الملحد و خطأ حصر الأدلة العلمية في الأدلة التجريبية
25-02-2018, 04:21 PM
الملحد و خطأ حصر الأدلة العلمية في الأدلة التجريبية
د.ربيع أحمد


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين، و على من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو: أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان، ويعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علما، ومن العلم جهلا، ومن الحق باطلا، ومن الباطل حقا!!؟.
ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.
وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين: لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين، ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم.
و في هذا المقال، سنتناول بإذن الله: النقض لأحد المغالطات الشديدة لهم، ألا وهي:" حصر الأدلة العلمية في الدليل التجريبي فقط!!؟"، و:" دعواهم: أن ما لا يدرك بالحواس: لا وجود له، ودعواهم: أن ما لا يخضع للبحث التجريبي: لا يسمّى علميًّا!!؟".

ما هو الدليل العلمي؟:
قبل بيان مغالطة الملاحدة في حصر الأدلة العلمية في الدليل التجريبي لابد أن نعرف ما هو الدليل العلمي، فالدليل العلمي مكون من كلمتين: كلمة دليل، و كلمة علمي.
و الدليل هو: المرشد إلى المطلوب، أو ما أمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى معرفة مطلوب خبري:( حكم من الأحكام )، أو أنه: ما يلزم من العلم به: العلم بشيء آخر، و الأمر الذي يكون قبل إقامة الدليل عليه يسمى: دعوى، ووقت إقامة الدليل يسمى: مطلوباً، وبعد إقامة الدليل يسمى: نتيجة.
والعلمي: نسبة إلى العلم، و العلم هو: معرفة الشيء على حقيقته، أو معرفة الشيء على ما هو عليه في الواقع، أما معرفة الشيء على غير حقيقته كمعرفته باعتقاد أمر غير واقع فيه، فيعد من الغلط والجهل به، فلا يسمى ذلك علماً.

هدف الدليل العلمي وأقسامه:
الغرض من الدليل العلمي هو: التوصل إلي معرفة شيء من الأشياء على ما هو عليه في الواقع، وقد أصل إلى معرفة شيء من الأشياء عن طريق الحس: كالعلم بأن النار محرقة، والعلم بأن الثلج بارد، والعلم بأن الشخص له رجلان ويدان ورأس، وقد أصل إلى معرفة شيء من الأشياء عن طريق التجربة: كالعلم بأن النعناع يفيد تقلصات البطن، والليمون يفيد الزكام، وقد أصل إلى معرفة شيء من الأشياء عن طريق العقل: كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين، والعلم بأن الكل أكبر من الجزء، والعلم بأن النقيضين لا يجتمعان، والعلم بأن لكل حادث محدِث، ومن هنا ندرك: أن الدليل العلمي أقسام، فمنه: الدليل الحسي المادي، ومنه: الدليل التجريبي، ومنه: الدليل العقلي.

