السيد الكمبيادور .. البطل الزائف الذي تلاعب بملوك الطوائف
01-09-2019, 12:35 PM


من الكمبيادور أو «السيد El cid»؟

يحتفي الإسبان بـ «السيد الكمبيادور El cid» الذي يعتبرونه بطلًا وفارسًا من أعظم فرسان إسبانيا، أُنتجت عن بطولاته العديد من الأفلام السنيمائيَّة، وألَّف الإسبان الأغاني والأناشيد والقصائد الشعريَّة التي تُمجِّد بطولات السيد El cid الذي نُسجت حوله القصص الموغلة في المدح الثناء على شجاعته، هذه القصص والقصائد جعلته مثالًا رائعًا للفارس الشجاع..

فهل كان السيد El cid يستحقُّ كلَّ هذا؟ أم كان مجرَّد مرتزقٍ يخدم من يدفع له؟ هل كان بطلًا حقيقيًّا أم بطلًا من ورق؟!

دعونا نسرد قصَّته كما جاءت في الروايات العربية وكتب المستشرقين.

السيد El Cid أو الكمبيادور El Campeador ذكره المقرِّي في نفح الطيب بـ"القنبيطور"، ويُسمِّيه ابن بسَّام "رذريق الكنبيطور" وهو أدقُّ تعبيرٍ للاسم القشتالي "رودريجو الكمبيادور".

هو فارس قشتالي اسمه الأصلي «رودريجو» أو «روي دياث دي بيبار»، أمَّا تلقُّبه بالسيد فهو تحريفٌ لكلمة السيِّد العربيَّة التي أطلقها عليه المسلمون الذين خدم بينهم وحارب معهم، أمَّا وصفه بالكمبيادور فمعناها "المحارب الباسل"، أو "البطل"، أو "المبارز المتحدي".

وُلِد في مدينة "برغش" في سنة 1043م تقريبًا، وكان والده "لايان كالفو" قاضي قشتالة في عهد الملك "فرويلا الثاني"، كان أوَّل ورودٍ لاسمه في التاريخ سنة 1064م؛ حينما فاز بلقب "المبارز" لانتصاره في مبارزةٍ على أحد فرسان نافار، وعُيِّن إثر ذلك قائدًا لجنود قشتالة، وكان وقتئذٍ فوق العشرين بقليل.

الكمبيادور .. «الأكل على كل الموائد»

عقب وفاة فرناندو الأول ملك قشتالة وليون في أواخر سنة 1065م ونشوب الخلاف بين أولاده، انضمَّ السيد El Cid يومئذٍ إلى ولده سانشو "شانجه"، وساعده في قهر أخيه ألفونسو بمفاجأةٍ فيها كثيرٌ من معاني الغدر والخيانة على حدِّ وصف المستشرق البريطاني ستانلي لين بول.

ولبث السيد El Cid يُحارب إلى جانب سانشو ملك قشتالة حتى قُتِل هذا الملك أمام أسوار سمُّورة في عام 1072م، فانتقل إلى خدمة أخيه ألفونسو السادس الذي كان السيد El Cid سببًا في نفيه بعد انتصار سانشو عليه، وقد أحسن ألفونسو السادس أوَّل الأمر لقاء السيد El Cid في قصره وزوَّجه ابنة عمِّه.

وكان السيد El Cid رسول ألفونسو السادس إلى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية في سنة 1079م لطلب الجزية، واشترك السيد El Cid يومئذٍ مع قوَّات ابن عبَّاد في معركةٍ وقعت بينه وبين الأمير عبد الله صاحب غرناطة، وقد كان يُغير على أراضي غرناطة مع سَرِيَّة من الفرسان النصارى، فهزم عبد الله وسُرَّ المعتمد بن عباد لذلك وأدَّى الجزية المطلوبة مع طائفةٍ كبيرةٍ من التحف والهدايا برسم ملك قشتالة.

ولكنَّ ألفونسو لم ينسَ للسيد El Cidقط وقوفه ضدَّه إلى جانب أخيه سانشو، بالإضافة إلى الدسائس التي كانت تُحاك ضدَّ السيد El Cid، حتى قيل إنَّه احتجز لنفسه الهدايا والتحف التي تلقَّاها من المعتمد برسم مليكه، فنفاه ألفونسو من مملكته سنة 1081م ومنحه ستَّة أيَّامٍ لمغادرة البلاد، فخرج وخرج معه طائفةٌ من أصحابه، وقال لهم: «أيُّها الأصدقاء، إنَّنا سنعود بمشيئة الربِّ إلى قشتالة متوَّجين بالشرف، فائزين بالغنائم الكثيرة».

