ملخص مســــــرحية تاجــــــــر البندقيــــــــة
30-05-2016, 03:10 PM
مســــــرحية تاجــــــــر البندقيــــــــة
The Merchant of Venice
تأليف وليام شكسبير
ترجمــة قحطــان فـؤاد الخطيـــــب / العراق

القسم الأول Section (1)
كان انطونيو ، التاجر الفينيسي الغني ، مشهورا في مدينة البندقية ( فينيسيا بايطاليا ) بحنانه وكرمه . وكان محبوبا بشكل كبير من قبل جميع مواطنيه . إلا أن الصديق الأقرب والأعز لقلبه كان بسانيو ، النبيل الفينيسي الشاب . ولو أن بسانيو جاء من عائلة نبيلة إلا انه امتلك مجرد ميراث صغير . وقد انفق ثروته الصغيرة بالعيش بتبذير . ومتى ما أراد نقودا فان انطونيو كان يساعده حيث كان يبدو كما لو أنهما يملكان قلبا واحدا ومحفظة نقود واحدة بينهما . وفي احد الأيام كان انطونيو حزين الذهن ناهيك عن انه لم يعرف السبب وذلك عندما زاره الصديقان ( سلاريو وسولانيو ) الذين سخرا من مزاجه على أمل أن يختفي ذلك الحزن . لكن انطونيو بقي حزينا بشكل غريب . ثم قال سلاريو لانطونيو : " انتبه ، أنت قلق بسبب سفنك . إنهم جميعا في عرض البحار الآن وعليهم جميع ثروتك ، أليس كذلك ؟ " أجابه انطونيو " لم أضع جميع نقودي في تلك السفن . على كل حال ليست السفن التي جعلتني تعيسا جدا ." " إذن ، قال سولانيو ، أنت عاشق . " أجابه " بالطبع لا ، كلام هراء . " وفي تلك الأثناء وصل صديقاه ( كراشانيو ولورينزو ) . وكان يبدو أن انطونيو فرح لرؤية بسانيو . ثم قال سلاريو وسولانيو : " طيب ، يجب أن نغادر الآن يا انطونيو ، فلدينا شيء ما نقوم به . سنراك فيما بعد . الوداع جميعا ." وعندما غادر الصديقان نظر كراشيانو إلى انطونيو وقال : " أنت لا تبدو على ما يرام يا انطونيو " أجابه " إنني أشعر بالكآبة هذا الصباح يا كراشيانو . " " طيب ، ابتهج يا انطونيو . إذا كنت بامتلاكك الأشياء الجيدة من هذا العالم كل ما تحصل عليه هو القلق الكثير ، فسوف تخسر بهجة امتلاكهم . " لقد حاول كراشيانو و ولورينزو التخفيف عن انطونيو ثم استدارا نحو بسانيو . قال لورينزو " الآن وقد وجدت انطونيو سوف نترككما . إلى اللقاء وقت الغداء . " أجابهما انطونيو " إلى اللقاء . " ثم غادرا تاركين بسانيو و انطونيو لوحدهما ثم سأل انطونيو بسانيو " كيف هي الحياة ؟ " أجاب بسانيو وهو يبدو قلقا " صعبة يا انطونيو . " ثم سأله " أوه ، ما الأمر ؟ " أجابه " لا أريد إزعاجك بمشاكلي . " أجابه قائلا " هيا يا رجل . قل لي ماذا تريد ؟ " قال بسانيو " أنت تعرف بأنني صرفت كل نقودي . وإحدى المشكلات هي كيفية تسديد ديوني . و ...... " إلا أن انطونيو قاطعه قائلاً : " انتبه يا بسانيو إذا أنت تتكلم عن النقود التي أعرتها لك لحد الآن أنساها . أنت تعلم جيد جداً بأنني سأفعل أي شيء لأجلك " . " شكرا لك يا انطونيو . على كل حال ان ديني ليس مبعث قلقي الحقيقي ، كما ترى ، كما ترى " ، ثم توقف وقال : " إن قلقي سببه سيدة شابة في بيلمونت . إنني أحبها وارغب الزواج منها . " ثم قال انطونيو وقد بدأ يبتسم " أ .....م ......استمر . " " طيب ، إنها غنية جدا . وقد سمعت بأن عدة أمراء ونبلاء يطلبون يدها . " " وما شعورها نحوك ؟ " قال بسانيو : " حسن لقد زرت أباها ذات مرة مع ماركيز مونت فيرات . واعتقد بأنها تحبني . والمشكلة هي حاجتي للنقود لكي استطيع منافسة الخطاب الأغنياء الآخرين . " وقال انطونيو بتعاطف " اعتقد انك فعلا بحاجة للنقود . كم المبلغ الذي تريده ؟ " أجابه " ثلاثة آلاف دوقية . " كرر انطونيو بتفكير " أ ....م........ ثلاثة آلاف دوقية . انتبه يا بسانيو : " " إنني دائما مستعد لمساعدتك . إلا أنني لا أملك نقودا استغني عنها فقط الآن . أتوقع وصول سفني قريبا وعندها سوف املك نقودا كثيرة . اقترح عليك الآن بان تستعير بعض النقود . اذكر اسمي كضمان وإنا متأكد من انك سوف تجد أناسا كثيرين على أتم استعداد لمساعدتك . "
القسم الثاني Section (2)
عاشت بورشيا ، السيدة الثرية التي تمنى بسانيو الزواج منها في مكان يدعى بيلمونت . وكانت تشعر آنذاك
بالتعب الذهني . وكانت نيريسا تحاول التخفيف عنها حيث قالت " لماذا يجب على سيدة مثلك تشعر بالحزن في الوقت الذي يتقدم لها نبلاء كثيرون لغرض الزواج منها ؟ " أجابتها قائلة " أنت تعلمين يا نيريسا بأن مشكلتي هي إنني لا أستطيع اختيار من أحب ولا ارفض من اكره . هذا هو القدر كيف ان البنت الحية تتقيد بوصية أب ميت . أليس صعبا ، يا نيريسا إنني لا استطيع اختيار احد أو ارفض آخر ؟ أجابتها نيريسا " طيب ، يا سيدتي . إن أباك بالتأكيد عرف ما كان يعمل . لذلك فان خطة اليانصيب التي ابتكرها بهذه الصناديق الثلاثة من الذهب والفضة والرصاص قد تكون بلا شك خطة جيدة . فالشخص الذي سيقوم بالاختيار الصحيح سوف يستحق بكل تأكيد ان يكون زوجا لك . وعلى فكرة ، يا سيدتي لقد التقيت بخطابك . فكيف تشعرين نحوهم ؟ " قالت بورشيا " كرري أسماءهم لي . " قالت نيريسا :
" أولا ، هناك الأمير من نابولي . " أجابتها بورشيا ضاحكة " آوه ، ذلك الشخص . انه لا يتكلم عن شيء سوى خيوله .
كلا ، انه ليس فتى أحلامي . " قالت نيريسا " إذن ، هناك كونت بالاتاين . " أجابتها بورشيا " كونت بالاتاين . انه لا يفعل شيئا سوى يعبس . انه يسمع النكات والقصص السارة لكنه لا يبتسم . أخشى انه سوف يصبح فيلسوفا باكيا عندما يتقدم بالسن . كلا ، يا نيريسا ، ليست تلك هي فكرتي بالزوج . " قالت نيريسا " ما رائيك بالبارون الانكليزي الشاب ؟ " قالت بورشيا وهي تشعر بالدهشة " آوه ذلك الشخص . انه لا يتكلم اللغة الايطالية . إذن ، كيف ستكون بيننا محادثة عندما لا أفهم ما يقول ؟ " قالت نيريسا " هناك الشاب الألماني ، ابن اخ الدوق السكسوني . " أجابتها بورشيا " انه سكير معظم الوقت . فعندما يكون في أحسن أحواله فهو أسوأ قليلا من الرجل . وعندما يكون في أسوأ أحواله فهو أفضل قليلا من الوحش . " ثم سألتها نيريسا " ولكن ، سيدتي ، افترضي انه تمكن من القيام بالاختيار الصحيح في اليانصيب ، ماذا ستفعلين ؟ ترفضين وصية أبيك " أجابتها بورشيا وهي تبتسم . " حسن ، لكي أتجنب ذلك ، من الأفضل لك وضع كأس كبير فيه خمر ألماني في كأس خاطئ . وهذا يكفي مـن الإغراء بالنسبــة لـه لاختيـاره .
إنني سوف افعل أي شيء أستطيعه لإيقاف الزواج من اسفنجة . " وضحكت نيريسا ثم قالـت " لا تخافــي ، يا سيدتــي . لقــد اخبرني خطابك قبل الآن عن خططتهم حيث لا احد يرغب في الاستسلام للحظ في الصناديق . وهم يرفضون بناء زواجهــم على اليانصيب ولذلك فهم يخططون للعودة إلى أوطانهم " بدت بورشيا مرتاحة عندما تساءلت “ هل هذا كذلك ؟ حسن ، إنني جد مسرورة لأنهم عقلاء . في الحقيقة لا يوجد احد بينهم ممن يروق لي " وساد هناك صمت ثم قالت نيريسا "سيدتي ، هل تتذكرين الشاب الفينيسي الذي زارنا ذات مرة عندما كان أبوك لا يزال حيا ؟ لقد جاء هنا بصحبة ماركيز مونت فيرات . " لقد توهج وجه بورشيا بالسعادة عندما تذكرت بسانيو ثم قالت “ لقد كان بسانيو . " قالت نيريسا "انه الرجل الذي يستحق سيدة جميلة مثلك . " ثم قالت " بسانيو ، نعم ، أتذكره جيدا . " وكان هناك طرق على الباب ثم دخل رجل خادم حيث قال : " سيدتي ، اعذريني ، الرجال يفضلون رؤيتك قبل مغادرتهم . " قالت بورشيا وقد مر شعاع من الغبطة على وجهها " آه ، أنهم مغادرون ، أليس كذلك ؟ " أجابها الخادم " نعم ، يا سيدتي . ولكن وصل رسول توا وهو يقول بأن سيده ، أمير المغرب ، سيكون هنا الليلة." وبدأت نيريسا تضحك قائلة " لازال هناك خطيب آخر. "
القسم الثالث Section (3)
ذهب انطونيو وبسانيو سوية إلى اليهودي شايلوك . لقد كان شايلوك مرابيا حيث جمع ثروة طائلة وذلك بتسليف النقود إلى التجار بفائدة عظيمة . لقد كان رجلا قاسي القلب الذي انتزع فوائد باهظة على الـقروض لدرجة انه كان مكروها جدا من قبل الرجال الطيبين وخصوصا من قبل انطونيو . وقد كره شايلوك انطونيو من ناحية لأن الأخير أظهر علانية كراهيته لشخصية شايلوك التي لا تطاق . بيد أن السبب الرئيس هو ان انطونيو اعتاد إقراض الناس في عوز النقود دون أية فائدة عليها . ونتيجة لذلك فقد اليهودي العمل . ومتى ما التقى انطونيو بشايلوك كان يوبخه لتعامله القاسي . لهذا أضحى اليهودي بانتظار اليوم الذي فيه سيؤذي انطونيو . فقد كان إلى هذا الرجل حيث ذهب بسانيو وانطونيو لاستعارة النقود . قال شايلوك بتفكير " ثلاث آلاف دوقية . " أجابه بسانيو " نعم ولمدة ثلاثة أشهر . " قال انطونيو " سأكون مسئولا عن تسديد القرض يا شايلوك . " فكر شايلوك مع نفسه وقال " أ ........ أم ، مسئولا عن تسديد القرض . من المحتمل أنها فرصتي كي انتقم لنفسي من هذا التاجر المكروه . " ثم صرخ بسانيو " هل أنت معنا يا شايلوك ؟ " " نعم ..... نعم . كنت أفكر فقط كم المبلغ الذي املكه الآن . " ثم قال بسانيو " هل ستقرضنا النقود ؟ " قال شايلوك " لا أعتقد إنني استطيع جمع المبلغ حالا . بالطبع استطيع دائما الحصول على مساعدة . إن ابن عمي الثري ، تيوبل ، يستطيع إعطائي كامل المبلغ . " لقد عرف انطونيو بأن شايلوك كان يكذب حيث قال " انتبه يا شايلوك ، أنا عادة لا أطالب بفائدة على القروض . إلا أن صديقي بسانيو يحتاج النقود فورا . وهكذا سوف اخرق قاعدتي . كم مبلغ الفائدة تطلب ؟ " قال اليهودي " ثلاث آلاف دوقية ولمدة ثلاثة أشهر . " لقد كان شايلوك يفكر بخطة لإيذاء انطونيو . وقد كون قبل الآن خطته. ثم التفت نحو انطونيو قائلا " لماذا يجب أن أعيرك أية نقود ؟ الست دائم السخرية مني ، ناعتا إياي بالكلب وباصقا علي ؟ هل يستطيع الكلب إقراض ثلاث آلاف دوقية ام انك تريد القرض كمكافأة لمعاملتي بازدراء ؟ " قال انطونيو وقد بدأ يشعر أن صبره قد نفذ . " انتبه يا شايلوك يحتمل أنني أناديك كذلك وابصق عليك مرة أخرى . إذا تعيرني النقود فاعرها لي ليس كصديق بل كعدو . عند ذلك تستطيع المطالبة بمقدار الفائدة التي ترغب بها . كما تستطيع أيضا فرض نوع العقوبة التي تفضلها في حالة إخفاقي بتسديد النقود في غضون ثلاثة أشهر . " قال اليهودي الشرير " الآن ، لا تغضب يا انطونيو . لا أريد أن أكون عدوك . أريد أن أكون صديقك انظر هنا . لكي اثبت لك ذلك سوف اقرضك ثلاث آلاف دوقية بدون المطالبة بأية فائدة . " لقد اندهش انطونيو لدى سماع عرض إنساني من لدن المرابي . قال شايلوك " ولكن هناك شرط واحد أود تدوينه في العقد . " تكلم ، أي شرط ؟ " " انه في الحقيقة ليس مهما . شرطي هو : إذا لم تسدد لـي المبلغ في الوقت المحدد ، فالشرط الجزائي سيكون رطلا من اللحم يقطع من أي جزء من جسمك أقوم باختيـاره " . صــرخ بسانيــو برعب قائلا : " ماذا ؟ هل أنت تمزح ؟ " قال شايلوك ، " طيب . " وحاول التقليل من تأثير جملتـه السابقـة " كل الشــرط هــو نكتـــة . بالطبع ، على كل حال ، ماذا سأفعل برطل اللحم ؟ انه لا يعوض عن نقودي أليس كذلك ؟ " قال انطونيو " موافق ." قال بسانيو بنظرة رعب " ولكن ؟ " ولم يبد انطونيو أي اهتمام حيث قال " أنا موافق على شرطك ومستعد لتوقيع العقد . " قال شايلوك " جيد ، إذن انتظرني قرب داري وسوف اجلب النقود واحضر العقد . " وبعد قول اليهودي تلك الكلمات أسرع نحو بيته . أما بسانيو فقد شعر بعدم الراحة ثم استدار نحو صديقه قائلا " ما الذي جعلك تفعل ذلك ؟ " " ماذا فعلت ؟ افعل ماذا يا بسانيو ؟ القرض هو مجرد عشر صغير من ثروتي . هذا الشرط في عقد شايلوك هو مجرد نكتة . الشيء كله ليس خطيرا . هذا اليهودي سوف لن يستبدل رطل اللحم بثلاث آلاف دوقية اهدأ واخبرني ما هي خططتك المستقبلية ؟ "
القسم الرابع Section (8)