الدليل العلمي ليس منحصرا في الدليل التجريبي:
الدليل العلمي ليس نوعا واحدا، و ليس منحصرا في الدليل التجريبي؛ لأن العلوم أصناف شتى، و كل علم من العلوم له الأدلة التي تناسبه، ودليل العلوم الطبيعية التحليلية ليس كدليل العلوم الإنسانية.
و من العلوم: ما يناسبه الدليل الحسي المادي والدليل التجريبي: كعلم الفيزياء و الكيمياء والأحياء، وهذه العلوم الثلاثة علوم طبيعية تحليلية تجريبية تقوم على ملاحظة ظاهرة من الظواهر الطبيعية، ووضع الفروض لها، واختبار هذه الفروض بالتجربة أو ما يقوم مقامها، ثم استنتاج الفرض الصحيح للظاهرة.
ومن العلوم: ما يناسبه اللجوء إلى أفضل التفسيرات: كعلوم البدايات مثل: بداية الكون و بداية الحياة، واللجوء إلى أفضل التفسيرات يعتبر قاعدة علمية في التفضيل بين الأدلة: أكثر من كونها دليلا قائما بحد ذاته،فإذا كان يمكن تفسير ظاهرة ما بشكل بسيط، وبشكل معقد، فإن التفسير البسيط هو: الأفضل.
ومن العلوم: ما يناسبه الدليل العقلي: كعلم الفلسفة أحد العلوم الإنسانية حيث الاعتماد فيه على معلومات عقلية لا تحتاج إلى إحساس وتجربة.
ومن العلوم: ما يناسبه الوثائق والآثار: كعلم التاريخ أحد العلوم الإنسانية، وهذا العلم مبني على الوثائق، ولا مجال للتجربة فيه حيث نحتاج لإثبات الحادث التاريخي إلى أخبار وآثار تبرهن على وجود هذا الحدث التاريخي في الماضي، والوثائق و الآثار التي يعتمد عليها علماء التاريخ قد تكون مكتوبة كالرسائل و السجلات، و قد تكون غير مكتوبة كالألبسة والنقود والأوسمة والمباني.
و هناك علوم كثيرة لا مجال للتجربة فيها، أو تندر التجربة فيها، فأين التجربة في علم اللغة و الأدب؟، وأين التجربة في علم التاريخ؟، وأين التجربة في علم المنطق؟، وأين التجربة في علم الفلسفة؟، وأين التجربة في علم الاجتماع؟، وأين التجربة في علم القانون؟، وأين التجربة في علم الاقتصاد؟.
و من هنا: ندرك أن ليس كل الأدلة العلمية: أدلة حسية أو أدلة تجريبية، وأن هناك علوم لا مجال للدليل الحسي أو التجريبي فيها.

الحواس قد تخطيء:
بالغ الملاحدة في الاعتماد على الحس في الحكم على الأشياء أشد المبالغة، رغم أن الاعتماد على الحس وحده في الحكم على الأشياء قد يؤدي للوقوع في الخطأ، فالحس قد يخطئ، والعقل يصحح خطأ الحواس.
ومن الأمثلة على خطأ الحواس:" ظاهرة السراب"، وهو: نوع من الوهم البصري، فهو: خدعة بصرية تحدث نتيجة ظروف البيئة المحيطة من اشتداد درجة الحرارة، والأرض المستوية، واختلاف في معامل الانكسار، مما يجعلها في حالة توهج شديد حيث تبدو كالماء الذي يلتصق بالأرض، ليعكس صورا وهمية للأجسام، وكأنها منعكسة عن سطح مرآة كبيرة.
ومن الأمثلة على خطأ الحواس أيضا:" ظاهرة انكسار الضوء"، وهي: عبارة عن انحراف الضوء عن مساره عند انتقالهإلى وسط شفاف آخر، فبدل أن يستمر في الحركة على نفس الخط المستقيم الذي كان يستمر فيه ينحرف عن مساره بنقطه انتقاله بين الوسطين، فإذا وضعنا قلماً في كأس ماء: بدا القلم للناظر مكسوراً، وهو ليس كذلك .
ومن الأمثلة على خطأ الحواس أيضا:" الخداع البصري"، وهو: أن يرى الناظر الصورة التي أمامه على غير حقيقتها التي هي عليها في الحقيقة نتيجة: أن المعلومات التي تجمعها العين المجردة، وبعدمعالجتها بواسطة الدماغ تعطي نتيجة لا تطابق المصدر أو العنصر المرئي، فالخدعالبصرية إذا هي: صور ومشاهد مصنوعة مسبقا بطريقة مدروسة: لتظهر للناظربطريقة معيّنة، وهي ليست كذلك.
ومن هنا: ندرك أن الحواس يمكن تضليلها بسهولة، والدليل الحسي و الدليل التجريبي يعتمد على الحواس في رصد النتائج، فهو عرضة للتضليل، ومما سبق: يتبين خطأ الاعتماد على الحواس كمصدر وحيد للمعرفة، وأن المعرفة لا يمكن أن تبنى فقط على الحواس، فالحواس قد توهمنا وتخدعنا.

