لَيْسَ لَنَا في الإسْلامِ شيخٌ لَهُ يُسَلَّمُ لَهُ حالُهُ ! بقلم : الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله
15-01-2013, 07:58 AM
لَيْسَ لَنَا في الإسْلامِ شيخٌ لَهُ يُسَلَّمُ لَهُ حالُهُ ! أوْ الكتابُ والسُّنَّة حُجَةٌ على كلٌّ أَحَدٍ
بقلم : الشَّيخ السَّلفي خادم العلم : سمير سمراد – حفظه الله

مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ



بسم الله الرحمن الرحيم


وموقفٌ آخر للإمام في مجلس ابن عليوة – شيخ الطريقة العلوية – في زمان الهدنة والمسالمة – أراد أن ينتزع – على الأقل – من هؤلاء الإقرار والتسليم بأن الشيوخ لا يُسَلَّمُ لَهُمْ حَالُهُمْ ، وأنهم يُنْتَقدون إذا أخطئوا ، ويُقَوَّمُون إذا انحرفُوا !! يقول :
" إنما المهم هو أن جميع علماء الإسلام من المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين وشيوخ الزهد المتقدمين – تتسع صدورهم لأن يؤخذَ من كلامهم ويرد إلا العامة المنتمين إلى التصوف ، فإنهم يأبون كل الإباء أن يسمعوا كلمة نقد أو رد في أحد الشيوخ ، مع لأن غير المعصوم معرض للخطأ دائمًا في أقواله وأفعاله ، فكأنهم بهذا يعتقدون فيهم العصمة ، وقد سئل إمام الطائفة الجُنَيْد : أو يزني الولي ؟ فأطرق ، ثم قال ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً [الأحزاب:38] ، فهذا يدلنا على ما كان عليه الشيوخ الزهد من تعليم الناس بأنهم غير معصومين ، دفعًا لغلوِّ الغالين ، وعلى أن فكرة العصمة أو ما يقرب منها موجودة في الأذهان ، وهي مثار مثل هذا السؤال ، فلو أن إخواننا المنتمين للتصوف قبلوا أن يوزن كلام الشيوخ بميزان الكتاب والسنة مثل غيرهم من علماء الإسلام ، ورضوا بالرجوع الحقيقي لقوله تعالى : ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59] – لبطل الخلاف أو قل - .... " (1)
فهذه عقبة كئود ، لو يتمكن المصلحون من اجتثاتها ! ، كما أراد ابن باديس أن ينتزع منهم وجوب معاملة شيوخ الطرق مثل معاملة العلماء الآخرين (2) ، ووجوب قبول الرجوع إلى الكتاب والسنة ، وعرض كلام الشيوخ على هذا الميزان لا غير ، الكتاب والسنة ، ومعلوم أن أهل الطرق المنسبين للتصوف ، يستدلون على أقوالهم وأعمالهم وأحوالهم الباطلة بالكشف وادعاء خرق الحجب ، والاطلاع على ما وراء الحس ، وبالمنام والذوق والوجد الخ ، فذلك إذا اعترض عليهم معترضٌ من مريديهم حكموا عليه بالشقاء والخسران والهلاك ! ، ومن عباراتهم : "من اعترض انطرد" ، ومن خزعبلات أرباب الطرق ، أنك حكمت بالشرع أو العقل "وهو العلم الظاهر" على شيءٍ ما بأنه باطل ، وهو في ذوق شيخك ، أو منامه "العلم الباطن" حقٌ ، فتعرض نفسك للطرد من حظيرته !!، فإن أقَرُّوا أنْ لا ميزان ولا حكم إلا الكتاب والسنة ، لم يكن لهم سبيلٌ للإستدلال بغيرهما
وقد ناقش الإمام ابن باديس مفتريات الطريقة التجانية سنة 1938م ، فممَّا قاله : " قد بعث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم معلما كام صحَّ عنه ، وعاش معلما إلى آخر لحظة من حياته ، فتوفاه الله تعالى نبيًّا ورسولاً ، ونقله للرفيق الأعلى ، وقد أدى الرسالة ، وبلغ الأمانة ، وانقطع الوحي ، وانتهى التبليغ والتعليم ، وترك فينا ما إن تمسكنا به لن نضل أبدًا وهو كتاب الله وسنته ، كما صحَّ عنه ، هذا كله مجمعٌ عليه عند المسلمين ، وقطعيٌ في الدين ، فمن زعم أن محمدًا مات وقد بقي شيء لم يعلمه للناس في حياته فقد أعظم على الله الفرية ، وقدح في تبليغ الرسالة وذلك كفر ... فإن زعم أنه عَلَّمَهُ إيَّاهَا في المنام فالإجماع على أنه لا يؤخذ شيءٌ من الدين في المنام مع ما فيه من الكتم وعدم التبليغ المتقدم " (3)

الحواشي :
(1) : "الشهاب" ، رجب 1350هــ ، نوفمبر 1931م / "الآثار" (4/248)
(2) : يقول الإمام الإبراهيمي ، وهو يتحدث عن حالة الوطن الجزائري ، وتغلغل الاستعمار الروحي الداخلي في هذه الأمة – يعني : سلطان الطرقية – ممّا تصعبُ معه مهمَّةُ المصلحين : (ونحن نعلم قوّته والتفاف 70 بالمائة من الأمة على الأقل حوله ، ومعه الحول والطول ، فالأموال وفيرة ، والجاه عريض ، والحكومة تقارضه تأييدًا بتأييد ، وذلك العدد العديد من الأمة يسبّح بحمده ، ويعتقد أن تلك الطرق كلها طريق إلى الجنّة ، وأن تلك البدع والضلالات هي الدين ، بل هي صميم الدين ، وأن كلمة نقدٍ في أولئك المشايخ ولو عصوا الله ، وفعلوا المنكرات قد تؤدي بصاحبها إلى الكفر ، والخسار الدنيوي والأخروي وحلول النقم السماوية .... ) الخ ، انظر "آثار الإمام الإبراهيمي" (5/143) .
(3) : "الآثار" (3/316) .