النصيحة بجمل
04-05-2017, 07:06 PM
" مثل عربي قديم , فما قصة هذا المثل ?
" يحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة ، فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ، وسار طويلاً حتى وصل بعد جهدٍ كبير ومشقةٍ عظيمة إلى منطقة شرقيّ الجزيرة ، وقادته الخطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ، وبعد انقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ، فقال له المضيف : ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ، ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق معه على ذلك .
" وعمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل , وأحياناً أخرى يعدّ القهوة ويقدمها للضيوف ، ودام على تلك الحال عدة سنوات , كان الشيخ يكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية .
" ومضت عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ، فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته ، وأعطاه الكثير من المواشي وبعض الإبل وودّعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة .
" وسار الرجل ما شاء الله له أن يسير ، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى شيخاً جالساً على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق ، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ، فقال له : أنا أعمل في التجارة !
فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟
فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح ... فقال الرجل : تبيع نصائح ? وبكم النصيحة ؟! فقال الشيخ : كلّ نصيحة ببعير . فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً ؟ فقال له الشيخ : " إذا طلع سهيل لا تأمَن السيل " ! ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات ?! وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر ... فقال له الشيخ : " لاترافق أزغب العيون ، مقطع عوارض اللحية " . وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أية فائدة ... فقال والله لأغامرنّ حتى النهاية حتى لو ضاع تعبي كلّه في دقائق معدودة ، فقال للشيخ : هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر . فقال له : " نم على النَّدَم ولا تنم على الدم " .
ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ... فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما بقي معه من مواشٍ وسار في طريقه ، وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدّة الحر . وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم من العربان قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشّى عند أحدهم وباتَ عنده ، وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم طلع نجم سُهيل ، وعندما رآه الرجل تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففرّ مذعوراً ، وأيقظَ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة ، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ، ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ! فقال في نفسه : والله لقد اشتريت النصيحة ببعير , ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ ونام على مكان مرتفع بجانب الوادي .
وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والعربان ، ولم يُبقِ سوى بعض المواشي , وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه ، وأنعق لها فتبعته , وسار في طريقه عدة أيام أخر حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ، وأخذ يزيد في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به " ذو عيون زغب وعوارض لحيته مقطوعة عن بعضها " ?! فقال في نفسه : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء !...
وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت , قريباً من مواشيه وأغنامـه ، وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ، وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ، وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ، خاصة بعد أن لم يرَ منه حراكاً ، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله , ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء ثم هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت والله النصيحة ببعير ثم ضربه بسيفه فقتلـه ، وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء .
" وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعة من الليل إلى مضارب أهله ، فوجد قومه على حالهم ، فترك ماشيته خارج الحيّ ، وسار ناحية بيته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ، وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول " نم على الندم ولا تنم على الدم " ، فبردت أعصابه , وهدأ قليلاً فتركهم على حالهم ، وخرج من البيت وعاد إلى بهائمه , ونام عندها حتى الصباح ، وبعد شروق الشمس ساقها واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به ، واستقبله أهل بيته , وقالوا : والله هذا زمان مضى يا رجل ، لقد تركتنا منذ فترة طويلة ، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته , فحمد الله على سلامتهم ، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهم , وقال بينه وبين نفسه : والله [ إن كل نصيحة أحسن من بعير ] ...
" وهكذا فإن النصيحة لا تقدّر بثمن إذا فهمناها وعملنا بها في الوقت المناسب ... "
" يحكى أن أحدهم ضاقت به سبل العيش ، فسئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في بلاد الله الواسعة ، فترك بيته وأهله وغادر المنطقة متجهاً نحو الشرق ، وسار طويلاً حتى وصل بعد جهدٍ كبير ومشقةٍ عظيمة إلى منطقة شرقيّ الجزيرة ، وقادته الخطى إلى بيت أحد الأجواد الذي رحّب به وأكرم وفادته ، وبعد انقضاء أيام الضيافة سأله عن غايته ، فأخبره بها ، فقال له المضيف : ما رأيك أن تعمل عندي على أن أعطيك ما يرضيك ، ولما كان صاحبنا بحاجة إلى مكان يأوي إليـه ، وإلى عملٍ يعمل فيه اتفق معه على ذلك .
" وعمل الرجل عند مضيفه أحياناً يرعى الإبل , وأحياناً أخرى يعدّ القهوة ويقدمها للضيوف ، ودام على تلك الحال عدة سنوات , كان الشيخ يكافئه خلالها ببعض الإبل والماشية .
" ومضت عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته وعائلته وتاقت نفسُه إلى بلاده وإلى رؤية أهله وأبنائه ، فأخبر صاحب البيت عن نيته في العودة إلى بلده ، فعزّ عليه فراقه لصدقه وأمانته ، وأعطاه الكثير من المواشي وبعض الإبل وودّعه وتمنى له أن يصل إلى أهله وهو بخير وسلامة .