بطلاندعوى ما لا يدرك بالحواس: لا وجود له:
كثير ما نقرأ أو نسمع للملاحدة: أن ما لا يدرك بالحواس: لا وجود له، وهذا زعم باطل يغني فساده عن إبطاله، فهذه الروح التي بنزعها نموت غير محسوسة بالحواس، فلا نستطيع أن نسمعها أو نراها أو نشمها أو نلمسها أو نتذوقهامع أن الروح موجودة، ويدرك وجودها بأثرها.
و العقل والإدراك غير محسوس بالحواس، فلا نستطيع أن نسمعه أو نراه أو نشمه أو نلمسه أو نتذوقه مع أن العقل موجود، ويدرك وجوده بأثره.
والعدل والظلم والحكمة والحب والكره والسعادة والفرح والرضا والغضب و غير ذلك من الصفات المعنوية: غير محسوسة بالحواس مع أنها موجودة و من أنكرها: عد من المجانين.
والجاذبية موجودة، لكنها لا تدرك بالحواس، فلا نستطيع أن نسمعها أو نراها أو نشمها أو نلمسها أو نتذوقها، لكن الجاذبية تدرك بغير الحواس، إذ يدرك وجودها بأثرها.
والكهرباء موجودة، لكنها لا تدرك بالحواس، فلا نستطيع أن نسمعها أو نراها أو نشمها أو نلمسها أو نتذوقها، بل تدرك بغير الحواس، إذ يدرك وجودها بأثرها.
والكون مليء بالموجودات التي لا تقع تحت نطاق الحس، ولا تعرف عن طريق الرؤية، وإنما نستدل عليها عن طريق العقل وظهور الآثار.
و الملاحدة يؤمنون بوجود الحس، ويجعلونه أصل نظريتهم وأساسها مع أن الحس نفسه غير محسوس، فإن قالوا:" هو محسوس"، فبأي الحواس أثبتوا وجوده: بالبصر أو السمع أو الشم أو الذوق أو اللمس!!؟، و إذا كان الحس موجوداً، فقد اعترفوا بموجود غير محسوس، وإن كان الحس غير موجود، فهذا أساس نظريتهم المادية، وقد انهار.
و على منهج هؤلاء الملاحدة الماديين: لن يستطع أحد الحكم باستحالة شيء أو بضرورة شيء آخر؛ لأن الاستحالة بمعنى: عدم إمكان وجودالشيء، و عدم إمكان وجود الشيء: ليس مما يدخل في نطاق التجربة، و لا يمكن للحواس أن تكشف عنه، ومع سقوط مفهوم الاستحالة يكون التناقض ممكناً!!؟.
و إن أقروا بجواز استحالة شيء، واستنجوا منه: استحالة وجوده فيالخارج، فالانتقال من الحكم باستحالة تصور شيء أو إحساسه إلى الحكم باستحالة وجوده فيالخارج هو: استنباط شيء من شيء، و هذا الاستنباط خارج على مذهب الماديينأنفسهم.
وتعميم الحكم من الجزئي أوالفرد الذي أجرينا عليه التجربة على كافة أفراد النوع ( على أمثاله ): حكم عقلي لا تجريبي، أي التعميم نفسه تجاوز لمصدرالحس، وليس مما يقع في خبرة الحواس، بل هو استنباط، و الاستنباط خارج على مذهب الماديينأنفسهم.

والتجربة لوحدها تحتاج إلى القوانين والقواعد العقلية الأولية في أكثر معارفها، و لا قيمة للحواس في عملية المعرفة بدون العقل الذي يوجهها ويضبطها ويجمعها ويرتبصورها ويعطي أحكاما على مجالاتها.
والتجربة نفسها لا تثبت مبدأ العلية؛ لأن العلية لا تثبت عن طريق التجربة، و مع انهيار مبدأ العلية: تنهار قاعدة إثبات العلوم، وإن أقروا بوجود مبدأ العلية، فقد أقروا بمبدأ عقلي، والمبادئ العقلية خارجة على مذهب الماديين أنفسهم.
ونخلص من هذا إلى خطأ القول: بأن ما لا يدرك بالحواس: لا وجود له، بل ما لا يدرك بالحواس قد يدرك بغيرها.


