اللوبي* الفراكوفوني* يكبح المشاريع العربية في* الجزائر
24-06-2015, 11:54 PM
أعدّ الملف: محمد مسلم / عبد الحميد عثماني / إيمان كيموش حسان حويشة
فجر هروب الاستثمارات الأجنبية الكبرى من الجزائر والتحاقها بدول أقل إمكانيات من الجزائر،* جملة من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي* تقف وراء هذه الظاهرة،* وبينما* يلقي* مطلعون المسؤولية على مناخ الاستثمار* غير الملائم ويرمون الكرة في* مرمى الحكومة بسبب ضعف قدراتها التفاوضية،* يؤكد البعض الآخر أن الجدل حول هذه القضية أخذ أبعادا أكثر من حجمه*. فأين الحقيقة بين هذا وذاك؟ وما حقيقة ما* يثار عن نفوذ اللوبي* الفرنسي* في* الجزائر ووقوفه في* وجه الاستثمارات العربية*.. هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها الملف السياسي* لهذا الخميس*.
الاستثمار الفرنسي* في* الجزائر
الزُّبْدة مقابل الزَّبَد*!
أعاد نفور الاستثمار الغربي* والفرنسي* على وجه الخصوص،* من الجزائر،* إشكالية التوازن في* العلاقة بين الدبلوماسية والاقتصاد في* السياسة الخارجية للجزائر*.. هذه القضية التي* كانت من بين الأولويات في* ورشات إصلاح الدولة في* عهد الرئيس بوتفليقة،* باتت اليوم على المحك*.
وجاء إعلان عملاق السيارات الفرنسي* "بيجو*" وقبله الصانع الآخر* "رونو*" عن إقامة مصنعين لكل منهما على التراب المغربي،* ليفجر جملة من التساؤلات حول جدية ما* يشاع عن* "حميمية*" العلاقات الجزائرية الفرنسية،* والتي* بلغت برأي* المتتبعين أعلى مستوياتها في* عهد الرئيس الحالي،* الاشتراكي،* فرانسوا هولاند*.
لو أعلن عن إقامة مصنعي* "طنجة*" و"القنيطرة*" في* عهد الرئيس الفرنسي* السابق،* اليميني* نيكولا ساركوزي،* لمر الأمر بسلاسة وتم ابتلاعه بسهولة،* بحكم العلاقة المتوترة دوما بين الجزائر وهذا التيار،* أما أن* يعلن عن المصنعين في* عهد الرئيس الحالي،* فرانسوا هولاند،* الذي* يوصف من قبل الكثير من المتابعين بأنه* "صديق الجزائر*"،* فهذا ما* يصعب هضمه*.
ويعتبر الاستثمار الفرنسي* في* صناعة السيارات بمثابة البوصلة الحقيقية للعلاقات الاقتصادية بين الجزائر وفرنسا،* لأن فيه الكثير من السياسة ومن الاقتصاد طبعا،* والكثير أيضا من الاستفزاز للطرف الجزائري* بحكم خصوصية العلاقة التي* تربطه بالمخزن*.
هناك استثمارات فرنسية في* العديد من القطاعات الاقتصادية بالجزائر،* في* الطاقة عبر* "توتال*"،* البنى التحتية من خلال* "ألستوم*" التي* عادت للحياة بفضل المشاريع الجزائرية،* والإسمنت ممثلة في* العملاق* "لافارج*"،* والزجاج عبر* "سان* غوبان*".. هي* استثمارات فيها من الأهمية بالتأكيد،* لكنها لا ترقى لمستوى ما أصبح* يعرف بقضيتي* "بيجو*" و"رونو*"،* اللتان باتا بمثابة كرتي* ثلج،* تنذران بعودة العلاقات الثنائية إلى مرحلة الإضطراب التي* عمرت لسنوات طويلة*.
قد* يكون الأمر مستساغا لو تعلق الأمر بقطاع ثانوي* في* السوق الوطنية كالزجاج مثلا،* أما أن* ينقل شريك استثماراته لبلد منافس،* ومنتجاته تسيطر بالطول والعرض على سوق السيارات في* البلاد،* فهذا* يشكل قمة الاحتقار،* ليس فقط لحكومة وإنما لشعب بأكمله،* أم أعلن عن مشاريع من هذا القبيل،* فالأمر لا* يتعدى مجرد استرضاء،* لا* غير*.
الحكومة وبحكم هذه المعطيات،* باتت أمام حرج كبير ليس فقط أمام المعارضة،* وإنما أمام عموم الجزائريين،* بسبب الخطاب الذي* دأبت السلطة على تسويقه في* السنوات الأخيرة،* كلما أشكل الأمر بين البلدين بخصوص الماضي* الاستعماري،* والذي* كانت دائما تتحمل الجزائر ثقله* (إجهاض مشروع قانون تجريم الاستعمار*)،* بداعي* النظر للأمام وعدم رهن العلاقات مع شريك* يملك مقومات النهوض،* بقضية أصبحت من التاريخ*!
