وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي (سبتمبر 2002)
14-02-2014, 04:25 PM
وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي (سبتمبر 2002)

"استراتيجية الأمن القومي الأمريكي هذه تعتمد أساساً على تعاون أمريكا مع دول العالم؛ بما يعكس المزج بين القيم الأمريكية من جهة وبين المصالح القومية الأمريكية من جهة أخرى. وهدف هذه الاستراتيجية هو سعي أمريكا لجعل هذا العالم ليس فقط أكثر أمنا وأماناً بل أفضل من جميع النواحي". وتتلخص الأهداف الأمريكية لإحراز هذا التقدم المنشود فيما يلي : - الحرية السياسية والاقتصادية - إقامة علاقات وطيدة مع الدول الأخرى - احترام وتقدير الكرامة الإنسانية والسعي وراء ذلك التقدم ليس حكراً على الولايات المتحدة وحدها، بل هو يمتد ليشمل الجميع.

الدفاع عن الحرية

الولايات المتحدة الأمريكية سوف تأخذ على عاتقها الدفاع عن "الحرية" و"العدل"؛ وهي المبادئ التي تسعى وراءها جميع أجناس الأرض. فلا يوجد مجتمع، إلا ونجده يأمل ويرغب في "تحرير" أبنائه من الفقر والظلم والعنف، ومن ثم، يتحتم على الإدارة الأمريكية أن تقف بصرامة ضد كل ما يهدد وجود الكرامة الإنسانية، التي لا يختلف عليها اثنان. والدستور الأمريكي يتضمن كل ما تتطلبه الكرامة الإنسانية من: حرية العبادة؛ حرية الكلمة؛ العدالة؛ التسامح الديني والعرقي؛ احترام الملكية الخاصة؛ احترام المرأة؛ تحديد سلطة الدولة؛ سيادة القانون. وخير دليل على ذلك ما نلمسه في التجربة الأمريكية، التي تمثل صرحاً عظيماً للديمقراطية، حيث تتعايش وتتآلف جميع الأجناس من شتى بقاع الأرض؛ بغض النظر عن دياناتهم وعرقياتهم، واقتناعاً بمبادئ "الحرية" و "العدل"، قامت الإدارة الأمريكية بتشجيع وتأييد حركات "التغيير" التي تسعى حثيثاً وراء تلك المبادئ..مثل ما حدث في أوروبا الشرقية بين عامي 1989 و 1991، أو مثل ما حدث في بلجراد في عام 2000. ولذا، فإن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لا بد وأن تنطلق أو تنبع من المعتقدات الأمريكية الراسخة في "العدل" و "الحرية". فتلك المعتقدات هي التي ستقود ممارسات الإدارة الأمريكية تجاه العالم بأسره. وبناء على هذا، ستتبع الإدارة الأمريكية الخطوات التالية : - الاعتراض بقوة على كل اختراق أو انتهاك يهدد الكرامة الإنسانية من خلال المؤسسات والمنظمات الدولية. - استخدام المعونات الخارجية الأمريكية من أجل تدعيم "الحرية" - تنمية وتطوير المؤسسات الديمقراطية في إطار العلاقات الثنائية - القيام بجهود خاصة من أجل تدعيم حرية العبادة، وحمايتها من ضغوط الحكومات القمعية في خطبة للرئيس جورج دبليو بوش في يوم 14 سبتمبر 2002، صرح أن: "مسؤوليتنا تجاه التاريخ تتمثل في الرد على الهجمات الإرهابية، وتخليص العالم منها. فقد ابتدأ "الآخر" بالصراع؛ ونحن الذين سننهيه؛ وفي الوقت الذي يروق لنا." كما قال بوش ، وحرب الإرهاب الحالية مختلفة كل الاختلاف عن أي حرب أخرى، مرت علينا عبر التاريخ. فالعدو في هذه المرة لا يتمثل في دولة بعينها أو في نظام بعينه؛ وإنما يتمثل في عدو "غير معروف" أو "غير مرئي"؛ ويمتد خطره إلى أمد طويل، غير محدد. والأولوية الأولى الملحة للإدارة الأمريكية، هي القضاء على المنظمات الإرهابية المعروفة عالمياً، ثم تحطيم قياداتها..وبعد ذلك خنقها تمويلياً. وبالطبع، لن تنسى الإدارة الأمريكية دور أصدقائها الأعزاء – أو شركائها الإقليميين – في المساهمة والمساعدة في تلك المهمة. ومن خلال ذلك، ستتبع الإدارة الأمريكية خطة مدروسة للقضاء على الإرهاب ستتمثل فيما يلي : - التركيز أولاً على تلك المنظمات الإرهابية المنتشرة عالمياً؛ والتركيز على أي إرهابي أو أي دولة مدعمة للإرهاب، ومدعمة لاستخدام أسلحة الدمار الشامل. - التخلص من التهديد وإزاحته من قبل أن يصل إلى الأراضي الأمريكية - شن "حرب الأفكار" من خلال تشبيه الإرهاب بالرق والاستعباد والقرصنة والقتل الجماعي؛ ومن خلال تأييد الحكومات "المعتدلة" خاصة في العالم الإسلامي؛ وأخيراً من خلال استخدام دبلوماسية فعالة تعمل على تسهيل التدفق الحر للمعلومات والأفكار التي تنادي بالحرية. وترى الإدارة الأمريكية أن أفضل طرق الدفاع تتلخص في توفير هجوم فعال، وأمن داخلي قوي يمكنه ردع أي هجوم. ولن تنسى – في خضم كل ذلك – أن تستعين بالدول الصديقة، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية في الوصول إلى الهدف المنشود. فالكل سيساهم وسيشارك في مطاردة الإرهابيين؛ وفي إعادة تعمير أفغانستان حتى لا تصير مرة أخرى بؤرة للإرهاب.