خطأ مطالبة الملاحدة رؤية الله للإيمان به:
رغم أن الأدلة على وجود الله كثيرة من شرع وعقل وفطرة وحس: إلا أن الملاحدة يرددون دائما: أنهم يريدون أن يروا الله جهرة: كي يؤمنوا به، وهذا الذي طلبه الملاحدة: ما هو إلا تعنت منهم واستكبار عن قبول الحق، إذ الأدلة الدالة على وجود الله يؤمن على مثلها البشر، وهي أكثر مما اقترحوه وكافية في إثبات وجود الله،لكن القلب إذا استحكم فيه الكفر والهوى لا يجرى على لسان صاحبه إلا ما ينبئ بالتباعد عن الإيمان من معاذير لا تجدي، و تعليلات لا تفيد .
و قد قضى الله سبحانه وتعالى: أنه لن يراه أحد في الدنيا، إذ جعل الدنيا دار امتحان وابتلاء: ليؤمن بعض الخلق بالغيب، ويكفر البعض الآخر، ولو رأى الناس الله في الدنيا: لانتفت الحكمة التي من أجلها أوجد الناس في هذه الحياة الدنيا، إذ عدم رؤية الله في الدنيا هي: مادة الاختبار في هذه الحياة الدنيا، فكيف نريد أن نرى الله في الدنيا، ونكون في وضع الاختبار!!؟.
قال المعلمي – رحمه الله - :" والحكمة التي اقتضت الخلقَ والتكليفَ: اقتضت أن لا تكون حجج الحق في أقصى غاية الوضوح؛ لأنه يفوت بذلك الابتلاء والاختبار، وبفواته يفوت مقصود الخلق والتكليف":(آثَار الشّيخ العَلّامَة:عَبْد الرّحمن بْن يحْيَيالمُعَلّمِيّ اليَماني: 19/101).

و:(عدم رؤية الشيء: لا يعني عدم وجوده)، وفي الكون أشياء كثيرة لا ترى كالروح و الحياة و العقل، ورغم ذلك يؤمن الناس بوجودها لأثرها، فلما لا نؤمن بوجود الله، وهو لا يُرى في الدنيا، و الآثار على وجوده أكثر من الآثار على وجود الروح والحياة والعقل!!؟.
وهذه النباتات والحيوانات والبحار والمحيطات والأنهار والجبال، وكل ما نشاهده في هذا الكون: وجدت بعد أن لم تكن، فمن الذي أوجدها!!؟.
وهذه المجرات والنجوم الكواكب والأقمار: وجدت بعد أن لم تكن، فمن الذي أوجدها!!؟.
وهذا الكون بما فيه من تناسق ونظام بديع: من الذي نظمه!!؟.
وكل ما في الكون يسير بقوانين ونظم: لا يمكن أن يحيد عنها، فهي مفروضة عليه فرضا، فمن الذي قنن هذه القوانين، وفرضها على كل ما في الكون!!؟.

وقد هدت آثار الله في الكون: الكثير من العلماء إلى الإقرار بوجوده سبحانه، فقد قال:( العالم الفلكي: هرشل):
" كلما اتسع نطاق العلم: ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون: قد تعاونوا وتضامنوا على تشييد صرح العلم، وهو صرح عظمة الله وحده".( العقائد الإسلامية لسيد سابق: ص50).

و قال الدكتور:( سيسل هامان: عالم البيولوجيا):
" أينما اتجهت ببصري في دنيا العلوم، رأيت الأدلة على التصميم والإبداع، على القانون والنظام، على وجود الخالق الأعلى".( براهين وأدلة إيمانية: لعبد الرحمن حبنكه الميداني، ص:202).

و قال العالم:( جون كليفلاند كونران: عالم الكيمياء والرياضة):
"...إذا كان هذا العالم المادي عاجزاً عن أن يخلو نفسه، أو يحدد القوانين التي يخضع لها؛ فلا بد أن الخلق قد تم بقدرة كائن غير مادي، وتدل الشواهد جميعاً على أن هذا الخالق لا بد أن يكون متصفاً بالعقل والحكمة".( براهين وأدلة إيمانية: لعبد الرحمن حبنكه الميداني، ص:94).

