"مولاي" كان يختبئ عند ضحايا أوهمهم بتسديد أموالهم!
11-11-2015, 09:44 PM

إلهام بوثلجي / فاطمة عكوش / أحسن حراش / س. ع
يُنتظر أن يمثل اليوم أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة الرويبة بالجزائر العاصمة، "أكبر هارب" والمبحوث عنه رقم واحد في قضية "إمبراطورية الوعد الصادق" المنهارة المتهم صالح مولاي، بعد ما نجحت مصالح أمن ولاية الجزائر، في توقيف المتهم الهارب منذ أكثر من 17 شهرا، والمتورط في أكبر عملية احتيال ونصب، فاق عدد الضحايا فيها الآلاف، من زبائن ما يُعرف بـ"سوق الريح" والذين يمثلون مختلف ولايات الوطن، حيث تشير الأرقام إلى ديون ومستحقات تفوق 3 آلاف مليار سرقها مولاي صالح وشركاؤه في عمليات بيع السيارات والعقارات والأراضي وغيرها من السلع المختلفة التي كان ينشط فيها.
رصد وتعقـّب و"ملاحقة" من البويرة إلى العاصمة

وعلمت "الشروق" من مصادر مطلعة، بأن تقديم الموقوف أمام وكيل الجمهورية لمحكمة الرويبة، حسب دائرة الاختصاص، يأتي بعد إلقاء القبض على الهارب "مولاي" مساء 10 نوفمبر الجاري، من قبل مصالح أمن ولاية الجزائر بضواحي المرسى قرب برج البحري بالعاصمة، وهذا بعد عملية تتبع ورصد دقيقة للمبحوث عنه، انطلقت من ولاية البويرة إلى غاية مكان التوقيف بالعاصمة، في انتظار تقديمه أمام قاضي التحقيق المختص لتحويل "فضائحه" أمام المحاكم التي فتحت تحقيقات في قضيته الاحتيالية، في ظل الأحكام الغيابية التي صدرت ضده أمام عدة محاكم خلال 2015، في انتظار محاكمته بعد الاستماع إليه، وهنا لا يُستبعد أن يتم استدعاء الكثير من الشهود و"الضحايا"، فيما قد يظهر أيضا متهمون جدد إلى جانب الموقوفين.

وأكدت مصادر "الشروق" بأن المدعو صالح مولاي البالغ من العمر 44 سنة، كان يتنقل عبر عدد من الفيلات التي تعود ملكيتها لزبائن قدماء لما يسمى "سوق الريح"، والذين مازالت تربطهم به ديون لم يسدّدها لهم بعد، حيث كان مولاي يتعمد إيهام هؤلاء الزبائن والضحايا باقتراب موعد تسديد الديون وإرجاع أموالهم، ما جعلهم "يصبرون عليه" علّهم يسترجعون ولو جزءا من مالهم المسلوب.



مولاي كان يتنقل عبر فيلات الضحايا

وأكدت المصادر لـ"الشروق" بأن مصالح أمن ولاية الجزائر، بتعليمات احترافية موفقة من قيادتها، أوقفت الهارب مولاي بمفرده في كمين انتهى بوضع حد للهارب منذ عدة أشهر، والذي صدرت في حقه عدة أحكام قضائية صادرة عن محكمة سور الغزلان منها 20 سنة حبسا نافذا في القضية المتعلقة بالنصب والاحتيال على صاحب شركة "سيما موتورز" لصاحبها محيي الدين طحكوت، و10 سنوات حبس أخرى مع أمر بالقبض صادر من نفس المحكمة في قضيا تتعلق بالاحتيال والنصب على عدد من الضحايا الآخرين، وهي أحكام صدرت في 2015 غيابيا، فيما صدر ضده حكم غيابي آخر بمحكمة بئر مراد رايس بالعاصمة يقضي بإدانته بعقوبة خمس سنوات حبسا نافذا في قضية النصب أيضا على شركة "سيما موترز" وسلبها 283 سيارة فاخرة.

وبهذه العملية تكون مصالح أمن ولاية الجزائر، قد نجحت في وضع يدها على المتهم رقم واحد في أكبر قضية نصب واحتيال، انكشفت خيوطها العنكبوتية مع بداية 2014، وراح ضحيتها آلاف الضحايا عبر كل الولايات تقريبا، علما أن مولاي كان مطاردا بثلاثة عشر 13 أمرا بالقبض، أغلبها صادرة من محاكم سور الغزلان والبويرة وبئر مراد رايس، على خلفية تورطه في تهم ثقيلة تتعلق بتكوين جماعة أشرار والتزوير واستعمال المزور، والنصب والاحتيال والسرقة وإصدار شيكات بدون رصيد والغش والتهرب الضريبي.

