تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى الحضاري > منتدى الدراسات الإسلامية

> تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين ـ6

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
jaloux2002
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 28-03-2009
  • المشاركات : 76
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • jaloux2002 is on a distinguished road
jaloux2002
عضو نشيط
تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين ـ6
08-04-2009, 10:41 PM
بسم الله الرحمان الرحيم
سلسلة هدي السلف لإصلاح الخلف
تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين ـ1 ـ
الحلقة الأولى
براءة الحنابلة والسلفيين من مطاعن الشيخ شمس الدين و طائفته القبوريين
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبيّ بعده.
أما بعد........
يحرص الناس على تصحيح أخطاء الغير لسببين اثنين: إما طلبا للحق وحرصا عليه وحماية له ورحمة بالمخطئ، وهذا شأن الصادقين المنصفين، و إما لتأجيج العداوات و استعداء مزيد من المؤيدين على المخالف، وهذا دأب الحاقدين و القاصرين في العلم و العمل.
والعداء الذي يناصبه الشيخ شمس الدين لأتباع السلف الصالح ما كان ليبلغ في نفسه هذه الدرجة لو التزم في ردوده على الأدلة العلمية وحدها، و لم يزد عليها تلك الأمور الشخصية التي أخرجت ردوده و تعقباته عن حد الاعتدال، و كانت أحرى بأن تعود عليه بالذم ،فإن الافتراء على الناس و التشغيب في العلم يزيد القلب جهلا و النفس ظلاما حتى يصير الرجل لا يدري ما يخرج من رأسه.
فالمسائل التي ينقمها الشيخ شمس الدين على أهل السنة و الجماعة أتباع السلف الصالح الذين يسميهم ظلما و بغيا " المتمسلفين " كان ممكنا أن يعذره العقلاء عليها لو حصرها في إطارها، فلم يجعل أخطاء العوام سببا لنقد الأئمة و العلماء، فإنه وغيره يعلم أن الشبهات قد ترد و تدخل على بعض العوام لهم دين وعندهم إيمان و خير، و لكنهم يعجزون عن دفعها، فقد يتخذونها دينا ،و يظنونها تحقيقا لمنهج أهل لسنة و الجماعة وهم بلا شك مخطئون في ذلك، ولكن هذا ليس سببا كافيا ليشن الشيخ شمس الدين على أئمتهم حربا و يستحل منهم ما حرمه الله من الطعن و البهتان و القذع مما يصيره من البغاة المعتدين .
وعليه، فالمرجو للشيخ أن يتداركه الله برحمته فيلهمه الصواب، و إن كان لظنون تشابكت على عقله يعتقد انه على الحق، فسنبين له من خلال هذه الرسالة بالأدلة الواضحة الفاضحة أنه على شفا جرف هار، هو باطل لبس بحق ، و أن أخطأه العلمية في الباب كثيرة جدا.
والشيخ شمس الدين يخطيء أئمة السنة في مسائل هي عين ما قاله أهل السنة، و ما دل عليه الكتاب و السنة، و إن كان بعض المنتسبين للسنة عموما من أهل الكلام البدعي قد خالفوا فيها الجمهور،فالشيخ شمس الدين يبدع أتباع السلف و يضللهم بما صح بالأدلة المعتبرة و النقول المتضافرة أنه مدلول الكتاب و السنة، و أحيانا المنصوص فيهما، لأن الشبه قد دخلت عليه و سرت في نفسه حتى تمكنت من قلبه بحيث صار صعبا عليه معرفة الحق في بعض المسائل إلا بنوع من التجرد من الأهواء و التقليد الأعمى و التعصب المقيت.
فإذا انطلت عليه شبه المتفلسفة من أهل الكلام و اعتقدها حقا كان الواجب عليه الاعتصام بالأدلة الصحيحة لا تتبع عورات العوام لينسبها لأئمة الدين وعلماء السنة، لأنه عجز عن نظم دليله وفق القواعد العلمية المتعارف عليها بين المسلمين ، فحتى الاعتقاد المخالف لهدي السلف الصالح ، المعارض لكتاب الله و سنة رسوله عجز عن تصوره تصورا مطابقا له، كما عجز عن التعبير عنه وفق مقررات أصحابه .
وحتى لا نظلم عوام أهل السنة و الجماعة أتباع أئمة الهدى لابد أن أشير إلا أنه رغم بعض تصرفاتهم المشينة و غلوهم في الدفاع عن اعتقادهم و منهجهم إلا أنهم لا يدافعون عن زور من الكلام وباطل من الاعتقاد، بل يدافعون عن الحق الأبلج ، ولكنهم إما لم يحسنوا التعبير عنه أو أنهم لم يهتموا بإزالة الشبهات المعارضة له ،وهذا لا يمنع أنهم مصيبون في كلامهم من حيث الجملة و إن خانتهم العبارة.
أما كلام أئمة السنة الذين يريد الشيخ شمس الدين التشهير بهم من خلال إثارة بعض ما نسب لأتباعهم من العوام فكلامهم صحيح جملة و تفصيلا،إنما العيب في خصومهم الذين إما عجزوا عن فهم أدلتهم وتصورها،و إما تعصبوا عليهم.
وفي ظني هذا الذي وقع للشيخ شمس الدين، و لذلك كان أكثر توقفه عند لوازم ليست هي أقوال أئمة السنة، و لا يمكن أن نلزمهم بها إذ إن كان لازم القول حقا فإنه ليس بقول، فالقول إذا كان دائرا بين نفي و إثبات أمكن حصر لوازمه و إلا فلا، وبعض الأقوال لها لوازم باطلة و إن كانت هي صحيحة في ذاتها.
وعليه، يتبين لكل منصف أن قصة دفن الطبري و قصة ابن عقيل و الخطيب البغدادي مع الحنابلة التي أجلب بها الشيخ شمس الدين على أهل السنة و الجماعة لا تلحق الذم بهم إلا عند من ينسب لجميع المسلمين سوء تصرف مسلم واحد؟!
وعليه، فالمشكل ليس مشكل العوام، ولكنه مشكل من ينسب نفسه للعلم و يحكم على أهل العلم بتصرفات العوام، وهذا دأب ذوي القصور ومن حرمهم الله معرفته.
فعندما يعظم الشيخ شمس الدين حال ابن عقيل مترجما له بعبارات التقدير و الإجلال يجب عليه أن لا ينسى أنه من أئمة الحنابلة ، و انه و إن تذمر من صنيع بعض الحنابلة معه و مضايقاتهم له لم يذم الحنابلة برمتهم، ولا ترك مذهبه ، و إنما الذي وقع له مع بعضهم كان في فترة طلبه العلم، أما فيما بعد فقد صار إماما لهم، يدلك على ذلك مشهد جنازته كما رواه الأئمة.
والذين منعوا دفن الطبري و ضايقوا ابن عقيل و الخطيب البغدادي هم صنف من الحنابلة الموجودين في ذلك الوقت ليسوا من أئمة علماء الحنابلة ولا أفاضلهم، فإن هذه التصرفات التي حكاها عنهم لا نعرفها عن أحد من أئمتهم كما سنذكره.
ومضايقة العلماء و الدعاة إلى الله لا يختص طائفة لا الحنابلة ولا غيرهم بل يعم جميع العوام في أية طائفة كانوا.
قال الله تعالى :{وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً } الفرقان، فلكل عالم صادق نصيب من فتنة تصيبه ، وذلك لأن الابتلاء لما كان شرفاً، جمع الله تعالى لعلماء هذه الأمة و الصالحين منها من البلايا، والمحن ما تعلو به درجتهم عنده،وقد جرت في التاريخ الإسلامي فتن عمياء صماء لكثير من العلماء و العارفين خاضها غير الحنابلة، فقد تعرض أبو يزيد البسطامي رحمه الله للنفي من بلده سبع مرات،ولا علاقة لذلك بالحنبلة و "المتمسلفة"؟!
ووشي بذي النون المصري إلى بعض الحكام، وحمل من مصر إلى بغداد مقيد،ا وقد اتهم بالزندقة، فقال الحاكم لما كلمه : إن كان هذا زنديقاً، فما على وجه الأرض مسلم، ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة " بذلك؟!
وكذلك وقع لسمنون المحب رحمه الله محنة عظيمة، وادعت عليه امرأة كانت تهواه، وتكلموا فيه،بالكلام الفاحش حتى مات، فلم يحضروا له جنازة مع علمه، وجلالته،ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة" بذلك؟!
وأخرج سهل بن عبد الله رحمه الله من بلده إلى البصرة، ونسبوه إلى قبائح، وكفروه، ولم يزل بالبصرة إلى أن مات بها هذا مع علمه، ومعرفته،وجلالة قدره، وذلك أنه كان يقول: التوبة فرض على العبد في كل نفس، فتعصب عليه الفقهاء في ذلك لا غير،ولا علاقة للحنابلة و " المتمسفلة بذلك؟!
وأُخرج محمد بن الفضيل البلخي رحمه الله بسبب المذهب ، وذلك أن مذهبه كان مذهب أصحاب الحديث، فقالوا له: لا يجوز لك أن تسكن في بلدنا فقال: لا أخرج حتى تجعلوا في عنقي حبلاً، وتمروا بي على أسواق المدينة، وتقولا هذا مبتدع نريد أن نخرجه، ففعلوا به كذلك، وأخرجوه، فالتفت إليهم، وقال: نزع الله تعالى من قلوبكم معرفته، فلم يخرج بعد دعائه قط من بلخ عارف بالله ،ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة بذلك؟!
و أوذي يوسف بن الحسين الكردي الشافعي نزيل دمشق العابد الصالح بسبب اعتصامه بعقيدة أهل السنة و حبه لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك أوذي أبو الحسن البوشنجي.
وأخرج أبو عثمان المغربي من مكة مع مجاهداته، وتمام علمه، وطاف به العلوية على جمل في أسواق مكة بعد ضربه على رأسه، ومنكبيه، فأقام ببغداد، ولم يزل بها إلى أن مات،ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة" بذلك؟!
وشهدوا على السبكي بالكفر مراراً ، حتى إن من كان يحبه شهد عليه بالجنون طريقاً لخلاصه، فأدخلوه البيمارستان، كما ذكره غير واحد من المؤرخين.
وقام أهل المغرب على الإمام أبي بكر النابلسي مع فضله، وعلمه، وزهده، واستقامة طريقه، وتصدره للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فأخرجوه من المغرب مقيداً إلى مصر، وشهدوا عليه عند السلطان، ولم يرجع عن قوله، فأخذ وسلخ، وهو حي، وقيل إنه سلخ وهو منكوس، وهو يقرأ القرآن فكاد أن يفتتن به الناس، فرفع الأمر إلى السلطان، فقال اقتلوه، ثم اسلخوه،ولا يوجد بمصر آنذاك حنابلة ولا كان لهم حضوة عند السلطان؟!