وصل أمير المغرب (مراكش) إلى بيلمونت وذهب مباشرة إلى بيت بورشيا . وكان يصاحبه عدد من أتباعه الذين كانوا يرتدون اللون الأبيض . لقد كان أمير المغرب طويلا واسمر وذا نظرة حادة لرجل شجاع . ثم قال الأمير وقد انتهت شكليات التعارف " سيدتي ، أنني أأمل انك لا تعترضين على لون بشرتي . إنها داكنة بسبب الشمس ، بيد أن تحت الجلد ستجدين رجلا ، رجلا حقيقيا يستحقك . " قالت بورشيا " أخشى أنني سأخيب ظنك عندما تعرف أنني لا املك الحق في الاختيار ، أي أن أقول نعم . هل سمعت عن اليانصيب ؟ " أجابها وقد أصيب بالحيرة : " أتقولين ، يا سيدتي يانصيب ؟ " أجابته بورشيا : " نعم يا صاحب السمو . فكما ترى لقد ابتكر أبي قبل وفاته خطة اليانصيب لكي يساعدني في اختيار الزوج الملائم . لدينا ثلاثة صناديق من الذهب والفضة والرصاص . لقد وضع أبي صورتي في احدهم . " ثم توقفت بورشيا لترى تأثير كلماتها على الأمير . ثم أضاف قائلا بهدوء : " استمري يا سيدتي . " استمرت بورشيا وهي تقول : " أخشى ، يا صاحب السمو ، انه يجب عليك الاستسلام ليانصيب الصناديق . إذا قمت بالاختيار الصحيح واخترت الصندوق الصحيح الذي فيه صورتي ، فسوف أكون زوجتك . " ثم قال الأمير بتفكير " أتلك هي وصية أبيك ؟ " إجابته " نعم ، يا صاحب السمو، و... و ..... وهناك شرط آخر . نعم . يجب عليك أن تعد بان لا تطلب يد أية سيدة في حالة خسرانك . " قالت بورشيا الكلمات الأخيرة ببطء وبوضوح . قال الأمير بعد تفكير للحظة : " حسنا ، سيدتي ، لأجلك سأفعل أي شيء . انظري إلى سيفي . لقد قتل لحد الآن شاه إيران والأمير الفارسي . لقد كان منتصرا في ثلاث معارك ضد سلطان تركيا ، سليمان . بهذا السيف استطيع تحدي أي شخص على الأرض يسمي نفسه شجاعا. واستطيع اخذ أشبال الأسد من أمهم اللبوة . وأستطيع السخرية من الأسد أثناء زئيره أمام فريسته . أستطيع القيام بكل ذلك كي أفوز بك . ولكن اليانصيب........ " توقف لبرهة ثم أضاف قائلا " أنت تعلمين بان الحظ ربما يجعل الزهر المستعمل للنرد بالنسبة للشخص الأضعف رميه زهرا أفضل . " أصغت بورشيا بانتباه ثم قالت " طيب ، يا صاحب السمو ، لا مفر من ذلك. يجب أن تجرب حظك . " ابتسم الأمير وقال " حسنا ، سيدتي ، إنني موافق . دليني على الطريق إلى الصناديق . "
القسم الخامس Section (7)
كان خادم شايلوك ، لونسلت كوبو ، يخطط لترك خدمة سيده . على كل حال ، لم يكن القرار سهل الاتخاذ . وبدأ يناقش المسألة مع نفسه بتصوره محادثة بينه وبين الشيطان . "إنني متأكد بأن ضميري سوف يسمح لي بالهرب من اليهودي . آه ، ها هو الشيطان يغريني بالهرب .اهرب ، يا لونسلت الجيد . اهرب ، يهمس الشيطان في أذني . اهرب يا لونسلت الجيد . استخدم ساقيك . هيا ، انطلق واهرب . آه ، لكن ضميري يقول : لا يا لونسلت الأمين . انتبه ، لونسلت، لا تهرب . إذا بقيت مع اليهودي فأن اليهودي آنئذ هو نوع من الشيطان. إذا اهرب ، عندئذ سأطيع الشيطان نفسه . " وهكذا تكلم مع نفسه بسلوكه المرتبك الاعتيادي . وقد وصل أبو خادم شايلوك (أولد كوبو) ، إذ كان رجلا مسنا أعمى . وقد ناقش الأب والابن المسألة وأخيرا قرر لونسلت ترك اليهودي والالتحاق ببسانيو . وعندما التقيا ببسانيو ، وجداه مع خادمه (ليوناردو) يقومان بالاستعدادات للحفلة في بيته تلك الأمسية . وأصغى بسانيو الى لونسلت حيث اخبره الأخير بقراره . قال بسانيو : " طيب لا أعرف ماذا أقول – ما الذي يجعلك تترك يهوديا ثريا وتلتحق برجل فقير مثلي ؟ " أجاب لونسلت : " طيب ، إن الله ، في الحقيقة ، أعطاه النقود ولكنه أعطاك الشرف . " قال بسانيو بابتسامة : " طيب ، يا لونسلت . اذهب وودع سيدك القديم ، ومن ثم التحق بخدمة أهل البيت . " قال لونسلت بانشراح : " شكرا ، يا سيدي . " وهرع بصحبة والده إلى بيت اليهودي . لقد أعطى بسانيو تعليمات الحفلة إلى ليوناردو الذي غادر . ثم وصل كراشيانو حيث قال : "يا بسانيو . " " - أوه ، مرحبا كراشيانو . " " هل تصنع معي إحسانا ، يا بسانيو ؟ " قال بسانيو وهو ينظر بفضول إلى كراشيانو : " بكل ممنونية . " " ومتى ستذهب إلى بيلمونت ؟ " " - قريبا . لماذا ؟ "
" أرغب بمصاحبتك هناك . " تساءل بسانيو بدهشة : " لماذا ؟ " أصر كراشيانو قائلا : " أريد فقط الذهاب معك . " قال بسانيو : " انتبه ، يا كراشيانو. لست ذاهبا للنزهة . إنني ذاهب كي اطلب يد بورشيا الجميلة لكي تتزوجني . المسألة ليست نكتة . موضوع الزواج خطير . إنني أحبها وأريد الزواج منها . وإنني عازم على القيام ببذل قصارى جهدي كي أقنعها بالزواج مني . " توقف لبرهة ثم نظر مباشرة في عيني كراشيانو قائلا : " أنت وحش ، وربما تفسد كل شيء . " " كلا يا كراشيانو . لا أتمكن من اصطحابك معي . ليس هذه المرة . " إلا أن كراشيانو قال : " ولكن يا بسانيو ، ليس لدي قصد في إفساد زواجك . أريد المجيء معك لسبب ... لسبب ... طيب . أولا ، السبب رغبتي في مساعدتك . نعم .. " " وماذا بعد ذلك...... ؟ " ثم أردف كراشيانو يقول بلهفة : " انتبه يا بسانيو . أعدك بأنني سأكون جادا وأتصرف كشخصية . ستجدني رجلا مختلفا ، مختلفا كليا . أفضل أن أكون مختلفا يا بسانيو . " قال بسانيو بعد برهة : " حسنٌ ، ولكن لا تنسى ما أخبرتك به . " أجابه كراشيانو بصوت سعيد : " لا تقلق يا رجل .
القسم السادس Section (6)
كانت جيسيكا ، بنت شايلوك ، تحب لورينزو ، صديق بسانيو . وقد عرفت بأن لورينزو أحبها بشغف ، إلا أنها عرفت أيضا بأنها لم تستطع الزواج منه ، مما أعطاها ألما كبيرا . أن أباها سوف لن يوافق على ذلك الزواج لقسوة قلبه : أولا ، لأنها كانت يهودية حيث كان يجب عليها التخلي عن دينها . ثانيا ، لان لورينزو ، الشاب الوسيم ، لم يكن ثريا . وقد كان من الطراز الذي لم يرق لشايلوك ، كزوج يختاره لابنته. لقد كانت جيسيكا حزينة طول الوقت ، لأنها لم تعرف ماذا تفعل . فهي لم تتجاسر على البوح لأبيها خشية غضبه . وكانت تخطط وتأمل في طريقة تخرجـها من مأزقها . وأخيرا قررت ما كان ينبغي لها فعله . وكان يساورها الأمل ان لورينزو سوف يوافق على خطتها . وعندما عاد لونسلت إلى بيت سيده ، كانت جيسيكا تكتب رسالة . قال لونسلت : " سيدتي . " ثم لاحت السعادة في صوته حين قال " إني تارك هذا المكان . " ثم رفعت جيسيكا عينيها نحو لونسلت قائلة : " ماذا تعني يا لونسلت ؟ " أجابها : " إنني تارك سيــدي ، شايلــوك . واقصــد تركــه مدى الحياة . " تساءلت جيسيكا : " أوه .. ولكن لماذا يا لونسلت ؟ الم تكن سعيدا هنا ؟ " قال لونسلت : " بصراحة .... يا سيدتــي ، كلا . أنت تعرفين أباك . " لم تعلق جيسيكا . وأكملت كتابة الرسالة التي كانت تكتبها . ثم وقعتها وأخيرا لصقتها . حيث قالت : " أنت تعلم يا لونسلت بأنني سوف افتقدك . لقد اعتدت جعل هذا المنزل أقل كآبة بالنسبة لي " توقفت ثم فكرت برهة : " على فكرة ، يا لونسلت . ماذا سوف تعمل ؟ " أجابها : " إنني سألتحق بسيدي الجديد ، بسانيو . " قالت جيسيكا وهي تبدو سعيدة لما سمعت : " أتقول بسانيو ؟ " على كل حال كان بسانيو الأفضل صديق لعشيقها . ثم قال لونسلت : " سيدي الجديد لديه حفلة هذه الأمسية ، وقد دعى جميع أصدقائه . " قالت جيسيكا بفرح : " آه ، هل تعتقد بأن السيد لورينزو سيكون هناك ؟ " أجابهـا لونسلت عرضا : " اعتقد ذلك ، سيدتي . " " اذن ، يا لونسلت ، إذا صادفت ورأيت لورينزو ، من فضلك أعطه هذه الرسالة ولا تدع أحدا يراك . " قال لونسلت وهو يتناول الرسالة : " نعم سيدتي ، طيب سيدتي ، يجب أن أغادر الآن . " " وداعا يا لونسلت . " " وداعا سيدتي . "
القسم السابع Section (7)
كان كراشيانو و لورينزو مشغولين طول النهار يساعدان بسانيو في القيام بكل الترتيبات الضرورية للحفلة . وقد اكتشفا في المساء بأنه لازال الكثير جدا للقيام به . قال كراشيانو أثناء تركهما بيت بسانيو والسير نحو البيت لكي يرتديا ملابس الحفلة : "طيب يا لورينزو أخشى أننا لم نقم بالعمل على ما يرام ." قال لورينزو وهو يومئ برأسه ، "كلا ." ثم ظهر لونسلت فجأة صارخا : "يا سيد لورينزو." وسأل لورينزو : "من هناك ؟ " أجاب لونسلت أثناء مضيه بسرعة نحو لورينزو :"انه أنا لونسلت ، خادم شايلوك القديم . آسف لإزعاجكما يا سيد لورينزو ولكن هناك رسالة لك . " ونظر لورينزو إلى العنوان حيث ميز خط يدها قائلا : "إنها من جيسيكا . " فكر ثم فتح الرسالة بسرعة . لقد رقصت عيناه على السطور بسرعة . قال لورينزو : "شكرا يا لونسلت . " أجابه "لا شكر على واجب . حسنا ، يجب أن أغادر الآن ." تساءل لورينزو : "إلى أين ؟ " "-لكي أدعو سيدي القديم اليهودي شايلوك إلى حفلة بسانيو . تلك هي تعليمات السيد بسانيو . " ثم قال لورينزو إلى لونسلت : "انتظر." بعدها استدار كراشيانو الذي كان يراقب بصمت : "اعذرني يا كراشيانو ، لدي شيء أود إعلام لونسلت به ." تمتم كراشيانو قائلا : "حسنا . "واخذ لورينزو الخادم جانبا وأعطاه بعض النقود ثم قال بصوت واطئ : "إذا ترى جيسيكا ، اخبرها بأنني سوف لن أتخلى عنها . وتستطيع الاعتماد علي دائما . ولكن ، قل ذلك على انفراد . أنت تعرف ما اعني ، ليس أمام اليهودي . " أجابه لونسلت وقد مضى : "نعم ، سيدي ." ثم سأل كراشيانو : "-هل كانت الرسالة من جيسيكا ؟ " "-طيب ، اعتقد انه من الأفضل إخبارك . أن جيسيكا تقترح الهرب معها . " صرخ كراشيانو : "ماذا ..... ؟ ماذا سيفعل اليهودي ؟ " أجابه : "- لست أخشى اليهودي . بالإضافة إلى انه لا توجد طريقة أخرى . يجب علينا القيام بذلك يا كراشيانو . آنت تعرف كيف أحب جيسيكا . " كان كراشيانو صامتا لفترة وأخيرا قال : "- ماذا ستفعلان ؟ " أجابه لورينزو : "ستأخذ جيسيكا بعض النقود والمجوهرات وسوف تنتظرني الليلة . وسوف تكون متنكرة بزي حاجب ثم سوف نتسلل دون ان يلحظنا احد ." تساءل كراشيانو الذي بدأ الآن يتقبل الخطة : "- وماذا بعد ذلك ؟ " أجابه لورينزو بصوت سعيد : "وبعد ذلك سوف نتزوج بأسرع ما يمكن . " قال كراشيانو وهو يربت على ظهر لورينزو : "حسنا ، يا رجل . تهانينا . "
القسم الثامن Section (8)
أسرع لونسلت إلى بيت شايلوك حيث كان شايلوك هناك . واخبره لونسلت بأنه ينوي تركه والعمل مع بسانيو . قال شايلـــوك : "طيب ، ستندم ، وسوف ترى فرقا كبيرا بين شايلوك وبسانيو . سوف لن تأكل بما فيه الكفاية أو ترتدي ملابسك بحشمة . سوف لن تتمكن من سرقة أي شيء من سيدك الجديد لأنه لا يملك أي شيء تستطيع سرقته . " ثم استدار شايلوك نحو جيسيكا التي كانت جالسة وهي تطالع حيث تظاهرت بأنها غير مبالية قائلا : "حسنا يا جيسيكا . أنا مدعو لتناول العشاء في بيت بسانيو . خذي مفتاحي واقفلي كل الأبواب والنوافذ في البيت . واعتن بكل شيء . أنا في الحقيقة لا ارغب بالذهاب . ومع هذا ، وبما أن هذا الرجل المعتوه المبذر يدعوني ، ربما أيضا اذهب وأتناول مهما كان لديه جاهزا للعرض . " ثم استدار شايلوك نحو لونسلت قائلا : "الآن اسبقني يا لونسلت واخبر بسانيو بأنني قادم . " وتوجه لونسلت نحو الباب . وما أن مر بجيسيكا حتى توقف وهمس شيئا في أذنها . وأومأت جيسيكا وتحرك لونسلت نحو الباب وغادر . سأل شايلوك بشك : "ماذا أراد ذلك الأهبل ؟ " إجابته : "لاشيء ، أبتاه . قال فقط وداعا ." قال شايلوك "- إ .......... م ، لست أسفا بان ذلك الأهبل سوف يتركني . فانا لم اثق به . انه شره في الأكل وبالتأكيد انه جنى بعض الفائدة وهو يخدمني طيلة ذلك الوقت . على كل حال ." ثم استدار نحو جيسيكا قائلا : "- سوف أغادر . وسوف أعود حالما ينتهي العشاء . افعلي ما أخبرتك به . أغلقي جميع الأبواب والنوافذ . " وبعد أن قال شايلوك هذه الكلمات غادر بيته . وكانت جيسيكا تراقبه وهو يغادر وعلى وجهها نظرة ازدراء . وكانت تفكر مع نفسها وتقول : "وداعا ، أبتاه . إذا سار كل شيء حسب الخطة ، ففي الوقت الذي سوف تعود ، سوف تجد بأنك خسرت ابنتك ."