الكمبيادور .. الفارس المرتزقة

وبدأ في تأجير نفسه تارةً إلى الأمراء المسلمين، وتارةً إلى الأمراء النصارى، ويندسُّ إلى كلِّ ثورةٍ تنشب أو حربٍ تضطرم هنا أو هناك، ويطلب الغنائم والسلطان حيثما استطاع وبأيِّ وسيلة.

عرض السيد El Cid نفسه على أمير سرقسطة أحمد بن سليمان بن هود الملقب بالمقتدر، وكان أقوى ملوك المسلمين في الشمال، فرحَّب به وبرجاله وضمَّهم إلى جيشه، وكان المقتدر قد استعان على محاربة أخيه المظفَّر صاحب "لاردة" بجنودٍ من البشكنس والقطلان حتى هزمه وأسره، فكان المظفَّر أسيرًا وقت أن حلَّ السيد El Cid ببلاط المقتدر الذي تُوفِّي إثر عضة كلب في 1081م، وذلك بعد أن قسَّم مملكته بين ولديه، فخصَّ ولده المؤتمن بـ"سرقسطة" وأعمالها، وأخاه المنذر بـ"دانية" و"طرطوشة" و"لاردة".

ثم وقعت حربٌ بين الأخوين، فاستعان المنذر بـ "سانشو" ملك أراغون، و"رامون" كونت برشلونة، وقد حارب السيد El Cid إلى جانب المؤتمن، وانتهى الأمر بهزيمة المنذر.

وعاد السيد El Cid إلى سرقسطة ظافرًا، فاحتفى به أهلها أيَّما احتفاء، وبالغ المؤتمن في إكرامه؛ فقد كان يعتزُّ بصداقة السيد El Cid ومحالفته، ويُعلي من شأنه، ويأخذ بنصحه في معظم الأمور، ولا يرى في ذلك غضاضةً ولا انحرافًا، وكان المنذر من جهةٍ أخرى يستعين في حربه مع أخيه بالأمراء القطلان (نسبةً إلى إقليم "كتالونيا")، وصاحب برشلونة رامون برنجير، وملك أراغون سانشو أرميرو.

ثم يُتوفَّى المؤتمن في سنة 1085م ويخلفه على سرقسطة ولده المستعين، الذي أبقى -أيضًا- على وجود السيد El Cid في خدمته.

الكمبيادور وملوك الطوائف .. خائن يستعين بخائن!

يصف ابن بسام ما فعله بنو هود مع السيد El Cid فيقول:
«وكان بنو هود قديمًا هم الذين أخرجوه من الخمول، مستظهرين به على بغيهم الطويل، فسلَّطوه على أقطار الجزيرة، يضع قدمه على صفحات أنجادها، ويركز عمله في أفلاذ أكبادها، حتى غلظ أمره وعم أقاصيها ودانيها شرُّه».

ويخرج المنذر ملك لاردة عمُّ المستعين بجيوشه طمعًا في بلنسية ويُحاصرها، ويستغيث القادر بن ذي النون صاحب بلنسية فيطلب العون من ملك سرقسطة المستعين، فيخرج له ومعه السيد القنبيطور لا لإنجاد بلنسية؛ بل ليأخذها لنفسه على أن يُعطي الأموال للسيد El Cid.

فخرج المستعين بقوَّةٍ لا تعدو أربعمائة فارس، أمَّا السيد El Cid فكان يضمُّ ثلاثة آلاف فارس، وكان غاية المستعين أن يحكمها وتكون للقنبيطور أموال بلنسية وسهولها، وعندما سمع المنذر بمجيئ المستعين إلى بلنسية رحل عنها.

أمَّا القادر صاحب بلنسية فقد بعث سرًّا إلى السيد El Cid عندما اقترب من بلنسية يرجوه عقد المودَّة والتحالف بينهما سرًّا دون علم المستعين، وبعث له الأموال والتحف الجليلة.

في الوقت الذي صرَّح فيه المستعين للسيد القنبيطور أنَّ غايته هي أخذ المدينة وليس إنجادها، فماطل السيد El Cid في مهاجمة المدينة بحجَّة أنَّ القادر مستظلٌّ بحماية ألفونسو، وأنَّ أيَّ محاولةٍ لافتتاحها ستُعتبر اعتداءً على حقوق الملك ألفونسو.

