بين شيخ الإسلام ابن تيمية والرحالة ابن بطوطة
09-11-2017, 09:51 AM
بين شيخ الإسلام ابن تيمية والرحالة ابن بطوطة


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:

قال الشيخ المحدث العلامة:" علي حسن عبد الحميد الحلبي" حفظه الله ورعاه:
هذا تفنيد ل:( فرية التجسيم) التي نسَبها الرحّالة العربي الشهير: ابن بطّوطة إلى شيخ الإسلام: ابن تيميّة- رحمهما الله- بأقوى دليل، وأثبت حجة:

مع أن عدداً من أفاضل العلماء ردّوا هذه الفرية- قديماً - كالشيخ: محمد بهجة البيطار، والشيخ: محمد راغب الطباخ وغيرهما رحمهم الله جميعاً- ردوا هذه الفرية إلا أني أجدّد الردّ والذبّ-اليوم-؛ لأن بعض ذوي المكانة الاجتماعية-كرّر هذه الفرية بغير أدنى نظر، ولا أقلّ تحقيق!!؟؛ فأقول:

ورد في كتاب:(رحلة ابن بطّوطة:57/1)- ما نصّه -:
" فحضرْتُه [أي: ابن تيميّة] يوم الجمعة، وهو يَعِظُ الناس- على المنبر-...ونزل درجة من درج المنبر، وقال[أي: ابن تيميّة]:هكذا ينزل الله إلى السماء الدنيا-ونزل درجة-.. "!!؟.

قلتُ:
حاشا هذا الإمام الحَبر البحر: أن يقول ذلك الباطلَ من الكلام، وهو- بحقّ- شيخ الإسلام.
وأمّا ذكره ابن بطّوطة - غفر الله له - عن شيخ الإسلام: ابن تيميّة - رحمه الله-، فلا قيمة له في الميزان العلمي المنصف، والبحثي الأمين.
وقد قرّر كبار الباحثين المختصين في تراث ابن بطوطة وابن تيميّة- قديماً وحديثاً- بأن هذه القصة مختلَقة، ولا سندَ يصحّحها!!؟.
وعلى ذلك أدلة متعددة؛ منها:

أولاً: من يحقّق ويدقّق فيما نقله ابن بطوطة عن ابن تيمية- رحمهما الله- يقطع بكذبه وبطلانه؛ لأن ابن بطوطة- نفسه- ذكر أنه حضر يوم الجمعة وابن تيمية يَعِظُ الناس على منبر الجامع!، ونزل من درجة المنبر، وهو يقول:" إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا.. إلخ!!؟".
وهذا باطلٌ من القول وزُور؛ ذلكم أن ابن بطوطة -غفر الله له- لم يسمع من ابن تيمية- بأية طريقة كانت!!؟-، بل لم يجتمع به-أصلاً-؛ إذ كان وصوله إلى دمشق- كما أقرّ هو في:"رحلته"- يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المبارك عام ست وعشرين وسبع مئة هجرية!.
وكان سجن ابن تيمية في قلعة دمشق: أوائل شعبان من ذلك العام- نفسه-، إلى أن توفاه الله - تعالى- ليلة الاثنين في العشرين من شهر ذي القعدة عام ثمان وعشرين وسبع مئة هجرية.
فكيف رأى ابنُ بطوطة ابنَ تيميّة، وهو يَعِظُ على منبر الجامع، وسمع منه!!؟.

ثانياً: أن كل من ترجم لشيخ الإسلام ابن تيميّة لم يذكر-ألبتة- أنه كان يخطب أو يَعِظُ على منبر الجمعة!.
ولو كان ذلك كذلك: لذكره كثيرون ممّن ترجموا له -لأهميته-!.
وإنما كان شيخ الإسلام يجلس على كرسي يَعِظُ الناس، وكان مجلسه غاصّاً بأهله.

ثالثاً: أن حادثة مشهورة -جداً-كهذه الحادثة-، والتي وُصفت بأنها وقعت أمام الناس!، وعلى منبر!، وفي مكان مشهود!، ومن عالم مشهور!، ومحسود له أعداء كثيرون!، ثم يقول ما لا يسع الناسَ السكوتُ عنه!!؟...
ثم ينفرد ابن بطوطة بنقل هذه الحادثة المزعومة!!؟- والتي تتوافر جميعُ أسباب الواقع ودواعيه على نقلها، بل على تواترالنقل فيها-!!؟.

