محاضرة الشييخ أحمد توفيق المدني حول الثورة الجزائري بالخليج العربي
12-10-2017, 09:39 PM
ثورة التحرير الجزائرية
" محاضرة ألقاها الشيخ احمد توفيق المدني – رحمه الله "
في أبو ظبي عام 1976م
الحلقة الأولى :
المحاضرة ألقيت في أبوظبي بتاريخ 29 – 11 – 1976 م ، أرفعها كما هي في حلقات . و قبل ذلك أتوجه بالشكر الجزيل لأخي و صديقي أبي عمر من الأردن الشقيق على تكرمه بنشرها في أحد المنتديات العربية ، بعد أن احتفظ بها و هو واحد ممن حضروها ، منذ تاريخ إلقائها من شيخنا الفاضل أحمد توفيق المدني رحمة الله عليه .
و نشرها هنا بمنتديات الشروق مساهمة مني في تعريف الشباب الجزائري خاصة بتاريخ ثورته المجيدة و رجالات الجزائر الكبار الذين خاضوا أشرف ثورة و أعظم عمل جهادي تحريري ضد أعتى استدمار عرفته البشرية في العصر الحديث ، و هو المتمثل في الاحتلال الفرنسي الصليبي للجزائر المسلمة .. و قد أسرني كثيرا تعليق أحد المفكرين من الأشقاء اللبنانيين بأن الثورة الجزائرية هي الثورة الاسلامية الوحيدة في العالم العربي والاسلامي،التي انتصرت على الصليبية في العصر الحديث .
إليكم المحاضرة في حلقتها الأولى :
قال الشيخ أحمد توفيق المدني :
{ حديثي معكم أيها السادة الأجلة يتناول الساعة موضوع الثورة الجزائرية العارمة التي لم يشهد قطر من أقطار العالم العربي مثيلاً لها , في أصولها , وفي حوادثها , وفي نتائجها , إنها ثورة بكر , فاجأت العالم بين شرقه وغربه على السواء وأدهشت بنتائجها الإيجابية الباهرة كل الباحثين والمطلعين .
نظراً لطول الموضوع وتشعبه , وضيق الوقت المخصص لهذه المحاضرة فسألج الموضوع من أوسع أبوابه دون مقدمات وأقول : إن أصول هذه الثورة الجزائرية العارمة العميقة تكمن في ثلاثة أسس هي :
أولاً : ألأمجاد ثانياً : ألأحقاد ثالثاً : ألاستعباد أما من حيث الأمجاد فأقول : إن هذا الشعب الكريم الأبي الذي استوطن منذ أقدم العصور هذه الأرض الطيبة التي كانت تدعى بلاد المغرب الأوسط قد نشأ منذ فجر التاريخ بين أحضان الحرية والكرامة والاستقلال , وإن أصوله التي انحدرت إليه من أرض اليمن كما يؤكد ابن خلدون كانت تدعو نفسها – شعب الأمازيغ – أي الرجال الأحرار .
ولطالما قاوم هذا الشعب العملاق سلطان روما وبيزنطة , وثأر الثورات العميقة الواسعة ضد ذلك السلطان الأسود الذي خلف أيام قرطاجة الكنعانية الزاهرة , وأنه ليؤسس الدول وينشىء الحضارة حين جاءته أنوار الهدى الإسلامي الساطعة يحملها الأمجاد الميامين , أجدادكم أيها السادة , فألّف الله بين القلوب وجمع بين الشعوب , فما مضى أمد وجيز حتى تكونت في هذه الأرض المغربية وحدة الأصول ووحدة الدين ووحدة الأهداف , وأصبحنا بنعمة الله وبفضل دينه ورسالته أمّة واحدة , تُنشىء تحت راية الإسلام الحنيف الدول , وتقيم أسس الحضارة والمدنيات , ويعلو نجمها الساطع السماك الأعزل .. فنحن أبناء المغرب العربي الذين فتحنا بلاد الأندلس , وانشأنا فيها أرقى الحضارات وانفعها للناس .
ونحن الذين أسسنا في مغربنا الأوسط خلال القرن الثاني للهجرة دولة بني رستم التي رفعت لواء الإسلام الطاهر النقي عالياً مُشِعّاً , وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر , وسوّت بين الناس , ونشرت العلم , ومحت الظلم , وإن تاريخ هذه الدولة لمنقوش على صفحات القلوب , ونحن الذين أقمنا في شرق مغربنا الأوسط دعائم دولة بني حماد أواخر القرن الثالث الهجري , ومن فيكم سادتي لم يبلغه نبأ بيجاية العظمى وملكها الواسع , ومدنيتها الشامخة , وعلمها الذريع , ونظامها البديع .
