مترشح مستــــــقل
06-06-2020, 07:01 PM
يتخيل أن روحه تختال جذلانة بين الغيوم المسافرة عند انبلاج الصباح...
و يتخيل مرة أخرى أن يداه تمسحان وجه النجوم و تعانقان ضوء القمر و تخططان الأشعار على صفحات الجداول ..كان يشعر أنه يحمل بين جنبيه زخما لا يفنىى من النرجسية.
و يخيل اليه أحيانا أنه يحاكي – نركسوس- اليوناني الذي كان آية في الجمال. و لما رأى يوما تقاسيم وجهه على صفحة الماء هام عشقا في جماله حتى قتله ذلك العشق.
لكن صاحبنا لم يكن وسيما ولا ذميما. فقد كان بين بين ...و رغم ذلك فهو يحب نفسه أشد الحب و يبغض كل من لا يسدي اليه الخدمات.
ينظر الى العالم من شرفة عاجية مثل امبراطور بيزنطي انتفخ كبرا و خيلاء...
لا يكترث سوى لمصلحته و شأنه وحجم الدنانير التي تنزل ضيفا كريما على جيبه و ليرحل الآخرون الى الجحيم.
يلبس أرقى الثياب و يمس أروع العطور و يمتلك أحدث الهواتف المحمولة ..و في كل عام يرسل اليه عمه من المهجر أربع بدلات ايطالية فاخرة.
يعيش بخياله في عوالم بعيدة عن دنيا الواقع بسنوات ضوئية...
زهد فيه أصدقاءه لما لمسوا فيه من النرجسية المفرطة و الأنانية المقيتة و حب الذات.
حاولوا جاهدين أن يكفكفوا من غلواء نفسه و برودة أعصابه التي تفوق برودة الإنجليز.
لكن هؤلاء الأصدقاء فشلوا فشلا ذريعا ..و لم يفلحوا في اصلاح هذا الشخص النزق قط.
في أخر لقاء معه في أجازة الربيع سأله الرفاق سؤالا واحدا و صريحا :
- سامي. الى متى تعيش في برج عاجي منعزلا عنا و عن الناس ؟؟؟-
لكن سامي ارتسم الضيق على محياه و هتف بصوت متهدج:
- هذا منهجي في الحياة و لا سبيل الى تغيير ذلك –
ثم أطرق الى الأرض هروبا من نظرات الرفاق الساخطة. لقد كان يركب رأسه دائما و لا يحفل بآراء الرفاق أو أي صنف من البشر...
لم يكن سامي مع نرجسيته شديد الذكاء. لقد غالب النجاح و التفوق مرة و غالب الفشل و الانكسار مرة...
قبع في كلية الحقوق سنوات طويلة و ظفر بالشهادة بعد لأي. يومها خاطبه عميد الجامعة ممازحا :
-كدت أن تشيخ قبل أن تنال شهادة الليسانس يا سامي –
يومها امتلأ سامي غيظا و حنقا و كاد أن يشتم العميد و الجامعة و الطلبة و وزارة التعليم العالي قاطبة.
التحق سامي موظفا في البلدية..كان متعجرفا و له خصومات مع المواطنين و أسبل عليه الجميع لقب * الطاووس *.
وعد نساء كثيرات بالزواج لكنه كان يستبدلهن كما يستبدل جوارب قدميه و يستمتع بكسر قلوب العذارى و يبتسم لنحيبهن أمامه.
و أمر رئيس البلدية أخيرا بإلحاقه بمصلحة الأرشيف درءا للمشاكل.
استقال سامي بعد اتهامه باختفاء وثائق من الأرشيف و برأته المحكمة بعد أن أرسل له عمه محاميا شهيرا في المدينة...استطاع المحامي الحاذق أن يستنقذ سامي من مخالب السجون بأعجوبة.
انسلخت سنون طويلة و سامي يتقلب بين مناصب حكومية عديدة و ألوان سياسية مختلفة.
مشى مع الشيوعيين ثم التحق بالوطنيين و تردد على الاخوان المسلمين ثم انسلخ من ذلك كله و قرر أخيرا أن يطرق باب البرلمان كمترشح مستقل.
كانت الحملة الانتخابية شرسة مع المنافسين...و أطلق وعودا براقة ليستهوي بها طبقات الكادحين من العمال و الفلاحين و البسطاء.
و ظهرت نتيجة الاقتراع بعد يومين...المترشح المستقل -سامي مخلوف- صفر أصوات...