" وسار الرجل ما شاء الله له أن يسير ، وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة رأى شيخاً جالساً على قارعة الطريق ، ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق ، وعندما وصل إليه حيّاه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت حرّ الشمس وهجير الصحراء ، فقال له : أنا أعمل في التجارة !
فعجب الرجل وقال له : وما هي تجارتك يا هذا ، وأين بضاعتك ؟
فقال له الشيخ : أنا أبيع نصائح ... فقال الرجل : تبيع نصائح ? وبكم النصيحة ؟! فقال الشيخ : كلّ نصيحة ببعير . فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه ، ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة مهما كلفه الأمر فقال له : هات لي نصيحة ، وسأعطيك بعيراً ؟ فقال له الشيخ : " إذا طلع سهيل لا تأمَن السيل " ! ففكر الرجل في هذه النصيحة وقال : ما لي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة ، وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الوقت بالذات ?! وعندما وجد أنها لا تنفعه قال للشيخ : هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك بعيراً آخر ... فقال له الشيخ : " لاترافق أزغب العيون ، مقطع عوارض اللحية " . وتأمل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أية فائدة ... فقال والله لأغامرنّ حتى النهاية حتى لو ضاع تعبي كلّه في دقائق معدودة ، فقال للشيخ : هات النصيحة الثالثة وسأعطيك بعيراً آخر . فقال له : " نم على النَّدَم ولا تنم على الدم " .
ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقتيها ... فترك الرجل ذلك الشيخ وساق ما بقي معه من مواشٍ وسار في طريقه ، وظل يسير لعدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدّة الحر . وفي أحد الأيام أدركه المساء فوصل إلى قوم من العربان قد نصبوا خيامهم ومضاربهم في قاع وادٍ كبير ، فتعشّى عند أحدهم وباتَ عنده ، وفي الليل وبينما كان ساهراً يتأمل النجوم طلع نجم سُهيل ، وعندما رآه الرجل تذكّر النصيحة التي قالها له الشيخ ففرّ مذعوراً ، وأيقظَ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة ، وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي ، ولكن المضيف سخر منه ومن قلّة عقله ولم يكترث له ولم يأبه لكلامه ! فقال في نفسه : والله لقد اشتريت النصيحة ببعير , ولن أنام في قاع هذا الوادي ، فقرر أن يبيت على مكان مرتفع ، فأخذ جاعِدَهُ ونام على مكان مرتفع بجانب الوادي .
وفي أواخر الليل جاء السيل يهدر كالرعد فأخذ البيوت والعربان ، ولم يُبقِ سوى بعض المواشي , وساق الرجل ما تبقى من المواشي وأضافها إلى مواشيه ، وأنعق لها فتبعته , وسار في طريقه عدة أيام أخر حتى وصل في أحد الأيام إلى بيت في الصحراء ، فرحب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة ، وأخذ يزيد في الترحيب به والتذبذب إليه حتى أوجس منه خيفة ، فنظر إليه وإذا به " ذو عيون زغب وعوارض لحيته مقطوعة عن بعضها " ?! فقال في نفسه : آه هذا الذي أوصاني عنه الشيخ ، إن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء !...
وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت , قريباً من مواشيه وأغنامـه ، وأخذ فراشه وجَرَّه في ناحية ، ولكنه وضع حجارة تحت اللحاف ، وانتحى مكاناً غير بعيد يراقب منه حركات مضيفه ، وبعد أن أيقن المضيف أن ضيفه قد نام ، خاصة بعد أن لم يرَ منه حراكاً ، أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله , ولما لم يسمع منه أية حركة تأكد أنه نائم بالفعل ، فعاد وأخذ سيفه وتقدم منه ببطء ثم هوى عليه بسيفه بضربه شديدة ، ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له : لقد اشتريت والله النصيحة ببعير ثم ضربه بسيفه فقتلـه ، وساق ماشيته وغاب في أعماق الصحراء .
" وبعد مسيرة عدة أيام وصل في ساعة من الليل إلى مضارب أهله ، فوجد قومه على حالهم ، فترك ماشيته خارج الحيّ ، وسار ناحية بيته ورفع الرواق ودخل البيت فوجد زوجته نائمة وبجانبها شاب طويل الشعر ، فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوى به على رؤوس الأثنين ، وفجأة تذكر النصيحة الثالثة التي تقول " نم على الندم ولا تنم على الدم " ، فبردت أعصابه , وهدأ قليلاً فتركهم على حالهم ، وخرج من البيت وعاد إلى بهائمه , ونام عندها حتى الصباح ، وبعد شروق الشمس ساقها واقترب من البيت فعرفه الناس ورحبوا به ، واستقبله أهل بيته , وقالوا : والله هذا زمان مضى يا رجل ، لقد تركتنا منذ فترة طويلة ، انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ، ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته , فحمد الله على سلامتهم ، وشكر ربه أن هداه إلى عدم قتلهم , وقال بينه وبين نفسه : والله [ إن كل نصيحة أحسن من بعير ] ...
" وهكذا فإن النصيحة لا تقدّر بثمن إذا فهمناها وعملنا بها في الوقت المناسب ... "