استراتيجية أمريكا في التعامل مع الصراع العربي – الإسرئيلي

والولايات المتحدة الأمريكية سوف تلتزم – في حالة اندلاع الصراعات الإقليمية – بالعمل مع الدول الصديقة والشريكة في سبيل رفع المعاناة عن الشعوب وإعادة الاستقرار. ومن ثم، فعليها أن تأخذ المبادئ الاستراتيجية التالية في الاعتبار: 1) استثمار الوقت والثروات في إقامة علاقات دولية، يمكنها أن تسهم في حل الأزمات المحلية فور اندلاعها 2) مد يد العون إلى تلك الدول غير الراغبة وغير المستعدة لمساعدة انفسها. ولدينا مثل حي وواضح في الصراع العربي-الإسرائيلي، حيث تقوم الولايات المتحدة بالعمل مع الدولة الإسرائيلية – بحكم صلتها الوطيدة بها – وكذلك مع الدول العربية القريبة، من أجل تصفية الصراع. فهي تؤمن بإيجاد دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة، تقف جنباً إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية؛ حيث يظلهما السلام والأمن. وهي على استعداد تام لتقديم كل الدعم لإيجاد الدولة الفلسطينية، ولكن بشرط: وهو أن يبدي الفلسطينيون بالمثل استعدادهم لاعتناق الديمقراطية ومحاربة الفساد والإرهاب. وإسرائيل – بدون شك – لها دور أساس في إيجاد تلك الدولة على أرض الواقع. فهي ملزمة بالانسحاب إلى ما قبل حدود 28 سبتمبر 2000، وتنفيذ توصيات لجنة ميتشل، ووقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة. وهنا تأتي الفرصة لتدخل الولايات المتحدة، ومطالبة إسرائيل بالامتثال إلى كل ما سبق ذكره. ولنا في الصراع الهندي الباكستاني مثل آخر، حيث تقوم الإدارة الأمريكية بتوطيد علاقاتها الثنائية مع الهند ومع باكستان في آن واحد؛ مما سهل عليها الأمر بعد ذلك في لعب دور حيوي وبارز في فض النزاعات الهندية الباكستانية التي تندلع من وقت إلى آخر. وكان توطيد العلاقة مع باكستان قائماً على اختيار الأخيرة المشاركة في الحرب ضد الإرهاب، بينما كان توطيد العلاقة مع الهند قائماً على شغف الأخيرة وتحمسها لأن تكون واحدة من أعظم النظم الديمقراطية في القرن الحادي والعشرين. وفي أمريكا اللاتينية، سعت الولايات المتحدة إلى إقامة تحالفات مع المكسيك والبرازيل وكندا وشيلي وكولومبيا..في سبيل خلق منطقة ديمقراطية حقيقية، يصير فيها التدخل الأمريكي سبباً وحافزاً للأمن والرخاء، وهازماً لجميع مظاهر المخدرات والإرهاب وجماعات العنف غير المشروعة، مثل الحال في كولومبيا. وأخيراً في إفريقيا، ستعمل الولايات المتحدة مع الدول الأخرى من أجل انتشال القارة الإفريقية من المرض والفقر والحرب؛ ومن ثم تأهيلها لتكون تربة خصبة قابلة للسلام والحرية والرخاء. فإفريقيا الحالية – بمرضها وفقرها وجوعها – إنما تهدد قيمة أمريكية أساسية، ألا وهي الحفاظ على الكرامة الإنسانية. كما أنها تنذر باستشراء الإرهاب، مما يهدد الأولوية الاستراتيجية الأمريكية التي تتمثل في محاربة الإرهاب.