و قال العالم:( ماريت ستانلي كونجدن: أخصائي الفيزياء وعلم النفس وفلسفة العلوم):
" إن جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه، ويدل على قدرته وعظمته، وعندما نقوم نحن العلماء: بتحليل ظواهر الكون ودراستها حتى باستخدام الطريقة الاستدلالية؛ فإننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته، ذلك هو الله الذي لا نستطيع الوصول إليه بالوسائل العلمية المادية وحدها، ولكننا نرى آياته في أنفسنا وفي كل ذرة من ذرات هذا الوجود، وليست العلوم إلا دراسة خلق الله وآثار قدرته".( كتاب التوحيد، لعبد المجيد الزنداني، ص:259).


الملاحدة يؤمنون ببعض الغيب، ولا يؤمنون ببعض!!؟:
وفي الختام: أنقل للقارئ كلاما نفيسا للشيخ:" الميداني" رحمه الله، يبين فيه تناقض وانتقائية الملاحدة الماديين التجريبين، حيث يؤمنون ببعض الغيب ولا يؤمنون ببعض، يقول الشيخ – رحمه الله -:
" التقدم العلمي والصناعي لم يتوصل بعد إلى قياس شيء من عالم الغيب، بل ما زال عاجزاً حتى الآن عن قياس أمور كثيرة داخلة في العالم المادي، الذي هو مجال كل أنواع التقدم العلمي الذي انتهت إليه النهضة العلمية الحديثة، فالمعامل والمختبرات والأجهزة العلمية المتقدمة جداً: ما زالت عاجزة عن أن تقيس أشياء كثيرة في هذا العالم المادي الذي نشاهد ظواهره، بشهادة كبار العلماء الماديين أنفسهم، وبدليل تجدد المعارف والمكتشفات يوماً بعد يوم، ومتى زعم العلم الإنساني: أنه اكتشف كل شيء، فقد سقط في الجهل، وأجهز على نفسه بنفسه منتحراً.
يضاف إلى ذلك: أن العلماء الماديين من بعد كل دراساتهم ومشاهداتهم وملاحظاتهم المادية يحاولون تفسير ما شاهدوه من ظواهر بنظريات استنتاجية، يقررون فيها حقائق غير مرئية وغير مشاهدة، وهي بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى أدواتهم: ما زالت أموراً غيبية، ومع ذلك، فإنهم يضطرون إلى إقرارها والتسليم بها، ويجعلونها قوانين ثابتة يقولون عنها: إنها قوانين طبيعية.
ومن أمثلة ذلك: قانون الجاذبية، إنه قانون غدا من الحقائق العلمية الطبيعية لدى العلماء الماديين، فما هي حقيقة هذه الطاقة؟، هل باستطاعة العلماء أن يشاهدوها بأدواتهم، وأن يعرفوا كنهها!!؟، وكيف أثبتوها!!؟.
ألم يثبتوها بالاستنتاج العقلي: استناداً إلى ما شاهدوه من ظواهرها وآثارها!!؟.
هذه هي الحقيقة، فما بال هؤلاء الملاحدة يسلمون بهذه القوانين الخارجة عن نطاق المشاهدات المادية، وهي بالنسبة إلى حواسهم وإلى الأدوات العلمية المتقدمة أمور غيبية، ثم ينكرون وجود الخالق - جل وعلا - لمجرد كونه خارجاً عن نطاق الإدراك الحسي، ولا يمكن التواصل إلى إدراكه بالأجهزة العلمية المتقدمة!!؟".( صراع مع الملاحدة حتى العظم، للشيخ: عبد الرحمن الميداني، ص:90).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

مراجع المقال:
1- العقائد الإسلامية الشيخ سيد سابق.
2- براهين وأدلة إيمانية الشيخ عبد الرحمن الميداني.
3- خرافة الإلحاد د.عمرو شريف.
4- صراع مع الملاحدة حتى العظم الشيخ عبد الرحمن الميداني.
5- قضايا فلسفية في ميزان العقيدة الإسلامية د.سعد الدين صالح.
6- توحيد الخالق الشيخ عبد المجيد الزنداني.
7- آثَار الشّيخ العَلّامَة عَبْد الرّحمن بْن يحْيَي المُعَلّمِيّ اليَماني.