*
وصفه أويحيى بأنه تصاميم ومجسمات وأرقام في* الهواء
الاستثمار العربي* في* الجزائر*.. ظالم أم مظلوم؟
حينما وصل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم عام* 1999،* أعلن الحرب على مافيا الاحتكار والاستيراد،* ليتوجّه نحو فسح المجال أمام الاستثمار الأجنبي،* ولأنّ* الدول الغربية كانت تحاصر الجزائر على خلفية العشرية الحمراء،* فلم* يجد الرئيس حينها سوى الانفتاح على المال العربي* ـ الخليجي،* مستثمرًا في* ذلك علاقاته القوية مع أمراء وملوك العرب ورجال أعمالهم،* ومع تحسّن الوضع الأمني* مطلع الألفية الثالثة،* وتحقيق الجزائر لطفرة مالية بفعل العائدات النفطية،* صارت بلادنا* قبلةً* لكبرى الشركات العربية،* من مصر،* الإمارات،* السعودية،* قطر،* الكويت،* حيث هرولت لتقديم عروضها الاستثمارية في* مجالات الصناعة والسياحة والبناء*.
إرادة الرئيس بوتفليقة كانت برأي* المراقبين جادّة وقويّة،* في* تمكين العرب من التوطين في* الجزائر،* لحسابات براغماتية،* وربّما لقناعات مبدئية أيضا،* ففتح مكتب متابعة مباشر للاستثمار العربي،* وفضّل* "أوراسكوم*" للاتصالات على المتعامل الفرنسي* في* 2001،* ثمّ* تعهد لباقي* المستثمرين بضمان كلّ* التسهيلات الإدارية والإجرائية لتجسيد مشاريعهم،* وأشهرهم* "إعمار*" الإماراتية،* و"جراند*" الكويتية،* و"سناسكو*" السعودية*.
وبمقتضى ذلك،* ظهرت مشاريع عربية طموحة مثل*: القرية السياحية الضخمة ببلدية عين طاية،* بتكلفة بلغت حوالي* 7،1* مليار دولار،* و خليج الجزائر،* والواجهة البحرية،* ومدينة سيدي* عبد الله،* وحظيرة الرياح الكبرى،* والمركب السياحي* "موريتي*"،* ومصنعًا لإنتاج زيت المائدة بمدينة وهران لمجموعة صافولا*...
لكن تجري* رياح الواقع بما لا تشتهيه إرادة الرئيس،* فتتبخّر أحلام العرب والجزائريين،* بفشل معظم تلك المشاريع المعلنة،* وانسحاب المتعاملين تباعًا من الميدان،* لترسو اليوم نتائج الاستثمار العربي* في* الجزائر،* على بضع مليارات من الدولارات،* في* بلد بحجم قارة،* يملك كل مؤهلات الإقلاع الاقتصادي،* لكنه مازال مكبّل الأطراف*!
تضاربت التفسيرات لعزوف العرب عن الاستقرار في* الجزائر،* بين حديث عن مناخ* غير مشجع،* وعراقيل بيروقراطية،* وعوائق إداريّة،* وعقبات تشريعية،* وذهب آخرون إلى تحميل المستثمرين العرب مسؤولية الإخفاق،* بفعل الأزمة المالية العالمية،* لكن الواقع* يثبت أن تلك الشركات أنقذت نفسها من الانهيار،* وواصلت نجاحها في* بلدان أخرى دون أيّ* آثار سلبية*.
في* 2009،* سئل الوزير الأول وقتها أحمد أويحيى عن أسباب التعثر الذي* يواجهه العرب في* الجزائر،* فعلّق قائلا*: إنّ* عروضهم كانت مجرّد تصاميم ومجسمات وأرقام في* الهواء*!
غير أنّ* الحقيقة التي* يؤكدها العارفون بشؤون الإدارة وصناعة القرار في* الجزائر،* هو أن الاقتصاد في* بلد* ينتمي* لمحور التخلّف،* لا* ينفك عن السياسة والأيديولوجيات،* وفي* هذه الحالة،* فقد دفع العرب ثمن الغضب الفرنسي* والضغوطات الأوروبية على السلطة الجزائرية*.