خطر تزاوج الإرهاب والتكنولوجيا

في خطبة ألقاها جورج دبليو بوش في نيويورك في يونيو 2002،قال : "إن الخطر الأعظم على الحرية يتمثل في تزاوج الراديكالية والتكنولوجيا. فعندما تجتمع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية – بالإضافة إلى تكنولوجيا الصاروخ الباليستي – في أيدي الدول الضعيفة، أو حتى في أيدي الجماعات الصغيرة، تتحول تلك الدول أو تلك الجماعات إلى قوة خارقة وقادرة على ضرب الدول الكبيرة." إن التحديات الحالية التي تفرضها الدول المارقة، والتي يفرضها الإرهابيون، جعلت البيئة الأمنية أكثر تعقيداً وأكثر خطورة. فأعداء اليوم لديهم القابلية والاستعداد لامتلاك الأسلحة المدمرة التي لا تتوفر إلا لدى الدول العظمى. وفي التسعينيات من القرن الماضي، بدأنا نشهد بروز أو "طفح" مجموعة من الدول المارقة التي – رغم اختلافها – إلا أنها تشارك بعضها البعض في العديد من الصفات. فهذه الدول: 1) تروع شعوبها 2)تتجاهل القانون الدولي، وتخرق المعاهدات الدولية، وتهدد جيرانها) 3) تسعى وراء امتلاك أسلحة الدمار الشامل 4) تمول الإرهاب في العالم كله 5) ترفض القيم الإنسانية الأساسية 6 6) تكره الولايات المتحدة الأمريكية، وتبغض كل مواقفها وممارساتها.. ومن أمثال تلك الدول: العراق وكوريا الشمالية. ولذلك فإن الإدارة الأمريكية ملزمة باتباع استراتيجية معينة لمواجهة أسلحة الدمار الشامل تتضمن : - بذل جهود إيجابية للحد من انتشار تلك الأسلحة (counterproliferation)؛ ومنع الخطر قبل وصوله إلى الأراضي الأمريكية - منع الدول المارقة ومنع الإرهابيين من الحصول على كل من المواد والتكنولوجيا والخبرة الضرورية لأسلحة الدمار الشامل؛ وذلك من خلال الحد من التسلح، الحد من التصدير متعدد الأطراف، الحد من الأخطار - إدارة فعالة للتجاوب والتفاعل مع عواقب استخدام أسلحة الدمار الشامل. على الولايات المتحدة أن تؤهل نفسها للرد على ما ينتج عن استخدام تلك الأسلحة من آثار وعواقب، سواء كان ذلك الاستخدام ضد أهداف أمريكية في الداخل أو في الخارج. كما عليها أن تؤهل نفسها لمساعدة الأصدقاء والشركاء إذا ما تعرضوا للهجوم، وتبعاً لطبيعة العدو الحالي، فإن الإدارة الأمريكية لا تستطيع أن تستمر في الاعتماد فقط على "سياسة رد الفعل" كما كانت تفعل في السابق؛ باختصار..هي لا تستطيع أن تنتظر العدو لكي يبدأ بالضرب أولاً. - الكف عن المفاهيم التقليدية للردع، الذي لم يعد يمثل دفاعاً فتاكاً، كما كان الأمر من قبل- في أثناء الحرب الباردة. فالردع المعتمد فقط على التهديد بالانتقام، لم يعد ذا تأثير على قادة الدول المارقة، الذين يقامرون بحياة شعوبهم وثروات بلادهم. كذلك، فإن أسلحة الدمار الشامل – التي كانت في يوم ما تستعمل كملاذ أخير – صارت الآن رهن إشارة الدول المارقة. - منع الدول المارقة من الانتصار على التفوق التقليدي للولايات المتحدة. إن عدو اليوم لا يستخدم الأساليب التقليدية في الهجوم؛ لأنه يعلم جيداً أن تلك الأساليب مصيرها الفشل. ومن ثم، فهو يعتمد أكثر على عمليات الإرهاب، وعلى أسلحة الدمار الشامل التي يسهل احتواؤها وتخبئتها. أما هدف هجمات ذلك العدو، فيتمثل في القوات الأمريكية والشعب الأمريكي المدني. وبناء على ذلك، يتحتم على الإدارة الأمريكية أن يكون لديها من الضربات الوقائية ما يدفع عنها تلك الهجمات الإرهابية.

