اصبروا على طلب العلم كتاباً و سنّة ؛ و لا تقولوا : هذه أيّام الاشتغال بالسّياسة
19-06-2009, 02:59 PM
... لكنّني رأيت شباب الإسلام في زهرة عمُره ، و قوّة نشاطه ، أقبل على العلم ، و ربّما ضاقت عليه ديارُه حتّى هان عليه مفارقتها ، " كالنّحلة ترحل إلى المكان السّحيق ، لترجع إلى خليّتها بالرّحيق " ، و كلّما لاحت على محيّاه مخايل النّجابة مُدّت إليه يَدٌ عَجْلَى لتقطع عنه الطّريق ، بإشغاله بالسّيّاسة العصريّة الّتي أَضْحَت حيلةَ كلّ محتال ، و حِليةَ كلِّ بطَّال ، يلقط فُتات الأخبار ، من موائد إعلام الكفّار (*) ، يبلعُها بلا هضمٍ ، ثمّ يتقيّؤُها على أنّه المحلّل الفَهْم .
فتارةً يُطيع عاطفةً غير معصومة ، و تارةً يتّبع مصلحةً موهومة ، فتأسّى به منهم من صارت السّيّاسة عندهُ غراماً ، فقلتُ لا بدّ من تخبيب الزّوج على زوجها و إلاّ كانت الفتنةُ لزاماً ؛ بتِبيان منهج السّلف - عليهم من الله رضاه - ، بما لا مطمع في طَرْق حماه ، و ربط الأمّة بعلمائها ، عصمةً لها من أن يسوقها الرّويبضة سوق النّعاج إلى حتفها .
فيا طلبة العلم ! اصبروا على طلب العلم كتاباً و سنّةً ؛ فإنّكم على خير !
و لا تستبطئوا الوصول فقد جدّ بكم السّيرُ ، و لا تحقروا ما أنتم عليه ؛ فإنّه الجهاد الأكبر !
قال ابن القيّم - رحمه الله - : " فقِوام الدّين بالعلم و الجهاد ، و لهذا كان الجهاد نوعين :
- جهادٌ باليد و السّنان ، و هذا المشاركُ فيه كثير .
- و الثّاني: الجهاد بالحجّة و البيان ، و هذا جهاد الخاصّة من أتباع الرّسل ، و هو جهاد الأئمّة ، وهو أفضل الجهادين ؛ لعظم منفعته و شدّة مؤنته وكثرة أعدائه ، قال تعالى في سورة الفرقان و هي مكّيّةٌ: ﴿ وَ لَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً . فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَ جَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ ( الفرقان : 51-52 ) ، فهذا جهادٌ لهم بالقرآن ، و هو أكبر الجهادين ، و هو جهاد المنافقين أيضا (1) ، فإنّ المنافقين لم يكونوا يقاتِلون المسلمين ، بل كانوا معهم في الظّاهر ، و رّبما كانوا يقاتِلون عدوَّهم معهم ، و مع هذا فقد قال تعالى : ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَ ٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ( التّحريم : 9 ) ، و معلومٌ أنّ جهاد المنافقين كان بالحجّة و القرآن ... " (2)
من خاتمة كتاب : " مدارك النّظر بين التّطبيقات الشّرعية و الانفعالات الحماسية " للشيخ عبد المالك رمضاني حفظه الله .

__________________________________
(*) : و اليومَ ، من موائد إعلام أهل البدع و الضّلال كذلك [ أبو حاتم ] .
(1)
: أي جهاد المسلمين للمنافقين .
(2) : مفتاح دار السّعادة ( 1/70 ) .