القسم التاسع Section (9)
التقى لورينزو وكراشيانو خارج بيت شايلوك فيما بعد تلك الأمسية . سأل كراشيانو لورينزو ، "والآن ماذا ستفعل ؟ " قال لورينزو بينما كان يطرق على الباب : "سأطرق على الباب وقد تكون جيسيكا في الداخل . " وبعد فترة من الصمت ظهرت جيسيكا في الشرفة أعلاه . وكان المكان معتما بحيث لم تستطع التعرف على لورينزو . قالت جيسيكا وهي تحدق خلال الظلام : "من هناك ؟" أجاب لورينزو بصوت خافت : "- انه أنا ، يا جيسيكا . " "لورينزو ! حبيبي لورينزو ! " نادته جيسيكا بانشراح . ثم أردفت تقول : "انتظر يا حبيبي ، سأكون جاهزة في غضون دقيقة . " قال لها لورينزو : "من الأفضل ان تسرعي . لا وقت لدينا للضياع . " ثم اختفت جيسيكا في البيت . وبعد دقائق خرجت ومعها صندوق حملته في يدها . وكانت تتنكر بزي حاجب . وسألها لورينزو : "ما هذا يا جيسيكا ؟ " إجابته : "إنها نقودي ومجوهراتي . " ثم بدأ لورينزو يقول : "لكن .... " سحبه كراشيانو من الذراع قائلا : "أسرعا أنتما الاثنان . " لا تضيعا الوقت . واندفع لورينزو للأمام حاملا الصندوق في يد واحدة ويد جيسيكا في اليد الأخرى . ونظر كراشيانو إلى بيت شايلوك للحظة ثم استدار ليلحق بالعاشقين . تماما في تلك اللحظة ظهر انطونيو قائلا : "- آه ، هل هو أنت يا كراشيانو ؟ "سأله : "من أنت ؟ " وما ان دنى انطونيو منه حتى قال : "انه أنا . " قال كراشـيانو : "مرحبا يا انطونيو . " ثم سأل : "هل رأيت بسانيو ؟ كنت ابحث عنه لفترة طويلة . " أجابه : "طيب . انه في البيت كما اعتقد . فلديه حفلة . " قال - حفلة ؟ أية حفلة ؟ السفينة مستعدة لنقله إلى بيلمونت . " "أوه . ولكن ماذا عن الضيوف ؟ " إلا أن انطونيو تجاهل سؤاله . "الساعة الآن هي التاسعة . والسفينة سوف تغادر في بحر ساعة . اخبر بسانيو أن يستعد وسأكون في الميناء كي أودعه. "أجابه "-صحيح يا انطونيو. سوف اخبر بسانيو فورا واجلبه إلى الميناء . أجاب:سوف افعل ذلك. سنراكم فيما بعد ."

القسم العاشر Section (10) ( له علاقة بالفصل الرابع )
قادت بورشيا الطريق إلى الغرفة حيث كانت الصناديق الثلاثة محفوظة . وقد تبعها أمير المغرب بصمت . ثم قالت وهي تشير إلى صناديق الذهب والفضة والرصاص : "ها هي الصناديق . " أجابها الأمير : "لقد رأيتهم . " ثم قالت : "والآن اختر . " نظر الأمير إلى الصناديق الثلاثة لبرهة . وأسرع أولا إلى صندوق الذهب . وقد وجد على الغطاء الكتابة التالية : من يختارني سوف يكسب ما يرغب به كثير من الرجال . ثم نظر الأمير إلى صندوق الفضة ووجد هذه الكلمات : من يختارني سوف يحصل على القدر الذي يستحق . أما صندوق الرصاص فقد حمل هذه الكلمات : من يختارني يجب أن يعطي ويخاطر بكل ما يملك . وقف الأمير هنـاك ثم فكر : "- الكلمـات على صندوق الرصاص لا تبشر بأي شيء ( أعط وخاطر ) لماذا ؟ للرصاص ؟ " ثم استدار إلى الوراء حيث صندوق الفضة : من يختارني سوف يحصل على القدر الذي يستحق . ا ... م .... لو يحكم علي طبقا لتقيمي لنفسي ، عندها لدي الكفاية . ( ولكن ........... ) لكن ذلك ربما لا يكفي يغطي السيدة . لقد وقف أمام صندوق الذهب وقال : "الكتابة هنا بديعة : من يختارني سوف يكسب ما يرغب به كثير من الرجال . طيب هذه إشارة إلى السيدة . إنها بالتأكيد السيدة التي يرغب كثير من الرجال بها . " وقف ثم التقط سطرا آخر من المجادلة . - الرصاص معدن رخيص جدا ليحتوي صورة جميلة جدا كبورشيا . الفضة ليس غاليا مقارنة بالذهب . إن السيدة هي جوهرة ولا شيء اقل من الذهب يجب ان يحتوي صورتها . " وبعد ان توصل أمير المغرب إلى استنتاجاته التفت نحو بورشيا التي كانت واقفة على مسافة غير بعيدة عنه . قال بثقة : "سيدتي ، لقد اتخذت القرار . انه صندوق الذهب . " قالت له بورشيا "إذن افتحه . " وبدون لحظة تردد فتح أمير المغرب الصندوق . ولشدة خيبة أمله ، لم يجد صورة بورشيا وبدلا من ذلك وجد جمجمة ولفة ورق . والتقط الأمير بمرارة لفة الورق وفتحها حيث وجد هذا الشعر : - ليس كل ما يلمع بذهب . - غالبا ما سمعت ما يحكى لك . - ان كثيرا من الرجال باعوا حياتهم . - لكن يجب ملاحظة مظهري الخارجي . - إن القبور المذهبة تحيطها الديدان . - هل كنت حكيما وشجاعا مثلهم . - شباب في مشيتهم ، مسنون في قرارات حكمهم ؟ - لم يكتب جوابك . - وداعا ، فان اختيارك في الزواج غير موفق . قال الأمير :
"- حسنا ، يجب أن أتقبل قسمتي ونصيبي كرجل . " التفت نحو بورشيا قائلا : "مع السلامة يا سيدتي . إنني من الحزن بحيث لا استطيع البقاء أو انتظار مراسيم التوديع الطويلة . " وبهذه الكلمات استدار الأمير ثم غادر .
القسم الحادي عشر Section (11)
ترك شايلوك الحفلة مباشرة بعد العشاء متجها نحو بيته . وعندما وصل هناك ، طرق بشدة على الباب . ولم يكن هنـــاك أي جــواب . ثم فكر وطرق ثانية . إلا انه لم يكن هناك جواب مرة أخرى . وبدأ يساوره الشك وقرر اقتحام البيت . وقد امتلأ تفكيره بشيء واحد وهو النقود . وعندما دخل بيته ، اتجه نحو غرفته . وكان قلبه يخفق . ولشدة رعبه ، وجد أن خزائنه كانت مفتوحة حيث تذكر بأنه قد غلقهم قبل مغادرته . وكان مختنقا بالغضب وقال : " نقودي " وهرول خارج بيته واتجه نحو بيت الدوق . وقد سبق وان رقد الأخير إلى سريره . وأراد الخدم والحاشية إيضاح ذلك لشايلوك إلا أن شايلوك لن يصغي لذلك . ثم قال : " يجب أن أرى الدوق . يجب أن أراه فورا . " وقد أيقظت الضوضاء الدوق حيث خرج ليرى ما كان يجري . وقد صرخ شايلوك عندما سُمح له بمقابلة الدوق قائلا : " نقودي " والآن أصبح يرتجف من شدة انفعاله . وسأله الدوق بصوت هادئ " ماذا حدث يا شايلوك ؟ " وأجابه شايلوك صارخا : " نقودي .... كلها اختفت . " ثم أضاف وهو يجد صعوبة في السيطرة على نفسه : " وابنتي كذلك " قال الدوق : " اهدأ يا شايلوك واخبرني بالضبط ماذا حدث . " وشرح شايلوك ما حدث بصعوبة بالغة وبجمل غير مترابطة . وسأله : " هل تتهم أي شخص بالسرقة والاختطاف ؟ " قال شايلوك : " نعم . نعم ، في استنتاجي انه بسانيو . لقد سمعت بأنه سيغادر الليلة . وفي استنتاجي أيضا انه اخذ نقودي وابنتي . " وتعجب الدوق حيث وجد مــن الصعوبــة تصديـــق اليهودي وقال : " بسانيو ، هل آنت متأكد ؟ " وأصر شايلوك قائلا : " نعم ، يا سيدي . استنتاجي انه هـو . " قــال الــدوق : " حسنـا يا شايلوك . دعنا نذهب ونرى بسانيو قبل مغادرته البندقية . " وفي نفس الوقت ذهب بسانيو وكراشيانو إلى الميناء . وكان انطونيــو ينتظر هناك لتوديع صديقه . قال بسانيو وهو يصافح انطونيو : " سأعود قريبا . " أجابه انطونيو : " لا يجب ان تعود قريبا . إذ لا حاجة لتنفيذ مهمتك بسرعة . الزواج مسألة خطيرة . " قال بسانيو : " أنا لازلت قلقا حول عقد اليهودي . " أجابه انطونيو : " تعني ذلك البند من العقد الذي يتطلب رطلا من اللحم يستقطع إذا أخفقنا في إعادة النقود في وقتها ؟ " قال ذلك انطونيو وهو يبتسم ثم أضاف : " انه مجرد نكتة . فاليهودي غير جاد . اعتن بنفسك . " ثم استدار انطونيو نحو كراشيانو قائلا : " اعتن ببسانيو . " أجابه كراشيانو الذي كان سعيدا جدا بقبوله لمصاحبة بسانيو إلى بيلمونت : " سأفعل ذلك . لا تقلق . " وتسلق الشابان ظهر السفينة وفي غضون بضعة دقائق شرعت السفينة بالإبحار بعيدا . وبقي انطونيو في الميناء ينظر إلى السفينة وهي تبتعد شيئا فشيئا . وفي ذلك الوقت تماما وصل الدوق بصحبة عدد من الحاشية وشايلوك . وسأل الدوق انطونيو عن جيسيكا . فأجابه انطونيو بدهشة : " لا املك فكرة عنها يا سيدي . لماذا ؟ ما الأمر ؟ " وشرح الدوق قائلا : " يدعى شايلوك هنا بان ابنته اختفت . ويعتقد بأنها اختطفت . " أجابه انطونيو : " اختطفت ، يا سيدي ؟ طيب . وما علاقة ذلك بي ؟ " سأله الدوق : " هل هي مع بسانيو ؟ " أجابه انطونيو " كلا يا سيدي . فبسانيو غادر مع صديقه كراشيانو . ولم تكن معهما سيدة . " ثم انفجر اليهودي صارخا : " نقودي ، مجوهراتي ، ابنتي . " وقال شخص ما كان يقف على مقربة منهما : " اعرف أين هي يا سيدي . " وتقدم الرجل وعرّف نفسه وأعطى دليله قائلا : " رأيتها مع لورينزو في جندول قبل فترة قصيرة . " صرخ شايلوك بمرارة متسائلا : " وماذا عن نقودي ؟ مجوهراتي ؟ " قال الشاهد : " لا اعرف عن ماذا يتكلم شايلوك . " ولم يتحمل شايلوك ذلك مطلقا . ومضى وهو يجري في الشارع صارخا في هياج شديد : " ابنتي ! أوه دوقياتي ! أوه ابنتي ! لقد هربت ابنتي ! أوه نقودي ! أيها العدل ، أيها القانون ، نقودي وابنتي ! كيس مختوم ، كيسان مختومان من الدوقيات ! والمجوهرات ، حجرتان كريمتان ، حجرتان كريمتان ثمينتان جدا سرقتهم جميعا ابنتي ! أيها العدل ! جد الفتاة ! في حوزتها الأحجار الكريمة والدوقيات ! " لقد راقب الحاكم وحاشيته وانطونيو اليهودي بازدراء ثم استداروا لكي يغادروا . وما أن غادروا حتى جاءت الأخبار بان إحدى سفن انطونيو التجارية تحطمت في القنال الانكليزي .