تشجيع اقتصاديات السوق

مما لا شك فيه، أن الاقتصاد العالمي القوي سيؤثر بالإيجاب على الأمن القومي الأمريكي، فإذا نما الاقتصاد العالمي، واشتد صلبه من خلال تشجيع "حرية السوق" و "حرية التجارة"، زادت الرواتب والدخول، وزادت فرص العمل؛ الأمر الذي سيسمح للشعوب بانتشال أنفسها من الفقر، من خلال مواجهة الفساد وتدعيم الحياة الحرة. إن التاريخ يعطي للعالم كله درساً أساسياً في الحياة: وهو أن اقتصاديات السوق الحرة – المتحررة من يد الحكومة – هي أفضل الاقتصاديات لإيجاد الأمن والرخاء. ومن ثم، فإن السياسات التي تشجع "اقتصاد السوق" مناسبة لجميع الدول: الصناعية، والمبتدئة، والنامية. وعودة الرخاء الاقتصادي في اليابان وأوروبا إنما هو أمر أساس لتغذية المصالح الأمنية الأمريكية. فالإدارة الأمريكية ترغب في إنعاش اقتصاد حلفائها، ليس فقط من أجل سلامة الحلفاء، بل أيضاً من أجل سلامة الاقتصاد العالمي، والأمن العالمي. توفير الاستقرار في الأسواق الناشئة يعتبر أيضاً من أولويات الإدارة الأمريكية، في سبيل تحقيق تنمية اقتصادية عالمية، وهذا الاستقرار لن يتأتى إلا من خلال تدفق رؤوس الأموال في الدول ذات الأسواق الناشئة، مما يمهد لها الطريق للاستثمار وتقليل نسبة الفقر، ومن ثم، تعمل الولايات المتحدة على دعم تلك الأسواق، ومدها بالتدفقات الكبيرة لرؤوس الأموال، وبأقل خسارة. ومن أجل دفع "السوق الحرة" إلى الأمام، قامت الولايات المتحدة باتباع الاستراتيجية التالية: - الأخذ بالمبادرة العالمية. وهذا ما فعلته الإدارة الأمريكية في الدوحة – في نوفمبر 2001- عندما قامت بتدشين مفاوضات عالمية جديدة للتجارة؛ ذات أجندة متميزة في الزراعة والصناعة والخدمات، والتي من المفترض أن ينتهي العمل بها في عام 2005. - الأخذ بالمبادرات الإقليمية. حيث قامت الولايات المتحدة بالموافقة على تدشين منطقة تجارة حرة بين الأمريكتين، على أن تبدأ واقعياً في عام 2005. - الإسراع في اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية. فاعتماداً على اتفاق التجارة الحرة الذي عقد بين الولايات المتحدة والأردن في عام 2001 تستهدف الإدارة الأمريكية – في هذا العام – أن تنتهي من إبرام اتفاقيات التجارة الحرة مع شيلي وسنغافورة، فالهدف هو إقامة اتفاقيات تجارية مع مجموعات مختلفة من الدول الصناعية والدول النامية في شتى مناطق العالم، وسيكون التركيز مبدئياً على أمريكا الوسطى، إفريقيا الجنوبية، المغرب، أستراليا. - تجديد الشراكة التنفيذية-التشريعية. ستعمل الإدارة الأمريكية مع الكونجرس من أجل تشريع اتفاقيات تجارية جديدة، على المستوى العالمي والإقليمي والثنائي؛ وذلك تحت مظلة قانون "ترويج التجارة". - تعزيز الترابط بين التجارة والتنمية. إن السياسات التجارية تستطيع أن تساعد الدول النامية في تدعيم كل من: الحقوق الملكية، المنافسة، سيادة القانون، الاستثمار، نشر العلم والمعرفة، التداخل الإقليمي..كل هذا سيؤدي إلى توفير الرخاء والتنمية والثقة في الدول النامية. ومثال على ذلك، تعمل الولايات المتحدة حالياً على تنفيذ قانون "تنمية إفريقيا" الذي سيربط حوالي جميع منتجات الـدول الإفريقية جنوب الصحراء (53 دولة) بالسوق. - وضع اتفاقيات وقوانين تجارية ضد الممارسات غير العادلة. من أولويات الإدارة الأمريكية، حل النزاعات القائمة بينها وبين الاتحاد الأوروبي، وكندا، والمكسيك. وأيضاً، منع وردع التجسس الصناعي الدولي الذي يجهض المنافسة العادلة. - مساعدة المصانع المحلية والعمال على التأقلم مع ديناميكية الأسواق المفتوحة، مما يضمن عدم تضرر العمال الأمريكيين بسبب تطبيق بنود التجارة الحرة. - حماية البيئة والعمال. وذلك من خلال تضمين المسائل المتعلقة بالعمال والبيئة في مفاوضات التجارة الأمريكية؛ ومن ثم إيجاد "شبكة" صحية بين الاتفاقيات البيئية متعددة الأطراف وبين منظمة التجارة الدولية. - تدعيم وتحسين الأمن الطاقي. وذلك من خلال العمل مع الحلفاء والشركاء التجاريين ومنتجي الطاقة على توسعة مصادر وأنواع الطاقة العالمية المتوفرة لدى الولايات المتحدة.