وأخرج الشيخ أبو مدين المغربي رحمه الله من بجاية، ورمي بالزندقة و بدعوى أنه المهدي،ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة " بذلك؟!!
وأخرج أبو القاسم النصراباذي رحمه الله من البصرة، وأنكروا عليه كلامه، وأحواله، فلم يزل بالحرام إلى أن مات مع صلاحه، وزهده، وورعه، واتباعه للسنة.
وأخرج أبو عبد الله الشجري صاحب أبي حفص الحداد قام عليه أبو عثمان الجبري، وهجره، وأمر الناس بهجره حين رفع الناس قدره على أبي عثمان، وأقبلوا عليه، وشهدوا على أبي الحسن الحصري رحمه الله بالكفر، وحكوا عنه ألفاظاً كتبت في درج، وحمل إلى أبي الحسن قاضي القضاة، فاستحضره القاضي وناظره في ذلك، ومنعه من القعود في الجامع حتى مات.ولا علاقة للحنابلة و المتمسلفة " بذلك؟!
وتكلموا في الإمام أبي القاسم بن جميل بالعظائم إلى أن مات، ولم يتزلزل عما هو عليه من الاشتغال بالعلم، والحديث، وصيام الدهر، وقيام الليل، وزهده في الدنيا حتى لبس الحصير رحمه الله ، ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة " بذلك؟!
وقالوا عن القاضي عياض كلاما ساقطا بعد أن ادعى عليه أهل بلده "المالكية"، بأنه يهودي لأنه كان لا يخرج يوم السبت، لكونه كان يصنف في كتاب الشفاء يوم السبت، فقتله المهدي لأجل ذلك، ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة" بذلك؟!
وأخرج أهل المغرب العارف بالله أبا الحسن الشاذلي رحمه الله من بلاد المغرب بجماعته، ثم كاتبوا نائب الإسكندرية بأنه سيقدم عليكم مغربي زنديق، وقد أخرجناه من بلادنا، فالحذر من الاجتماع عليه فجاء الشيخ إلى الإسكندرية، فوجد أهلها كلهم يسبونه، ثم وشوا به إلى السلطان، ولم يزل في الأذى حتى حج بالناس في سنين كان الحج فيها قد قطع من كثرة القطع في طريقه، فاعتقده الناس.ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة بذلك؟!
ورموا الشيخ أحمد بن الرفاعي بالزندقة، والإلحاد، وتحليل المحرمات ولا علاقة للحنابلة و " المتمسلفة بذلك؟!
وحسدوا شيخ الإسلام تقي الدين ابن بنت الأعز، وزوروا عليه كلاماً للسلطان، فرسم بشنقه، ثم تداركه اللطف، وذلك أن الملك الظاهر بيبرس قد كان انقاد له انقياداً كلياً حتى كان لا يفعل شيئاً إلا بمشاورته، فمشى الحساد بينهما بالكلام، حتى زينوا للسلطان في مسألة يقول فيها الحنفية إنها صواب، وما عليه الشافعية خطأ، فعارضه الشيخ تقي الدين فانتصر بعض الحساد للسلطان، ونصروه على الشيخ، وكان لا يحكم في مصر في ذلك الزمان، إلا بقول الشافعي رضي الله عنه فقط فولى السلطان بيبرس القضاة الأربعة من تلك الوقعة، فلم يزالوا إلى عصرنا هذا.
وكذلك أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العالي الشهاب أبو العباس بن العماد أبي الفداء النابلسي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي قال التقي بن قاضي شهبة جرت له مع جماعة فتنة وأوذي أذى كثيراً ثم نجا، ذكره السخاوي في "الضوء اللامع"{1/153}.
و الإمام الفاضل عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين بن سعيد، أبو محمد الأزدي الإشبيلي ويعرف بابن الخراط،كان فقيهاً حافظاً عالماً بالحديث وعلله ورجاله، موصوفاً بالخير والصلاح والزهد والورع والتقلل من الدنيا، مشاركاً في الأدب وقول الشعر، وصنف في الأحكام نسختين كبرى وصغرى، جمع بين الصحيحين وجمع الكتب الستة، وله كتاب في المعتل من الحديث، وكتاب في الرقائق ومصنفات أخر. وله في اللغة كتاب حافل ضاهي به كتاب الهروي، توفي بعد محنة كبيرة نالته من قبل الولاية.ذكره الصفدي في"الوافي بالوفيات"{6/47}ولا علاقة للحنابلة و "المتمسلفة" لكل ذلك؟!
وكذلك وقع للحميدي، قال القاضي عياض: محمد بن أبي نصر الازدي الأندلسي، سمع بميورقة من ابن حزم قديما، وكان يتعصب له، ويميل إلى قوله، وأصابته فيه فتنة، ولما شدد على ابن حزم، خرج الحميدي إلى المشرق "السير"{126/19}،كل هذا في غير موطن الحنابلة ؟!
قال أبو بكر بن العربي وهو من أئمة المالكية لا علاقة له بالحنابلة و المتمسلفة بل يبغضهم و يذمهم، واصفا حال العلماء في زمانه في "العواصم من القواصم"{490}:"فكلما جاء أحد من المشرق بعلم دفعوا في صدره وحقروا من أمره... منهم بقي بن مخلد رحل فلقي علماء الأمة وسادة العلم ورفعاء الملة كأحمد بن حنبل و أكرم،فارتبط و ظفر فاغتبط وجاء بعلم عظيم ودين قويم ... فأما بقي بن مخلد فكان مهجورا حتى مات".
وذكر ابن وضاح و الباجي و غيرهم إلى أن قال:"فإن ظهر عندهم من له معرفة أو جاءهم بفائدة في الدين وطريقة من سلف الصالحين وسرد لهم البراهين غمزوا جانبه و قبحوا عجائبه وعيبوا حقه استكبارا و عتوا وجحدوا علمه... وسعوا في إخمال ذكره و تحقير قدره و افتعلوا عليه وردوا كل عظيمة إليه".
قلت:كذلك الفقيه الصوفي أبو الحكم عبد الرحمان بن برجان قتل في فاس و ألقيت جثته فوق مزبلة حتى استنكر ابن حرزهم هذا الفعل وخطب في الناس و أمرهم بالاهتمام بجنازة القتيل و أن يواروه في مقبرة المسلمين.
كما نال ابن حزم نصيب وافر من المضايقات من عوام المالكية، و لحقه أدى بليغ حتى من أئمتهم مع انه شيخ كثير منهم ، ومع ذلك لم يقل احد من أهل العلم أن المالكية حشوية و ظلمة وجهال، لأنه فعل بعض أئمتهم أو عوامهم لا يجوز أن نلحقه بجميعهم.
وكذلك الغزالي كفره بعض الأشاعرة حتى اضطره ذلك إلى أن يرد عليهم بكتابه "فيصل التفرقة بين الإسلام و الزندقة"،وقد شن عليه المالكية خاصة بالمغرب العربي حملة شرسة شارك فيها العلماء و العوام،وكذلك الجويني و الرازي لقي كل منهم حقه من الذم و المضايقة من قبل الأشاعرة مالكية و شافعية ،نقل السبكي في" الطبقات"{192/5} في ترجمة أبي المعالي الجويني ،قال:" و ربما خالف الأشعري و أتى بعبارة عالية على عادة فصاحته تأدية نظره و اجتهاده، فلا تحتمل المغاربة أن يقال مثلها في حق الأشعري".
وقد ذكر شيئا من هذا التعصب محمد بن محمد الراعي في كتابه " انتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك"{ص:299} حينما قال:" ومن تعصبات الشافعية ما وقع لتاج الدين عبد الوهاب السبكي في طبقاته الصغرى، حيث قال:" و أما أهل اليمن فنظر الله تعالى إليهم بعين العناية، حيث لم يجعل منهم مالكيا و حنفيا، و إنما كلهم مقلدون لمذهب الشافعي".
أي أن من عناية الله بهم أن لا يكونوا مالكية أو حنفية، فهل بعد هذا التعصب المقيت حد يبقي الإنصاف و الاعتدال؟!
وقد وقع السبكي في المازري و ابن عطية بسبب التعصب المذهبي، ووقع الشعراني في القاضي عياض وزعم انه مات في الحمام لأنه أفتى بحرق إحياء الغزالي، ووقع البيهقي في الطحاوي، كل هذا بسبب التعصب المذهبي.
ومعلوم أن الطحاوي كان شافعيا ثم انتقل إلى مذهب أبي حنيفة فكان كثير الجمع للآثار، ولكنه يتعسف أحيانا في تأويلها ليوافق بها قول أبي حنيفة و أصحابه ــ قال مسلمة بن قاسم الأندلسي في "كتاب الصلة": كان ثقة جليل القدر فقيه البدن عالماً باختلاف العلماء بصيراً بالتصنيف وكان يذهب مذهب أبي حنيفة وكان شديد العصبية فيه قال: وقال لي أبو بكر محمد بن معاوية بن الأحمر القرشي دخلت مصر قبل الثلاثمائة وأهل مصر يرمون الطحاوي بأمر عظيم فظيع يعني من جهة أمور القضاء أو من جهة ما قيل: أنه أفتى به أبا الجيش من أمر الخصيان قال: وكان يذهب مذهب أبي حنيفة لا يرى حقاً في خلافه وقال ابن عبد البر في "كتاب العلم": كان الطحاوي من أعلم الناس بسير الكوفيين وأخبارهم وفقههم مع مشاركته في جميع مذاهب الفقهاء قال وسمع أبو جعفر الطحاوي منشداً ينشد:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فعليك إثم أبي حنيفة أو زفر
فقال أبو جعفر: وددت لو أن علي إثمهما وأن لي أجرهما وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في" طبقات الفقهاء": انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر.{لسان الميزان :116/1}ـ ومعلوم الخلاف المنصوب بين الشافعية و الحنفية في عصريهما،فلم يسلم منه الأئمة حتى البيهقي و الطحاوي على جلالة قدرهما في العلم ، و إن كان الطحاوي أكثر جمعا للآثار، لأن البيهقي لم يكن عنده " النسائي" و"الترمذي" و "ابن ماجة"، لكن البيهقي ينقي الآثار ويميز بين صحيحها وسقيمها أكثر من الطحاوي، ولذلك قال ـ كما جاء في "لسان الميزان"{116/1}:"قال البيهقي في المعرفة بعد أن ذكر كلاماً للطحاوي في حديث مس الذكر فتعقبه قال: أردت أن أبين خطأه في هذا وسكت عن كثير من أمثال ذلك فبين في كلامه أن علم الحديث لم يكن من صناعته، وإنما أخذ الكلمة بعد الكلمة من أهله ثم لم يحكمها وبالله التوفيق.".
فمن سلك هذه السبيل من العلماء بحيث يوجه الآثار لتعضيد قول إمامه فيتساهل في تصحيح الضعيف لينتصر به و يتشدد في تضعيف الصحيح ليرد على مخالفه، دحضت حججه وظهر عليه نوع من التعصب بغير الحق.