القسم الثاني عشر Section (12)
هرعت نيريسا إلى غرفة سيدتها قائلة : " سيدتي ، أسرعي من فضلك . " سألتها بورشيا بقلق : " ما الأمر يا نيريسا ؟ " إجابتها : " أمير الأرغون ، سيدتي . لقد وصل توا من اسبانيا . وجاء من اجل اليانصيب . " لقد سمع المقطع الموسيقي الذي يعزف عند قدوم شخص هام ، وسُمح لأمير الأرغون بالدخول . وقد كان متبوعا بعدد كبير من الحاشية . وعندما ذهب بورشيا لرؤيته اخبرها بأمنيته بالزواج منها . ثم أضاف قائلا : " أعرف عن وصية أبيك . يا سيدتي . كما اعرف أيضا كلما يتعلق بخطة اليانصيب . من فضلك أريني الطريق إلى الصناديق . إنني ارغب بالقيام باختياري . " وقادت بورشيا الطريق إلى الغرفة التي كانت فيها الصناديق الثلاثة محفوظة . ثم قالت : " تلك يا صاحب السمو هي الصناديق الثلاثة . ولكن تذكر ، يا صاحب السمو انك يجب إن تعد بأنه إذا قمت بالاختيار الخطأ ، فليس مسموح لك طلب يد أية سيدة أخرى في المستقبل . " قال الأمير وهو يتقدم نحو الصناديق : " أعدك بذلك . " ووقف أمام الصناديق وتردد . ثم بدأ يستنتج ، لكنه وجد صعوبة كبيرة في اتخاذ القرار ثم قال " لا أستطيع الوثوق في الكتابة على صندوق الذهب ( من يختارني ، سوف يحصـل على ما يتمناه كثير من الرجال . ) ولكن تلك الكلمة ( أغلبية ) ربما قـصد بها عامة الناس ، الذين يختارون فقط بواسطة المظاهـر الخارجية . لا ، لست سأختار ما يروق ربما لعامة الناس . " ثم استدار نحـو صنـدوق الرصـاص وفكـر مليـا بالكتابـة : " مـاذا تعنـي الكتابة هنا ؟ ( من يختارني يجب أن يعطي ويخاطر بكل ما يملك . ) ولكن ، لماذا يجب علي أن أعطي وأخاطر ؟ " وأدار رأسه نحو صندوق الفضة الذي كان يبدو وكأنه راق له . " إن الكتابة على صندوق الفضة تبدو في الحقيقة مناسبة جدا . ( من يختارني سوف يحصل على القدر الذي يستحق . في الحقيقة سيكون عالمـا جيدا إذا كل واحد حصل على قدر ما يستحق . سوف لن أحاول خداع الحظ وأتظاهر بأنني أملك شرفا أعظم مما أنا في الحقيقة استحق . " توقف برهة واستمر في استنتاجاته : " إذا يـكرم كل شخص طبقا لمزاياه ، فان كثيرا من هؤلاء أبناء الطبقة النبيلة سوف لن يستحقوا يكونوا أي شيء . " وتوقف مرة أخرى وفكر برهة . " إذا لا أستحق هذه السيدة ، " قال أخيرا " فليس من حقي الزواج منها . ولكن بالتأكيد ، إنني فعلا استحقها . " استدار نحو بورشيا وقال بابتسامة عريضة من الترقب " لقد اتخذت القرار واخترت صندوق الفضة . أعطني المفتاح يا سيدتي . " وأعطته المفتاح . ووقف بالقرب منه وشعور القلق يساورها من انه ربما يختار الصندوق الصحيح . وفتح أمير الأرغون الصندوق ، حيث صدمته محتوياته ووقف عديم الحركة . وقالت بورشيا بفضول: " نعم ، يا صاحب السمو ؟ " وأخيرا قال الأمير : " حسنا ، ما هذا ؟ " وكان يبذل قصارى جهوده للتغلب على صدمته . ثم أضاف يقول : " صورة مخبول ؟ هل .... ذلك ما استحق ؟ مجرد رأس مخبول ؟ هل تلك مكافأتي ؟ " لقد وجد الأمير لفة ورق حيث التقطها وفتحها وعليها هذه الكلمات : " لا تنخدع بالمظاهر . فبعض الناس ذوو الشعر الأشيب من الواضح أنهم حكماء ، لكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك ، بل هم تماما مثل هذه الصورة التي تثير الاشمئزاز ، والمرفقة في صندوق الفضة . " قال الأمير : " لا استطيع البقاء هنا مطلقا . " ثم استدار نحو بورشيا التي كانت تبدو أكثر ارتياحا حيث قال : " سيدتي ، مع السلامة . سأحتفظ بوعدي وأتحمل قدري بصبر . " ثم غادر متبوعا بحاشيته . قالت بورشيا وهي تراقب الأمير وإتباعه أثناء مغادرتهم البيت " لقد أحرقت الشمعة أجنحة الحشرة المجنحة التي تحوم حول الضوء . " وسألتها نيريسا : " وماذا تقصدين يا سيدتي ؟ " إجابتها قائلة : " هؤلاء المجانين يستعملون المنطق بدلا من إتباعهم أعمق مشاعر قلوبهم . " ثم سألتها : " طيب ، يا سيدتي ، يقولون بأن زواج وموت الشخص تقررهما قسمته ونصيبه . " لقد وصل فيما بعد من ذلك اليوم رسول . وعرفت بورشيا بأن خطيبا آخر ، وهو نبيل فينيسي شاب في طريقه إلى بيلمونت . ثم قالت بورشيا : " هيا يا نيريسا دعينا نرى من أرسل لي كيوبيد ؟ " فكرت نيريسا وهي تتبع سيدتها قائلة : " أملي أن يكون بسانيو . "
القسم الثالث عشر Section (13)
في مدينة البندقية ، جاءت الأخبار بأن سفينة أخرى تعود لأنطونيو غرقت . وقد سمع سولانيو وسالاريو تلك الأخبار كما ناقشا المشكلة. قال سولانيو لسالاريو : " لم تتأكد صحة الأخبار بعد . يبدو إنها مجرد إشاعة . " قال سلاريو : " طيب ، أأمل ذلك . فإذا كانت الأخبار صحيحة ، إذن ، فأنني أتذرع بالصـلاة إنها آخر سفينة يفقدها . " أجابه : " دعني أقول ، استجب يا رب لصلاتك قبل أن يفسدها الشيطان لأنه ها هو آت هنا في صورة شايلوك . " لقد كان شايلوك لا يزال ينوح ويندب على فقدان ابنته ونقوده . ثم قالا : " صباح الخير يا شايلوك . هل من أخبار ؟ " نظر إليهما شايلوك بعينين حزينتين ثم قال : " أنتما الاثنان تعرفان جيد جدا .... تعرفان جيد جدا عن طيران ابنتي . " كان هناك مرارة في صوته . قال سلاريو : "هذا صحيح يا شايلوك . جميعنا نعرف القصة . في الحقيقة أنني اعرف الخياط الذي صنع الأجنحة التي طارت بهم . " لقد كان سولانيو يسخر من شايلوك بكل وضوح . ثم أردف سولانيو يقول : " حسنا يا شايلوك . أنت تعرف جيد جدا بأن الطيور تملك ميلا طبيعيا لترك والديهم عندما يقوى عودهم بما فيه الكفاية . " أجاب شايلوك " ستلعن جيسيكا على فعلتها " عقب سلاريو قائلا : " بالطبع يا شايلوك لا تقلق . بالتأكيد سوف تلعن إذا كان الشيطان حاكمها . " واستمر شايلوك يقول بمرارة : " لحمي ودمي . " قال سلاريو باستهزاء : " يوجد فرق عظيم بينك وبينها كالفرق بين النيلج (السخام) والعاج . اخبرني يا شايلوك ، هل سمعت أي شيء عن سفن انطونيو ؟ " قال شايلوك بأنين : " تلك خسارة أخرى . ذلك المغفل ، المبذر ، المفلس الذي لا يتجاسر الآن على التواجد في موقع السوق .... الشحاذ الذي اعتاد المجيء إلى السوق انيقا جدا ومغتبطا بذاته " لقد أضحى شايلوك الآن هائجا من الغضب والكراهية . ثم قال : " فليهتم بعقده الآن ! اعتاد مناداتي بالمرابي ، دعه يهتم بعقده إذا يستطيع ذلك . لقـــد اعتــاد تسليــف النقــود بــدون المطالبة بفائدة . حسنا ، دعه الآن يهتم بعقده . انه مفلس الآن . " قال سلاريو : " يا شايلوك . " لقد أصبح الآن جادا : "إذا انطونيو اجبر على دفع الغرامة سوف لن تأخذ اللحم أليس كذلك ؟ اعني ، إنها مجرد نكتة أليس كذلك ؟ " أجاب : "حسنا ، لقد كـــان العقــد فخا فابتلعه ذلك المخبول . وهذا الوقوع في الفخ سيشبع انتقامي . لقد سخر مني اغلب الأحيان وجعلني اخسر العمل . لن يستعير التجار مني . سوف لن يدفعوا فائدة إلى شايلوك . إنهم يفضلون الاستعارة من انطونيو . هل تستطيع تصور الخسارة ؟ هل تعرف كم المبلغ الذي خسرته حتى الآن ؟ نصف مليون دوقية . " وفي تلك اللحظة وصل احد خدم انطونيو واخبر سولانيو و سلاريو بان انطونيو فضل رؤيتهما . وقبل مغادرتهما ، وصل تيوبل ، ابن عم شايلوك . قال سولانيو : " ها هو ابن عمك هنا . أنتما الاثنان لا ثالث لكما للمقارنة . حسنا ، ما لم يكن الشيطان نفسه وقد تحول إلى يهودي . " لقد غادر سولانيو و سلاريو إلى بيت انطونيو . وقد طلب شايلوك من تيوبل مساعدته في إيجاد جيسيكا . وحالما وصل تيوبل استدار نحوه شايلوك قائلا بقلق : " أية إخبار يا تيوبل لديك من جنوه ؟ هل وجدت ابنتي ؟ " قال تيوبل : " سمعت عنها ولكنني لم أتمكن من العثور عليها . " " أنت تعلم يا تيوبل بان جيسيكا اخذت بين المجوهرات الأخرى ماسة ثمينة جدا ، تلك الماسة التي كلفتني ألفي دوقية في مدينة فرانكفورت . تصور ، ألفي دوقية . حبذا لو كانت جيسيكا ميتة ولم تكن بحوزتها المجوهرات . كيف أراها ميتة وكل دوقياتي معها مسروقة في نعشها ؟ إذن لا أخبار لديك ؟ أتعرف كم أنفقت لحد الآن في محاولـة للعثور عليهم ؟ يبدو أنني الوحيد في مدينة البندقية ابتليت بالحظ التعيس . " لقد كان تيوبل وضيعا ، أنانيا ، وذا قلب قاس تماما مثل شايلوك ، حيث لم يتعاطف مع شـايلوك بالرغم من الحقيقة بأنه كان ابن عمه . قال تيوبل بجفاء : " لست الوحيد غير المحظوظ في مدينة البندقية . فانطونيو ، على سبيل المثال ، وكما سمعت في جنوه .... " شع وجه شايلوك ثم قال : " ماذا ؟ انطونيو ؟ حظ تعيس ؟ " أجابه : " نعم ، غرقت سفينة أخرى في طريق عودتها من طرابلس . " قال : " الشكر لله ، الشكر لله . هل هذا صحيح ؟ " قال تيوبل : " تكلمت مع بعض البحارة الناجين من الحطام . " قال شايلوك : " الشكر لك . الشكر لك ، يا تيوبل الجيد . إنها في الحقيقة أخبار سارة . ها..ها..ها... ! " بدأ يضحك شايلوك بهستيرية . وقال تيوبل : " لكن ، أتعرف يا شايلوك إن ابنتك صرفت ثمانين دوقية في مناسبة واحدة وفي جنوه ؟ " " لقد طعنتني بخنجر يا تيوبل . سوف لن أرى ذهبي مرة أخرى . 80 دوقية . هل قلت ثمانين دوقية ؟ وفي مناسبة واحدة ؟ " قال تيوبل : " هذا صحيح على كل حال يعتقد دائنو انطونيو بأنه سيفلس . " وكان تيوبل يحاول بوضوح اللعب بمشاعر شايلوك مخبرا إياه إخبارا سيئة تارة ويذكره بوجود أمل في الانتقام لنفسه من انطونيو تارة أخرى . ثم قال : " أنا مسرور جدا لأسمع ذلك يا تيوبل . إنني الآن اعرف بالضبط ما افعل . صدقني سأعذبه . " وقال تيوبل : " لقد أرانـي تاجر في مدينة جنوه محبسا استبدلته ابنتك بقرد . " صرخ شايلوك : " اللعنة عليها . أنت تؤلمني يا تيوبل . أتعرف شيئا ؟ ذلك المحبس كان هدية من زوجتي قبل زواجنا . " قال تيوبل الذي كان مستمتعا بهذه اللعبة : " لكن انطونيو بالتأكيد تحطم . " قال شايلوك : " انطلق يا تيوبل جد ضابط شرطة لي . رتب معه التواجد أسبوعين قبل تسديد دين انطونيو . " "ولماذا يا شايلوك ؟ " " لكي يقبض على انطونيو . إذا يجب على انطونيو دفع الغرامة ، أي رطل واحد من اللحم ، عندها سوف اقطعه من قلبه . إذا فارق الحياة استطيع عمل أي شيء ارغب به في مدينة البندقية . لذا انطلق يا تيوبل ، افعل ما أخبرتك به . "
القسم الرابع عشر Section (14)
عندما وصل بسانيو إلى بيلمونت ، استقبلته بورشيا بحنان كبير . لقد عرفت بأنها أحبته . إلا أنها كانت تخشى من أن يقوم بالاختيار الخاطئ ولم تتحمل فكرة فقدانه . لذلك التمسته تأجيل اختياره للصندوق ثم قالت : " من فضلك يا بسانيو ، لا تتعجل . ابق هنا يوما واحدا أو يومين ثم جرب اليانصيب . أنت تعلم جيد جدا انه إذا تخسر اليانصيب فسوف أخسرك . " وتوقف بورشيا لبرهة حيث لم ترغب في ان تكون متسرعة جدا بالتعبير عن حبها . ومع هذا فلا مفر منه . لكن بسانيو أصر على أن يجرب حظه حيث قال : " لا يا سيدتي ، لقد عانيت طويلا بما يكفي . احبك واحتاجك . ولكي أفوز بك يجب علي القيام بالاختيار الصحيح . لهذا ارني الصناديق . " وأخذته بورشيا إلى الصناديق الثلاثة وكانت في هذا الوقت قلقة جدا حيث قالت وهي تؤشر على الصناديق : " هذه هي الصناديق . إذا أنت فعلا تحبني،فسوف تكتشفني ." ومضى بسانيو للأمام ، ثم وقف أمام الصناديق الثلاثة . كما وقفت بورشيا هناك أيضا وقلبها يخفق من القلق إذا فكرت مع نفسها : " أنا .... لا اعرف ماذا افعل . استطيع إخباره كيف يقوم بالاختيار الصحيح . وذلك هو خرق لوعدي لأبي . وهذا ما لا أرغب به ، ولا حتى بسانيو. أنا متأكدة " نظر بسانيو إلى الصناديق الثلاثة وقرأ الكتابات على كل منهم وفكر لفترة طويلة قبل الاختيار : " أما صندوق الذهب أو صندوق الفضة هو الصحيح ." اعتقد ذلك . إلا انه سرعان ما رفض الفكرة تلك . " لا ، لا . كثير من الناس والأشياء يحاولون جعل أنفسهم تبـدو لطيفة وجميلة في الوقت الذي هم قبيحون وفاسدون . ويتظاهر بعض الناس بأنهم شجعان في الوقت الذي هم في الحقيقة ليســوا كذلك . وقد تجد غالبا سيدة ذات شعر أشقر وذهبي إلا انك قريبا تكتشف بأنه إما شعر مصبوغ او أنها كانت ترتدي باروكة مصنوعة من شعر امرأة ميتة . لا ، سوف لن اخدع بالمظاهر . فالوقت الخداع أحيانا يرى الحقيقة خطأ لاصطياد الحكماء . " وبعد ان توصل بسانيو إلى استنتاجاته استدار نحو صندوق الذهب قائلا : " أيها الذهب سوف لن تخدعني ولا أنت الفضة . " فكر ثم استدار نحو صندوق الفضة قائلا أثناء نظرته إلى بورشيا : " لقد قمت باختياري انه صندوق الرصاص . " لقد راقبت بورشيا بسانيو وهو يقوم بالاختيار الصحيح . وبدون لحظة تردد فتح بسانيو صندوق الرصاص . قال بسانيو بفرح : " آه ، ماذا أجد هنا ؟ صورة بورشيا . " التقط الصورة ونظر إليها بإمعان قائلا : " استنتاجي ان الرسام كان عبقريا في رسم صورة تشبه السيدة . " ثم نظر داخل الصندوق ووجد لفة ورق وبسرعة التقطها وفتحها . وقد وجد هذه الأبيات الشعرية : " أنت يا من تختار بواسطة المظهر حظك سعيد واختيارك موفق . وحيث ان هذه الثروة هي لك ، اقتنع بما لديك ولا تجدد . إذا أنت مسرور جدا بهذا الاختيار ، وأنت وسط نعيمك ، استدر حيث تقف سيدتك وطالبها بقبلة حب . " واستدار بسانيو نحو بورشيا والصورة ولفة الورق في يده ، إذ كان متلهفا لسماع جوابها ، ثم سألها : " حسنا هل سوف تتزوجينني ؟ " قالت بورشيا وقد توهج وجهها بالفرح : " نعم . نعم . " ومسك بسانيو يدي بورشيا التي قالت : " إنني سعيدة جدا . " قال بسانيو : " أنا متأكد من أننا سوف نكون دائما سعيدين يا عزيزتي . " ثم قالت : " واعدك بأنني سأبذل قصارى جهدي كي استحقك يا حبيبي . من الآن فصاعدا أنا وكل شيء املك هو لك وحدك . بهذا المحبس أعطيك كل شيء املكه . " قالت بورشيا ذلك أثناء تسليمها له محبسا ثمينا . ثم أضافت تقول : " أريده أن يكون رمزا لحبنا . إياك وضياعه يا بسانيو أو إعطائه لأحد . " لقد غلب بسانيو بالحب والامتنان أثناء أخذه للمحبس حيث قال : " شكرا لك يا بورشيا . أعدك بأنني سوف اعتني بهذا المحبس . وسوف يكون موجودا في إصبعي دائما . ولا شيء سوى الموت يجعلني أفارقه . " لقد جلس العاشقان سوية يتكلمان عن حبهما ودخل كراشيانو ومعه نيريسا . قال كراشيانو : " آسف لمقاطعتكما . ولكني سمعت توا بأنك قمت بالاختيار الصحيح . تهانينا يا بسانيو . " وصافح بسانيو اولا ثم صافح بورشيا قائلا : " سيدتي . أتمنى لك كل السعادة . " وكان يبدو كراشيانو مسرورا في الحقيقة . قالت بورشيا : " شكرا لك يا كراشيانو . " إما من ناحية نيريسا فقد تمنت للعاشقين السعادة أيضا وقال كراشيانو أثناء ضغطه على يدي بسانيو : " حسنا ، يا بسانيو ويا سيدتي . ألتمسكما إحسانا ، فهل تسمحان به ؟ " قال بسانيو : " بالطبع يا كراشيانو . أي شيء . " " نيريسا وأنا نلتمس منكما الإذن كي نتزوج . وكما تريان ، نحن عشيقان . " سألت بورشيا وهي تبتسم : " هل ذلك صحيح ؟ " إجابتها نيريسا وقد احمر وجهها خجلا : " نعم يا سيدتي . " وحدق بسانيو في عيني صديقه قائلا:" هل أنت جاد يا كراشيانو ؟ " لقد عرف بسانيو أن كراشيانو كان فتى لعوبا متوحشا . قال كراشيانو " نعم يا بسانيو . الموضوع جدي هذه المرة . " قال بسانيو ضاحكا : " طيب ، ماذا استطيع القول . تهانينا لكما أنتما الاثنين . " " شكرا لك يا بسانيو . " قالها كراشيانو ونيريسا وهما يبتسمان بإعجاب نحو احدهما الآخر .