اعادة النظر في سياسة المعونات

ولا تنسى الإدارة – في خضم التنمية الاقتصادية – أن تضبط تركيز غاز الاحتباس الحراري الذي سوف ينتج من تلك التنمية؛ ومن ثم احتوائه بدرجة معينة تمنع التدخلات الآدمية الشرسة في المناخ العالمي. من أولويات السياسة الأمريكية تجاه العالم، إدخال جميع فقراء العالم في دائرة التنمية الواسعة وللأسف بعدما ثبت فشل سياسة المعونات في رفع الفقر عن الدول النامية؛ ذلك لأن نتائج المعونات كانت تُحسب دائماً من خلال الدولارات التي تُدفع من قبل المانحين، بدلاً من أن تُحسب من خلال معدلات التنمية في الدول المتلقية للمعونات. ومن ثم، رأت الإدارة الأمريكية وجوب وحتمية تغيير أهداف تقديم المعونات، والاستراتيجيات الممهدة لتلك الأهداف. وقد وضعت الولايات المتحدة – بجانب الدول الصناعية الكبرى – هدفاً طموحاً أمام أعينها؛ وهو: مضاعفة حجم اقتصاد أكثر الدول فقراً في العالم، عبر عشر سنوات. وهذه هي الاستراتيجيات التي ستتبعها للوصول إلى ذلك الهدف: - إمداد المساعدات والمعونات لتلك الدول فقط، التي تتبع منهجاً إصلاحياً صحيحاً، فتبعاً لنظام "تحدي الألفية" أو (millennium challenge account ) ستسعى الإدارة الأمريكية إلى دفع بلايين الدولارات لإقامة مشروعات تنموية في تلك البلدان ذات الحكومات العادلة، التي تستثمر في شعوبها، والتي تشجع الحرية الاقتصادية. - تحسين فعالية البنك الدولي والبنوك التنموية الأخرى في رفع المستويات المعيشية، وقد قامت الإدارة الأمريكية – حيال ذلك – برفع الدعم الأمريكي لرابطة التنمية الدولية ida) ) بنسبة 18% (وهو البنك الدولي الذي يمول الدول الأكثر فقراً)، وكذلك للبنك الإفريقي للتنمية. وكل ذلك يتم على شرط: وهو أن تقاس كل المعونات والهبات والقروض والمشاريع على حسب مساهمتها في زيادة الإنتاجية في الدول النامية. - قياس النتائج للتأكد من أن المعونات التنموية تؤثر بالإيجاب على حياة أكثر الناس فقراً في العالم. - التركيز على الهبات أكثر من القروض؛ حيث إن الهبات تمثل أفضل طريق لمساعدة الدول الفقيرة على الاستثمار، خاصة في المجالات الاجتماعية، بدون إثقالهم بضغوط الديون التي تتعاظم يوماً بعد يوم. وتحت إشراف الولايات المتحدة، قامت رابطة التنمية الدولية بالفعل، برفع حجم الهبات إلى أفقر دول العالم، بهدف مساعدتها في شتى المجالات: التعليم، الصحة، أمراض الإيدز، التغذية، المياه. - فتح المجتمعات للتجارة والاستثمار، فحرية السوق والتجارة تمثل دعامة أساسية لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي. - تأمين الصحة العامة. فبدونها لا تستطيع التنمية أن تحقق مغزاها، ولهذا قامت الإدارة الأمريكية بتأييد التمويل العالمي الجديد المقدم لمرضى الإيدز، والذي ينظمه أمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان. - التركيز على التعليم، الذي لا تصح الديمقراطية ولا التنمية بدونه. وسترفع الولايات المتحدة إسهاماتها التمويلية في مجال التعليم بنسبة 20% على الأقل. - استخدام العلم في التنمية الزراعية والتطوير الزراعي بهدف القضاء على المجاعات المنتشرة في وسط 800 مليون فقير، منهم 300 مليون طفل.

