"مارينا بالم".. شاطئ للنساء فقط
22-07-2016, 02:32 PM
بحر للنساء فقط.. هذا ليس حلما ولا وهما، إنه حقيقة تجسدت على شاطئ "مارينا بالم" ببلدية برج البحري شرق العاصمة.. شاطئ اجتمعت فيه الكنّة وحماتها وقصدته الصغيرة والكبيرة، شاطئ تقاسمته العاطلة والعاملة، المتبرجة والمتحجبة، الفقيرة والثرية، لما يتيحه لهن من حرية بعيدة عن تحديقات الرجال وتحرشاتهم التي لا يسلمن منها في بقية الشواطئ.
ولأنه شاطئ نسوي بامتياز، فكل الخدمات يسهر على تقديمها طاقم مؤنث متخصص، حيث يعمل بالكافيتيريا طالبات في الصف الثانوي والجامعي، يحضرن الشاي والقهوة ويبعن الحلويات والمقبلات، حتى الحماية المدنية تجدها نسوية بامتياز، وانتشلت عديد النساء من غرق محقق فتيات في مقتبل العمر، ارتدين زيا موحدا، يجُبن المكان ويوزعن الأدوار لراحة المصطافات.
المكان مسيّج في جميع حدوده، لكي يضمن تخفيا عن الأنظار وسترا للنساء، وخارج تلك الحدود تقوم قوارب الأمن التابعة للمركّب بدورات وجولات لإبعاد المتطفلين، لاسيما الشباب منهم ومستعملو قوارب "الجيت سكي"، الذين يحاولون التسلل والاقتراب للمعاكسة والتحرش.
زوجات المسؤولين والدبلوماسيين من أكثر الزبائن
أكّد رضا بورايو صاحب الاستثمار وهو رجل أعمال جزائري مقيم في الإمارات، أن مركبه السياحي يعرف إقبال العديد من زوجات المسؤولين والدبلوماسيين، لما يوفره لهن من حماية وأمن وسرية، مؤكدا أنّ الأصداء التي تبلغه منهن تعبر عن رضاهن وإعجابهن بالفكرة، وأكثر من هذا، يضيف محدثنا أن العديد من زوجات الدبلوماسيين والأجانب العاملين في الجزائر يقصدن المكان بحثا عن حرية أكثر، ومن بينهم ألمانيات، حيث أن إحدى الألمانيات التي أعجبت بالمكان، جلبت فيما بعد 77 امرأة أخرى عن طريقها.
وهنا يقول بورايو "أفرح جدا لما أرى نساء من مختلف ولايات الوطن الـ48 من عنابة وتلمسان وتمنراست وغيرها من الولايات حققن أمنيتهن في السباحة دون قيود أو حرج، فبعض النساء يقسمن أنهن لم ينزلن للبحر في حياتهن، وأخريات يؤكدن أنهن طلقنه منذ أكثر من 15 عاما".
ولا يتوقف الأمر هنا، حيث يضيف محدثنا "استقبلنا نساء في سن الثمانين والسبعين نزلن للبحر، وداعبت أجسادهن أمواجه، وسط موجة من الضحك والسرور والبهجة".
"مارينا بالم".. جنّة بحر أقيمت على أنقاض النفايات
من يتذكر المكان الذي انشأ فيه المركب لا يصدق أن النفايات التي كانت تعم المكان المهمل والمهجور تحولت إلى تحفة ومتعة للاستجمام، لكن هذا لم يكن سهلا، بل كان نتيجة كفاح استمر سنوات من بداية الألفينات، ولم يتحقق إلا بعد عشرية، أي منذ حوالي أربع سنوات.
يقول صاحب المشروع "نعيش تحدّيا وجهادا يوميا ضد النفايات التي يلفظها البحر.. المكان كان مهملا ومفرغة تعم فيها الفضلات، ولسنوات استمر العمل المكثف والجاد، إلى غاية تحويله إلى جنّة على الأرض".