قال الذهبي في " السير"{10/95}:"و الشافعي لما سكن مصر، وخالف أقرانه من المالكية، ووهى بعض فروعهم بدلائل السنة، وخالف شيخه في مسائل، تألموا منه، ونالوا منه، وجرت بينهم وحشة، غفر الله للكل، وقد اعترف الإمام سحنون، وقال: لم يكن في الشافعي بدعة".
ولما أمر الخليفة في عهد ابن فورك بلعنة أهل البدع على المنابر فلعنت الجهمية والرافضة والحرورية والمعتزلة والقدرية ولعنت أيضا الأشعرية حتى جرى بسبب ذلك نزاع وفتنة بين الشافعية والحنفية وغيرهم قوم يقولون هم من أهل البدع فيلعنون وقوم يقولون ليسوا من أهل البدع فلا يلعنون وجرت لابن فورك محنة بأصبهان وجرت له مناظرة مع ابن الهيصم بحضرة هذا السلطان محمود وكان يحب الإسلام والسنة مستنصرا بالإسلام عارفا به غزا المشركين من أهل الهند وفتح الهند وروي أنه قتل عشرة آلاف زنديق" ولا علاقة للحنابلة بهذه الفتنة.
كما أن الفتن أشعلها في كثير من المرات غير الحنابلة مثل فتنة القشيري، قال عنه الذهبي: "النحويّ المتكلّم، وهو الولد الرابع من أولاد الشيخ - أبو القاسم القشيريّ". دخل بغداد، فوعظ بها، فوقع بسببه فتنة بين الحنابلة والشافعيّة، وأُخرج من بغداد لإطفاء الفتنة، فعاد إلى بلده. توفي سنة 514?" انظر: "سير أعلام النبلاء "194/24، والبداية والنهاية 12/200، وطبقات الشافعيّة 7/159.
وقد تعرض الحنابلة للظلم مرارا كما في محنة الحنابلة في دمشق إبان فترة الحافظ عبد الغني المقدسي و التي شارك فيها العز بن عبد السلام حتى نهاه السلطان وزجره.
و باختصار وقعت في الأمة الإسلامية مئات الفتن، و قتل مئات العلماء و الصالحين بغير يد الحنابلة و "المتمسلفة" ،فلماذا ذكر مساوئهم و التغافل عن مساويء البقية؟!
ولو تتبعنا هذه الطريق لم ننته منها إلا في حفرة الجهل و البغي، و المقصود أن الأمثلة التي ساقها الشيخ شمس الدين لا تدل على ما أراد الذهاب إليه، وهو أن الحنابلة خصوصا و أهل السنة و الجماعة " المتمسلفين" في قاموسه عموما هم حشوية وضلال،ظلموا العلماء و آذوهم.
فهذه الأمثلة التي ذكرتها تكفي لوحدها لتفنيد مزاعمه و تبدد شبهاته، كما تشبع نهمه في تصيد الشبهات والحزازات التي كانت بين أهل العلم في مختلف العصور.
وعندما يبلغ الذم و التجريح لائمة السنة عند الشيخ شمس الدين هذا الحد يصير عند العاقل مدحا، إذ بمجاوزته الحد يعلم أن جله كذب وبهتان، لأن هذا الذم لا يقع موقع يلائم ما تعرفه الفطرة من أحوال الأئمة و سلوكهم ومعرفتهم.
ولذلك قال أحدهم:
ما حطك الواشون من رتبة... عندي ولا ضرك ما اغتابوا
كأنهم أثنـوا ولم يعلـمــــــــــــــوا....عليك عندي بالذي عابوا
و إذا لم تكن هذه القصص التي استعان بها الشيخ شمس الدين في هجومه على أتباع السلف الصالح مفيدة للحمة الأمة و اجتماعها و تآلفها، ولا صحيحة، لأنها أولا قصص عوام، و ثانيا لأنه وجهها توجيها سيئا ،فكل هذه القصص يمكن توجيهها توجيها حسنا بأن تحمل على أحسن الوجوه و يتطلب العذر للمختلفين درءا للفتنة وجمعا لكلمة المسلمين.
و إذ جعل الشيخ شمس الدين نهمته في تعقب أهل السنة أتباع السلف الصالح ونعتهم بشتى الألقاب المذمومة تنفيرا عن دعوتهم المباركة، و تشهيرا بهم أمام عوام المسلمين،ولما لم يجد من الأساليب العلمية الصحيحة ما يسعفه لجا إلى تصيد بعض الأخطاء الشخصية ليجعلها عنوانا لجماعة بحالها،وقد كان الواجب عليه ضبط قلمه ومراعاة الروح العلمية و الانضباط بالإنصاف و الموضوعية، الأمر الذي تخلو منه جل مقالاته إن لم تكن كلها.
ذلك أن ممارسة بعض الأفراد ولو كانوا من أهل العلم لا تمثل أهل السنة قاطبة،خاصة و أن الذين ينقم عليهم الشيخ، ويحرص على تخطئتهم في كل مناسبة هم من تولى إنكار هذه الأخطاء العلمية و الممارسات الشخصية، فكان الواجب عليه الإشادة بهم،فمحنة البخاري رحمه الله لم تكن مع أهل السنة قاطبة، بل مع فرد منهم هو محمد بن يحي الذهلي لم يفهم مقالة الإمام أحمد جيدا فظن البخاري مبتدعا، وقيل: إنه حسده على العلم.
المهم لم يطعن أحد في البخاري، ودافع عنه الإمام مسلم و الترمذي و جل أئمة السنة، و الذين تولوا الدفاع عنه هم في عرف الشيخ شمس الدين " المتمسلفة،" لأنه دافع عنه ابن تيمية و عقد له ابن القيم في " الصواعق" فصلا خاصا.
أما الوقوف عند تعصب العامة على بعض الأئمة فلا حض له عند أهل العلم في التقويم، فإن عوام الحنابلة الذين شهر بهم في مقاله المنشور في الخبر الأسبوعي العدد525 بتاريخ 18 إلى 24 مارس2009 ليسوا أسوا من عوام بقية المذاهب، و الواجب على المنصف مقابلة الخاصة بالخاصة، و الجملة بالجملة،فإن ممارسة عوام الحنابلة خصوصا وعوام أتباع المذاهب عموما لم يرتضيها أحد من أهل العلم، لا علماء الحنابلة ولا غيرهم، فلا يستشهد بمثل هذه القصص إلا من عدم العلم و خانته الأدلة و البراهين، فقد أوردت قبل قليل بعض الأمثلة عن غير الحنابلة تمثل صفحات سوداء في تاريخ بعض العلماء و أتباعهم، تبين أن ما حاول الشيخ شمس الدين أن يجعله منهجا و طريقة لأتباع السلف الصالح المقتدين بهديهم لا يخص عوام الحنابلة وحدهم، ولا يمثل ما سار عليه فضلاء أهل العلم من جميع الطوائف إن هو إلا قضايا شخصية و نفاثات صدرية ،لا يجوز لنا أن نتهم بها المذاهب برمتها،ففي كل مذهب فضلاء وعوام و حاقدون و متعصبون.
ولقد كنت قبل مدة جمعت رسالة في هذا الشأن سميتها "لوعة الأنباء بمحنة العلماء"، بينت فيها قصص العلماء من مختلف المذاهب الذين تعرضوا للمحن فرماهم أصحابهم من نفس المذهب فضلا عن خصومهم بالزندقة و الضلال و الطمع في المناصب السياسية و النفاق و غير ذلك ،ومعلوم أن الأئمة لم يحمّلوا الشافعية أخطاء الرازي، ولا حملوا المالكية أخطاء ابن عربي و ابن مسرة و ابن باجة وابن رشد الفيلسوف،وفي الإسلام زنادقة وولاة جور وشعراء فسقة من كل المذاهب، لا تتحمل المذاهب تبعات أقوالهم و أفعالهم،،فما بال الشيخ شمس الدين لا يوجه عناية قلمه إلا لأهل السنة و الجماعة أتباع السلف الصالح ؟!
و الآن مع الرد المفصّل.
المسألة الأولى:
قال الشيخ شمس الدين: "الحشوية منعوا الإمام الطبري من أن يدفن في مقابر المسلمين".
قلت: هذه القصة معروفة جرت ببغداد، و الذين يقصدهم الشيخ بلفظ " الحشوية" هم الحنابلة ،فلو انه صرح باسمهم لكان خيرا له ولهم،و لكان أدعى في قبول الحجة و النظر فيها و لكنه عدل عن الاسم المشهور إلى ألفاظ السب و الشتم ،فإن لفظ الحشوية أ طلقته الفلاسفة على المعتزلة، ومن ثم أطلقه المعتزلة على الأشاعرة وعلى من ينتسب إليهم الشيخ شمس الدين، قال الشهرستاني في"الملل و النحل"{16/1}:"وكذلك جماعة الكلابية: من الصفاتية والأشعرية سموهم تارة حشوية وتارة جبرية. ونحن سمعنا إقرارهم على أصحابهم من النجارية والضرارية فعددناهم من الجبرية، ولم نسمع إقرارهم على غيرهم فعددناهم من الصفاتية."
والكتاب والسنة ليس فيه لفظ "ناصبية "ولا "مشبهة" ولا "حشوية"، وأهل السنة والجماعة لا يمكن أن يعمهم معنى مذموم في الكتاب والسنة بحال.
نقل ابن تيمية عن شيخ الإسلام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في اعتقاده المشهور قوله:" وعلامة أهل البدع شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم وتسميتهم إياهم حشوية و"جهلة" و"ظاهرية" ومشبهة اعتقادا منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها بمعزل من العلم وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة ووساوس صدورهم المظلمة وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير العاطلة وحججهم بل شبههم الداحضة الباطلة بل أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}.
فلو قال الشيخ شمس الدين :" مثبته "بدل "حشوية" أو" مشبهة" لكان خيرا له، لو كان يريد الخير ،و التحاور، و التقارب، و احتواء المخطئ لا تنفيره بسبه و شتمه،فإن ابن تيمية كثيرا ما يسمي الأشاعرة صفاتية بمعنى مثبتة الصفات مع أنهم لا يثبتون من الصفات إلا سبعا،ولو أراد أن يقول عنهم: معطلة و نفاة لكان سهلا عليه .
ومن يريد النصح يختار من الأسماء ما يليق، و الحنابلة و "المتمسلفة" يسمون أنفسهم أهل سنة و الجماعة و السلفيين، لا حشوية و متمسلفة.
قال ابن تيمية في "النبوات":لكن لمّا أحدث قومٌ من الكلام المبتدَع المخالِف للكتاب والسنّة - بل وهو في نفس الأمر مخالفٌ للمعقول، وصاروا يُسمّون ذلك عقليّات، وأصولَ دين، وكلاماً في أصول الدين، صار من عَرَفَ أنّهم مبتدعة ضُلاّل في ذلك ينفر عن جنس المعقول، والرأي، والقياس، والكلام، والجدل. فإّذا رأى من يتكلّم بهذا الجنس اعتقده مبتدِعاً مبطلاً؛
وهؤلاء وهؤلاء أدخلوا في مسمى الشرع والعقل ما هو محمود وما هو مذموم.
