العربية في يومها العالمي.. حتمية تجديد الخطاب
23-12-2015, 05:47 PM
احتفلت اللغة العربية بيومها العالمي المقرَّر سنويا في الثامن عشر من ديسمبر، وقد خرجنا للتَّو إلى صُلحٍ على دَخَن، من نقاشنا حول تعليم الفصحى بالدارجة في المدرسة الابتدائية، ولا تزال كثير مِن مؤسَّسات الدولة ميدانا للصراع اللغوي، يكون الخاسرُ فيه غالبا طُموحنا إلى نَهضةٍ شامِلة، تأخُذُ من اللُّغات ما يَختِمها بخاتَم الهُوية الجزائرية بكل مكوِّناتها، وخصائصها، وهذا يدفعنا لننطلق من جديد من أرضية زادتها ثباتا جذورُ هويتنا الضاربة في عمقها، وإن لم نكن قادرين على الوقوف بثبات على هذه الأرضية، فإنَّ هامش التأخر في الانطلاق سيكون كبيرا جدا، ويجعلنا دائما في المؤخرة.
لا شكَّ عندي أنَّ الخطابَ حول اللغة العربية بالجزائر، بحاجة إلى تجديد على غرار كثير من الخطابات التي تعرف أزماتٍ متفاوتة، كالخطاب السياسي الذي لم يَعد قادرا على إقناع الجماهير الواسعة، والدائرة -في كثير من الأحيان- في فلكٍ آخر يجعل هذا الخطابَ يتهالَكُ، ويتآكل، ويتلاشى، ومِثلُه أيضا الخطاب الديني الذي انحسر أَثرهُ إلى مساحات ضيقةٍ، بينما الناسُ في حاجة إليه لا يعرفون كيف يستفيدون منه.

لعلَّ تجديدنا للخطاب اللغوي يتطلَّب الخروج من قوقعة الأيديولوجيا، والنظر إلى شأن العربية باعتدال و إنصاف، ويَجمُل بنا أن نُحوِّل الصِّراع بينها و الفرنسيةِ إلى تكامل لا يُلغي شخصيتنا، فنحن شئنا أو أبينا لا نزال بحاجة إلى الفرنسية في مؤسسات الدولة، وفي غيرها من المؤسسات الخاصة، وكثير من أرشيفنا، وتاريخنا مكتوب بها، وإداراتنا لا تزال روحها فرنسية، وأما ما صرَّح به بعض المسؤولين مؤخَّرا، إنَّ العربية بدأت تستعيد مكانتها، و دليلهم إن أغلب المراسلات الإدارية تتم بالعربية، فهذا في نظري خطاب قاصر، فهو لا يزال ينظر للعربية على أنها في صراع مع الفرنسية، ثم إنه يَعدُّ العربية في موقع ضعف، مع أنها الآن تفرض نفسها فرضا في العالَم كله، فلم تَعُد أبدا في الموقع ذاته من الضعف، وقد تَهيَّأ لها الكثير من الدارسين في العالم، من العرب والغَرب كَشفوا عن رُعونة و سذاجة أحكامنا ونظرتنا للعربية ، فإن لم تتغيَّرهذه النظرة، فهذا يعني أنَّنا لا نعي ما يحدث في العالم بشأنها.

لعلَّ القارئ لقصيدة حافظ إبراهيم الرائعة " اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها" والتي نشرت سنة 1903 ، يشعر أنَّ الزمن لم يتغير، إذ لا نزال نتباكى على اللغة كالواقفين على الأطلال، ولا نزال نحاول إقناع الآخرين أن العربية قادرة على احتواء العلوم، متناسين تماما أنَّ التخلُّف الحضاري الذي ما فتئ يبسط علينا سُلطانَه، أقوى حُجَّةً عند خصوم العربية مِن كُلِّ حُجة نسوقها إليهم، وممّا قاله حافظ إبراهيم:
رَمَوْني بِعُقم فــي الشبـــاب و ليتَني عقِمتُ فَلم أجزَع لِقولِ عُداتي
وَسِعتُ كتاب الله لَفظـــا وغايـــةً وما ضقت عن آيٍ به وعظاتِ
فكيف أضيق اليوم عن وَصفِ آلةٍ و تنسيــقِ أسماءٍ لمُختَرَعـــات
نعم، إنَّ المشكل ليس في اللغة بل في التأخُّر الحضاري، ولكنَّ هذا لا يُعفينا من مسؤولية تجديد الخطاب اللغوي عندنا، فَهل كَون العربية لُغَةَ القرآن الكريم، يَحمِلنا – مثلا- على فَرضها في تعليم مادة علمية كلُّ مراجعها بالفرنسية، وكلُّ مُصطلحاتها بالفرنسية، بينما الزَّمن لا يَنتظِرُ أحداً؟ إنَّ غيرتَنا على العربية يجب أن تَدفعنا إلى الحرص على وضوح الرُّؤية، فإنَّ المطبَّات كثيرةٌ جدا في الطريق، وبالموازاة مع هذا، يَحسُن بنا أن لا نبقى أسرى للصراع الأيديولوجي، الذي استنفد منا كثيرا من الجهد دون أن يكون له أثرٌ طيب على مسيرة التقدم.
عبد العزيز حامدي