ونحن الذين رفعنا لواء الاستقلال المتين في غرب البلاد , وأنشأنا حتى مفتتح القرن السابع الهجري , على أنقاض الدولة الموحدية الإسلامية الضخمة , مملكة بني زيان في تلمسان , التي نمت وأينعت فأنتجت كبار العلماء وأعلام الباحثين , وازدهرت فيها المدنية ازدهاراً , لا زلنا نرى بقاياه إلى يومنا هذا , وقد اجتمع فيها الملك والمدنية والعلم والبحث والعمران , وسارت سيرها الموفق مئات السنين , وإن تلمسان الخالدة لشيء عظيم سابقاً ولاحقاً .
وعندما نزل القضاء ببلاد الأندلس , واستولى الصليبيون الملحدون الأجلاف في اسبانيا على مملكة غرناطة وبقية بلاد الأندلس التي تشتت فيها الأهواء وتمزقت فيها حبال الوحدة , فواجهوا العدو أشتاتاً , وخالفوا أمر القائل عز شأنه : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } .
اهتبل الإسبان المنتصرون الفرصة , ونزلوا بساحل أرضنا يحتلون المدن الخاصة والعامة , ويرتكبون باسم المسيح كل الجرائم والموبقات الفاحشة , استنجدنا بالأبطال العثمانيين , فجاءونا تلبية لدعوة الله يمتطون صهوة السفن المطهمة , فتعاونا وإياهم على تأسيس دولة مثالية جمعت المغرب إلى المشرق , ورفعت مدينة الجزائر لواء الإسلام عالياً ما يزيد على الثلاثمائة سنة , فكسرنا اسبانيا شر كسرة , وأخذنا الثأر من بلدان أوروبا العاتية , ودمرنا جيوشها وأساطيلها .
هذه الأمجاد أيها الفضلاء لا تزال تلهب في قلب كل جزائري النار , ولا تزال توقد في فكره النور , ولا تزال ترن في ضميره الحي , رنيناً رهيباً , ومن ورث هذه الأمجاد لا ينساها مطلقاً وإلى الأبد .
وأما من جهة الأحقاد .. فقد خيّم علينا بعد ذلك الاستعمار الفرنسي , الدنس القذر , وانصب علينا بقواته وجيوشه وسلاحه , فانتهك الحرمات التي كانت مصونة , وأهدر الكرامة التي كانت رفيعة , وزرع الموت والخراب والدمار كما كنا نزرع نحن في البلاد المفتوحة الحرية والرخاء والأمن والازدهار , فما ترك الفرنسي من وسيلة لمحق هذا الشعب العربي المسلم في بلاد الجزائر إلا ارتكبها أثناء احتلاله , القتل الجماعي الذي أصبح سنته المتبعة , وإحراق القرى والمزارع وإتلاف ما فيها ومن فيها , وتشريد الذين كانوا أصحاب الأرض وزارعيها ومستغليها حفاة عراة إلى الصحراء النائية .
وكنا نزداد مقاومة صلبة وعناداً , وكان هو يزداد قسوة وفساداً , وهكذا بعد عشرين سنة من مقاومة شعبية باسلة , غير متكافئة , آوى إلى بطن الأرض الجزائرية نصف سكانها شهداء أبراراً , ليبقى فوق ظهرها النصف الآخر مشرداً بائساً حزيناً , تلك نار موقدة استمرت مائة وثلاثين سنة تأكل القلب الجزائري وتشعل في الفؤاد مواقد الضغينة , وتذكي فكرة الانتقام , وتدفع النفوس إلى مواطن التضحية والفداء , النار ولا العار .
وجاءت سياسة الاستعباد .. ويا له من استعباد ألخصه لكم في كلمات موجزة :
أولاً : ألأرض الزراعية الخصبة الموجودة في شمال البلاد ومساحتها ثلاثة ملايين هكتار أخذها الفرنسيون كلها , غصباً وقهراً , ونصبوا فيها جالية فرنسية غفيرة العدد ومكونة من شذاذ آفاق فرنسا وبلاد أوروبا , وظنوا أنهم بذلك العدد يجعلون الجزائر فرنسية سياسياً , ومسيحية ديناً , وأصبح المسلم أجيراً حقيراً لا يتناول إلا ما يكفيه لسد الرمق .