كما أنّ هؤلاء لمّا رأوا أنّ جنس المنتسبين إلى السنّة والشرع والحديث قد أخطأوا في مواضع، وخالفوا فيها صريح المعقول، وهم يقولون إنّ السنّة جاءت بذلك، صار هؤلاء ينفرون عن جنس ما يُستدلّ في الأصول بالشرع والسنّة،ويُسمّونهم حشويّة وعامّة. وكلّ من هؤلاء، وهؤلاء أدخلوا في مسمّى الشرع والعقل والسمع ما هو محمود ومذموم.
[ثمّ هؤلاء قبلوا من مسمّى الشرع والسنّة عندهم محموده ومذمومه، وخالفوا مسمّى العقل محموده ومذمومه]. وأولئك قبلوا مسمّى العقل عندهم محموده، ومذمومه، [وخالفوا مسمّى الشرع محموده ومذمومه]{ص:331}.
فإن لفظ الحشوية أول ما عرف الذم به من كلام المتعتزلة ونحوهم، رووا عن عمر بن عبيد أنه قال : عبد الله بن عمر حشويا، وهم يسمون العامة الحشو، كما تسميهم الرافضة والفلاسفة الجمهور، ويسمون مذهب الجماعة مذهب الحشو، فما كان السلف والأئمة يردونهم إلى الشرع، وظنوا هم أن الشرع لا يدل إلا بمجرد خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشافعي جزءًا سماه : " تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة " ، ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب [ أهل السنة ] بلقب افتراه ـ يزعم أنه صحيح على رأيه الفاسد ـ كما أن المشركين كانوا يلقبون النبي بألقاب افتروها .
فالروافض تسميهم نواصب، والقدرية يسمونهم مجبرة، والمرجئة تسميهم شكاكا، والجهمية تسميهم مشبهة، وأهل الكلام يسمونهم حشوية، ونَوَابت [ النَّوابت : الأغمار من الأحداث ] . وغثاء، وغُثْرًا [ الغُثْر : سَفِلَة الناس ] ، إلى أمثال ذلك، كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم تارة مجنونًا، وتارة شاعرًا، وتارة كاهنًا، وتارة مفتريًا .
قالوا : فهذه علامة الإرث الصحيح والمتابعة التامة، فإن السنة هي ما كان عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، اعتقادًا واقتصادًا وقولًا وعملًا، فكما أن المنحرفين عنه يسمونهم بأسماء مذمومة مكذوبة ـ وإن اعتقدوا صدقها بناء على عقيدتهم الفاسدة ـ فكذلك التابعون له على بصيرة الذين هم أولى الناس به في المحيا والممات، باطنًا وظاهرًا .
وأما الذين وافقوه ببواطنهم وعجزوا عن إقامة الظواهر، والذين وافقوه بظواهرهم وعجزوا عن تحقيق البواطن، والذين وافقوه ظاهرًا وباطنًا بحسب الإمكان ـ فلابد للمنحرفين عن سنته أن يعتقدوا فيهم نقصًا يذمونهم به.
نقل ابن الجوزي في " المنتظم" عن جعفر السراج انه كان ينشد :
قل للذين بجهلهم ... أضحوا يَعِيبُون المحابر
والحاملين لها من الأ ... يدي بمجتمع الأساوِرْ
لولا المحابر والمقا ... لم والصحائف والدفاتر
والحافظون شريعة الم ... بعوث من خير العشائر
والناقلون حديثه ... عن كابرٍ ثَبْت وكابِر
لرأيت من شيع الضلا ... ل عساكراً تتلو عساكر
كل يقول بجهله ... والله للمظلوم ناصر
سميتُم أهل الحد ... يث: أولى النهي وأولى البصائر
حشوية فعليكم ... لعن يزيركم المقابر
هم حَشُو جنات النع ... يم على الأسرة والمنابر
رفقاء أحمد كلهم ... عن حضه ريان صادر
وقد بين ابن الجوزي لم يلجا بعضهم إلا تسمية أهل الحديث بحشوية، و أنهم يعبرون بذلك على تعمقهم في البدعة، فهذا الاسم متى أطلقوه على أهل الحديث ألحق بهم الذم أكثر مما يلحقه بأهل الحديث ،قال في " صيد الخاطر"{162/1}:"وقد كان السلف إذا نشأ لأحدهم ولد شغلوه بحفظ القرآن وسماع الحديث، فيثبت الإيمان في قلبه.
فقد توانى الناس عن هذا فصار الولد الفطن يتشاغل بعلوم الأوائل، وينبذ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقول أخبار آحاد.
وأصحاب الحديث عندهم يسمون حشوية.
ويعتقد هؤلاء أن العلم الدقيق علم الطفرة والهيولي والجزء الذي لا يتجزأ.
ثم يتصاعدون إلى الكلام في صفات الخالق، فيدفعون ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بواقعاتهم.
فيقول المعتزلة إن الله لا يرى لأن المرئي يكون في جهة، ويخالفون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته " . فأوجب هذا الحديث إيثار رؤيته وإن عجزنا عن فهم كيفيتها.
وقد عزل هؤلاء الأغبياء عن التشاغل بالقرآن، وقالوا مخلوق، فزالت حرمته من القلوب.
وعن السنة وقالوا أخبار آحاد. وإنما مذاهبهم السرقة من بقراط وجالينوس.
وقد استفاد من تبع الفلاسفة أنه يرفه نفسه عن تعب الصلاة والصوم، وقد كان كبار العلماء يذمون علم الكلام، حتى قال الشافعي: حكمي فيهم أن يركبوا على البغال ويشهروا ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واشتغل بالكلام.
وقد آل بهم الأمر إلى أن اعتقدوا أن من لم يعرف تحرير دليل التوحيد فليس بمسلم.
فالله الله من مخالطة المبتدعة. وعليكم بالكتاب والسنة ترشدوا."
المسألة الثانية:
فتنة الحنابلة مع الطبري:
زعم الشيخ شمس الدين أن الفتنة بين الحنابلة و الإمام الطبري كانت بسبب عقيدة إقعاد النبي صلى الله عليه و سلم على العرش، و نقل عن السيوطي أن الإمام الطبري أنكر على الحنابلة هذه العقيدة فضربوه و أذوه، ومن ثم منعوا دفنه بعد موته رحمه الله، ولهذا هم حشوية و ضلال!
وحتى أبين مدى ضعف الشيخ في تحقيق المنقولات، و قلة حيلته في تصيد الأخطاء العلمية مع تفوقه في نسج الشبهات وحبك الخرافات أقول:
لا نحتاج في معرفة عقيدة الطبري في مسألة " القعود على العرش" إلى كتاب السيوطي، ولا إلى غيره مادام قد وصلتنا كتب الطبري محققة وموثقة، فكلما طال السند زاد احتمال الخطأ في النقل و التفسير.
فالطبري رحمه الله ذكر عقيدته في هذه المسألة في أجل كتبه و أعظمها و أشهرها وهو التفسير، ولكن قبل نقل كلامه أقول:
هذه المسألة ـ قعود النبي صلى الله عليه و سلم على العرش ـ معروف عن كثير من السلف أنهم لم يطعنوا فيها،وهذا لا يعني أنهم يثبتون حديث مجاهد،فإن العقائد لا تثبت بأقوال التابعين بل بالكتاب و السنة، يدلك على هذا الأمر ما قرره عالمان سلفيان كبيران هما الطبري و ابن تيمية ـ رحمهما الله .
قال الطبري في" تفسيره"{531/7}:"وهذا وإن كان هو الصحيح من القول في تأويل قوله( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك."فأين ما نقله الشيخ شمس الدين عن السيوطي؟!
أما ابن تيمية الذي نسب الشيخ شمس الدين له و للحنابلة و أتباع السلف الصالح نقلا عن السقاف المعتزلي الرافضي هذا القول و شنع عليه به، فإنه قال في"الدرء"{215/3}:" قد صنف القاضي أبو يعلى كتابه في إبطال التأويل ردا لكتاب ابن فورك وهو وإن كان أسند الأحاديث التي ذكرها وذكر من رواها ففيها عدة أحاديث موضوعة كحديث الرؤية عيانا ليلة المعراج ونحوه وفيها أشياء عن بعض السلف رواها بعض الناس مرفوعة كحديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول.
وقد يقال : إن مثل هذا لا يقال إلا توفيقا لكن لا بد من الفرق بين ما ثبت من ألفاظ الرسول وما ثبت من كلام غيره سواء كان من المقبول أو المردود.
ولهذا وغيره تكلم رزق الله التميمي وغيره من أصحاب أحمد في تصنيف القاضي أبي يعلى لهذا الكتاب بكلام غليظ وشنع عليه أعداؤه بأشياء هو منها بريء كما ذكر هو ذلك في آخر الكتاب.
وما نقله عنه أبو بكر بن العربي في العواصم كذب عليه عن مجهول لم يذكره أبو بكر وهو من الكذب عليه مع أن هؤلاء - وإن كانوا نقلوا عنه ما هو كذب عليه ففي كلامه ما هو مردود نقلا وتوجيها وفي كلامه من التناقض من جنس ما يوجد في كلام الأشعري والقاضي أبي بكر الباقلاني وأبي المعالي وأمثالهم ممن يوافق النفاة على نفيهم ويشارك أهل الإثبات على وجه يقول الجمهور : إنه جمع بين النقيضين
ويقال : إن أبا جعفر السمناني شيخ أبي الوليد الباجي قاضي الموصل كان يقول عليه ما لم يقله : ويقال عن السمناني إنه كان مسمحا في حكمه وقوله.
والمقصود هنا أن ما لم يكن ثابتا عن الرسول لا نحتاج أن ندخله في هذا الباب سواء احتيج إلى تأويل أو لم يحتج".
فهذا رأي ابن تيمية أن هذه المسألة و إن كان تلقاها أئمة السلف و السنة بالقبول وعدم الإنكار فإنها لا تثبت بنص صحيح، و أنها من أقوال مجاهد.
ومعلوم أن من الأئمة من يجعل هذا في حكم المرفوع إذا ورد عن تابعي كبير مشهور بالعلم و المعرفة و التقوى و التحري فإن المظنون به أن لا يقول مثل هذا اجتهادا ،وهذا ما يستخلص من كلام الطبري المنقول أولا.
و إن كان فيهم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية من يرى أن العقائد لا تثبت إلا بالنص الصحيح وعلى هذا الاعتقاد كان الترمذي و مثله الشيخ الألباني، و إن كان لابن تيمية تفصيل أوسع من هذا بحيث يفرق بين الكلام عن الألفاظ المنقولة عن النبي صلى الله عليه و سلم ولوازم النصوص،و مقابلات المعاني مع بعضها البعض.