ومن بين ضحايا "الوعد الصادق" رجل الأعمال محيي الدين طحكوت صاحب شركة "سيما موترز" الذي تابع المتهم قضائيا أمام محكمة بئر مراد رايس، وكذا محكمة سور الغزلان، في قضية استحواذه على سيارات فاخرة من نوع "إيفوك"، والتي باعها مولاي صادق لزبائن آخرين ولم يقبض طحكوت ثمنها إلى اليوم.



علاقة مشبوهة بين ديون مولاي وقضية اختطاف "ياريشان"

وتشير مصادر أخرى لـ"الشروق"، إلى الاشتباه في وجود علاقة غريبة بين الأموال والديون التي تقع على عاتق مولاي صالح الموقوف، بقضية اختطاف الطفل أمين ياريشان ابن رجل الأعمال محمد ياريشان بدالي إبراهيم، في تعاملات تجارية تكون قد جرت بين مولاي صالح بطرق غير مباشرة أو عن طريق وسطاء، حيث تشير المعلومات الأولية، إلى تفجر خلافات مالية بين المدعو "تريسيتي" وكذا المدعو "سعيد الميڤري" المتهم الرئيس في قضية اختطاف الطفل أمين الذي تمّ تحريره مؤخرا بفيلا مشمعة بضواحي المحمدية -(بسبب قضية مخدرات)-، وهذه الخلافات بسبب مبلغ مليار و500 مليون سنتيم، كانت محل نزاع بين "تريسيتي" و"الميڤري" المتنقل بين الجزائر وفرنسا، تطور ليصل إلى قضية اختطاف الطفل أمين بدالي إبراهيم، حيث تشير التحريات الأولية إلى أن الاختطاف الذي خطط له "سعيد الميڤري" كان هدفه ابتزاز والده رجل الأعمال محمد ياريشان في المبلغ على أساس دين سابق بين الثلاثة.

..هذا، في انتظار ما ستسفر عنه جلسات الاستماع والتحقيق مع المتهم الرئيسي في قضية "سوق الريح" مولاي الصالح من حقائق جديدة ومكتومة حول نشاط هذا السوق المشبوه الذي أكدت الكثير من الملاحظات أنه كان معقلا لتبييض وغسيل الأموال، إلى جانب علاقاته بزبائنه والتعاملات المشبوهة التي كانت تحصل في "سوق" سور الغزلان، الذي حير الكثيرين منذ فتحه في الأشهر الأخيرة لسنة 2013، إلى غاية هروب واختفاء صاحبه بعد تعسره في تسديد مستحقات الزبائن والديون التي فاقت الملايير بعد أشهر فقط من النشاط والذي استقطب زبائن من مختلف الولايات ومنهم "شخصيات" وموظفون، وكذا وكلاء سيارات ورجال أعمال سيكشفهم التحقيق مع صاحب الإمبراطورية المنهارة.



ثلاثة هكتارات بسور الغزلان كشفت المستور

موثقة.. "العلبة السوداء" لإمبراطورية "سوق الريح"

علمت "الشروق" من مصدر موثوق أن الموثقة "ع" التي تعتبر العلبة السوداء لإمبراطورية الوعد الصادق المنهارة، قامت باستئناف أمر الإيداع الصادر عن قاضي التحقيق، لدى محكمة سور الغزلان لدى غرفة الإتهام لمجلس قضاء البويرة، وقضيتها ماتزال قيد التحقيق ليتم الكشف عن كيفية تورطها فى تزوير عقود لصالح الوعد الصادق.

وكانت هذه الأخيرة قد تم إيداعها منذ أكثر من أسبوعين رهن الحبس، وهذا عندما تدخلت مديرية أملاك الدولة لاسترجاع الوثائق الخاصة بقطعة أرضية، تقع وسط مدينة سور الغزلان مساحتها تقدر بـ3 هكتارات تم تسجيلها بتواطؤ العديد من الأشخاص والموظفين باسم عائلة أحد المتهمين.