التعاون مع التحالفات الغربية والآسيوية

في 1 يونيو 2002، ألقى بوش خطبة في نيويورك قائلاً: "منذ صعود الدولة القومية في القرن السابع عشر، ونحن لدينا أحسن فرصة لإقامة عالم تتنافس فيه القوات الكبرى في سلام بدلاً من أن تتنافس في الإعداد للحرب." إن الولايات المتحدة لن تستطيع تنفيذ إستراتيجياتها بدون إقامة تحالفات مع الدول الصديقة في كندا وأوروبا؛ وخاصة الأخيرة التي تحتضن أقوى منظمتين عالميتين في العالم: منظمة حلف شمال الأطلسي التي كانت – وما زالت – نقطة ارتكاز للأمن الأوروبي الداخلي؛ والاتحاد الأوروبي الذي يمثل الحليف الأمريكي في التجارة العالمية. وقد تعرضت منظمة حلف شمال الأطلسي لهجمات 11 سبتمبر، كما تعرضت لها الولايات المتحدة. ومن ثم، فيتحتم عليها تطوير هياكل وقدرات جديدة في سبيل النهوض بمهمتها تحت الظروف الجديدة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر. ومن أجل تفعيل التحالف بين الولايات المتحدة وبين منظمة حلف شمال الأطلسي، ستقوم الإدارة الأمريكية بالتالي: - توسيع عضوية الحلف لتشمل أكبر عدد ممكن من الدول الديمقراطية، التي تكون على استعداد لحماية المصالح الأمريكية والأوروبية ومصالحها هي أيضاً. - التأكد من أن قوات الحلف لديها من المعدات والأسلحة ما يؤهلها لخوض الحرب الحالية. - الاستفادة من التقدم الأمريكي على المستوى التكنولوجي، لإمداد الحلف بكل ما يحتاجه لتقليل المخاطر والثغرات التي يمكن أن تتعرض لها الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى المستوى الآسيوي، كانت هجمات 11 سبتمبر سبباً مؤدياً للتحالف الأمريكي الآسيوي. فقامت أستراليا بتدشين اتفاقية ( anzus) لتعلن من خلالها أنها تعرضت بالمثل لهجمات سبتمبر. كما قامت اليابان وجمهورية كوريا – بعد أسابيع من الأحداث – بإمداد الولايات المتحدة بإمدادات عسكرية لوجيستية، وكذلك تلقت الولايات المتحدة مساعدات من تايلاند والفلبين وسنغافورة ونيوزيلندا. ومن أجل توطيد العلاقات مع الجناح الآسيوي، سعت الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ الخطوات التالية: - تأهيل اليابان لأن تلعب دوراً رائداً في الشؤون الإقليمية والعالمية - العمل مع كوريا الجنوبية لأخذ حذرها من كوريا الشمالية؛ ولكن في الوقت نفسه تأهيل المنطقة للاستقرار على المدى البعيد - إقامة تحالف أمريكي-أسترالي يمتد لمدة خمسين سنة - الاحتفاظ بالقوات الأمريكية في المنطقة، مما يعكس الانتماء الأمريكي للحلفاء الآسيويين - تطوير استراتيجيات إقليمية وثنائية لإحداث تغيير في هذه المنطقة الديناميكية ومع روسيا، تقوم الولايات المتحدة بتدشين علاقة استراتيجية جديدة قائمة على حقيقة مركزية؛ وهي أن الولايات المتحدة وروسيا لم يعودا عدوين استراتيجيين. وقد تبلورت هذه الحقيقة في أثناء "اتفاقية موسكو" بخصوص الحد الاستراتيجي؛ حيث وعدت روسيا بإقامة علاقات إيجابية، وعلى المدى البعيد، مع المجتمع اليورو-أطلنطي والولايات المتحدة. وقد قامت الإدارة الأمريكية من ناحيتها بعدة خطوات لتدعيم التحالف الأمريكي الروسي: 1) إرساء التعاون بين الدولتين لمواجهة الإرهاب العالمي 2) التمهيد لدخول روسيا في منظمة التجارة العالمية 3) تدشين مجلس "الحلف الأطلسي-روسيا" بهدف تعميق التعاون الأمني بين روسيا والحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة. وهذا طبعاً لا ينفي وجود معوقات عديدة، يمكنها أن تثبط من هذا التحالف؛ منها على سبيل المثال: 1) عدم إيمان أو اقتناع روسيا الكامل بقيم ومبادئ ديمقراطية السوق المفتوحة 2) الضعف الروسي الواضح 3) الرفض الروسي لنشر أسلحة الدمار الشامل..ولكن بالرغم من ذلك، تظل فرص الالتقاء أكبر بين الطرفين. ومع الهند، تجتمع الولايات المتحدة على عدة مصالح مشتركة: التدفق الحر للتجارة؛ محاربة الإرهاب؛ إيجاد آسيا مستقرة استراتيجياً؛ الحرية السياسية، حيث تعتبر الدولتان من أكبر الديمقراطيات في العالم. وبالرغم من عدم اتفاقهما على برامج الهند النووية، إلا أن الإدارة الأمريكية تنظر اليوم للهند على كونها دولة تتعاظم قوتها يوماً بعد يوم، حيث تتكون معها مصالح استراتيجية كثيرة. ومع الصين، تسعى الإدارة الأمريكية إلى تدشين علاقة بنيوية بهدف تغييرها، وتنميتها ديمقراطياً. كما يتعاون الاثنان، حيث تلتقي مصالحهما عند محاربة الإرهاب الحالي، وعند دفع الاستقرار في الجزيرة الكورية، وعند التخطيط للمستقبل الأفغاني، وعند صد الأخطار البيئية والصحية مثل انتشار مرض الإيدز. ومن الجدير بالذكر، أن المخاطر العبر دولية التي تتعرض لها الصين، سيجبرها عاجلاً أو آجلاً على أن تصير أكثر انفتاحاً، وأكثر تقبلاً للمعايير الديمقراطية. ولا تنسى الإدارة الأمريكية أهمية الصين الاقتصادية، وكيف أنها ستستفيد من دخول الصين في منظمة التجارة الدولية؛ مما سيخلق فرصاً أكثر للتصدير الأمريكي، ومن ثم فرصاً أكثر للعمل لدى العمال والزراع الأمريكيين، وكذلك الشركات الأمريكية، ولا غرابة في أن تكون الصين هي رابع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة؛ حيث يبلغ حجم المعاملة التجارية بين الطرفين 100 بليون دولار سنوياً. وبالرغم من تواجد أسباب كثيرة لعدم الاتفاق بين الطرفين – منها مشكلة حقوق الإنسان؛ وتأييد أمريكا للمسألة التايوانية؛ – إلا أن الإدارة الأمريكية عازمة على تضييق الفجوات مع الصين، لأن واقع ما بعد 11 سبتمبر يحتم عليها ذلك.