قال الألباني ـ رحمه الله ـ في "مختصر العلو"{ص:14}:" لو أن المؤلف رحمه الله وقف عند ما ذكرنا لأحسن ولكنه لم يقنع بذلك بل سود أكثر من صفحة كبيرة في نقل أقوال من أفتى بالتسليم بأثر مجاهد في تفسير قوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } قال : يجلسه أو يقعده على العرش . بل قال بعضهم : ( أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم ) بل ذكر عن الإمام أحمد أنه قال : هذا تلقته العلماء بقبول إلى غير ذلك من الأقوال التي تراها في الأصل ولا حاجة بنا إلى استيعابها في هذه المقدمة . وذكر في ( مختصره ) المسمى ب ( الذهبية ) أسماء جمع آخرين من المحدثين سلموا بهذا الأثر ولم يتعقبهم بشيء هناك . وأما هنا فموقفه مضطرب أشد الاضطراب فبينما تراه يقول في آخر ترجمة محمد بن مصعب العابد عقب قول من تلك الأقوال ( ص 126 ) :
( فأبصر - حفظك الله من الهوى - كيف آل الفكر بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر . . . )
فأنت إذا أمعنت النظر في قوله هذا ظننت أنه ينكر هذا الأثر ولا يعتقده ويلزمه ذلك ولا يتردد فيه ولكنك ستفاجأ بقوله ( ص 143 ) بعد أن أشار إلى هذا الأثر عقب ترجمة حرب الكرماني :
( وغضب العلماء لإنكار هذه المنقبة العظيمة التي انفرد بها سيد البشر ويبعد أن يقول مجاهد ذلك إلا بتوقيف . . . )
ثم ذكر أشخاصا آخرين ممن سلموا بهذا الأثر غير من تقدم فإذا أنت فرغت من قراءة هذا قلت : لقد رجع الشيخ من إنكاره إلى التسليم به لأنه قال : إنه لا يقال إلا بتوقيف ولكن سرعان ما تراه يستدرك على ذلك بقوله بعد سطور :
( ولكن ثبت في ( الصحاح ) أن المقام المحمود هو الشفاعة العامة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم )
قلت : وهذا هو الحق في تفسير المقام المحمود دون شك ولا ريب للأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله تعالى وهو الذي صححه الإمام ابن جرير في ( تفسيره ) ( 15 / 99 ) ثم القرطبي ( 10 / 309 ) وهو الذي لم يذكر الحافظ ابن كثير غيره وساق الأحاديث المشار إليها . بل هو الثابت عند مجاهد نفسه من طريقين عنه عند ابن جرير . وذاك الأثر عنه ليس له طريق معتبر فقد ذكر المؤلف ( ص 125 ) أنه روي عن ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب وأبي يحيى القتات وجابر بن يزيد ) . قلت : والأولان مختلطان والآخران ضعيفان بل الأخير متروك متهم
ولست أدري ما الذي منع المصنف - عفا الله عنه - من الاستقرار على هذا القول وعلى جزمه بأن هذا الأثر منكر كما تقدم عنه فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله عز وجل وهذا يسلتزم نسبة الاستقرار عليه الله تعالى وهذا مما لم يرد فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل".
قلت:تحقيق الشيخ الألباني جيد و إن كان السلف الذين أثبتوا هذه الفضيلة بنوه على أن مثل هذه المسائل لا تقال بالاجتهاد ـ كما نقل الألباني عن الذهبي في هذا النص.
كما يظهر الاضطراب في هذه المسألة خاصة و أنها لا تتعلق بصفات الله بل بفضيلة للنبي صلى الله عليه و سلم فلا ترجع إلى الأصول التي بنى عليها السلف الصالح مسألة الصفات.
قلت:ومن هذا يتبين للشيخ شمس الدين أهل السنة لا يقرون بعضهم بعض على الخطأ و قد بينا لك من خلال هذه النقول عن ابن تيمية و الألباني مدى الروح العلمية التي يتمتعون بها و الاعتماد على الكتاب و السنة، فلا يأنفون من الرد على بعضهم البعض إيثارا للحق بخلاف من يزين مذهب أئمته ولو كان باطلا من القول غارقا في الزيغ و الانحراف.
قلت: فإذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية و الألباني وهم في عرف الشيخ شمس الدين من أئمة المتمسلفة لا يقولان بهذه العقيدة كان ما نسبه إليهم الشيخ شمس الدين كذبا وزورا هذا من جهة .
من جهة أخرى قد بينا لك عقيدة الطبري في المسألة فلزم أن سبب الفتنة بينه و بين الحنابلة شيئا آخر يظهر منه أن الطبري هو من استفزهم، ولو لم يقصد ذلك،فالفتنة لها شقان:
الفتنة بين الطبري و بين أبن أبي داود فقد كانت بينهما منافرة و قطيعة، ولابد أن الحنابلة مالوا مع صاحبهم كما يفعل سائر أصحاب المذاهب، خاصة و أن الذهبي لم يلق باللوم على ابن أبي داود وحده، بل لام كذلك الطبري و بين أنه هو الآخر لم يكن ينصف صاحبه كما نقله عنه الشيخ شمس الدين في مقاله.
وهذا لا ينفي إمامة الطبري و جلالة قدره عند أئمتهم خاصة عند ابن تيمية و ابن القيم فإنهم من أشد المعتمدين عليه في التفسير و اللغة و العقائد.
أما الشق الثاني الذي أغفل الشيخ شمس الدين ذكره عمدا وهو السبب المباشر و الحقيقي للنفرة بين عموم الحنابلة و الطبري هو ما قام به الطبري رحمه الله من التقليل من شأن الإمام أحمد عندما ألف كتابه " اختلاف الفقهاء"، ولم يذكره مع الأئمة: أبي حنيفة و مالك و الشافعي،ولما سئل عن ذلك قال: هو ليس بفقيه إنما هو محدث، فثارت عليه الحنابلة و وقع بينه و بينهم ما وقع.
فلا شك أن هذا الصنيع هو ما استفز الحنابلة، و جلالة الإمام أحمد و عظم شانه في الفقه و الفهم لا تحتاج إلى الطبري ولا إلى عشرة مثله، ولكننا مع ذلك نعذره و نتفهمه و نتطلب له حسن الظن و التأويل،فإن فقه الإمام احمد لم يدون و ينتشر إلا بمجيء الخلال أي بعدة مدة طويلة بعد وفاة الإمام، كما أن الطبري كان في زمن قريب من زمن الإمام احمد فلابد أنه لم يطلع على فقهه، فلم يذكره في كتابه من غير سوء قصد.
قال المعلمي في" التنكيل":"أقول يشير بهذاـ أي الكوثري ـ إلى أن ابن جرير لم ينقل أقوال أحمد في كتابه الذي ألفه في (( اختلاف الفقهاء )) ، ولأن يعاب بهذا ابن جرير أولى من أن يعاب به أحمد ، ولكن عذره أنه كما يعلم من النظر في كتابه إنما قصد الفقهاء الذين كانت قد تأسست مذاهبهم ورتبت كتبهم ، ولم يكن هذا قد اتضح في مذهب أحمد فإنه رحمه الله لم يقصد أن يكون له مذاهب ولا أتباع يعكفون على قوله وإنما كان يفتي كما يفتي غيره من العلماء ، ويكره أن يكتب كلامه ، فكانت فتاواه عند موته مبعثرة بأيدي الطلبة والمستفتين وأدركها ابن جرير كذلك ، وإنما رتبها وجمعها أبو بكر الخلال وهو أصغر من ابن جرير بعشر سنين .
وفقه أحمد أظهر وأشهر من أن يحتاج إلى ذكر شهادات الأكابر ، ويغني في ذلك قول الشافعي :(( خرجت من بغداد وما خلفت بها أفقه ولا أزهد ولا أورع ولا أعلم من أحمد بن حنبل )).
هذا رأي الشافعي في أحمد قبل أن يموت أحمد بنيف وأربعين سنة "
كذلك مما يجب الإشارة إليه أن الطبري لم يكن على عقيدة الشيخ شمس الدين بأية حال فقد نقل الذهبي من عقيدة الطبري ما يجعله عند الشيخ شمس الدين متمسلفا حشويا، قال في "السير"{273/14}:" أخبرنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بعقيدته، فمن ذلك: وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن تجاوز ذلك فقد خاب وخسر، وهذا " تفسير " هذا الإمام مشحون في آيات الصفات بأقوال على الإثبات لها، لا على النفي والتأويل، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين أبدا.
قال ابن جرير في كتاب " التبصير في معالم الدين ": القول فيما أدرك علمه من الصفات خبرا، وذلك نحو إخباره تعالى أن سميع بصير، وأن له يدين بقوله: (بل يداه مبسوطتان) [ المائدة: 64 ] وأن له وجها بقوله: (ويبقى وجه ربك) [ الرحمن: 27 ] وأنه يضحك بقوله في الحديث: " لقي الله وهو يضحك إليه ".
و " أنه ينزل إلى سماء الدنيا " لخبر رسوله بذلك ، وقال عليه السلام: " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ".
إلى أن قال: فإن هذه المعاني التي وصفت ونظائرها مما وصف الله نفسه ورسوله ما لا يثبت حقيقة علمه بالفكر والروية، لا نكفر بالجهل بها أحدا إلا بعد انتهائها إليه."
المسألة الثالثة:
مشكلة ابن عقيل الحنبلي:
زعم الشيخ شمس الدين في مقاله أن الحنابلة وهم كلهم حشوية عنده، و إن خص أحيانا بقوله :حشوية الحنابلة كفّروا ابن عقيل، وحكموا عليه بالقتل، و انه لما خاف على نفسه وقد سمع بعض عوامهم يتقرب إلى الله بقتله إن أمكنه منه أظهر لهم التوبة تقية من بدعة لم يرتكبها.
و أن هذا الصنيع يذكره بما بثه التلفزيون الجزائري من أن بعض الخارجين على الحاكم كان يقول:لو اظفر بجندي أقتله أتقرب به إلى الله ،و ما أشبه اليوم بالبارحة، و متمسلفة اليوم بحشوية الماضي؟
وقد جانب الشيخ الصواب، و جانبه الصواب، فكلاهما لا يحب الآخر،فأولا:
مع أن الشيخ شمس الدين صرح في مقاله أن سبب مضايقة الحنابلة لابن عقيل هو تلقيه العلم عن المعتزلة ،فإنه أغفل شيئا مهما وهو أن يخبرنا إن كان المعتزلة مبتدعة أم مهتدين عند الحنابلة و عند الأشاعرة؟
فإن كانوا مهتدين لزم أن الأشاعرة مبتدعة،فكل كتب الأشاعرة تبدع المعتزلة و تضللهم، و إن كانوا مبتدعة لزم أن طلب العلم عنهم يقود إلى البدعة،و المخطئ حينئذ ابن عقيل لا الحنابلة.