القسم الخامس عشر Section (15)
قضى العشاق الأربعة الأيام القليلة التالية يخططون للمستقبل ويستعدون للزواج . على كل حال لم تدم سعادتهم طويلا . ففي احد الأيام وبينما كانوا جالسين سوية في الغرفة الرئيسية للمنزل إذا بالخادم يعلن عن وصول لورينزو وجيسيكا وكذلك سلاريو . وقد رحب بسانيو بضيوفه وعرفهم على خطيبته بورشيا التي رحبت بهم بحرارة . وكانت هناك نظرة قلق على وجوه الضيوف حيث لاحظ بسانيو ذلك على الفور . سأل بسانيو لورينزو : " ماذا حصل ؟ " قال لورينزو : " حسنا ، أنا لم أكن لأزعجك لولا التقائي لسالاريو . وقد طلب مني المجيء معه . " قال بسانيو وقد أصبح أكثر قلقا : " هل هناك خطورة ؟ " قال لورينزو : " من الأفضل لك أن تخبره بنفسك . " ووضع وسالاريو يده في جيبه واستخرج رسالة وسلمها إلى بسانيو قائلاً : " السيد انطونيو يرسل تحياته . وقد كتب لك هذه الرسالة ." واخذ بسانيو الرسالة ونظر إلى وسالاريو بقلق عميق قائلا : " كيف هو انطونيو " قال سلاريو وهو يؤشر إلى الرسالة التي في يد بسانيو : " حسنا ، من الأفضل آن تقرأ الرسالة يا بسانيو . " وفتح بسانيو الرسالة بسرعة حيث أضحى شاحبا عندما قرأ السطور بسرعة . سألت بورشيا بقلق وهي تلاحظ عدم ارتياحه : " ماذا يا بسانيو ؟ " قال وهو يحاول التغلب على عاطفته : " حسنا ، يا بورشيا . من الأفضل لي أن أخبرك كل شيء . كما تعلمين فاني لست غنيا جدا في الحقيقة أنا فقير جدا . " " وما علاقة ذلك بالرسالة او بصديقك ؟ " ثم اخبرها بسانيو بكامل القصة عن القرض والعقد وعن الشرط المروع الذي فرضه شايلوك . تساءلت بورشيا : " وماذا حدث الآن ؟ " قال بسانيو وبدأ يقرأ الرسالة وصوته ممتلئ بالعاطفة : " من الأفضل ان اقرأ عليك الرسالة . " " عزيزي بسانيو ، لقد واجهني حظ عاثر ، حيث ان كل سفني مفقودة . واستحق الآن الشرط الجزائي لليهودي . وبما أن تسديد المبلغ مستحيل ، فأنني أفضل رؤيتك قبل أن أموت . على كل حال ، إذا رأيت من غير الملائم لك الحضور إلى البندقية ، لا يجب عليك القلق . وسوف افهم . المخلص / انطونيو . " قالت بورشيا " ذلك فضيع . ألا يستطيع احد مساعدته ؟ " قال سلاريو : " حسنا يا سيدتي كل شخص حاول مساعدته . عشرون تاجرا والحاكم نفسه عرضوا عليه تسديد القرض لكــن اليهودي رفض . ثم حاولت الشخصيات البارزة في البندقية بشكل جماعي إقناع اليهودي للتنازل عن دعوته وإسقاط القضيـة إلا إن الأخير لم يصغ لأحد . لقد قرر اخذ الغرامة . وكان يزعج الحاكم ليل نهار لحسم الدعوى . " قالت بورشيا : " ولمـاذا ينبغــي علــى الحاكم الإصغاء له ؟ " أجاب : " حسنا ، سيدتي . الحاكم يدرك سمعة مدينة البندقية للعدل ، أي إعطاء كل شخص حقوق متساوية في نظر القانون . " صرخت بورشيا قائلة : " لكن ... لكن هذه مسألة خاصة . إن المسألة برمتها لا إنسانية . " قال سلاريو : " هذا صحيح يا سيدتي . أنت على صواب . إضافة إلى ان اليهودي يروج ما معناه انه إذا لم تعامل قضيته بصورة صحيحة ، فسوف يشكك في جدارة سمعة مدينة البندقية المشهورة بالعدل .... تلك السمعة التي أعجب بها جميع أنحاء العالم . " قالت جيسيكا : " اعرف أبي . عندما كنت معه ، سمعته يقول لتيوبل بأنه يفضل الحصول على لحم انطونيو بدلا من عشرين ضعفا من قيمة المبلغ المدين به انطونيو له . وإذا ما جرت المرافعة ، فان أمورا لا تحمد عقباها ستصيب المسكين انطونيو ." ثم تساءلت بورشيا : " كم مبلغ القرض ؟ " وكانت تستدير نحو بسانيو الذي أجابها " ثلاث آلاف دوقية . " صرخت قائلة : " ماذا ؟ مجرد ثلاث آلاف دوقية . سيفقد الرجل حياته لمجرد ثلاث آلاف دوقية." تمتم بسانيو بحزن وهو يقول " نعم ، يا بورشيا ، هذا كل الموضوع . " قالت : " ماذا تنتظر يا بسانيو ؟ انطلق إلى مدينة البندقية وادفع عشرين ضعفا من المبلغ واتلف العقد . انطلق بأسرع ما يمكن اليوم . ولكن .... " توقفت لبرهة ثم واصلت الكلام : " لكن ، دعنا نتزوج أولا . " وفي نفس اليوم تم زفافهما ، كما تم زفاف كراشيانو ونيريسا . وما إن انتهت مراسيم الزفاف حتى انطلق بسانيو وكراشيانو بسرعة فائقة نحو مدينة البندقية .
القسم السادس عشر Section (16)
لقد انتهى اليوم المقرر لتسديد قرض شايلوك حيث تمكن الأخير من الحصول على أمر لإلقاء القبض على انطونيو . وقد ذهــب شايلوك بصحبة شرطي إلى بيت انطونيو إذ وجداه مع سولانيو . قال شايلوك وهو مكشر من فرط الاقتناع : " أنت مقبوض عليك يا انطونيو . " ثم استدار نحو الشرطي وقال : " والآن ، أيها الشرطي ، ها هو الرجل المقبوض عليه ، المخبول الذي اعتاد تسليف النقود بدون المطالبة بفائدة . قم بواجبك واقبض عليه . لا تتكلم معي مرة أخرى بصدد الرحمة ، أيها الشرطي . " قال انطونيو بهدوء : " أصغي لي يا شايلوك . " صرخ شايلوك : " سوف لن أصغي لك ولا لأحد . معي العقد وسوف احصل على حقي . لقد أقسمت بأنني سوف آخذ حقي . اعتدت دائما مناداتي بالكلب ، طيب ، بما أنني كلب ، احذر أنيابي . إن الدوق سوف يمنحني العدل . " قال انطونيو متوسلا : " من فضلك أصغي لي . " إلا أن اليهودي سوف لن يصغ . وصرخ بغضب قائلا : " سأتمسك بالعقد وسوف لن أصغ لك . " واستدار ليمشي حيث تبعه انطونيو على أمل أن يتكلم أكثر ، إلا انه قال : " لا تتبعني . سوف لن أصغ لك . كل ما أريد هو عقدي . " وبهذه الكلمات شرع يمشي . قال سولانيو وهو يراقب اليهودي بازدراء : " انه أكثر الكلاب شرا سبق ورأيت . " قال انطونيو : " دعه يا سولانيو . سوف لن اتبعه أو أتكلم معه مطلقا . انه يرغب في رؤيتي ميتا وأنا اعرف بصورة جيدة جدا لماذا . " أجابه سولانيو محاولا تشجيعه والتخفيف عنه : " لا تقلق يا انطونيو . أنا متأكد بأن الدوق سوف لن يمنحه حقه . " أجابه انطونيو بتفكير : " إن الدوق لا يستطيع إيقاف تنفيذ القانون . إذا تنكر على شايلوك حقوقه ، فان سمعة مدينة البندقية التي تتمتع بها بالعدل بين الناس بضمنهم الأجانب ستتأثر بشكل بالغ . حيث ستكون تلك مأساة ، يا سولانيو . إذ كما تعرف فان ازدهار مدينة البندقية يعتمد بشكل واسع على الـتجارة الخارجية . " ولم يقل سولانيو أي شيء بل مجرد خفض عينيه في حزن . والتفت انطونيو إلى الشرطي قائلا بهدوء : " حسنا ، أيها الشرطي ، دعنا نمضي . " وإثناء مغادرتهما التفت انطونيو نحو سولانيو قائلا : " أتمنى رؤية بسانيو قبل أن أموت . "
القسم السابع عشر Section (17)
بعد مغادرة بسانيو ، بدأت بورشيا تفكر في أية وسيلة تمكنها من إنقاذ حياة صديق بسانيو العزيز ." وقد تبلورت في ذهنها خطة وقررت تنفيذها فورا . كما قررت عدم إخبار احد بخطتها باستثناء نيريسا . ولكنها فكرت أولا بعذر لمغادرة بيلمونت . لقد استدعت لورينزو وزوجته جيسيكا . حيث قالت : " يا لورينزو ويا جيسيكا . لقد قررت الاعتكاف في دير . وسوف آخذ نيريسا معي ، حيث سأمكث هناك حتى يعود بسانيو وكراشيانو من مدينة البندقية . ان الدير ليس بعيدا ، مجرد يبعد ميلين عن هذا المكان . " قال لورينزو : " نعم ، يا سيدتي . هل نستطيع مساعدتك ؟ " أجابته : " نعم يا لورينزو . إنني أتساءل فيما إذا بإمكاني ترك مهام إدارة القصر لك ولجيسيكا أثناء غيابنا . " أجابها : " بالطبع يا سيدتي . لا يجب ان تقلقي . ستبذل جيسيكا وأنا قصارى جهدنا . " قالت بورشيا : " شكرا جزيلا لكما . سوف اخبر الخدم بما قررت . انك وجيسيكا الآن السيد والسيدة في هذا القصر وعقاراته . " قالت جيسيكا : " ومتى ستغادرين يا سيدتي؟" إجابتها : " اليوم ستقوم نيريسا بحزم الأمتعة والمتطلبات الأخرى . " قال لورينزو : " طيب ، يا سيدتي . أملي ان تكوني مرتاحة وآمنة هناك حتى يعود بسانيو ." قالت : " شكرا . " وغادر لورينزو وجيسيكا حيث كتبت بورشيا رسالة ثم لصقتها . كما نادت على الخادم وقالت له : " خذ هذه الرسالة واجري إلى ابن عمي الدكتور بيلاريو في منطقة بادوا وسلمه الرسالة باليد ثم انتظر الجواب أو أية تعليمات قد يعطيها لك وعجل في رجوعك إلي . " أجابها الخادم وهو يأخذ الرسالة : " نعم ، سيدتي . " قالت بورشيا : " سوف لن أكون هنا عندما ستعود . سأنتظر قرب العبارة الذاهبة إلى مدينة البندقية . لذلك . تعال مباشرة لذلك المكان . " أجابها الخادم : " سأفعل ذلك سيدتي . " ثم مضى مسرعا . واستدعت بورشيا نيريسا حيث كشفت لها الخطة قائلة : " أنت تعرفين ، يا نيريسا ، ان ابن عمي هو محام. في الحقيقة انه من أحسن المحامين في البلاد . لقد كتبت له رسالة وطلبت نصيحته بخصوص قضية انطونيو . أنت وأنا سوف نتنكر بملابس رجال . وسأتظاهر بأنني المحامي فيما ستكونين أنت كاتبي . وسوف نذهب إلى مدينة البندقية وندافع عن المسكين ، انطونيو ." سألتها : " ولكن السيد بسانيو وكراشيانو سيكونان هناك . " إجابتها بورشيا ضاحكة : " تلك هي النكتة . سنتنكر بصورة جيدة جدا لدرجة سوف لن يتمكنا من تمييزنا . " ضحكت نيريسا وقالت : " ولكن ، يا سيدتي هل تستطيعين تمثيل دور الرجل ؟ " أجابتها بورشيا : " سوف اجعل صوتي أعمقا . وسوف أتباهى بمغامرات غرامية مع النساء ، كما يفعل معظم الشبان . وسوف أتكلم كيف أن النساء ركضن ورائي طالبين حبي . ولكن ، بما إنني أصدهن ، فإنهن يمرضن ثم يموتن . كذب كهذا ... " وضحكت نيريسا من أعماق قلبها . وقالت بورشيا : " لذلك ، تعالي معي . دعينا نقوم بكل الاستعدادات . احزمي كل شيء نحتاجه . وان عربتي في الانتظار عند البوابة .