الأمن الداخلي وتطوير المؤسسات الأمنية

بعد أحداث سبتمبر، صارت الإدارة الأمريكية ملزمة بالاحتفاظ بقوة دفاعها، أكثر مما سبق. ويقف الدفاع عن الولايات المتحدة في الأولوية العسكرية. ومن ثم، تسعى الإدارة الأمريكية إلى ضمان أصدقائها وحلفائها؛ إثناء أي تنافس عسكري في المستقبل؛ ردع أية تهديدات ضد المصالح الأمريكية، ومصالح الشركاء والأصدقاء؛ هزيمة أي عدو إذا ما فشل معه سلاح الردع. إن الجيوش الأمريكية – التي كانت في يوم من الأيام مبنية بهدف ردع جيوش الحرب الباردة – لابد وأن تتحول الآن..فتركز أكثر على كيفية اعتداء العدو، بدلاً من التركيز على مكان وتوقيت الاعتداء. ومن أجل مواجهة تحديات الأمن الحالية – التي تولدت بعد أحداث سبتمبر – ستكون الإدارة الأمريكية في حاجة شديدة إلى قواعد ومحطات في أوروبا الغربية وفي شمال شرق آسيا؛ بالإضافة إلى ترتيبات وقتية لنشر القوات الأمريكية على المدى البعيد. قبل الحرب مع أفغانستان، كانت تلك المنطقة بعيدة كل البعد عن اهتمام الإدارة الأمريكية؛ أما الآن..فقد تغير الوضع تماماً؛ وصار التركيز على نشر القوات الأمريكية في تلك المنطقة. إن الإدارة الأمريكية ستسعى إلى تطوير دفاعها من خلال الاستراتيجيات التالية: - القدرة على الدفاع أولاً عن الأراضي الأمريكية - التأكد من وصول الولايات المتحدة إلى ساحات الحروب البعيدة - القدرة على الدفاع عن البنى التحتية الأمريكية في الفضاء الخارجي - تجديد وتطوير القوات المسلحة الأمريكية؛ آخذين بأحدث الأساليب التكنولوجية والعلمية - تطوير الطريقة التي تُدار بها وزارة الدفاع؛ خاصة من ناحية الإدارة التمويلية، ومن ناحية التوظيف والإقالة - توفير عدة اختيارات عسكرية للرئيس الأمريكي، ليختار منها ما يشاء؛ مما يثبط من إمكانيات الهجوم على الولايات المتحدة أو على الدول الصديقة - إثناء الأعداء عن الحصول على أية أسلحة، تجعلها تفوق الأسلحة الأمريكية - تطوير القدرات الاستخباراتية لكي تتلاءم مع العدو الإرهابي الجديد - مزج الدفاع مع المخابرات مع تنفيذ القانون - الاعتماد على الدبلوماسية للتفاعل مع الدول الأخرى؛ فالدبلوماسيون الأمريكيون يشكلون الخط الأمامي للمفاوضات المعقدة، الحروب الأهلية، الأزمات الإنسانية - بذل الجهد في توصيل ثقافة عامة عن "أمريكا" لتتعرف كل شعوب الأرض عليها. فالحرب الدائرة الآن هي حرب أفكار؛ ولابد أن تكون الغلبة للولايات المتحدة

http://droit.hisforum.com/t1749-topic#4592