ربّما تتعاضد كل هذه التحليلات،* في* فهم ما جرى لشركات رائدة في* العالم،* لكنها* غادرت الجزائر بخفّي* حنين،* إلاّ* البعض ممّن شكّل استثناء* يحفظ ولا* يقاس عليه،* لتبقى الجزائر،* هي* الخاسر الأكبر من تضييع الفرص،* في* سياق* يؤشر على تدشينها لأزمة مالية جديدة،* قد تعصف بمكتسباتها الاجتماعية،* فهي* اليوم خائبة الأمل من الشراكة الأوروبية التي* أثقلت كاهلها دون مقابل،* وشبه* يائسة من عودة العرب،* بينما هوت أسعار النفط في* وقت حرج،* فأيّ* مصير* ينتظرها،* وهل تملك السلطة حلولاً* إبداعية لإسعاف نفسها،* وحماية البلاد والعباد من أخطائها العبثية؟*
قال إن العرب لا* يستثمرون إلا في* البازارات*.. الخبير الاقتصادي* كمال ديب*:
المغرب محظية فرنسا*..* وجزائريون عبيد لدى باريس
كيف تقيمون واقع الاستثمارات الأجنبية في* الجزائر؟
واقع الاستثمار في* الجزائر* يميزه مناخ الأعمال* غير المحفز والوتيرة المتذبذبة لتدفق المشاريع الأجنبية،* وغموض وعدم استقرار القوانين المنظمة للاستثمار،* فاليوم تعلن الحكومة عن قاعدة استثمارية لتتراجع عنها في* الغد،* وهو ما دفع بالعديد من الشركات الأجنبية إلى مقاضاة الجزائر،* ومنها ما قرر عدم العودة،* ويضاف إلى ذلك الفساد المنتشر في* الإدارة والرشاوى والبطء في* استصدار الرخص وانعدام الكفاءة في* تحرير العقود وبيروقراطية البنوك،* هي* عراقيل تجعل من الاستثمارات الأجنبية في* الجزائر تحتضر*.
تشهد العلاقات السياسية مع فرنسا تقدما نوعيا،* لكن على المستوى الاقتصادي* يبدو الأمر معاكسا،* لماذا؟
هذا راجع بالدرجة الأولى إلى* غياب مناخ استثماري* محفز وانعدام القوانين المشجعة،* ففرنسا دائما تبحث عن الربح قبل كل شيء،* وتختار الوجهة التي* ترى أنها تقدم ضمانات أكبر لاستثماراتها،* وهو الشيء الذي* لم تعد تلقاه في* الجزائر،* ولا علاقة للملف بالوعود السياسية،* هي* أمور تحسب بالمصالح،* وفرنسا باتت ترى أن المغرب أكثر احتضانا لاستثماراتها من الجزائر*.
خسرت الجزائر معركة استثمارية مؤخرا بإعلان* "بيجو*" إقامة مصنع لها بالمغرب*.. ماذا تقولون؟
الاستثمار في* المغرب قرار شخصي* لا* يتخذه إلا الملك،* خلافا للجزائر التي* تناقش هذه الملفات في* اجتماعات حكومية ومجالس وزارية*.. وهو ما* يعطل ربما المشروع في* الجزائر ويعجّل به في* المغرب،* وبالرغم من أن المؤسسات المغربية ليست بعيدة عن الفساد مقارنة مع الجزائر،* ففرنسا تفضلها بالنظر إلى أن المغاربة لديهم قابلية أكبر لاحتضان الوجود الفرنسي* الاقتصادي* بعيدا عن القواعد الاستثمارية وملفات الماضي* الاستعماري،* والدليل رؤساء فرنسا الذين* يقضون عطلهم بالمغرب*.
هناك من* يقول إن زيارة هولاند الأخيرة جاءت بهدف التقليل من* غضب السلطات الجزائرية على هروب* "بيجو*" نحو المغرب،* مثلما كان الشأن مع* "رونو*" سابقا*.. هل تشاطرون هذا القول؟
لا أبدا،* والدليل على ذلك برنامج هولاند المنشور فور عودته على الموقع الإلكتروني* لـ"الإيليزي*" والذي* تضمن لقاء مع وزير الدفاع الفرنسي،* وهو ما* يوحي* بأن سبب زيارته للجزائر قد* يكون حول ملف الحراڤة ومراكز الإيواء أو* "داعش*" وليس لهدف اقتصادي* بارز،* ولا ننسى أن الرئيس الفرنسي* جاء بدعوة من نظيره بوتفليقة،* وأود أن أوضح أن بيجو بالنسبة لهولاند ليست سوناطراك بالنسبة للجزائر*.