ثانياً : الدولة كلها أصبحت فرنسية لا وجود لعربي واحد من أهل البلاد فيها , وكذلك مختلف الإدارات فوق كامل الأرض الجزائرية .
ثالثاً : اللغة الوحيدة التي أصبحت تستعمل رسميا بالأرض الجزائرية هي اللغة الفرنسية , وصارت اللغة العربية لغة أجنبية لا تلقن في المدارس الحكومية .
رابعاً : استولى الفرنسيون قهراً وعنفا منذ أيام الاحتلال الأولى على كامل أوقاف المسلمين , وقد أصبحت أيام الوجود العثماني من أغنى أوقاف بلاد الإسلام , وذلك كي لا يجد المسلون بين أيديهم ما ينفقون منه على دينهم وصون مساجدهم , ثم أعلنت الحكومة الفرنسية ملكية مساجد المسلمين , وأصبحت لا تضع فيها من رجال الدين إلا الذين ينادون بالولاء لها والتسبيح بحمدها .
خامساً : استولت فرنسا على كامل ما بالبلاد الجزائرية من مناجم ومعادن ومقاطع فأصبح كل ذلك ملكاً خاصاً للفرنسيين .
سادساً : التعليم الضئيل الذي يعطى للمسلمين الجزائريين - إذا وجدت بالمدارس مقاعد بعد استيعاب كامل الأوروبيين - كان تعليماً فرنسياً بحتاً , فنابليون الأول هو بطلنا القومي رغم أنوفنا , وجان دارك هي قديستنا والغوليون الزرق العيون هم أجدادنا , فلا مجد إلا مجد فرنسا , ولا علم إلا علمها , ولا لغة إلا لغتها , ولا مدنية إلا مدنيتها .
سابعاً : القضاء كله أصبح فرنسياً , والقوانين كلها فرنسية , والقضاء ورجال القضاء كلهم من الفرنسيين , فما أبقوا بين المسلمين إلا شيخاً من القضاء الشرعي المتعلق بالحالة الشخصية , ويعتبر مع ذلك فرعاً من القضاء الفرنسي وتابعاً له وهو صاحب الكلمة الأخيرة .
ثامناً : الاحتقار الجارح , فالمسلم الجزائري عند الفرنسيين عامة هو " البيكو " القذر , ومن الأمثلة الفرنسية المتداولة عندهم جميعاً , إذا وجدت في طريقك العربي والأفعى فبادر بقتل العربي , وما إلى ذلك من عبارات الامتهان .
كل ذلك ساعد والحمد لله على حفر هوّة عميقة بين المحتل وبين المغلوبين , وكل ذلك , قلت ومما لم أقل قد جعل القلوب الجزائرية الجريحة الدامية تزداد ابتعاداً عن الفرنسيين يوماً بعد يوم جراء ذلك , وتستعد للانتفاض ولو كان انتفاضاً بعده الفناء والدمار كما حدث أثناء الثورات العديدة المتوالية , التي كانت تنتهي باستشهاد الثوار واستيلاء العدو على أرضهم وممتلكاتهم الضئيلة .
فالأمجاد القديمة والأحقاد المتراكمة وسياسة الاستعباد الآثم الفظيع , ذلك هو الذي جعل الأحرار الجزائريين يقررون في سرية تامة أن لا مخرج للشعب من هذا العذاب الأليم إلا الثورة العارمة العامة المنظمة , وإن كل محاولات الإصلاح داخل الإطار الاستعماري يقضى عليها بالفشل الذريع , إذ لا غاية لها إلا تركيز النظام الاستعماري , فالجزائر عندهم فرنسية أرضاً وجواً وبحراً إلى الأبد .
يتبع بحول الله
بلادي و إن جارتْ علي عزيزة ٌ** و قومي و إن ضنوا علي كِرامُ
من مواضيعي
0 من وصايا رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه
0 حول احتفالات رأس (أو رقص) السنة
0 لجنة جمع القرآن في العهد العثماني
0 حتى تصير العربية لغة مصانع الصلب في الحجار ومعامل تكرير الغاز في سكيكدة وآرزيو
0 يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة
0 نكسة المدرسة الفرنسية
0 حول احتفالات رأس (أو رقص) السنة
0 لجنة جمع القرآن في العهد العثماني
0 حتى تصير العربية لغة مصانع الصلب في الحجار ومعامل تكرير الغاز في سكيكدة وآرزيو
0 يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة
0 نكسة المدرسة الفرنسية