فماذا فعل السيد القنبيطور في هذا الموقف؟!


لقد أقنع المستعين أنَّه معه، وأنَّه جادٌّ في أخذ مدينة بلنسية لصالح المستعين، وفي الوقت نفسه طمأن القادر أنَّه لن يهجم على المدينة، وأرسل سرًّا إلى خصمه المنذر بن هود يعقد معه اتِّفاقًا بالصداقة والتحالف، وأخيرًا بعث السيد El Cid إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة يُؤكِّد له أنَّه فيما يعمله ويغنمه إنَّما هو تابعٌ له، وأنَّ أولئك الفرسان الذين يقودهم في أراضي المسلمين دون أيِّ نفقةٍ من الملك إنَّما هم تحت تصرُّف الملك يُنزلون ضرباتهم بالكفرة!!

فأذن له ألفونسو أن يجول بفرسانه حيث شاء في أراضي المسلمين، فسار السيد El Cid إلى قشتالة وعقد مع ألفونسو اتِّفاقًا استطاع من خلاله أن يحصل على موافقته بأنَّ كلَّ الأراضي والحصون التي يستطيع السيد El Cid أن ينتزعها من المسلمين تغدو مُلكًا خاصًّا له ثم لأولاده وبناته وسائر عَقِبِه من بعده ميراثًا شرعيًّا.

خنوع ملوك الطوائف وضعفهم يصنع قوة الكمبيادور الزائفة

وفي سنة 1089م يعود السيد القنبيطور من قشتالة ومعه سبعة آلاف مقاتل وينزل بجيشه في أراضي السهلة التابعة لابن رزين صاحب شنتمرية الشرق، فيخرج إليه ابن رزين ويتعهَّد من جديد بأداء الجزية لملك قشتالة التي كان يُؤدِّيها قبل موقعة الزلاقة.

وخرج السيد El Cid يعيث في شرق الأندلس نهبًا وسلبًا حتى وصل بلنسية، وفي الحال بعث إليه القادر بالأموال والتحف، وأبلغه أنَّه يضع نفسه تحت حمايته، فطلب منه السيد El Cid أن يدفع له كلَّ أسبوعٍ ألف دينار، وتُقدَّر الأموال التي دفعها القادر صاحب بلنسية للسيد El Cid مقابل حمايته حوالي مائة ألف دينار في العام.

وأخضع السيد El Cid من الأمارات الأندلسية بالإضافة إلى بلنسية؛ (مدينة مربيطر، وألبونت، وشنتمرية الشرق)، وفرض عليها جميعًا الإتاوات.

وشرع السيد El Cid يقود جيوشه إلى الممالك المجاورة؛ فحارب دانية وشاطبة، ولم يدع حجرًا على حجر من أريولة إلى شاطبة، وكان يبيع غنائمه وأسراه من المسلمين في مدينة بلنسية.

وعندما شعر المستعين بن هود ملك سرقسطة بأنَّ المرابطين أصبحوا على مقربةٍ منه استغاث بالسيد El Cid مرَّةً أخرى وعقد معه صلحًا وحلفًا جديدًا، ولبث السيد El Cid حينًا في سرقسطة يُنظِّم شئونها وخططها الدفاعيَّة.

وشعر ألفونسو بالغيرة من القنبيطور وأزعجه نفوذه البالغ فقرَّر أن يستولي على بلنسية، فعقد حلفًا مع إمارتي جنوة وبيزة في إيطاليا لكي يُعاونانه بأساطيلهما من البحر على أخذها، ووصل إلى بلنسية، ولمـَّا علم السيد El Cid بهذا بعث إلى ألفونسو يُعرِب له عن دهشته واستنكاره، ويُنذره بأنَّه لن يصبر على تلك الإهانة وسينتقم لها.

ثم خرج السيد El Cid وعاث في أحواز قشتالة واجتاح منطقة شاسعة وأمعن فيها قتلًا وتخريبًا، وسار إلى قلهرة ولوجرنيو وضرب الأراضي التابعة لرجال البلاط من خصومه.

وعندما علم ألفونسو بهذا، وفي الوقت الذي تأخَّرت فيه سفن جنوة وبيزة وقلَّت المؤن في العسكر، قفل عائدًا إلى قشتالة.

في ذلك الوقت ضاق أهل بلنسية بتحكُّم السيد El Cid وكان قاضي المدينة أبو أحمد جعفر بن عبد الله بن جحاف المعافري يتزعَّم أقوى الأحزاب في المدينة التي ترفض وجود السيد وترفض تصرُّفات القادر، فبدأ يُثير في الجموع روح الثورة وتطلَّع إلى انتزاع السلطة.