و إذا طلب أحدهم العلم عن مبتدع ضال مثل المعتزلة فهل يوجد من أئمة الإسلام من يجيز له ذلك ،وهذه فتاويهم في المعتزلة مدونة مشهورة متداولة.وقد بينوا كل ذلك في مسألة رواية المبتدع، فزعم ابن حبان أن أئمة السنة قد أجمعوا على ترك رواية المبتدع الداعية إلى بدعته، و أن غير الداعية كالسني في قبول روايته و أخذ العلم عنه، قال الحافظ في"نزهة النظر"{ص:50}:" و أغرب ابن حبان فادعى الاتفاق على قبول غير الداعية من غير تفصيل".
قال الذهبي في"الميزان"{5/1}:" البدعة على ضربين:
صغري:كالتشيع بلا غلو أو بغلو، كمن تكلم في حق من حارب عليا، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع و الصدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
ثم بدعة كبرى:كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط على أبي بكر و عمر و الدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.
قال ابن تيمية في"المسودة"{ص:264}:"كلام احمد يفرق بين أنواع البدع و يفرق بين الحاجة إلى الرواية عنهم وعدمها، كما يفرق بين الداعي و الساكت مع أن نهيه لا يقتضي كون روايتهم ليست بحجة، لما ذكرته من أن العلة الهجران".
قال ابن رجب في"شرح العلل"{ص:}:"فيخرج من هذا أن البدع الغليظة كالتجهم يرد بها الرواية مطلقا، والمتوسطة كالقدر إنما يرد رواية الداعي إليها، و الخفيفة كالإرجاء هل يقبل معها الرواية مطلقا أو يرد عن الداعية على روايتين".
وعلى هذا المذهب ـ أيضا ـ ابن خزيمة، فقد نقل ابن رجب في المصدر نفسه:"ومنهم من فرق بين من يغلو في هواه ومن لا يغلو، كما ترك ابن خزيمة حديث عباد بن يعقوب لغلوه، وسئل ابن الخرم:لم ترك البخاري حديث أبي الطفيل؟ قال: لأنه كان يفرط في التشيع".
ـ يؤيد هذا التفصيل ما ذهب إليه الأئمة في قضاء المبتدع و الصلاة خلفه و غير ذلك، قال ابن القيم في " الطرق الحكمية"{255/1}:"فإن كان معلنا داعية ردت شهادته و فتاويه و أحكامه مع القدرة على ذلك ، ولم تقبل له شهادة ولا فتوى ولا حكم إلا ثم الضرورة كحال غلبة هؤلاء و استيلائهم، وكون القضاة و المفتين و الشهود منهم ففي رد شهادتهم و أحكامهم إذ ذاك فساد كثير ولا يمكن ذلك فتقبل ضرورة."
ـ يستفاد من هذا التفصيل أن العلم المشروع لا العلم المبتدع، كعلم الكلام و الفلسفة، يؤخذ من المبتدع إذا كانت بدعته خفيفة كبدع الأحكام و ما شابهها، فإن كانت متوسطة فيترك الداعية ويؤخذ من غير الداعية، وهو الذي لا يخاصم على بدعته و ليس إماما فيها، فإن كانت غليظة ترك مطلقا مع القدرة على ذلك.
ولكن ربما المعتزلة هداة مهديين عند الشيخ شمس الدين و المبتدعة هم أهل السنة و الجماعة؟!
وحتى يتسنى له غمز ابن رجب الذي بين سبب نفور الحنابلة من ابن عقيل إبان فترة طلبه العلم على المعتزلة ،و يجعله متحاملا عليه أغفل الشيخ شمس الدين أن يذكر لنا البدع العقدية التي وقع فيها ابن عقيل، وهذا كله صناعة التلبيس.
فابن عقيل أخذ العربية عن أبي القاسم بن برهان تلميذ أبي الحسين البصري وهو متهم، وأخذ علم العقليات عن شيخي الاعتزال أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبو الحسين البصري، قال الذهبي في "السير"{447/19}:" فانحرف عن السنة[1]"، الأمر الذي غفل الشيخ شمس الدين عن الإشارة إليه.
وقال عنه الذهب أيضا في " معرفة القراء ": 1 / 380: وأخذ علم الكلام عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان، ومن ثم حصل فيه شائبة تجهم واعتزال وانحرافات.
وكان يتوقد ذكاء، وكان بحر معارف، وكنز فضائل، على بدعته"
وقال في " الميزان ": 3 / 146: أحد الأعلام، وفرد زمانه علما ونقلا وذكاء وتفننا...إلا أنه خالف السلف، ووافق المعتزلة في عدة بدع نسأل الله السلامة، فإن كثرة التبحر في علم الكلام ربما أضر بصاحبه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
وهذا الذي ذهب إليه ابن رجب فيما يخص بدعة ابن عقيل و إن حاول الشيخ شمس الدين التملص منه بنسبة ابن رجب إلى الحنابلة فقد وافقه عليه الذهبي كما مر عليك، ووافقه عليه ابن حجر وهو شافعي قال في " اللسان ": 4 / 243:" وهذا الرجل من كبار الأئمة، نعم كان معتزليا، ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك، وصحت توبته[2]، ثم صنف في الرد عليهم، وقد أثنى عليه أهل عصره ومن بعدهم، وأطراه ابن الجوزي، وعول على كلامه في أكثر تصانيفه".
وقال الحافظ ابن رجب في " ذيل الطبقات ": 1 / 144: إن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وابن التبان شيخي المعتزلة، وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام، ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة وتأول لبعض الصفات، ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله".
قلت:و ابن رجب اعلم بابن عقيل من ابن حجر، وموقفه منه تؤيده كتب ابن عقيل ،ففيها تلك البدع التي من أجلها نافرته بعض الحنابلة.
قال الحافظ ابن كثير في " البداية ": 12 / 184: وكان يجتمع بجميع العلماء من كل مذهب، فربما لامه أصحابه، فلا يلوي عليهم، فلهذا برز على أقرانه، وساد أهل زمانه،
في فنون كثيرة، مع صيانة وديانة، وحسن صورة، وكثرة اشتغال".
ومن خلال هذا يتبين أن أئمة الحنابلة لم يتجاوزا الحد الشرعي مع ابن عقيل، فإن نهوه عن طلب العلم عن المعتزلة فهذا مطلب شرعي، و إن قدر أن بعض العوام قد أذاه أو توعده بالقتل أو الضرب، فلم يثبت هذا عن أئمة الحنابلة الذين عدوه من أئمتهم البارزين، وقد أوجز لنا حالته بعلم و إنصاف شيخ الإسلام ابن تيمية عندما قال في " درء تعارض العقل والنقل ": 8 / 60 - 61 نوع الخطأ الذي وقع فيه، فقال: ولابن عقيل أنواع من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الخبرية وينكر على من يسميها صفات ويقول: إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه " ذم التشبيه وإثبات التنزيه " وغيره من كتبه، واتبعه على ذلك أبو الفرج ابن الجوزي في " كف التشبيه بكف التنزيه " وفي كتابه " منهاج الوصول ".
وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد على النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله في كتابه " الواضح " وغيره.
وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهى عنه كما فعله في كتابه " الانتصار لأصحاب الحديث " فيوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم ومدحور...ولابن عقيل من الكلام في ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف ما هو معروف كما قال في " الفنون " ومن خطه نقلت."
وقال عنه ه أيضا: {1 / }270:" وكان الأشعري أقرب إلى مذهب أحمد وأهل السنة من كثير من المتأخرين المنتسبين إلى أحمد الذين مالوا إلى بعض كلام المعتزلة كابن عقيل، وصدقة ابن الحسين، وابن الجوزي، وأمثالهم".
المسألة الرابعة:
خلاف الحنابلة مع الخطيب البغدادي:
زعم الشيخ شمس الدين أن الخطيب البغدادي كان حنبلا حشويا ثم تحول إلى المذهب الشافعي، وتخلى عن العقيدة الحشوية لصالح العقيدة الأشعرية السنية، و أن سبب هذا التحول زيف عقيدة الحنابلة المبنية على الإسرائيليات و الأحاديث الموضوعة، و انه تحول عنها بعد طول بحث، و بطبيعة الحال لم يجد الشيخ شمس الدين عند ابن الجوزي في" المنتظم" إلا هذه الجملة :"حين توفى الخطيب حمل ابن العقير الحنبلي فأسا و ذهب إلى قبره ليخرجه وهو يقول::"كان كثير التحامل على أصحابنا[3]"
فلا باس بان نذكره بمشكلة الخطيب مع الحنابلة أولا بأول، و بالضبط بما عابه عليه ابن الجوزي في " المنتظم"، و الفقرات الطويلة التي نسي الشيخ شمس الدين أن يذكرها للقراء؟!
الأسباب التي دفعت الحنابلة إلى منافرة الخطيب:
قال أبو الفرج ابن الجوزي: كان الخطيب قديماً على مذهب أحمد بن حنبل فمال عليه أصحابنا لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه[4]، فانتقل إلى مذهب الشافعي وتعصب في تصانيفه عليهم، فرمز إلى ذمهم وصرح بقدر ما أمكن، فقال في ترجمة أحمد بن حنبل، سيد المحدثين،و في ترجمة الشافعي: تاج الفقهاء، فلم يذكر أحمد بالفقه وقال في ترجمة حسين الكرابيسي إنه قال عن أحمد: أيش نعمل بهذا الصبي، إن قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق قال بدعة وإن قلنا غير مخلوق قال بدعة، ثم التفت إلى أصحاب أحمد فقدح فيهم بما أمكن، وله دسائس في ذمهم عجيبة، ثم قال: أنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه قال سمعت إسماعيل بن أبي الفضل القومسي وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم: الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وأبو بكر الخطيب. قال أبو الفرج: وصدق إسماعيل وكان من أهل المعرفة فإن الحاكم كان متشيعاً ظاهر التشيع والآخران كانا يتعصبان للمتكلمين والأشاعرة وما يليق هذا بأصحاب الحديث لأن الحديث جاء في ذم الكلام وقد أكد الشافعي في هذا حتى قال: رأيي في أصحاب الكلام أن يحملوا على البغال ويطاف بهم.