هنالك من* يقول إن فرنسا وبفضل نفوذها في* الجزائر تضع العراقيل أمام الاستثمارات العربية،* ما تعليقكم؟
أعتقد أن فرنسا ليست من* يضع العراقيل،* وإنما اللوبي* "الفرونكوفوني*" في* الجزائر،* فمن بين* 680* وزير تداولوا على الحكومات الجزائرية منذ الاستقلال،* أزيد من* 400* وزير سابق* يقيمون حاليا في* فرنسا،* هؤلاء هم من* يخدمون وجود فرنسا في* السوق الجزائرية،* وهنا لا أخفيكم سرا أني* لست من المتحفزين للاستثمارات العربية،* فهي* لا تستثمر إلا في* المساحات الكبرى والبازارات والفنادق،* ولا تجلب شيئا لقطاع الصناعة*.
وزير التجارة الأسبق الهاشمي* جعبوب
اللوبي* الفرنسي* حقيقة وهو مصدر مشاكل الاستثمار العربي
هل تعتقدون بوجود صراع بين الاستثمار العربي* والغربي* والفرنسي* خصوصا في* الجزائر؟
هو ليس صراعا فقط،* بل هناك امتيازات استثنائية كبيرة تمنح للأوروبيين والفرنسيين وسلعهم في* إطار اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي* والإعفاءات الجمركية،* وهذا رغم وجود اتفاق وقعه رئيس الجمهورية للانضمام للسوق العربية المشتركة،* لكنها أفرغت من محتواها*.
أما ما تعلق بالاستثمارات،* فالمناخ الاستثماري* في* الجزائر ما زال دون المستوى،* وزيادة على هذا،* فهذه الاتفاقيات الاستثنائية تجعل السلطة تقدم تنازلات وامتيازات استثنائية جبائية وجمركية وبنكية لدول دون* غيرها،* وإقامة مصنع في* دولة ما قرار اقتصادي،* لكن عندنا صار* يتم بقرار سياسي* والجميع* يتدخل وتمنح الامتيازات بالمجان*.
المشاريع الاستثمارية العربية فشلت كلها تقريبا*.. من* يتحمل المسؤولية؟
المشكل الأول هو الإدارة التي* في* الأصل وجدت من أجل المرافقة والتشجيع على الاستثمار،* لكنها عندنا تحولت إلى أداة بيروقراطية خانقة،* ولو نقرر تسيير الأمور لسنة واحدة من دون هذه الإدارة لسارت أحسن بـ* 100* مرة،* فضلا عن العقار الصناعي* الذي* صار عقبة حقيقية،* والضبابية وعدم استقرار قوانين الاستثمار*.
وأعتقد أن تعدد مراكز القرار في* الجزائر ساهم هو الآخر،* فالكل مسؤول والكل* يتدخل ولديه حق الفيتو وكل المديريات في* الولاية تقريبا تتدخل عدا مصالح الشؤون الدينية،* والأولى أن تمنح الامتيازات للدول العربية وليس الأوروبية*.
هناك من* يتهم فرنسا بوضع العراقيل أمام الاستثمارات العربية لكنها لا تأتي* بالاستثمارات الثقيلة إلى الجزائر*.. ما قولكم؟
فرنسا ما زالت تعاملنا بمنطق المالك للجزائر،* وتعتبر السوق الوطني* الجزائري* ملكا لها،* وأتذكر قبل عامين عندما صرح وزير التجارة الفرنسي* من أرض الجزائر،* أن باريس منشغلة لتعاظم التواجد الصيني* في* الجزائر*.
أما الاستثمارات،* فأنا ضد الشوشرة الحالية القائمة في* الجزائر والمغرب بخصوص الاستثمار الفرنسي،* لأن باريس تعاملنا معاملة الضرائر وتبتز هذا بهذا،* وأتساءل لماذا هذا الانشغال عندما* يتعلق الأمر بالجزائر والمغرب ولا* يحدث شيء عندما* يكون الاستثمار الفرنسي* في* السنغال مثلا،* وعليه* يجب عدم الوقوع في* هذا الفخ*.
هل تعتقد بوجود لوبي* فرانكوفيلي* في* الجزائر* يعرقل الاستثمار العربي؟
نعم،* هو لوبي* فرانكفوني* فرنسي* أوروبي،* يدافع عن مصالح فرنسا والأوروبيين في* الجزائر،* والمشكل* يكمن فينا نحن لأننا لا ندافع عن مصالحنا ونمنح الامتيازات بالمجان على* غرار اتفاق الشراكة الذي* يكبدنا سنويا قرابة* 3* ملايير دولار من الحقوق الجمركية،* وبالمقابل لا استثمارات أوروبية جاءت إلى الجزائر*.
إذن،* فاللوبي* هذا موجود وبقوة وهو مدعوم من أعوانه في* الداخل للدفاع عن مصالح فرنسا والغرب،* وهو ضد الوجود العربي* والاستثمار العربي* في* الجزائر*.