رابعاً: عقيدة شيخ الإسلام-الصحيحة المتواترة عنه- تُثبت اختلاق هذه القصة وافترائها وبطلانها.
ومَن كان له أدنى إلمام سطحي في تراث هذا الإمام شيخ الإسلام: ابن تيمية- رحمه الله - يقطع - جازماً- بأن هذه القصة باطلة مختلقة مخترعة،
ولْيراجع مَن شاء-على سبيل المثال-كتاب:( شرح حديث النزول) -الذي أفرده الإمام ابن تيمية: لشرح هذه المسألة، وبيان النصوص الصحيحة والصريحة الواردة فيها، وليتعرّف على عقيدته الصافية- رحمه الله- في موضوع أسماء الله تعالى وصفاته-عموماً-، وفي موضوع نزول الرب سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله -خصوصاً-.

خامساً: إذا وُجد مَن يستجيز الكذب والبهتان لينصر مذهبه- بالباطل-، أو ليهزم خصمه- بغير حق-؛ فإن مِن العلماء- وفي شتى المذاهب- مَن لا يبيعون دينهم، فيكذبون لنُصرة رأي أو مذهب:
فهذا الشيخ العلامة: إبراهيم الكوراني (الشافعي الأشعري) - المتوفى سنة ١١٤٥هجرية- يقول في كتابه:( مُجلّي المعاني على شرح عقائد الدوّاني)-ما نصه-:
" ابن تيمية ليس قائلاً بالتجسيم، فقد صرّح بأن الله -تعالى- ليس جسماً في رسالةٍ تكلم فيها على:"حديث النزول" كل ليلة إلى السماء الدنيا، وقال في رسالةٍ أخرى: " من قال:إن الله- تعالى- مثل بدن الإنسان، أو أن الله-تعالى- يماثل شيئاً من المخلوقات، فهو مفترٍ على الله -سبحانه-".
ثم قال-أي: الشيخ العلامة إبراهيم الكوراني-:
" بل هو [يعني:ابن تيميّة] على مذهب السلف من الإيمان بالمتشابهات مع التنزيه بـ{ليس كمثله شيء}..".

وهذا هو الدكتور: علي المنتصر الكَتّاني المغربي- الذي حقّق كتاب:(رحلة ابن بطوطة) يقول عن قصة المنبر والنزول-المختلَقة-هذه- :
" هذا محض افتراء على الشيخ[ابن تيمية] -رحمه الله-، فإنه كان قد سُجن بقلعة دمشق قبل مجيء ابن بطوطة إليها بأكثر من شهر، فقد اتفق المؤرخون أنه اعتُقل بقلعة دمشق لآخر مرة في اليوم السادس من شعبان سنة 726هـ ، ولم يخرج من السجن إلا ميتاً، بينما ذكر المؤلف -ابن بطوطة- في الصفحة 102 من كتابه أنه وصل دمشق في التاسع من رمضان!!؟".

ثم-أخيراً-:
هذا الدكتور: محمد سعيد رمضان البوطي-الأشعري الشافعي-رحمه الله- يقول:
" ونحن نعجب عندما نجد غلاة يكفّرون ابن تيمية-رحمه الله-، ويقولون: إنه كان مجسّماً!!؟، ولقد بحثتُ - طويلاً- كي أجد الفكرة أو الكلمة التي كتبها أو قالها ابن تيميّة، والتي تدل على تجسيده - فيما نقله عنه السُّبْكي أو غيره -: فلم أجد كلاماً في هذا – قط - ..
ورجعت إلى آخر ما كتبه: أبو الحسن الأشعري - وهو كتاب:( الإبانة)-؛ فرأيته هو الآخر يقول كما يقول ابن تيميّة.
إذن؛ فلماذا نحاول أن نعظّم وهَماً لا وجود له!!؟.
ولماذا نحاول أن ننفخ في نارِ شقاقٍ؟!". انتهى المقصود نقله من كلام الدكتور: البوطي- رحمه الله.

ولا أطيل أكثر؛" فالحق أبلج، والباطل لجلج".

ونختم معلقين على بيان الشيخ:" الحلبي" حفظه الله ورعاه بما ذكره محدث العصر الشيخ العلامة المحقق المدقق:" محمد ناصر الدين الألباني" طيب الله ثراه، وجعل الجنة مثواه:
" طالب الحق: يكفيه دليل، وصاحب الهوى: لا يقنعه ألف دليل!!؟، الجاهل يعلم، وصاحب الهوى: ليس لنا عليه سبيل!!؟".
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.