وحينها قامت مديرية أملاك الدولة بإيداع شكوى لدى وكيل الجمهورية، حيث تم فتح تحقيق قضائي وتم التوصل إلى تحديد هوية المتهمين، والذين يشتغلون بالتنسيق مع مولاي صالح، وتبين خلال التحقيق القضائي أن عائلة المتهم تملك قطعة أرض مساحتها حوالي 13 هكتارا حضرية، تم إدراج 3 هكتارات تابعة للدولة بمدينة سور الغزلان بتواطؤ كل من المحافظ العقاري، حيث استخرج شريك مولاي صالح الدفتر العقاري الخاص بها لفائدة شركة الوعد الصادق التى قامت بالتصرف فيها، بموجب عقود موثقة محررة من طرف الموثقة المتهمة "ع" والمتابعة في قضايا عدة مع شركة الوعد الصادق.



طالبوا بتحويل مولاي إلى محكمة الاختصاص

ضحايا يتجمهرون أمام مقرّ "الوعد الصادق" بسور الغزلان

تجمع منتصف نهار أمس العشرات من ضحايا إمبراطورية الوعد الصادق بالقرب من المقر القديم لما كان يعرف بسوق "الريح" أو البطحة بالمخرج الجنوبي لمدينة سور الغزلان، مطالبين بضرورة تحويل المتهم الرئيسي المقبوض عليه إلى محكمة الاختصاص بالبويرة للخضوع للمحاكمة!

وجاء تجمع هؤلاء الضحايا الذين ناهز عددهم 30 شخصا كرد فعل أولي بعد انتشار خبر القبض على صالح مولاي ليلة أول أمس بالعاصمة، حيث شرعوا حسب المصدر الذي أورد الخبر في التنسيق بينهم من أجل المطالبة بتحويل المعني إلى مجلس قضاء البويرة والمثول أمامه في الجلسة المقررة يوم 26 نوفمبر القادم، كما قرروا وفق نفس المصدر تنظيم اعتصام أمام مقر المجلس القضائي في نفس اليوم من المحاكمة من أجل المضي في محاكمته بصفة سريعة على أمل استرداد حقوقهم المسلوبة، خاصة وأنه صاحب الشركة والمتصرف الوحيد فيها، وهو وحده وفقهم، من يملك أسرار مصير أموالهم.



مقربون وضحايا يتجمعون قرب بيت صالح مولاي بعد توقيفه

مقربون وضحايا تلقفوا خبر التوقيف"المفاجئ" عبر "الشروق"

أثار خبر القبض على صاحب سوق الوعد الصادق الصالح مولاي مساء أول أمس من طرف المصالح الأمنية بالعاصمة، حالة من البلبلة والترقب لدى سكان الهاشمية بصفة عامة وبين عائلته الكبيرة من جهة وزبائنه الضحايا من جهة أخرى بصفة خاصة، حيث سرعان ما انتشر الخبر كالهشيم بينهم، ليحاول كل طرف إعادة رسم صفحة جديدة وفق هذا السيناريو الجديد والمفاجئ بعد أن كاد الملف يطوى على يد مجلس قضاء البويرة الذي استأنف حكم محكمة سورالغزلان منذ ما يقارب 3 أشهر.

تنقلت "الشروق" في الصباح الباكر إلى مدينة الهاشمية ،مسقط رأس الصالح مولاي والكثير من شركائه، إضافة إلى البعض من أعمامه وأخواله، حيث بدت المدينة على طبيعتها المعتادة ولم يظهر عليها وقع الخبر المذاع ليلا سوى بعض التجمعات بالمقاهي المنتشرة طول الطريق الرئيسي للمدينة، لنحاول بعدها استقصاء الأمر من بعض أقرباء العائلة أو معارفها، حيث قيل لنا بأنه يستحيل الوصول إليهم أو التكلم معهم في ظل الحالة المضطربة التي تسودهم منذ ليلة أمس، غير أننا استطعنا عن طريق أحد مصادرنا أن نصل إلى أحد الأقرباء من العائلة الذين رفضوا التصريح بهويته أو درجة القرابة، سوى أنه تم التقاء بعض أفراد عائلة الصالح مولاي وشركائه ليلا بحي 108 مسكن وسط المدينة، حيث شوهدت أكثر من 5 سيارات بالقرب من المنزل مباشرة بعد وصول خبر القبض عليه مباشرة.



"الوعد الصادق" تحول إلى "الوعد الكاذب"

صالح.. المعلم الذي دخل السجن بسبب "الريح"!

يشهد الكثير من جيران الصالح مولاي ومعارفه سواء بالهاشمية أو سور الغزلان، حيث يتواجد مسكنه الخاص بحي بن قرطبي، بسيرته الحسنة وخلقه الرفيع وما يظهره من تدين، وهو ما أكسبه مكانة خاصة بينهم قد تكون المفتاح الذي أوصله مثلما أخبرنا أحد محدثينا إلى قلوب سكان المدينتين وكسب ثقتهم التي كانت لدى الكثيرين عمياء.