وصنف ابن الجوزي كتابه " السهم المصيب في بيان تعصب الخطيب "، وقال ابن طاهر: سألت أبا القاسم هبة الله الشيرازي قلت: هل كان أبو بكر الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ فقال: لا، كنا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيام، وإن ألححنا عليه غضب، وكانت له بادرة وحشة، وأما تصانيفه فمصنوعة مهذبة ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه. قال ياقوت في " معجم الأدباء " ونقلت من خط أبي سعد السمعاني ومنتخبه لمعجم شيوخ عبد العزيز بن محمد النخشبي قال: ومنهم أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب يخطب في بعض قرى بغداذ، حافظ فهم ولكنه كان يتهم بشرب النبيذ، كنت كلما لقيته بدأني بالسلام فلقيته في بعض الأيام فلم يسلم علي ولقيته شبه المتغير، فلما جاز عني لحقني بعض أصحابنا وقال لي: لقيت أبا بكر الخطيب سكران، فقلت له: لقد لقيته متغيراً واستنكرت حاله ولم أعلم أنه سكران ولعله قد تاب إن شاء الله. قال السمعاني: ولم يذكر عن الخطيب رحمه الله هذا إلا النخشبي مع أني لحقت جماعة من أصحابه كثيرة.انظر"الوافي بالوفيات"{442/2}.
وقال في المذيل: والخطيب في درجة القدماء من الحفاظ والأئمة الكبار كيحيى بن معين
وحدث محمد بن طاهر المقدسي، سمعت أبا القاسم مكي بن عبد السلام الرملي يقول: سبب خروج أبي بكر الخطيب من دمشق إلى صور أنه كان يختلف إليه صبي صبيح الوجه، وقد سماه مكي أنا نكبت عن ذكره فتكلم الناس في ذلك وكان أمير البلدة رافضياً متعصباً فبلغته القصة فجعل ذلك سبباً للفتك به، فأمر صاحب الشرطة أن يأخذه بالليل ويقتله، وكان صاحب الشرطة من أهل السنة، فقصده صاحب الشرطة تلك الليلة مع جماعة من الشرطة من أصحابه ولم يمكنه أن يخالف الأمير وأخذه وقال له: أمرت بكذا وكذا ولا أجد لك حيلة إلا أنني أعبر بك على دار الشريف ابن أبي الحسن العلوي فإذا حاذيت الباب فادخل الدار فإني أرجع إلى الأمير وأخبره بالقصة، ففعل ذلك ودخل دار الشريف وأعلم صاحب الشرطة الأمير فبعث الأمير إلى الشريف أن يبعث به فقال الشريف: أيها الأمير أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله ولكن ليس لي في قتله مصلحة. هذا الرجل مشهور بالعراق وإن قتلته قتل به جماعة من الشيعة بالعراق وخربت المشاهد. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن يخرج من بلدك، فأمر به فخرج إلى صور وبقي بها مدة إلى أن عاد إلى بغداذ وأقام بها إلى أن مات.
الخبر في " التذكرة " وعلق عليه العلامة المعلمي في"التنكيل"، فقال: يعني أنها لما وقعت فتنة البساسيري، ونهبت بيوت بغداد، كان في ذلك كتب اشتراها الناس من ناهبيها، ثم باعوها فاشترى عدة من تلك الكتب، وهي في الأصل مما نهبه الناس، والظاهر أن ظاهرا اعتمد ظاهر اليد، فاشترى ولم يتعمق، والله أعلم".
قلت : فهذه ترجمة الخطيب نقلت فيها الأسباب التي جعلت الحنابلة تضايقه، و انه تحامل عليهم فعاملوه بالمثل، وقد بينها كلها ابن الجوزي،مع أن الخطيب إمام جليل القدر في علم الحديث اتهم كسائر الأئمة بتهم شتى، نفاها عنه العلامة المعلمي في كتابه الماتع " التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" بالحجج الدامغة، فليراجعه من شاء،
ثم أقول: من طعن في مالك و الشافعي و احمد و سبعين من حفاظ الإسلام و أكثر من ألف حافظ من حفاظ الحديث في كتابه" تأنيب الخطيب" هو الأحق بالحشو في الفهم، وهو الأحق بان يعرض به و يسفه رأيه، و يكشف باطله.
مسألة تغيير بعض العلماء لمذاهبهم:
لو كانت مسألة تغيير المذهب دلالة على فساد المذهب كما أشار إلى ذلك الشيخ شمس الدين في قصة تحول الخطيب البغدادي إلى مذهب الشافعي لكان تحول الطحاوي و القرضاوي في هذا العصر من الشافعية إلى الحنفية، و تحول السمعاني من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي ،جاء في "العبر في خبر من غبر"{228/1}:" وأبو المظفّر السمعاني، منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي العلامة الحنفي، ثم الشافعي، برع على والده أبي منصور في المذهب، وسمع أبا غانم الكراعي وطائفة، ثم تحوّل شافعياً،."
وجاء في "إنباء الغمر بأبناء العمر"{36/1}:" إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأخنائي، برهان الدين بن علم الدين، كان شافعي المذهب كأبيه وحفظ التنبيه ثم تحول مالكياً كعمه".
" محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم اللخمي الدمشقي المحدث شمس الدين ثم تحول مالكياً، فناب عن بعض المالكية ثم رجع، فناب عن ولي الدين ابن أبي البقاء، ومات شافعياً"{154/1}.
" محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي سري الدين ابن القاضي جمال الدين المسلاتي الأصل الدمشقي أبو الخطاب سبط التقي السبكي وكان أبوه قاضي المالكية، ثم تحول هو شافعياً مع أخواله السبكية ونشأ بينهم طريقهم"{204/1}.
دليلا على فساد المذهب لكانت كل المذاهب فاسدة و بالتالي ظهر أن معيار الشيخ شمس الدين في معرفة صحة المذاهب معيار زئبقي هلامي لا يستقر على شيء!
قال الذهبي في " السير"{157/18} عن ابن عبد البر:" كان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل، ثم تحول مالكيا مع ميل بين إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته، بان له منزلته من سعة العلم، وقوة الفهم، وسيلان الذهن، ".
المسألة الخامسة:
محنة البخاري:
مع أن محنة البخاري لا علاقة لها بالحنابلة، لا من قريب ،ولا من بعيد، بل وقعت له مع بعض المحدثين لم يفهموا قصده في مسألة اللفظ، يحاول الشيخ شمس الدين إلحاقها بهم وبأهل السنة الذين يمثل البخاري فيهم القمة،ولكن هذا حال من يلقن الشبهات و يقلد فيها.
قال:حكم عليه ـ الحشوية ـ أجداد المتمسلفة بالضلال والابتداع بسبب مخالفته لهم و صدعه بالحق في مسألة اللفظ"و إن كان قد استعمل صيغة الجمع إلا انه لم يجد إلا شخصا واحدا ذم البخاري و نهى عن مجالسته، وهو محمد بن يحي الذهلي، ولا يمكن في أساليب العربية أن نسمي شخصا واحدا "أجداد المتمسلفة"؟!
أما ما نقله عن ابن أبي حاتم من ترك أبيه و أبي زرعة الرواية عنه،فهناك فرق معتبر بين ترك الرواية عن رجل و بين اعتباره متروكا، فقد ترك البخارية الرواية عن كثير من فضلاء أهل العلم لا لتهمة في دينهم أو ضبطهم،ولكن لان مروياتهم لا تستوفي شروطه،وكذلك فعلا أبو حاتم و أبو زرعة،أما بقية أهل الحديث و السنة فإنهم رووا عنه و اخذوا عنه، ولذلك يمكن أن نعتبر ما وقع له مع الذهلي من قبل جرح الأقران، مثل ما كان يقع بين الإمام مالك و محمد بن إسحاق،و السيوطي و السخاوي،و أبي نعيم و ابن منده، و الأمثلة كثيرة.
و إذا فهمنا سبب الحملة التي شنها الذهلي على البخاري، و انه الاشتباه في مسألة اللفظ حيث إن بعض الجهمية يقول: لفظي بالقرآن مخلوق و يقصد القرآن،في حين يقصد البخاري أن فعلي هو المخلوق لا الملفوظ الذي هو القرآن، ولذلك لم يعر أئمة السنة هذه المحنة كبير اهتمام، إنما يريد التشغيب بها بعض المبتدعة الذين هم عند البخاري مبتدعة يكفي أن تطالع كتبه خاصة "خلق أفعال العباد" لتعرف أنهم مبتدعة عنده.فالبخاري رحمه الله يثبت العلو و الاستواء و النزول و سائر الصفات و يذم الجهمية و المعتزلة ومن قلدهم بصريح العبارة ،ومعلوم أن إثبات هذه الصفات عند الشيخ شمس الدين هو عقيدة الحشو و التشبيه، ذكر البخاري في كتاب خلق الأفعال عن وهب بن جرير أحد أئمة الإسلام قال الجهمية الزنادقة إنما يريدون أنه ليس على العرش استوى.
هذا من ناحية الشكل.
أما في الموضوع وحتى يعرف القارئ مدى تشغيب هذا الرجل ـ شمس الدين ـ نقول له:
ما هي عقيدة الذين تسميهم " المتمسلفين " في مسألة اللفظ،هل يقولون: بقول البخاري أم بقول محمد بن يحي الذهلي، و بتعبير أدق هل لفظ الإنسان عندهم عمل مخلوق أم غير مخلوق؟
فإذا قصد البخاري أن الفعل الإنساني المتمثل في التلفظ بالقرآن أو بالشعر أو بالكلام العادي مخلوق،أما القرآن الملفوظ فليس بمخلوق خلافا للفظية من الجهمية ، وكان هذا مذهب المتمسلفة عن بكرة أبيهم، سقطت قصة الشيخ شمس الدين على رأسها من شاهق.
وحتى لا نستعمل أسلوب الشيخ شمس الدين الملتوي ندع شخصا محايدا ،بل قد يعتبره الشيخ شمس الدين مناصرا له أو من شيعته و إن كان الرجل بعيدا عنه،هو الحافظ ابن حجر العسقلاني يشرح لنا هذه المسألة ،قال في "فتح الباري"{106/13}:" وقال غيره ظن بعضهم أن البخاري خالف أحمد وليس كذلك بل من تدبر كلامه لم يجد فيه خلافا معنويا ؛ لكن العالم من شأنه إذا ابتلي في رد بدعة يكون أكثر كلامه في ردها دون ما يقابلها ، فلما ابتلي أحمد بمن يقول القرآن مخلوق كان أكثر كلامه في الرد عليهم حتى بالغ فأنكر على من يقف ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق ، وعلى من قال لفظي بالقرآن مخلوق لئلا يتذرع بذلك من يقول القرآن بلفظي مخلوق ، مع أن الفرق بينهما لا يخفى عليه لكنه قد يخفى على البعض ، وأما البخاري فابتلي بمن يقول أصوات العباد غير مخلوقة حتى بالغ بعضهم فقال والمداد والورق بعد الكتابة ، فكان أكثر كلامه في الرد عليهم وبالغ في الاستدلال بأن أفعال العباد مخلوقة بالآيات والأحاديث ، وأطنب في ذلك حتى نسب إلى أنه من اللفظية مع أن قول من قال إن الذي يسمع من القارئ هو الصوت القديم لا يعرف عن السلف ، ولا قاله أحمد ولا أئمة أصحابه ، وإنما سبب نسبة ذلك لأحمد قوله من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ، فظنوا أنه سوى بين اللفظ والصوت ، ولم ينقل عن أحمد في الصوت ما نقل عنه في اللفظ بل صرح في مواضع بأن الصوت المسموع من القارئ هو صوت القارئ ، ويؤيده حديث " زينوا القرآن بأصواتكم " وسيأتي قريبا ، والفرق بينهما أن اللفظ يضاف إلى المتكلم به ابتداء ، فيقال عمن روى الحديث بلفظه هذا لفظه ولمن رواه بغير لفظه هذا معناه ولفظه كذا ، ولا يقال في شيء من ذلك هذا صوته فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه ليس هو كلام غيره".
