محمدا كان في الأصل كاردينالا رومانيا يسعى للحصول على تاج البابوية، ولكنه عندما فشل في الحصول عليه أسس طائفة المحمدية، و صرف آلافا كثيرة من النفوس عن المسيحية!!؟".[6].
وقد سبق إيراد ما اعترف به:(جيبير النوجنتي) من أنه لا يعتمد في كتاباته عن الإسلام على أية مصادر مكتوبة، وأشار فقط إلى آراء العامة، وأنه لا يوجد لديه أية وسيلة للتميز بين الخطأ والصواب، وأنه قال مبررًا هجومه وافتراءه على الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم:
{ لا جناح على المرء إذا ذكر بالسوء من يفوق خبثُه كلَّ سوء: يمكن أن يتصوره المرء!!؟}.[7]
وهكذا نرى أولئك المستشرقين يجافون مسلمات المنهج العلميّ حين يستمدون معلوماتهم عن الإسلام من غير مصادره المعتمدة تارة، ومن الأساطير والخرافات التي لا أصل لها تارة أخرى.

هوامش:
[1] الإسلام في تصورات الغرب، ص ٤.
[2] تجديد التفكير الديني في الإسلام، محمد إقبال، ص ١٧٠ - ١٧١، ترجمة عباس محمود، دار الهداية، ط الثانية ١٤٢١هـ ٢٠٠٠م.
[3] السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص ١٤، الاستشراق والمستشرقون، ص 53.
[4] الإسلام في تصورات الغرب، ص ١١٧ - ١١٨، وهو فصول مترجمة من كتاب، "موجز في أدب علوم الإسلام" للمستشرق " بفانموللر ".
[5] السابق، ص ١٢2.
[6] الإسلام في تصورات الغرب، ص ١٢٥ – ١٢.
[7] انظر ص22.