القسم الثامن عشر Section (18)
في يوم إجراء المحاكمة ، دخل الدوق قاعة العدالة ، ونادى على انطونيو حيث سأله " يا انطونيو ، هل ستدافع عن نفســك ؟ "أجابه انطونيو : " نعم . " وقال له الدوق : " يؤسفني كثيرا جدا انك يجب أن تجيب عن تهمة جاء بها رجل بدون ذرة شفقة في روحه " قال انطونيو : " شكرا لك يا سيدي . اعرف بأنك بذلت كل جهد لكي تحاول مصالحة اليهودي الذي لم يتأثر . أنا على استعداد لقبول ما تقرره هيئة المحكمة في كامل عدالة القانون . " قال الدوق : " نادي على اليهودي . " دخل اليهودي مزهوا وهو يعصر كلتي يديه فاتحا فاه بتكشير من أذن إلى أذن عندما انحنى أمام الدوق الذي قال : " يا شايلوك ، يعتقد كل واحد من الجالسين هنا بأنك لا تطلب العدل من اجل العدل بل لمجرد الانتقام من انطونيو . أملي انك تستطيع نسيان ما تقتضيه الرجولة والحب ذلك الجزء من العقد الذي يطالب برطل اللحم . هل تستطيع إعطاءنا جوابا لطيفا يا شايلوك ؟ " ونظر شايلوك إلى الدوق بدون ذرة شفقة على محياه قائلا : " سيدي ، إذا لا تدعوني احصل على العدالة فان الضرر سيأتي على الدستور والحرية في مدينتكم . تسألني ، لماذا أفضل اخذ رطل اللحم بدل ثلاثة آلاف دوقية ، لكنني سوف لن أجيب . حسبي أن أخبرك فقط إنها رغبتي . ذلك هو جوابي الوحيد . " توقف شايلوك لبرهة ثم أردف يقول : " الناس يقومون بأشياء غريبة . بعضهم ينفق عشرة آلاف دوقية لكي يسمموا جرذيا في دورهم . فيما يصاب البعض من الناس بالجنون لدى رؤيتهم قطة أو سماعهم مزمار القرية وهو يصدح . فجوابي كذلك . فشخص لا يستطيع تحمل رؤية قطة ، وآخر لا يستطيع سماع مزمار القرية . وأنا لا استطيع رؤية انطونيو .ولهذا السبب ، أنا على استعداد لأخسر نقودي لكي احصل على رطلي من اللحم . فهل إجابتي مقنعة ؟ " قاطعه بسانيو الذي كان حاضرا سوية مع كراشيانو ، سلاريو وجميع أصدقائه . قاطعه لأنه لم يستطع احتواء مشاعره قائلا : " هذا ليس جوابا لتبرير شناعة قسوتك . " أجاب شايلوك باستهزاء . " أنا لست مجبرا على إبهاجك بأجوبتي ، يا بسانيو . " وصرخ الأخير قائلا : " هل جميع الناس يقتلون الأشياء التي لا يحبونها ؟ " وكان جواب شايلوك على ذلك : " ألا يكره الشخص الأشياء التي يحاول قتلها ؟ " لقد كان انطونيو يصغي إلى المجادلة بهدوء وهو يقول : " تذكر يا بسانيو بأنك تجادل يهوديا . إن المجادلة مع شايلوك غير مجدية كالوقوف عند ساحل البحر وإخبار الموجة بان لا تصل اليابسة . دعنا لا نجادل أكثر ، ودع اليهودي ينتقم ، ودعني أنال قرار حكم المحكمة . " قال بسانيو وقد أرعبه مجرد التفكير بموت انطونيو : " كلا يا انطونيو . يا شايلوك ، هاك ستة آلاف دوقية بدلا من ثلاثة آلاف دوقية ." أجابه شايلوك : " لا آخذ ستة إضعاف الستة آلاف دوقية منك أريد عقدي . " وتكلم الدوق بهدوء إلى شايلوك قائلا : " كيف تستطيع يا شايلوك أن تأمل من الآخرين أن يمنحوك الرحمة في الوقت الذي لا تمنح شيئا منها الآن ؟ " ولم تكن أي من هذه الالتماسات لترقق قلب اليهودي الـذي انبرى يقول : " أطالب برطل اللحم . انه لي وسوف احصل عليه . فإذا ترفض ، فاللعنة على قانونكم . والناس يرون بأنه لا قوة في قوانين مدينة البندقية . إنني واقف هنا أطالب بقرار الحكم . اجبني ، يا سيدي ، هل سأحصل عليه ؟ " وفي جواب على ذلك ، أعلن الدوق بأنه سيؤجل البت في القضية حتى يصل الدكتور بيلاريو الذي أرسل في طلبه . بيد ان سلاريو الذي كان يصغي قال بان هناك رسولا خارج قاعة المحكمة يرغب برؤية الدوق ومعه رسائل من الدكتور بيلاريو في(بادوا). وطلب الدوق من سلاريو المناداة على الرسول . ودخلت نيريسا قاعة المحكمة مرتدية ملابس كاتب المحامي . ولم يستطع احد هناك تمييزها . وسلمت نيريسا الدوق رسالة من بيلاريو . وبينما كان الدوق يقرأها ، لاحظ بسانيو إن شايلوك كان يحد سكينه حيث قال له : " لماذا تفعل ذلك ؟ " ابتسم شايلوك بتكشيرة وقال : " لكي اقتطع غرامتي من انطونيو المفلس . " وقال كراشيانو : " أيها اليهودي لا تستطيع أبدا حد سكينك بنفس درجة الحسد الذي تحمله . " وأجرى كراشيانو آخر استغاثة قائلا : " أولا تستطيع الصلوات ثقب قلبك ؟ " أجابه : " ولا صلاة منك تستطيع ذلك يا كراشيانو ." ولدى سماع الأخير لذلك وهو الذي كان يكبح جماح نفسه بصعوبة أثناء إجراءات سير المرافعة . لعن شايلوك وقارنه بالذئب الجائع والنهم حيث يرغب بأن يقتات على اللحم البشري . وهز شايلوك كتفيه استهجانا للعنات كراشيانو بالقول : " احذر ، أيها الشاب . إياك والجنون . إنني هنا بانتظار تطبيق القانون . " وبعد أن أنهى الدوق قراءة الرسالة أعلن لأعضاء هيئة المحكمة بان بيلاريو مريض ولا يستطيع القدوم . لذلك ، أوصى على محام مثقف شاب من مدينة روما يدعى الدكتور بالثازار لكي يعطي المحكمة رأيه بالقضية المتعلقة باليهودي وانطونيو . ويقول بيلاريو : " ألتمسكم أن لا تدعوا شباب المحامي يكون عقبة في التقييم الحكيم والمعقول للقضية . لم اعرف مطلقا إنسانا صغيرا بعمره ، مسنا في تفكيره . " وما ان فرغ المحامي من قراءة الرسالة حتى دخلت بورشيا قاعة المحكمة على أنها الدكتور بالثازار . ومرة ثانية لم يميزها احد . ورحب الدوق ببالثازار (بورشيا) وسأل فيما إذا المحامي الشاب عرف عن ماهية الخصام . وقد أجابه المحامي بأنه عرف ذلك وطلب رؤية شايلوك وانطونيو ، حيث سأل الأخير : " هل تعترف بالعقد ؟ " أجابه انطونيو : " نعم . " ثم قالت بورشيا : " اذن بالطبع سيكون اليهودي رحوما . " صرخ شايلوك قائلا : " ولماذا يجب علي ؟ " قالت بورشيا : " لا احد يجبرك على أن تكون رحوما . الرحمة تأتي من السماء جالبة معها بركتين : بركة لمن يعطيها وأخرى لمن يتسلمها . الرحمة هي الأقوى جدا عند الأقوياء . إنها تناسب الملوك أفضل من تيجانهم ، لان التاج يبين قوة الملك على الأرض فيما تأتي الرحمة من الله ، وهو لذلك اقوي من أية قوة على وجه الأرض . لقد تحدثت إليك أيها اليهودي لكي تخفف من وطأة كامل العدالة في طلبك ، لأنه إذا لم تخفف ذلك ، فان هذه المحكمة الصارمة ستنزل كامل العقوبة ضد هذا التاجر . " قال شايلوك : " أتحمل كامل المسؤولية إزاء ما افعل . كل ما اطلبه هو القانون . أريد كامل العقوبة والشرط الجزائي لعقدي . " قالت بورشيا وهي تجول حولها في قاعة المحكمة : " ألا يستطيع احد تسديد المبلغ " قال زوجها ، بسانيو ، الذي لم يميزها:" نعم . نعم . ها هو المبلغ معروض عليه في قاعة المحكمة . ليس المبلغ المطلوب فحسب بل مرتين ضعف المبلغ . وإذا كان ذلك لا يرضيه ، سأدفع له عشرة إضعاف المبلغ . وإذا كان من الضروري التنازل عن يدي ، رأسي ، وقلبي ، فسأفعل ذلك . فإذا لم يقبل اليهودي بذلك ، إذن سيتضح بالتأكيد بان الشر قد تغلب على الحقيقة . التمسك ، أيها المحامي ، بهذه المناسبة ، أن تغالط نفسك قليلا لتحقيق العدالة وإيقاف الشيطان القاسي ، شايلوك ، من تحقيق أمنيته . " أجابت بورشيا : " كلا ، لا يمكن تحقيق ذلك . لا توجد قوة تستطيع زعزعة عقيدة راسخة تم إقرارها في مدينة البندقية سابقا . " وصرخ شايلوك معتقدا بان بورشيا كانت من جانبه ، وانطلق يصفق
ويقول : " أوه ، أيها الشاب القاضي الحكيم . كم أنا معجب بك . انك تحمل نفس حكمة القاضي دانيال المذكور في الإنجيل . " وتجاهلت بورشيا ذلك الإطراء وطلبت رؤية العقد . وقد ناولها شايلوك العقد . وبعد ان فرغت من قراءته قالت : " يا شايلوك ، لقد عرض عليك
ثلاثة أضعاف المبلغ المدان لك . " قال شايلوك : " ثم ماذا ؟ لقد اقسم انطونيو اليمين . " واستدارت بورشيا ببصرها في قاعة المحكمة وهي تقول : " لم تدفع النقود في وقتها المحدد ولذلك فقد اخل بالعقد . " وأضافت تقول : " ان من حق اليهودي المطالبة شرعيا برطل اللحم الذي استطاع اقتطاعه من الأقرب موضع لقلبه . " ثم استدارت نحو شايلوك قائلة : " يا شايلوك ، كن رحيما . خذ ثلاثة إضعاف دراهمك ودعني أمزق العقد . " أجاب شايلوك : " نعم ، سوف امزقه ولكن فقط عندما يسدد طبقا للشروط المنصوص عليها فيه . يبدو انك محام جيد . وانك ملم بالقانون ، ولذلك فإنني آمرك باسم القانون ان تدلي بمرافعتك لأنه لا توجد أية قوة في لسان أي شخص تستطيع تغيير رأيي . إنني أريد عقدي ." وقال انطونيو لبورشيا بصوت هادئ بعد ان أدرك بان شايلوك سوف لن يغيـر رأيه : " أيها المحامي ، قل ما لديك لا تدعنا ننتظر أكثر . " قالت بورشيا عندما تثبتت جميع العيون في المحكمة عليها : " ان قرار الحكم هو الآتي : يجب عليك تهيئة صدرك لسكين شايلوك . " عند ذلك لم يتكمن شايلوك من احتواء نفسه مطلقا حيث صرخ قائلا : " أيها القاضي النبيل ، أوه ، أيها الشاب الرائع . " قالت بورشيا وهي تتجاهله : " يجب تطبيق القانون ، كما يجب عليه تسديد الغرامة الموضحة في العقد . " صـــرخ شايلوك : " صحيح ، أوه ما أعدلك أيها القاضي الحكيم ! كم تبدو اكبر من سنك . " وتجاهلت بورشيا هذا الانفجار أيضا واستـدارت نحو انطونيو قائلة : " يا انطونيو ، افتح قميصك واكشف عن صدرك . " قال شايلوك : " نعم ، هذا يا انطونيو ، ما يقوله العقد ، أليس كذلك ؟ " إن نص الكلمات في العقد تقول : ( الأقرب من قلبه ) . لقد أومأت بورشيا وهي تقول : " هذا صحيح تماما هل يوجد هنا ميزان لوزن اللحم ؟ " رد شايلوك بسرعة : " لقد أحضرته . " وأضافت : " يا شايلوك احضر جراحا ليكون متواجدا كي يوقف جروحه في حالة نزفه حتى الموت ، إنها مسؤوليتك ، يا شايلوك . " قال وهو يساءل بورشيا : " هل هذا مثبت في العقد ؟ " إجابته بورشيا : " كلا ، انه غير مثبت ولكن ، ماذا يهم ؟ ولماذا لا تقم بذلك من اجل الصدقة ؟ " لقد كان شايلوك يتفحص العقد بإمعان وهو يقول : " لا استطيع إيجاد ذلك هنا . انه غير مثبت بالعقد . " واستدارت بورشيا نحو انطونيو تسأله فيما إذا كان لديه أي شيء يقوله . قال انطونيو : " لدي القليل فقط . أنا جاهز ومستعد . " وأضاف يقول وقد مد يده مخاطبا بسانيو : " أعطني يدك ، يا بسانيو . " وأردف انطونيو يقول وقد مد بسانيو يده مغلوبا بالحزن : " مع السلامة . لا تحزن على ما حدث . في الحقيقة ان مصيري هو احن علي بالتصرف هكذا بدل تركي أعيش في فقر وبؤس . انقل أجمل تحياتي لزوجتك المصون واخبرها عن كيفية موتي . اخبرها كيف أحببتك . وتكلم جيدا عني إثناء موتي . وعندما تخبرها عن قصة موتي ، دعها تحكم فيما إذا كانت صداقتنا حميمة أم لا . " وقال بسانيو الذي كان يتكلم بصعوبة من شدة الحزن : " يا انطونيو ، لدي زوجة عزيزة علي بنفس معزة الحياة نفسها ، لكنني سوف أضحي بحياتي الخاصة وبحياة زوجتي وبكل العالم إذا كانت التضحية بهم تستطيع إنقاذه . " قالت بورشيا التي كانت تصغي إلى ذلك وهي ترمق نيريسا بنظرة : " اعتقد بان زوجتك سوف تكون غير سعيدة إذا سمعتك وأنت تقدم هذا العرض . " وانفجر كراشيانو المغلوب بالعاطفة قائلا : " لدي زوجة التي أصرح بأنني أحبها ، إلا أنني أتمنى موتها وهي في السماء إذا كان موتها سيتيح لها الفرصة كي تلتمس من الله ان يغير دماغ هذا اليهودي الكلب . " أما نيريسا التي كانت تبتسم مع نفسها عندما قدم بسانيو عرضه بالتضحية ببور شيا لأجل انطونيو ، مسحت ابتسامتها من وجهها قائلة لكراشيانو بقسوة نوعا ما : " انك أيضا تقدم هذا العرض من وراء ظهرها ، وإلا ، فأنت رب أسرة يغمرها عدم الاستقرار . " قال شايلوك بصوت عال وهو يتلهف للشروع باقتطاع لحم انطونيو : " إننا نضيع الوقت يا بالثازار . دعنا نشرع بتنفيذ الحكم . " ونظرت إليه بورشيا وهي تقول : " رطل من لحم هذا التاجر هو ملكك . فهيئة المحكمة تمنحك إياه ، وكذلك الدستور يخولك أخذه . " قال شايلوك وهو يصفق بيديه : " ما أعدلك أيها القاضي ! " ثم أضافت تقول : " ويجب اقتطاع اللحم من صدره . فالدستور يسمح بذلك وهيئة المحكمة تمنحك ذلك . " قال شايلوك : " ما أذكاك ايها القاضي ! " قال بصوت عال وهو يستدير نحو انطونيو : " الحكم ... هيا ... استعد يا انطونيو . " والتفت كل من في القاعة يحدق في انطونيو الواقـــــف بشجاعة منتظرا إدخال سكين شايلوك في صدره . على كل حال تراجعت العيون بسرعة عندما تقدمت بورشيا للأمام ومسكت شايلــوك من ذراعه قائلة : " دقيقة ، من فضلك . هناك شيء آخر نسيته . العقد هنا لا يقول أي شيء عن الدم . الكلمات بالضبط هي كالآتي : رطل من اللحم . لهذا خذ رطلك من اللحم المثبت في عقدك . ولكن تذكر انك إذا أرقت قطرة دم واحدة من هذا الرجل أثناء اقتطاعك اللحم ، فكل عقاراتك وبضائعك ستحجز حسب القوانين السائدة في مدينة البندقية . وسوف تحتفظ بها السلطة في المدينة . " وإثناء قيام بورشيا بإلقاء هذه الكلمة ، شعت عيون الحاضرين وبدأت تباشير الأمل تلوح على كل وجه باستثناء وجه شايلوك الذي صعق بذلك . وقال كراشيانو وهو يسخر من العبارات السابقة التي أطرى فيها شايلوك على المحامي : " ما أعدلك أيها القاضي . انظر أيها اليهودي ، ما أذكاك أيها القاضي ! " قال شايلوك وقد انفتح فمه على مصراعيه : " هل هذا هو الدستور ؟ " أجابته بورشيا : " هذا هو الدستور . لقد شجعتنا على إفشاء العدالة ، وسوف تنال العدالة . عدالة بأكثر مما ترغب . " صرخ كراشيانو : " ما أذكاك أيها القاضي . انظر أيها اليهودي ، انه قاض مثقف . " وحاول شايلوك الاستفادة من الحالة آنذاك حيث قال : " حسنـا ، قبلت العرض . ادفعوا ثلاثة أضعاف ما مدين انطونيو لي وأطلقوا سراحه . " وتقدم بسانيو مادا يده قائلا : " هاك المبلغ . " قالت بورشيا : " كلا ، سوف لن يحصل اليهودي على شيء سوى العدل . وسوف لن يحصل على شيء سوى العقوبة نفسها ، رطل من اللحم لا أكثر ولا اقل . " قالت وهي تستدير نحو اليهودي : " يا شايلوك ، استعد لاقتطاع اللحم . يجب اقتطاع رطل واحد بالضبط لا أكثر ولا اقل وبدون دم . إذا تأخذ أكثر أو اقل من رطل واحد بالضبط ، حتى ولو بوزن شعرة ، سيكون الموت مصيرك وتحجز جميع ممتلكاتك . " وصرخ كراشيانو : " يا دانيال الثاني . إن القاضي هو القاضي دانيال الثاني ، ايها اليهودي . لقد وضعناك في خانة غير المستفيدين ، يا شايلوك . " استدارت بورشيا نحو شايلوك وقالت : " ماذا تنتظر . خذ رطلك من اللحم . " قال : " أعطوني المبلغ المدين لي به انطونيو ودعوني انصرف . " وتقدم بسانيو مرة ثانية قائلا : " ها هو المبلغ . " قالت بورشيا : " لا . لقد رفض النقود قبل الآن . هنا وعلى رؤوس الأشهاد . كل ما يستطيع الحصول عليه هو العدل ورطل اللحم . " وقال شايلوك : " ألا استطيع استرجاع نقودي ؟ " إجابته بورشيا : " كلا . لاشيء سوى الغرامة وعلى مسؤوليتك الخاصة . " قال شايلوك : " سوف لن أجادلك مطلقا . تنازلت عن دعوتي . اذهب إلى الشيطان . " قالت بورشيا : " ليس بهذه السرعة ، يا شايلوك . ان للدستور مطلبا واحدا آخر يقوله لك : إذا ثبت أن أجنبيا تآمر بشكل مباشر او غير مباشر على حياة مواطن فينيسي ، فان من حق ذلك المواطن المطالبة بنصف ثروة الأجنبي أما النصف الآخر فيذهب إلى الدولة . ليس ذلك فحسب بل ان في إمكان الدوق المطالبة أيضا بحياة المعتدي . لذلك اركع على ركبتيك والتمس الرحمة من صاحب السمو ، الدوق . " قال كراشيانو بانشراح : " نعم . استأذن كي تشنق نفسك. ولكن لا تنسى انك لن تتمكن من تحمل شراء الحبل لأنك أضحيت بلا شيء تشتري به . ولكن ، لا تقلق . فالدولة ستوفر لك حبلا مجانا ." واستدارت كل العيون نحو الدوق الذي كان جالسا بهدوء منذ دخول بورشيا قاعة المحكمة . وفكر للحظة ومن ثم تكلم إلى شايلوك الذي كان راكعا أمامه قائلا : " شايلوك ، لقد رفضت منح انطونيو الرحمة . والآن سوف ترى الفرق بينك وبين الرجال الآخرين . لقد عفوت عنك وها إنني أعيد لك حياتك حتى قبل أن تطلب مني ذلك . على كل حال إنني امنح انطونيو نصف ثروتك ، أما النصف الآخر الواجب إعطاءه للدولة فمسموح لك الاحتفاظ به بعد دفع غرامة بشرط ان تتصرف بتعقل مستقبلا . " قالت بورشيا : " نعم . ذلك قرار حكيم . لكن انطونيو يجب أن يحتفظ بذلك النصف الكامل . " لقد أفقدت فكرة فقدان جميع ثروته صواب شايلوك وأوشكت ان تجعله يجن ، حيث قال : " خذوا نقودي وان شئتم " قالها ببؤس " خذوا حياتي أيضا . " التفتت بورشيا نحو انطونيو وهي تقول : " أية رحمة ستمنحها له يا انطونيو ؟ " وتدخل كراشيانو قائلا : " رحمة ؟ تعطي شايلوك الرحمة ؟ ان الشيء الوحيد الذي يستحقه هو حبل لكي يشنق نفسه به . " ثم فكر انطونيو للحظة وتكلم بصوت هادئ : " سيدي الدوق ، السادة أعضاء المحكمة . أطالب بإلغاء الغرامة التي سوف تفرضوها عليه . دعوه يحتفظ بالنصف الكامل من حصته دون أن يدفع أي شيء للدولة .أما بالنسبة للنصف الآخر المدين به لي ، فأنني لا أريده إلا أنني سأحتفظ به كأمانة لحين وفاة شايلوك عندها سوف أسلمه إلى السيد الذي تزوج ابنته حديثا . وهناك أيضا شرطان : الأول ، يجب أن يصبح شايلوك مسيحيا . والثاني يجب أن يحرر وصية داخل هذه المحكمة يدون فيها الحقيقة انه في حالة موته تؤول كل ممتلكاته إلى صهره (لورينـزو) وابنته (جيسيكا) . " قال الدوق : " موافق . وإذا عارض شايلوك هذا القرار فسوف أبطل العفو الذي منحته إياه . " واستدارت بورشيا نحو شايلوك وهي تقول : " تكلم أيها اليهودي ، هل أنت مقتنع ؟ ما هو ردك ؟ " أجاب شايلوك وهو بالكاد يرفع عينيه : " أنا مقتنـع . " قالــت بورشيا : " أيها الكاتب . اعد وصية ودون فيها كل شيء قررناه . " ثم قال شايلوك : " استأذنكم السماح لي بالانصراف . أرسلوا الوصية إلى داري وسوف أوقعها . " واستعد الدوق الآن كي يغادر . ودعا بورشيا لمصاحبته لتناول العشاء لكنها عذرت نفسها قائلة بأنها يجب أن تغادر إلى ( بادوا ) حالا . وقد قبل الدوق اعتذارها واستدار نحو انطونيو قائلا : " يا انطونيو ، لا تنسى تسديد أجور المحامي أنت مدين له كثيرا جدا . وبهذه الكلمات غادر الدوق وإتباعه قاعة المحكمة . "
القسم التاسع عشر Section (19)
بعد مغادرة الدوق لقاعة المحكمة ترك انطونيو مع صديقيه بسانيو وكراشيانو . وقد استداروا نحو بورشيا ونيريسا كي يشكرونهما . وقد كان التنكر في السيدتين مؤثرا جدا بحيث لم يتمكن احد حتى عن قرب من التعرف على بالثازار على انه بورشيا أو الكاتب على انه نيريسا . واستدار بسانيو نحو زوجته التي اعتقد بأنها بالثازار قائلا : " صديقي وأنا جد ممتنان لمساعدتك صديقنا من هذا الحكم المروع . يسرنا أن نقدم لك ثلاثة آلاف دوقية المدينين بها لليهودي . واعرف بأنه اجر كبير ، إلا انك قدمت لنا خدمة عظيمة . " قال انطونيو : " وفوق ذلك فنحن مدينان لك بحبنا وخدمتنا من الآن فصاعدا ... إلى مدى الحياة . " ونظرت إليهما بورشيا وهي تقول : " عندما يقتنع الشخص عند ذلك يجزل العطاء له . ففي إنقاذي لك فاني مقتنع بذلك ولهذا اعتبر نفسي أن العطاء كان جزيلا . كل ما اطلبه هو ان تتذكرني عندما تراني مرة أخرى . وداعا أيها السادة . " وأثناء مغادرتهما الغرفة تقدم بسانيو للأمام قائلا : " من فضلك ، دعني أقنعك بقبول شيء ما مني . هل بإمكاننا إعطاءك شيئا ما ليس كأجر بل كتذكار منا ؟ " قالت بورشيا : " حسن ، عرفت . أعطني قفازك وسوف ارتديه لأجلك . وكتذكار لصداقتنا سآخذ هذا المحبس منك . " ومدت يدها إلى نفس المحبس الذي هي نفسها أعطته لبسانيو قبل زواجهما . وسحب بسانيو يده حيث قالت له بورشيا : " لا تسحب يدك . هذا كل ما أريد . بالتأكيد كتذكار لصداقتنا سوف لن ترفض لي هذا الطلب . " قال بسانيو محاولا التملص من ورطة وقع بها : " أوه ، لا استطيع إعطاءك هذا المحبس انه تقليد ورخيص ولا يساوي شيئا . انه لا يناسب مقامك . " وبورشيا التي استمتعت بالقضية وبالإحراج الذي أوقعت فيه بسانيو غمزت لنيريسا التي كانت تحاول التوقف عن الضحك استدارت إلى الوراء حيث كان بسانيو وقالت : " يا بسانيو ، هذا كل ما أريد . " أجاب بسانيو : " أنا آسف جدا . سوف أعطيك ، وأنا شاكر لك الأغلى محبس في مدينة البندقية . ولكن الشيء الكثير يعتمد على هذا المحبس أكثر من قيمته لوحدها . أرجوك سامحني من فضلك اذا لا ادعك تأخذ هذا المحبس الخاص " قالت بورشيا وهي تتظاهر بالاهانة : " سيدي ، أنت حر بما تعرض ولكنك لست حرا بهداياك . لقد التمستني كي آخذه والآن ترفض طلبي . " قال بسانيو: " لقد أعطتني زوجتي هذا المحبس . وعندما وضعته في إصبعي جعلتني أعدها ألا أبيعه أو أعطه لأحد أو افقده . " قالت بورشيا وهي ما زالت متظاهرة بأنها قد أهينت وبصوت وقور : " كثير من الرجال يتبجحون بهذا العذر للحيلولة دون إعطاء الهدايا . إذا كانت زوجتك غير مجنونة ، وإذا عرفت كم كنت مستحقا لهذا المحبس ، سوف لن تكون غاضبة عليك لإعطائك إياي ." وبقي بسانيو الذي كان يبدو خجولا ومذنبا بقي ساكتا . ثم قالت : " أوه ، حسن . إذا لا تعطه لا تعطه . وداعا " وبعد ان قالت هذا الكلام ، غادرت الغرفة ومعها نيريسا . قال انطونيو عندما شاهد السيدتين تغادران : " يا بسانيو ، دع وعدك لزوجك يتوازن مع حبي ومطلب المحامي . " فكر بسانيو لحظة ، وتنفس بحسرة عميقة ، ثم هز كتفيه وخلع المحبس مناولا إياه الى كراشيانو . قال بعد ان توصل إلى قراره : " يا كراشيانو ، اتبع المحامي وأعطه هذا المحبس . وإذا استطعت إقناعه أيضا أن يذهب إلى بيت انطونيو . أسرع . لا تضيع الوقت . " وصرخ عندما خرج كراشيانو من الغرفة ومضى يقول وهو يلتفت نحو انطونيو : " يا انطونيو ، دعنا نقضي الليلة في بيتك ثم سوف نذهب غدا صباحا الى بيلمونت بأسرع ما يمكن . " وبنفس الوقت تساءلت بورشيا ونيريسا عما سيفعلانه لاحقا . واستدارت بورشيا نحو نيريسا وهي تقول : " اذهبي الى بيت شايلوك وأعطه الوصية . اجعليه يوقعها أمامك . وحالما يوقعها التحقي بي حيث سوف نغادر الليلة إلى بيلمونت . أمامنا على الأقل يوم قبل ان يعود زوجانا الى البيت . إن أخبار الوصية ستكون مفاجأة سارة بالنسبة إلى لورينزو ، أليس كذلك ؟ " وبينما كانت تقول هذا الكلام ، لمحها كراشيانو ثم قال : " سيدي بسانيو طلب مني ان اتبعكمـا . كمـا طلـب منــي إعطاءك محبسـه وإقناعك بمصاحبته لتناول العشاء هذه الليلة . " قالت بورشيا : " أنا آسف . لا استطيع الحضور لتناول العشاء الليلة . ولكنني سأقبل المحبس . أرجو إخباره بهــذا . أوه ، على فكرة ، أرجوك هل بالإمكان أخبار كاتبي اين يقع بيت شايلــوك ؟ " قال كراشيانــو : " بالطبــع ، سأخبره . " واستدارت نيريسا الى بورشيا هامسة في أذنها كي لا يسمع كراشيانو : " سأحاول ان افعل مثلما فعلت . سأجبره على إعطائي المحبس الذي أعطيته له إثناء زواجنا وجعلته يقسم بأنه يحافظ عليه مدى الحياة . " قالت بورشيا : " نعم ، تلك فكرة جيدة . عندما سيصلان إلى البيت سيقسمان بأنهما أعطيا المحابس إلى رجال. لكننا سنواجههما وندعي بأنهما أعطيا المحابس لنساء. وبهذا نحن نقول الحقيقة. امضي الآن بسرعة الى بيت شايلوك وعودي بسرعة إلى حيث اقضي المساء واستدارت نيريسا آنذاك نحو كراشيانو حيث انطلقا نحو بين شايلوك ."