ألف دينار للسباحة بحرّية بعيدا عن الرجال
يفتح الشاطئ أبوابه طيلة أيام الأسبوع، من الساعة العاشرة صباحا وإلى غاية السادسة مساء، ويخضع للتنظيف والتهيئة اليومية من قبل الأعوان العاملين.
ويقدّر سعر الدخول بألف دج للبالغات، و500 دج للصغار، كما يسمح للذكور الأقل من 10 سنوات بالدخول أيضا، ويقترح المسيرون تخفيضات بنسبة 50 بالمائة في حال الاشتراك.
ويتوفر المكان على كافيتيريا ومطعم وقاعة مناسبات للراغبين في إقامة نشاطات علمية أو حفلات.
وتقصد المكان بحسب مالك المركب 500 امرأة يوميا بالتقريب، وهو ما يرشحه لأن يكون الوجهة الأولى للنساء في الجزائر بامتياز في موسم الاصطياف، حتى إنّ كثيرا من الرجال بات يهدي أمه أو زوجته وحتى أخته يوما في مارينا مدفوع التكاليف، كالتفاتة منه في بعض المناسبات الخاصة.
رضا بورايو.. حرثنا البحر وزرعناه
رضا بورايو مؤسس شاطئ النساء في الجزائر ينحدر من ولاية وهران، آمن بالحلم وحوّله إلى حقيقة، يقول في حديثه للشروق خلال الزيارة التي قامت بها للمكان "لقد ساهمنا نحن الجزائريين في بناء الإمارات بأفكارنا ومجهوداتنا، فلماذا لا نقدم شيئا لبلادنا".
ويضيف "الفكرة موجودة في بعض الدول الأخرى، فلم لا نقوم بها هنا في بلادنا؟ ومن هنا انطلقت الفكرة وبدأ التخطيط لتجسيدها الفعلي، أردنا أن نحقق مكانا تجتمع فيه العجوز وكنتها، مكانا يجمع كل النساء من جميع المستويات دون فوارق أو حسابات، حيث يهدف استثمارنا لاستقطاب المرأة بجميع أشكالها وألوانها وأعراقها، وعلى رأسهن الجزائرية التي أعتبرها محرومة من مكان خاص بها، وهذا ما نعيشه في كل مرة، حيث تعبر النساء عن غبطتهن وابتهاجهن وسعادتهن، لأنه بات لهن مكان آمن ومستقل".
"مارينا بالم" حسب بورايو، أعطت توازنا للناس والتجار في المنطقة، وخلقت العديد من فرص العمل الموسمية.
وعن أصل التسمية، يقول المتحدث، اشتقت من نخلة دبي، لأن المركب مبني على شكل نخلة، يتوفر على أربعة أحواض طبيعية للسباحة ومسبح، بالإضافة إلى مساحات خضراء ومساحات أخرى للعب الأطفال.
ما أصعب دموع الرجال عند الانتصار
صعب جدا أن تواجهك دموع الرجال في لحظة الانتصار، دموع انهمرت من عيني بورايو رضا، بمجرّد العودة بذاكرته للوراء، وهو يستحضر المتاعب والمصاعب التي واجهته، لكنها - كما يقول- دموع انتصار وليست دموع انهزام، ويضيف "انتصرنا في وقت صعب، في ظرف كانت الناس تهرب من الجزائر، نحن قدمنا، فآباؤنا الذين قاموا بالثورة لطرد الاحتلال نحن نواصل مسيرتهم لربح معركة البناء والتشييد والتنمية".
ويستطرد "الفكرة العامة لم تكتمل، وأنا بحاجة لمساعدة ومساندة، في البداية كان معي إماراتيون يرغبون في الاستثمار وتوسيعه إلى "مارينا بالم" في كل ولاية، لكن سياسة تهريب الاستثمار المنتهجة في بلادنا نفّرت هؤلاء".