ومما استطعنا الحصول عليه حول حياة هذا الشخص الذي كان ولا يزال غامضا بتجارته وإمبراطوريته التي لم تفك خيوطها كاملة بعد، هو أنه من مواليد 02 ماي 1971 بالهاشمية، وهو بكر العائلة، ترعرع وزاول دراسته بالمدينة، أين تحصل على شهادة البكالوريا سنة 1992، حيث سجل بجامعة هواري بومدين بباب الزوار شعبة الرياضيات، غير أنه توقف عن الدراسة بعد سنة واحدة فقط، ليتوجه بعدها إلى الحياة المهنية التي بدأها بالتدريس، أين زاول مهنته الأولى كأستاذ بإحدى الإبتدائيات بالمدينة لمدة 4 سنوات، ثم انقطع مجددا عن التدريس ويتوجه إلى التجارة التي عمل فيها أولا كبائع في متجر للمواد الغذائية لمدة سنتين ثم في محل "طاكسي فون" لمدة 4 سنوات، قبل أن يكسب ثقة بعض المتعاملين التجاريين الذين سلموه تسيير 3 مخابز بالمدينة. غير أن صالح سرعان ما عاد إلى العمل الحر، أين زاول تجارة بيع السميد والفرينة بين مدينتي سور الغزلان وعين بسام، وهو المجال الذي زاد من فطنته وحنكته التي وظفها لدخول عالم بيع السيارات، وكان ذلك سنة 2013، حيث كانت أول سيارة باعها هي "رونو كليو" كان يملكها أحد جيرانه وفق اعترافات سابقة له، وذلك بالسعر الذي حدده الأخير، مقابل اقتناء سيارات أخرى وإعادة بيعها لتسديد سعر الأولى، وهو السر الذي مكنه من نشر تجارته الغامضة.



هذا آخر ما قاله "مولاي" لضحاياه:

"من يعتقد أنه سيسترجع أمواله بالعدالة.. فهو واهم!"

كانت آخر مرة تواصل فيها مولاي صالح مع ضحاياه، قبل سنة بالضبط، حين أطل عليهم من شاشة "اليوتيوب"، موجها لهم رسالة مؤداها، أنه سيعيد لهم أموالهم، وأنه سيستثني من ذلك كل من يلجأ للعدالة، وخاطبهم قائلا: "أعطيتمونا أموالكم برضاكم وسوف نعيدها لكم برضانا وبدون قوة وتهديد، ولم نطلب من أي شخص أن يقدم لنا أمواله وممتلكاته، وكل من يعتقد أن استرجاع أمواله سيكون بالقوة والعدالة فهو واهم". كما أعلن يومها بدء تسديد الديون العالقة بذمته بعد خمسة أو 10 أيام.



19أمرا بالقبض.. و30 سنة سجنا غيابيا

ينتظر أن يقوم صالح مولاي والذي أصدرت ضده الجهات القضائية 19 أمرا بالقبض عليه، بمعارضة جميع الأحكام الغيابية الصادرة ضده ويتم تحديد جلسة أمام محكمة الجنح، ليحاكم وفقا للقانون، وكانت محكمة سور الغزلان قد أصدرت ضده خلال شهر جوان عقوبة 20 سنة سجنا غيابيا، بتهمة النصب والاحتيال ضد شركة "سيما موتورز" لصاحبها طحكوت محيي الدين، كما أصدرت ضده خلال شهر جويلية الفارط نفس المحكمة عقوبة 10 سنوات حبسا غيابيا في قضية أخرى تتمثل فى تكوين جمعية أشرار والنصب والاحتيال.



وعلى صعيد آخر أكد مصدر قضائي لـ "الشروق" أن هناك قضية أرجعت للتحقيق أمام محكمة سور الغزلان، وهذا بعد إلغاء الأمرين الصادرين عن قاضي التحقيق من طرف غرفة الاتهام بمجلس قضاء البويرة. وقضت بمواصلة التحقيق وإجراء تحقيق تكميلي ومتابعة مؤسسة "الوعد الصادق"، كشخص معنوي، بغض النظر عن الأشخاص الطبيعيين ومسيرها مولاي صالح وتوجيه الاتهام إلى الأشخاص الآخرين الذين لهم ضلع فى هذه القضية، والبحث عن أموالهم للحجز عنها لتمكين من استرجاع الأموال المسلوبة.