فأرسل ابن جحاف إلى قائد المرابطين ابن عائشة ووعده بتسليم بلنسية إذا ساعده في محاربة القادر والسيد القنبيطور، فاستجاب ابن عائشة لدعوته وبعث إليه سريَّة من الجند المرابطين بقيادة أبي ناصر المرابطي.

في الوقت نفسه الذي قاد فيه ابن جحاف جموع الثائرين، وقبض على ابن الفرج مندوب السيد El Cid في المدينة، واقتحم القصر وبحث عن القادر حتى عثر عليه وكان يتخفَّى في أحد حمامات القصر ومعه صندوق من الحُلِيِّ والجواهر الخاصَّة بزوجه السلطانة زبيدة، فقتلوه في الحال، وحُمِلت رأسه على رمحٍ وطِيفَ بها في شوارع بلنسية، وكان ذلك في (23 رمضان سنة 485هـ= 28 أكتوبر سنة 1092م)، وآلت السلطة إلى ابن جحاف الذي أخذ يحشد الجند ويُحصِّن أطراف المدينة.

ولمـَّا علم السيد El Cid بهذه التطوُّرات توجَّه إلى بلنسية وفي طريقه أحرق كلَّ الضِّيَاع التي تقع حول المدينة، وأنشأ ابن جحاف داخل المدينة فرقةً من ثلاثمائة فارسٍ من المرابطين وغيرهم من أهل بلنسية لمقاومة السيد.

واستطاع السيد El Cid بخبثه المعهود أن يُقنع ابن جحاف أن يطرد المرابطين مقابل أن يتركه ملكًا على بلنسية، وأن يمدَّه بالعون والحماية، وبالفعل طلب ابن جحاف من المرابطين أن يُغادروا المدينة آمنين، وأعطى السيد El Cid ما كان مُودَعًا بخزينة القادر، وأدَّى له الجزية وما تأخَّر منها وهي كما ذكرنا ألف دينارٍ في الأسبوع.

ولكن سرعان ما نقض السيد El Cid عهده وعاث في ضواحي المدينة، ثم طلب من ابن جحاف أن يُعيطه قصر وحدائق ضاحية من ضواحي بلنسية لينزل فيها هو وجنده، وكان يرمي بذلك إلى إحكام تطويق المدينة، لا سيَّما وهو يتحكَّم من قبل على ضاحية الكدية.

ثم طلب من ابن جحاف أن يُسلِّم له كلَّ موارد المدينة، وأن يُقدِّم إليه ابنه رهينةً لولائه، فعندئذٍ رفض ابن جحاف وأغلق أبواب المدينة، وكتب مرَّةً أخرى إلى ابن عائشة قائد المرابطين يستغيث به، وضرب السيد El Cid حصارًا على بلنسية دام حوالي عشرين شهرًا، حتى بلغ الضيق بالبلنسيِّين المنتهى وفتك بهم الجوع وأكلوا الفئران والكلاب والجيف، فاجتمع الناس عند الفقيه أبي الوليد الوقشي وطالبوه بالتحدُّث مع ابن جحاف ومطالبته بتسليم المدينة للسيد، فأذعن ابن جحاف وتركهم يذهبون لمفاوضة السيد.

وعقدت المعاهدة وسُلِّمت المدينة على أن يُؤمَّن سكَّانُها في أنفسهم وأموالهم، وفتحت بلنسيةُ أبوابها للسيد الكمبيادور وجنده، ونزل السيد في القصر واحتلَّ جنده أبراجها خلافًا لشروط المعاهدة، وأمر في الحال بالقبض على ابن جحاف الذي كان قد أمَّنه من قبل على أن يظلَّ قاضي بلنسية، ولكنَّه كالعادة نكث بوعده وأمر بإعدامه حرقًا في ساحة المدينة وأحرق ابن جحاف بصورةٍ مروَّعة، ولقي هذا القاضي مصيره بشجاعة، وهمَّ السيد El Cid أن يحرق زوجة ابن حجاف وبناته ولكن كلَّمه فيهنَّ بعض قادة جيشه فأقنعوه بالعدول عن رأيه.

ولكن السيد القنبيطور لم يكتفِ بذلك؛ بل أمر بإحراق جماعةٍ من أعلام بلنسية، ومنهم أبو جعفر أحمد بن عبد المولى البتِّي (نسبةً إلى بتة من قرى بلنسية)، وطرد العديد من المسلمين من المدينة وأسكن جنده دورهم.