قال البخاري في"خلق أفعال العباد"{80/1}موضحا هذا الالتباس:" فأما ما احتج به الفريقان لمذهب أحمد ويدعيه كل لنفسه ، فليس بثابت كثير من أخبارهم ، وربما لم يفهموا دقة مذهبه ، بل المعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله غير مخلوق ، وما سواه مخلوق ، وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن الأشياء الغامضة ، وتجنبوا أهل الكلام ، والخوض والتنازع إلا فيما جاء فيه العلم ، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم "
وقال أيضا في "خلق أفعال العباد"{28/1}:" قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل : سمعت عبيد الله بن سعيد يقول : سمعت يحيى بن سعيد يقول : ما زلت أسمع من أصحابنا يقولون : « إن أفعال العباد مخلوقة » قال أبو عبد الله : « حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة ، فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصحف المسطور المكتوب الموعى في القلوب فهو كلام الله ليس بخلق ، قال الله : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) » وقال إسحاق بن إبراهيم : « فأما الأوعية فمن يشك في خلقها ؟ » قال الله تعالى : ( وكتاب مسطور في رق منشور) ، وقال : ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) « ، فذكر أنه يحفظ ويسطر » . قال : ( وما يسطرون)"
و أما قول أحمد من قال : لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر، فهو يقصد اللفظية الذين يقصدون الملفوظ، ولذلك روى البيهقي عنه في"الأسماء و الصفات" و في" الاعتقاد" أنه قال:" من قال: لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو كافر".
والحقيقة هذا الأمر واضح للغاية، ولكن الشيخ شمس الدين يصطاد في الماء العكر.
كما أن الذين يبغضون البخاري هم سلف الشيخ شمس الدين أمثال الكوثري الذي حط عليه في كتابه "تأنيب الخطيب " فقال عنه:" (( ومن يعول على الوضاع لا يكون إلا من طراز الأبار المأجور )) قال المعلمي: لا يبعد انه أراد التعريض بالبخاري ، وما أوهن رأياً يضطر الجدل التحرير في الدفاع عنه إلى الطعن في مثل البخاري !!
وهذا بسبب ما في كتاب البخاري من أحاديث الصفات و الرد على الجهمية فقد ترجم البخاري آخر كتاب الجامع بكتاب التوحيد والرد على الجهمية والزنادقة.
أما من يسميهم الشيخ شمس الدين" متمسلفة" فإنهم يسمون البخاري إمام أهل السنة انظر في كتب ابن تيمية و ابن القيم و الألباني و غيرهم، وهذا الحد الفاصل بين أهل السنة و أهل الخبل.
وليست هذه الرسالة دفاعا عن الحنابلة أو ذما لغيرهم،فإن الحنابلة في الحقيقة امتداد طبيعي لمذهب مالك و أهل المدينة، إنما النعرة المذهبية و التعصب المقيت هو ما فرق بين المسلمين وبين المذاهب المنتمية لنفس الأصول.
ولا أقول هذا من فراغ فمجرد النظر في كلام الإمام احمد و ابن تيمية عن الإمام مالك ومذهبه يشعرك بأنهم امتداد لأصوله التي استمدها هو الآخر ممن سبقه من أهل السنة و الجماعة.
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"{304/4}:" والناس كلهم مع مالك وأهل المدينة‏:‏ إما موافق، وإما منازع، فالموافق لهم عضد ونصير، والمنازع لهم معظم، لهم مبجل، لهم عارف بمقدارهم‏.‏
وما تجد من يستخف بأقوالهم ومذاهبهم إلا من ليس معدودًا من أئمة العلم، وذلك لعلمهم أن مالكًا هو القائم بمذهب أهل المدينة‏.‏"
وقال أيضا في نفس المرجع :" وقالوا للإمام أحمد‏:‏" من أعلم بسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم‏:‏ مالك أم سفيان‏؟‏ فقال‏:‏ بل مالك‏.‏ فقيل له‏:‏ أيما أعلم بآثار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك أم سفيان‏؟‏ فقال‏:‏ بل مالك‏.‏ فقيل له‏:‏ أيما أزهد مالك أم سفيان‏؟‏ فقال‏:‏ هذه لكم"‏.‏
ومعلوم أن سفيان الثوري أعلم أهل العراق ذلك الوقت بالفقه والحديث، فإن أبا حنيفة، والثوري، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والحسن بن صالح بن جني، وشريك بن عبد الله النّخعي القاضي‏:‏ كانوا متقاربين في العصر، وهم أئمة فقهاء الكوفة في ذلك العصر، وكان أبو يوسف يتفقه أولا على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي، ثم إنه اجتمع بأبي حنيفة فرأى أنه أفقه منه فلزمه، وصنف كتاب ‏"‏اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى‏"‏‏.‏
وأخذه عنه محمد بن الحسن ونقله الشافعي عن محمد بن الحسن وذكر فيه اختياره وهو المسمى بكتاب ‏"‏اختلاف العراقيين‏"‏‏.‏
ومعلوم أن سفيان الثوري أعلم هذه الطبقة في الحديث مع تقدمه في الفقه والزهد، والذين أنكروا من أهل العراق وغيرهم ما أنكروا من الرأي المحدث بالكوفة لم ينكروا ذلك على سفيان الثوري، بل سفيان عندهم أمام العراق، فتفضيل أحمد لمذهب مالك على مذهب سفيان تفضيل له على مذهب أهل العراق‏.‏
وقد قال الإمام أحمد في علمه وعلم مالك بالكتاب والسنة والآثار ما تقدم، مع أن أحمد يقدم سفيان الثوري على هذه الطبقة كلها، وهو يعظم سفيان غاية التعظيم، ولكنه كان يعلم أن مذهب أهل المدينة وعلمائها أقرب إلى الكتاب والسنة من مذهب أهل الكوفة وعلمائها"‏.‏
إلى هنا انتهت الحلقة الأولى من سلسلة تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين سلكت فيه سبيل المجاملة لا سبيل استيفاء الحق على وجهه حتى اترك للشيخ فرصة مراجعة نفسه ومعاودة الصواب، فإن أفسد ما في طالب العلم أن لا يتحرى النقل أو يتصرف فيه مغيرا سياقه و مساره العام ،وقد تركت من الكلام أضعاف أضعاف ما سقته غير أن الصورة عن الشيخ شمس الدين ومستواه العلمي ستكتمل رويدا رويدا بتكامل الحلقات و تلاحقها إن شاء الله .
و أخيرا أقول: أسهل على الشيخ شمس الدين إزالة الجبال الرواسي عن أماكنها من وصم أتباع السلف الصالح بالبدعة و الحشو،فإنه لا يتأتى له ذلك إلا بالطعن في أئمة السلف ومن ضمنهم الأئمة الأربعة، ومعاداة القرآن و السنة، ولا أظنه يصل هذا الحد.
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على اشرف المرسلين.
أرزيو بتاريخ 2009-03-24
مختار الأخضر طيباوي

[1] ـ قال الشيخ شمس الدين في مقاله: المقصود بالسنة ما عليه الحنابلة من فقه و اعتقاد لا سنة النبي صلى الله عليه و سلم.
قلت: الحنابلة في الاعتقاد هم على سنة النبي صلى الله عليه و سلم وعلى نهج السلف الصالح أما في الفقه فمثلهم مثل غيرهم من المذاهب السنية، و الذهبي كابن رجب يقصد الانحراف عن السنة لا عن سنة الحنابلة فافهم.

[2] ـ ابن حجر رحمه الله يقول صحت توبته من اعتقاد المعتزلة و الشيخ شمس الدين يقول :"فلم يجد بدا إلا الاتصال بهم و التظاهر لهم بالتوبة من بدعة لم يرتكبها" فعلمنا حينئذ أنه لا يمكن الوثوق بنقل الشيخ شمس الدين و أن كل كلامه في من يسميهم" المتمسلفة" و " الحنابلة" من جنس قدح الساخط ، لا من جنس نقل العدل الضابط.

[3] ـ نسي الشيخ شمس الدين أمرا بالغ الأهمية لم يذكره إذ انبرى للدفاع عن الخطيب البغدادي، وهو الحملة الشرسة التي شنها عليه زاهد الكوثري الذي خصّه بكتاب مفرد:" تأنيب الخطيب"، ورماه فيه بشرب الخمر و لواط الصبية وشراء الكتب المسروقة، و السرقة في الحديث و غير ذلك، ومعلوم أن الشيخ شمس الدين كثير الاعتماد في طعونه على أهل السنة على كتب الكوثري و تلامذته أمثال السقاف.

[4] ـ قلت : نفس ما وقع لابن عقيل وقع للخطيب إقباله على المبتدعة وهو من الحنابلة لم تتقبله الحنابلة فآذوه فاضطر للانتقال إلى المذهب الشافعي، لا أنه كان يبحث عن الحق كما زعم الشيخ شمس الدين زورا.
الملفات المرفقة
نوع الملف: zip تصحيح الأخطاء العلمية لشمس الدين.zip‏ (58.5 كيلوبايت, المشاهدات 7)
  • ملف العضو
  • معلومات
mcmourad2002
عضو جديد
  • تاريخ التسجيل : 05-04-2009
  • المشاركات : 5
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • mcmourad2002 is on a distinguished road
mcmourad2002
عضو جديد
رد: تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين ـ6
08-04-2009, 10:45 PM
السلام عليكم
أظن أن هذه هي الحلقة الأولى وليست السادسة ؟؟
المهم موقع الشيخ أو رقم الهاتف إن أمكن
بارك الله فيك
من مواضيعي
  • ملف العضو
  • معلومات
jaloux2002
عضو نشيط
  • تاريخ التسجيل : 28-03-2009
  • المشاركات : 76
  • معدل تقييم المستوى :

    16

  • jaloux2002 is on a distinguished road
jaloux2002
عضو نشيط
  • ملف العضو
  • معلومات
mcmourad2002
عضو جديد
  • تاريخ التسجيل : 05-04-2009
  • المشاركات : 5
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • mcmourad2002 is on a distinguished road
mcmourad2002
عضو جديد
رد: تصحيح الأخطاء العلمية للشيخ شمس الدين ـ6
08-04-2009, 10:57 PM
شكرا
بارك الله فيك
من مواضيعي
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 09:29 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى