اللغة العربية تشكو هجرة أبنائها إلى حروف أخرى.
23-08-2015, 11:05 PM

اللغة العربية تشكو هجرة أبنائها إلى حروف أخرى.
نص منقول عن جريدة الشرق الاوسط.

تونس: المنجي السعيداني .

لم تختلف كثيرا آراء الخبراء المجتمعين في تونس لدراسة أسباب تدني مستوى تعليم اللغة العربية، وهم يشخصون واقع اللغة العربية والمعضلات التي تعاني منها في العالم العربي. فقد أجمع هؤلاء الخبراء التابعون لتسع دول عربية على ضخامة المشكلة التي تعترض العرب في دفاعهم عن لغتهم ضد اللغات الأجنبية الزاحفة وعلى التنصل التدريجي من استعمال اللغة العربية في المجالات الحياتية المتنوعة والاستعاضة عنها باللهجات المحلية التي تهدد الوحدة اللغوية للشعوب العربية وتفرق بينهم على المدى البعيد. وعددوا أسبابا عدة لتدني مستوى العربية، أبرزها المسلسلات التلفزيونية وضعف العملية التعليمية. ولم تخل أية مداخلة من المداخلات التي قدمها الخبراء بمقر المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم من التنبيه إلى الصعوبات العديدة التي تعاني منها اللغة العربية بشكل عام مع وجود العديد من الفوارق بين الدول العربية نفسها وبين دول المشرق العربي ودول المغرب العربي.
وقال عبد الباسط عبد المجيد، وهو خبير لغوي من السودان، في مداخلة قدمها بهذه المناسبة إن اللغة العربية تعاني في السودان من نواح عدة. فوجود 22 لهجة محلية وسعي أطراف عديدة لتكريسها يهدد اللغة العربية. كما أن اتفاق حكومة الخرطوم مع جنوب السودان أعاد إلى الواجهة الصراع اللغوي، مضيفا أنه بعد أن قطعت البلاد أشواطا مهمة في التعريب أعاد ذاك الاتفاق فرض تعليم اللغة الانجليزية على اعتبار أن معظم طلاب الجنوب يدرسون بتلك اللغة، على حد قوله. واعتبر عبد الباسط أن «المسلسلات التلفزيونية أثرت على الشارع السوداني بشكل لافت للانتباه، فإذا بث التلفزيون الحكومي مسلسلا مصريا ترى معظم الشارع السوداني يتخاطب باللهجة المصرية، أما إذا بث مسلسلا سوريا فمن الغد تتغير لغة التخاطب , وهذا ما يؤثر على لغة التخاطب اليومي في السودان .
ولتشخيص واقع اللغة العربية والمشاكل التي تعاني منها، أجرت «الشرق الأوسط» مجموعة من الحوارات مع الخبراء العرب الحاضرين في الملتقى العلمي , فقد قال عز الدين البوشيخي رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس في المغرب، إن اللغة العربية تعاني في المغرب والدول العربية الأخرى على حد سواء من معضلات وعوائق وتحديات، من بينها عدم وضع سياسة لغوية واضحة يجري تنفيذها، إذ يلاحظ أن سياسة عدم التدخل للمحافظة على اللغة العربية هي السياسة العامة السائدة مما يترك المجال سانحا لهيمنة اللغات الأجنبية على المحيط اللغوي بمجالاته الحيوية من اقتصاد وإعلام وإدارة وسياسة. وهذا يتيح الفرصة من جهة ثانية لهيمنة اللهجات الدارجة فيما بقي من مجالات الحياة. ولا شك أن هذا الوضع لن يسمح بتقوية اللغة العربية في محيطها وبين أهلها وذويها، وهو ما يساهم في انحسارها وتقليص استعمالها وإضعافها. ويلازم هذا الوضع العائق النفسي المتمثل في تصوير اللغة العربية كلغة لا وظيفة لها في الحياة ولا نصيب لها في تكوين شخصية الفرد وتنمية تفكيره وترقيته في عمله الوظيفي كما هو الشأن مع اللغات الأجنبية الأخرى. كما أن عدم وجود معاجم تعليمية في المستوى المطلوب ومقررات دراسية تراعي الضوابط البيداغوجية علاوة على عدم عقد دورات لاستكمال تكوين الأساتذة المعنيين بتعليم اللغة العربية، كل ذلك يجعل اللغة العربية في خطر. ومن جهته، قال أحمد الحسين حسن الباحث وعضو اتحاد الكتاب العرب في سورية، إن اهتمام «الالكسو» بموضوع النهوض باللغة العربية يترجم حجم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه العالم العربي والمتمثلة في انحسار هذه اللغة عن الاستعمال اليومي وفي المجالات العلمية وميادين البحث ومزاحمة اللغات الأجنبية واللهجات العامية للغتنا العربية. وعلى الصعيد الخارجي، قال أحمد الحسين حسن إن المخاطر تتمثل في انحسار اللغة العربية لدى الشعوب التي كانت تتقن العربية وخاصة الإسلامية منها وتحولها عبر مراحل من الحرف العربي إلى حروف أخرى بفعل الاستعمار الذي تعرضت له الشعوب. وغاية هذا الاجتماع تلمس أحد الأسباب المؤدية إلى ضعف اللغة العربية وهو تحديدا تعليم اللغة العربية. فالمشكلة تشمل المناهج التعليمية وطرق التدريس وأساليب التقويم والمعلم والمتعلم كذلك. وقد لا ننتبه إلى مشكلة اللغة العربية الآن ولكن المستقبل سيكون أصعب خاصة مع تراجع التعريب وإدخال اللغات الأجنبية بصفة مبكرة إلى المؤسسات التربوية والربط بين فرص العمل وإتقان اللغات الأجنبية وهي عوامل تؤثر على اللغة العربية وستظهر آثارها بشكل أكبر لدى الأجيال القادمة. ولاحظ أحمد الحسين وجود تباين بين الدول العربية وهذا نابع من عوامل ثقافية ومؤثرات سياسية وبنية ديموغرافية واجتماعية، وهذا التباين يخفي كذلك صراعا خفيا بين الدول الأجنبية على غزو العالم العربي لغويا وذلك عبر تكريس لغات بعينها مثل الفرنسية والانجليزية في البلدان العربية وتقديم تسهيلات وإغراءات للأفراد والدول عند الإقبال على تلك اللغات. ويخفي هذا الصراع اللغوي من ناحية أخرى، صراع حضارات وعقائد واقتصاد. وأرجع محمود كامل الناقة، أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة عين شمس بمصر، خلال المداخلة التي قدمها، أسباب تدني مستوى تعليم اللغة العربية إلى مجموعة من الأسباب الأساسية هي على التوالي المناهج الدراسية التي تعاني من قصور متعدد النواحي والأبعاد، وإلى المعلم الذي يعاني من واقع تكويني سيئ وعمليات إعداد عشوائية وتدني مستوى المتخرجين بشكل لافت للنظر، وإلى الوسائل التعليمية لتعليم العربية التي تفتقر إلى أسس علمية، ورابعا إلى الفرية الكبرى حول عجز اللغة العربية عن حمل العلم، أما السبب الخامس فهو يتمثل في علو شأن اللغات الأجنبية في البلاد العربية في جميع مجالات الحياة وهو أمر لا تخطئه الملاحظة، على حد تعبيره. وفسر المعضلة التي تعاني منها العربية من ناحية أخرى بإهمال المجتمع العربي للغته والتفريط فيها والتساهل في شأنها. وبعيدا عن نظرية المؤامرة، قال الناقة إن المعطيات المتوفرة تشير إلى أن اللغة العربية من بين اللغات المستهدفة من حروب اللغات التي تتهدد بعضها البعض وقد تسير اللغة إلى الموت التدريجي بتناقص عدد مستعمليها.
ترى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أن تدني مستوى تعليم اللغة العربية لا يمكن تلخيصه في سبب واحد وإنما أسبابه عديدة تتصل بالاختيارات الثقافية واللغوية وبطبيعة اللغة السائدة في الوطن العربي كما تتصل بالمعلم والمتعلم والمنهج وكل عناصر المنظومة التربوية. ويتطلب العلاج التصدي لكل هذه الأسباب مجتمعة كما يحتاج إلى رؤية واضحة لدى أصحاب القرار وحماس المربين ودعم المجتمع العربي ومؤازرة من قطاع الثقافة وتعزيز من وسائل الإعلام لأن القضية مجتمعية شاملة أكثر مما هي لغوية أو فنية محدودة. على أن المدخل السحري، كما أوردت المنظمة، قد يكون في إعادة الاعتبار إلى اللغة العربية كلغة علم وتعليم، والعمل على غرس الاعتزاز بها لدى الجميع وفي مقدمتهم الأجيال الناشئة. وتلح المنظمة على ضرورة تشخيص الوضعية في كل قطر عربي على حدة، وتخصيص دراسات موضوعية في هذا الغرض، وضرورة تبادل الخبرات التربوية بما في ذلك الوثائق والكتب المدرسية والتجارب التربوية الناجحة في ميدان تعليم العربية بين المشرفين على المناهج في البلدان العربية، هذا بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من الدراسات التي تنجزها المنظمة والهيئات التربوية الدولية الأخرى ومحاولة تعميمها على جميع المهتمين بشأن اللغة العربية.