وقد التفَّ حول السيد El Cid جماعةٌ من الخونة، وانضمُّوا تحت لوائه، وارتدُّوا عن الإسلام، وأُطلق عليهم اسم "الدوائر"، وأخذوا يعيثون في المدينة فسادًا ويعتدون على (إخوانهم) المسلمين، ويقتلون الرجال، ويَسْبُون النساء والأطفال، فهجر أهل بلنسية مدينتهم.

وأرسل السيد El Cid يستقدم زوجته "دونا خيمينا" وابنتيه "كريستينا" و"ماريا"، ودعا بنفسه ملكًا على بلنسية وحاميًا على الممالك التي حولها، وضرب الإتاوات الفادحة على جيرانه حتى بلغ دخله في السنة من بلنسية وحدها مائةً وعشرين ألف دينار، وخَيَّلت له الأحلام أن يستردَّ الأندلس كلَّها؛ فقد قال: «إنَّ لُذْرِيق خسر الأندلس، وسيُعيدها لذريقٌ آخر».

الكمبيادور .. نهاية بطل من ورق

ولمـَّا علم أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بهذا أرسل ابن أخيه محمد بن تاشفين لاسترداد بلنسية من السيد القنبيطور، وضرب حصارًا على المدينة، ودارت معارك ضارية بين المرابطين وبين السيد El Cid والقشتالين الذين أرسلهم ألفونسو عندما استنجد به السيد، والذي كان اشتدَّ به المرض خاصَّةً بعد مقتل ولده الوحيد "دييغو رودريغيز" على يد المرابطين الذين انتصروا كذلك على جنود السيد في النهاية.

فمات غمًّا وألمًا وذلك في شهر يوليو سنة 1099م، وحين مات حنَّطوا جثَّته وأقاموا بجانبها حرَّاسًا، وتوَّلت زوجته خيمينا الدفاع عن المدينة، واستطاعت أن تصمد أمام هجمات المرابطين لمدَّة عامين آخرين.

ثم طلبت العون والنجدة من ألفونسو الذي ما إن وصل إلى بلنسية ورأى ضخامة الجيش المرابطي قرَّر أن يخلي مدينة بلنسية، وأن يعود إلى قشتالة لأنَّه لم يشأ أن يُغامر بجيشه.

وخرج النصارى من بلنسية، وخرجت زوجة السيد El Cid تحمل معها الأموال والمجوهرات التي استولى عليها فيما بعد ألفونسو، الذي خرج مع جنده ومعه فرسان السيد يحملون رفات زعيمهم بعد أن أقعدوه على حصانه معتدل القامة لم يظهر بوجهه أثر الموت من أثر التحنيط كما ذكرنا، وجُعِلَت لحيته إلى صدره، وقُبِضَت يده على سيفه التيزونا (المصنوع في قرطبة بالمعدن الصلب الدمشقي)، فبدا كأنَّه حيٌّ لا يتطرَّق في ذلك شكٌّ لرائيه، ثم أخذوا بلجام فرسه وخرجوا من المدينة واتَّجهوا صوب قشتالة، وذلك في 4 مايو سنة 1102م.

ولمـَّا وصلوا إلى دير "سانت بدرو" أجلسوا السيد El Cid على كرسيٍّ من العاج إلى جانب المذبح تحت ظُلَّةٍ وضعوا فوقها رنوك قشتالة وليون ونافار وأراغون، ورنك الكمبيدور نفسه، وبقي السيد El Cid جالسًا إلى جانب المذبح عشر سنين، حتى إذا تغلَّبت آثار الموت على التحنيط دفنوه أمام المذبح وأبقوه في قبره جالسًا كما كان على الكرسي العاجي مرتديًا ملابسه الملكيَّة وسيفه في يده.

وأمَّا بلنسية ففي اليوم التالي لخروج السيد وجنده، دخل المرابطون بلنسية وعاد الثغر العظيم إلى المسلمين، وعاد السلام يُخيِّم على بلنسية بعد أن اختفى السيد El Cid الذي كان أكبر عاملٍ في بث الروع والاضطراب في شرق الأندلس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
المراجع:

- د. محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس.
- ستانلي لين بول: قصة العرب في إسبانيا، ترجمة: د. علي الجارم.
- د. محمد عبده حتاملة: الأندلس التاريخ والحضارة والمحنة.
موقع أندلسيات.