القسم العشرون Section (20)
كان مساءا هادئا في بيلمونت . وجلس لورينزو وجيسيكا في الحديقة يراقبان النجوم مستمتعين بهواء الليـل العليـل وضـوء القمـر الساطع . وهبت الريح بلطف خلال الأشجار الشاهقة فيما كانت أوراقها ترقص برقة . وحدق يهما القمر بسلام . لقد كان لورينزو وجيسيكا سعيدين جدا حيث تحققت أحلامهما . وها هما الآن سوية حتى نهاية حياتهما . وهمس كل منهما في أذن الآخر كلمات الحب كما تكلما عن اللحظات السعيدة والذكريات الحلوة . وهمس لورينزو قائلا : " أتذكرين يا جيسيكا ؟ في ليلة كهذه هربنا سرا ؟ " إجابته جيسيكا وقد جرفت بالذكريات العذبة : " وفي ليلة كهذه . " وتكلم لورينزو عن حبه لجيسيكا ووعد بأن يكون مخلصا لها . ثم أضاف وهو يمعن النظر بإعجاب في عيني جيسيكا : " وفي ليلة كهذه أخبرت جيسيكا المحبوبة عشيقها لورينزو عن حبها . " وفي ذلك الوقت بالضبط دنا منهما خادم قائلا : " يا سيد لورينزو ، لقد أرسلتني سيدتي كي أخبرك بأنها في طريق عودتها إلى بيلمونت . حيث ستصل هنا قبل الفجر . " قال لورينزو وهو يبدو مسرورا : " جيد . سوف نكون بانتظارها . " ثم استدار نحو جيسيكا قائلا : " يجب ان نقوم بالاستعدادات للترحيب بالسيدة . " أجابت جيسيكا : " نعم . بالطبع . " ومضى لورينزو وجيسيكا نحو البيت عندما ظهر لونسلت إذ كان يصفر بنغمة سعيدة . وقال لورينزو : " لونسلت ، هل هو أنت ؟ " أجابه : " نعم ، سيدي . انه لونسلت ، صحيح . " وبدأ لونسلت يغني بصوت عال . ثم صرخ لورينزو قائلا : " كف عن الصراخ أيها الرجل . ماذا تريد ؟ " أجاب : " لقد وصل رسول كي يخبرك بأن السادة بسانيو و كراشيانو في طريقهما إلى بيلمونت حيث سيكونان هنا عما قريب . " نظر لورينزو إلى جيسيكا وقال : " دعينا ندخل ، يا حبيبتي . دعينا نحضر بعض الموسيقيين ونسرع ببقية التحضيرات . " وفي غضون الساعات القليلة التالية أصبح لورينزو ، جيسيكا والخدم مشغولين بكل التحضيرات الضرورية لعودة بورشيا و بسانيو لبيتهما . واستأنف الموسيقيون عزفهم على آلاتهم فيما لم يدخل لورينزو و جيسيكا إلى الدار لكي يستمتعا بالموسيقي . وبدلا من ذلك جلسا في الخارج تحت ضوء القمر المنير تاركين الموسيقى تنساب إليهما . قال لورينزو : " ما أحلى ضوء القمر وهو ينام على الضفة المكسوة بالحشيش ... ! سكون ناعم ، والوقت ليل . " وقد انسجما مع عذوبة النوتات الموسيقية . " انظري ، يا جيسيكا ، كيف ان ارض السماء مرصعة بالنجوم المتألقة . فكل نجمة مهما صغرت تغني أثناء عبورها السماء . نحن لا نسمع سنفونيتهم . إننا فانون . لكن كل المخلوقات الخالدة والملائكة يصغون ويستمتعون بالأغنية . " ثم مسك يد جيسيكا وقال : " الشخص الذي لا يستمتع بالموسيقى أو لا يخفق قلبه متأثرا بالنغمات المتجانسة هو شخص مجرد من أية أحاسيس . لذلك فهو يليق بالشر . " صمت لفترة وعاد يقول : " أصغ يا جيسيكا لتلك النغمة . " وبينما كانا جالسين في الحديقة مستمتعين بالموسيقى كانت بورشيا تصحب نيريسا في العربة المتجهة للبيت . وعندما اقتربت بورشيا ونيريسا من القصر لاح الأخير من بعيد حيث لاحظت بورشيا الضوء في غرف البيت ثم قالت : " المصابيح مضيئة في صالتي . ما ابعد المكان الذي تصله الحزم الضوئية من تلك المصابيح والشموع ! هذا هو الفعل الجيد من الخير في عالم شرير . " وقال نيريسا : " عندما طلع القمر لم نر الشمعة . " إجابتها بورشيا بتفكير عندما كانت العربة فــي سبــاق لتصــل البيــت : " ذلـــك هـــو كيـــف أن المجد العظيم يعتم شيئا اقل مجدا منه . " وقالت بورشيا وقد دخلت العربة من خلال بوابات القصر :" أصغي ، يا نيريسا. الموسيقى." أجابتها نيريسا : " إنهم الموسيقيون . " قالت بورشيا : " أ ... م ... كــــــل شـيء يعتمـد علـى الظـروف . انـه نسبـي ، كمـا تريـن يا نيريسا . مهما تكاملت الموسيقى وقت النهار إلا أنها تبدو أفضل ليلا . " قالت نيريسا : " الصمت يعطيها تلك الفضيلة ، يا سيدتي . " قالت بورشيا بتفكير : " اجل ، الفرق في النوعية ، بين شجي أغنية القبرة ومثيله للغراب حيث يمكن سماعهما عندما يتواجدان سوية لكي تتمكني من مقارنتهما . فالعندليب الذي يغرد في الليل الساكن يبدو أكثر عذوبة منه خلال النهار . وعندما تقوقي كل إوزة ، عندها يسود الاعتقاد انه صوت مطرب ليس بأكثر من الطائر الصغير جدا . ان الأشياء تقيم عندما تحث في الوقت المفضل . " وعندما وصلت بورشيا ونيريسا إلى البيت رحب بهما لورينزو وجيسيكا بحرارة . وقالت بورشيا وهي تحاول إعطاء الانطباع بأنها كانت لتوها قادمة من دير العبادة . " كنت أصلي من اجل شؤون زوجي وسعادته . " ثم سألت : " هل بسانيو في البيت ؟ " أجاب لورينزو : " لم يعد لحد الآن . إلا انه في طريقه إلى البيت . " ثم استدارت بورشيا نحو نيريسا طالبة منها إخبار الخدم أن لا يذكروا خبر غيابهما عن البيت . " وأنت أيضا يا لورينزو ، سأكون لك ممتنا إذا لم تتحدث عن غيابي . " قال لورينزو مبتسما : " لا تقلقي . " ثم أضاف يقول وهو يمسك يد جيسيكا : " نحن لا نعرف الوشاية . " وبعد ساعة اطل بسانيو بصحبة كراشيانو وانطونيو . وذهب بسانيو مباشرة إلى بورشيا . لقد كان مغتبطا لرؤيتها حيث قال : " عزيزتي بورشيا . كم افتقدتك ! " وطوقها بذراعيه ثم قالت : " مرحبا بك يا حبيبي في بيتك . " ثم عرف بسانيو صديقه انطونيو على بورشيا قائلا : " ستندهشين يا بورشيا لما حدث في المحكمة . سأخبرك عن ذلك فيما بعد . نشكر الله ان انطونيو سالم في النهاية . " وقد رحبت بورشيا بحرارة بأنطونيو قائلة : " مرحبا بك في بيتنا . لقد اخبرني زوجي عن قضيتك قبل مغادرته مدينة البندقية . أنني سعيدة جدا أن كل شيء قد انتهى . " لقد وقف الثلاثة يتكلمون عن القضية منكتين على ما حدث . وفجأة سمعوا نيريسا وكراشيانو يتشاجران . قال كراشيانو باعتذار : " حبيبتي ، اقسم بأنني أعطيت المحبس إلى كاتب المحامي . كيف تعتقدي بأنني أعطيته إلى امرأة ؟ " تساءلت بورشيا : " ماذا حدث ؟ خصام قبل الآن ؟ " نظر كراشيانو إلى بورشيا بعينين متوسلتين : " الخصام كله حول قطعة معدنية ، اعني المحبس الذي أعطته لي قبل زواجنا . " صرخت نيريسا بغضب : " قطعة معدنية ؟ هل هكذا تثمن هديتي الأولى ؟ هل نسيت وعدك لعدم إعطائك إياه لأحد ؟ هل نسيت النقش المحفور في داخل المحبس ؟ " وحاول كراشيانو الإجابة إلا أن نيريسا الغاضبة أوقفته قائلة : " طيب ، دعني أذكرك بما مكتوب عليه ، لعلك نسيت . إذ يقول : أحببني ولا تتركني . " ثم أضافت بمرارة مفتعلة تقول : " إذا لا تكن احتراما لي فعلى الأقل كان الواجب عليك إظهار بعض الاحترام لإيمانك ووعودك . " واستخرجت منديلا وتظاهرت بمسح دمعتها ثم قالت : " لا اصدق حكايتك ، يا كراشيانو . أنا متأكدة بأنك أعطيته لامرأة . " بدأ كراشيانو يتكلم بيأس عندما قاطعته بورشيا قائلة : " نيريسا على حق ، يا كراشيانو . يجب أن أكون صريحة معك . لقد ارتكبت غلطة خطيرة ، وأنت وحدك الملام . كيف يمكن التخلي عن هدية أولى من زوجتك ، رمز حبها وإخلاصها والذي أقسمت على الاحتفاظ به ؟ هل تعرف يا كراشيانو بأنني أعطيت بسانيو محبسا كهديتي الأولى له حيث اقسم بالاحتفاظ به في إصبعه . إنني على ثقة بأنه لازال في حوزته . وأنا واثقة أيضا أن لا ثروة في الكون تقنعه كي يخلعه ويتخلى عنه . " ولم يستطع بسانيو التفوه بكلمة واحدة إذ قاطعه كراشيانو صارخا وهو يحاول إنقاذ نفسه : " لكن بسانيو تخلى عن محبسه ، أيضا . لقد أعطاه إلى المحامي . " واستدارت بورشيا بسرعة نحو بسانيو حيث ألقت نظرة على يديه . وأضاف كراشيانو : " لقد أراد المحامي المحبس ، وقد استحقه في الحقيقة . ثم كان هناك ذلك الشاب ، كاتب المحامي ، الذي احدث مشكلة أثناء تحرير بعض الوثائق إذ توسل لأخذ محبسي . وكلا المحامي وكاتبه رفضا اخذ أي شيء باستثناء المحابس . ولم نرغب في ان نكون جاحدين ، واقصد كلانا ، أي بسانيو وأنا . " وتظاهرت بورشيا بأنها قلما تصدق ما سمعت حيث قالت : " أي محبس تخليت عنه ؟ ليس هديتي ، كما آمل ؟ " وتلعثم بسانيو حيث كان من الصعب عليه الإجابة . وقال : " حسنا ... أ ... ر ... ر ... أنا ... استطيع إضافة كذبة إلى غلطتي وأقول ... كلا . ولكن ما ترين ... " ابتلع التكملة . ثم قالت بورشيا في خيبة أمل مفتعلة : " أرى ماذا ؟ " قال : " حسنا ، يا بورشيا . انظري إلى أصابعي . المحبس ليس هناك ." صرخت بورشيا بغضب قائلة : " ليس هناك ؟ ماذا تعني ليس هناك ؟ أين وعدك وإيمانك ؟ هل هم مجرد ادعاءات ؟ هل أنت حقا تحبني ، يا بسانيو ؟ " قال بسانيو معتذرا : " انظري يا حبي . دعيني اشرح فقط . " انفجرت بورشيا قائلة : " تشرح ماذا ؟ تشرح انك غير مخلص ؟ سوف لن أصغي إلى أي شرح . " ثم توسل قائلا: " لكن ، يا حبيبتي . لورينزو فقط عرفت لمن أعطيت المحبس ولماذا ، سوف لن تغضبـي بهذا الشكل . كما ترين ، لقد أعطيته إلى المحامي الذي أنقذ حياة انطونيو . ولم يكن بودي إعطاءه له لورينزو لم يصر المحامــــي على أخذه . " أجابت بورشيا بشكل حاد : " لورينزو انك مجرد أدركت أهمية المحبس أو ثمنت حبـي أو قـدرت المناسبـة التـي فيهــا أعطيته لك لما كنت وافقت على إعطائه لأحد . لورينزو انك مجرد حميت المحبس لما طالب به محاميك . ولكن ، كلا ، لم يكن رجلا أو محاميـا . لقد أعطتني نيريسا الجواب . توقعي أنها امرأة ما . " واستدارت بغضب . قال بسانيو : " لا ، صدقيني يا بورشيا . اقسم بأنني أعطيته إلى المحامي الشاب . لقد رفض ثلاثة آلاف دوقية والتمس يطلب المحبس . ولم استطع الرفض . لقد أنقذ حياة انطونيو وإنني لم ارغب بأن أكون جاحدا . " وتقدم بسانيو للأمام قائلا برقة : " إنني آسف يا بورشيا . لم اقصد إغضابك . أؤكد لك انك لورينزو كنت حاضرة هناك ، لكنت نفسك طلبت مني إعطاء المحبس للمحامي . " وأخبرت بورشيا بسانيو بغضب ألا يسمح للمحامي الشاب بالاقتراب منها وإلا سيندم على ذلك . وقالت نيريسا نفس الكلام لكراشيانو بخصوص كاتب المحامي . قال انطونيو ومسحة البؤس عليه : " أنا آسف لكوني السبب في حصول هذه الخصومات . " قالت بورشيا التي كانت غير راغبة في توسيع نطاق النكتة وعدم الرغبة في إيذاء انطونيو : " من فضلك لا تقلق - مرحبا بك هنا . " قال بسانيو : " يا بورشيا ، أتوسل إليك أن تسامحيني . اقسم بأنني سوف لن اخرق قسمي مرة أخرى ." قال انطونيو: " نعم ، لقد أقسمت ذات مرة بجسدي من اجله وسوف اقسم الآن مرة أخرى لأجله إذا تسامحيه . " أجابت بورشيا : " حسن، ستكون أنت الضامن . " وسلمت انطونيو المحبس قائلة : " اخبره أن يحافظ على المحبس أفضل من المرة السابقة . " وسلم انطونيو المحبس إلى بسانيو الذي بدا مندهشا وقال : " انه ... انه نفس المحبس الذي أعطيته إلى المحامي . " قالت بورشيا : " لقد أعطاه لي المحامي." وقالت نيريسا : " وأنا كذلك . لقد اخذت المحبس من كاتب المحامي . " قالت ذلك وهي ترد المحبس الذي أعطته أصلا إلى كراشيانـو الذي قال : " عن ماذا تتكلمان كلتاكما ؟ كيف يحدث هذا ؟ " لقد قررت بورشيا أن النكتة بلغت مداها بما فيه الكفاية وأنها راغبة في عدم إيذاء الرجلين بصورة غير ضرورية إذا قالت : " اعرف بأنكم جميعا تتعجبون لما حدث . انظر إلى هذه الرسالة . " قالت ذلك وهي تستخرجها من حقيبتها . " لقد جاءت من بادوا ومن بيلاريو . في هذه الرسالة سيصف بيلاريو كيف ان المحامي بالثازار هو أنا (بورشيا) وكيف أن نيريسا كانت كاتب المحامي . " وحدق الرجلان في زوجتيهما بدهشة . ثم قالت بورشيا وقد استدارت نحو انطونيو كي تغير الموضـوع : " يا انطونيــــو ، لــدي أخبار رائعة لك . وهي أخبار أفضل من كل شيء سمعته . ها هي رسـالة أخرى تقول بأن ثلاث من سفنك وصلت الميناء سالمة بشكل غير متوقع ، صحيحة ومملوءة بالثروة . " قال انطونيو شاكرا إياها بامتنان : " أنا مندهش . " لقد تشافى بسانيو من صدمته وقال لزوجته : " أكنت المحامي ولم أعرفك ؟ " وقال كراشيانو لنيريسا : " أكنت الكاتب ؟ " أجابت بورشيا و نيريسا " نعم " ونظر انطونيو الــــذي كـــان يقـــرأ الرسالة إلى الأعلى قائلا بصوت ملئه الإخلاص : " عزيزتي بورشيا ، لقد أعدت لي ليس حياتي فحسب بل جميع ممتلكاتي . لقد وصلت السفن في الحقيقة . " قالت بورشيا وهي تستدير نحو لورينزو : " شكرا لك يا انطونيو . يا لورينزو . إن كاتبي الجيد ( نيريسا ) لديه أخبار رائعة أيضا . " قالت نيريسا : " هذا صحيح ، وسوف لن أطالبه حتى بذلك . فالأخبار هي أن شايلوك اعد وصية خاصة يترك لك فيها كلما في حوزته بعد وفاته . " ولدى سماع الكل هذه الأخبار انفجر الكل مبتسمين . كل شخص فيهم كان سعيدا وفرحا . ثم مضوا إلى بيوتهم مخبرا احدهما الآخر بكامل القصة لمغامرتهما .