حتى لا نتحسّر في يوم الحسرات!!؟
02-07-2018, 12:58 PM
حتى لا نتحسّر في يوم الحسرات!!؟
سلطان بركاني
يُروى في قَصص الأمثال: أنّ ملِكا من الملوك كان له ثلاثة من الوزراء، أراد في يوم من الأيام أن يعلّمهم درسا يترك أثره في نفوسهم وحياتهم.
استدعاهم وطلب منهم أمرا غريبا؛ طلب من كلّ وزير أن يأخذ كيسا ويذهب إلى بستان القصر، ويملأ كيسه من أنواع الثمار، واشترط عليهم ألاّ يستعينوا في هذه المهمّة بغيرهم، وألاّ يسندوها إلى أحد آخر.
استغرب الوزراء طلبَ الملك، لكنّهم لم يجدوا بُدّا من تنفيذ الأمر، فأخذ كلّ واحد منهم كيسا، وانطلق إلى البستان.
أمّا الوزير الأول، فقد حرص على أن يرضي الملك، فكان يتخيّر الطيّب والجيّد من الثمار حتّى ملأ الكيس، وأمّا الوزير الثاني، فقد كان واثقا من أنّ الملك لا يريد الثمار، ولا يحتاجها لنفسه، والغالب أنّه لن يتفحصها، فقام بجمع الثمار بكسل وإهمال، لم يتحرَّ الطيّب من الفاسد، حتّى ملأ الكيس كيفما اتفق، وأمّا الوزير الثالث، فاعتقد أنّ الملك إنّما أراد أن يشغلهم ويرهقهم لا أكثر، فملأ كيسه بالحشائش والأعشاب وأوراق الأشجار.
وفي اليوم التّالي، أمر الملك أن يُؤتى بالوزراء الثّلاثة مع الأكياس التي جمعوها، فلمّا مثلوا بين يديه، لم يأمر بتفحّص الأكياس، ولم ينظر ما بداخلها، وإنّما أمر الجنود أن يأخذوا الوزراء ويسجنوهم، كلّ واحد منهم مع الكيس الذي معه، لمدة أسبوعين، ويمنعوا عنهم الطّعام والشّراب كلّ تلك المدّة.
أمّا الوزير الأول، فظلّ يأكل من طيّبات الثّمار التي جمعها حتى انقضى الأسبوعان، وهو في خير وعافية، وأمّا الوزير الثّاني، فقد عاش الأسبوعين في ضيق وقلّة حيلة معتمدا على ما صلُح من الثّمار التي جمعها، وندم ندما شديدا على أنّه لم يتخيّر الثّمار الطيّبة، وأمّا الوزير الثالث، فقد اضطرّ إلى أكل الحشائش وأوراق الأشجار التي جمعها، وندم حيث لا ينفع النّدم، وأشرف على الموت، وكاد يهلك.
هذه القصّة هي: قصّة رمزية تصف حالنا في هذه الدّنيا؛ فمنّا من يجعل الآخرة: همّه الأكبر، ورضا الله: أعظمَ أمنية له في هذه الحياة، يقضي أيام عمره كالنّحلة من صالح إلى صالح ومن طيّب إلى طيّب، فإذا نسي وأخطأ، سارع إلى التّوبة بقلب كسير، وقدّم أعمالا صالحة يمحو بها سيّئاته.. يعيش مع النّاس ويسعى لرزقه، يجعل الدّنيا في يده، لكنّه لا يسمح لها أن تسيطر على قلبه، لأنّ قلبه لله وحده.. فإذا حان موعد الرّحيل عن هذه الحياة، استبشر خيرا، وأحسن الظنّ بربّه، وأسلم الرّوح إلى بارئها بعد أن بُشّرت بالرّضا والرّضوان، ثمّ إذا كان يوم القيامة، وأخذ كتابه ورأى أعماله الصّالحة تملأ صحيفته، انطلق فرحا مسرورا، وهو يقول:
[ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ].
ومنّا: من ينسى الموت والموقف بين يدي الله للحساب، ويغفل عن الأعمال الصّالحة وعن جمع الحسنات، ويقضي عمره لاهثا خلف الدّنيا في شرهٍ لا نظير له؛ كلّما تذكّر الموت والحساب، قالت له نفسه:" أمامك عمر طويل، فلا تستعجل، تمتّع بحياتك وأيامك، واترك العمل للآخرة إلى آخر عمرك". وهكذا، يظلّ على هذه الحال ذاهلا عن مآله حتى يفجأه الموت من غير ميعاد، فيندم أشدّ النّدم في ساعة لا ينفع فيها النّدم، ويقول بلسان حاله:
[ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِين]، فإذا وُضع في قبره، وعاين الحقيقة، قال:[رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْت]، فإذا كان يوم القيامة، ورأى كيف أنّ كتابه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قال:[ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ].
ومنّا: من يخلط بين الأعمال الصّالحة والسيّئة، ويجمع بين الطّاعات والمعاصي؛ إن وجد النّاس على طاعة كان معهم، وإن وجدهم يعصونخالقهم لم يتردّد في مشاركتهم!!؟.
يتأرجح بين نزوات نفسه وزواجر عقله.. يتذكّر مآله ومصيره، فيقدّم أعمالا صالحة، لكنّه سرعان ما يعود إلى الغفلة ويتمادى مع الأعمال السيّئة..
وهذا أيضا سيندم يوم يأتيه ملك الموت، ويتمنّى لو أنّ أعماله كلّها كانت صالحة.. هو يرجو رحمة الله، لكنّه يخشى أن توبقه أعماله السيّئة، يتمنّى عند الموت لو أنّه استكثر من الصّالحات وتاب من السّيئات، وربّما يقول:
[ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي]، فإذا وقف يوم القيامة أمام الميزان، ووُضعت أعماله بين يديه، ورأى سجلات الحسنات وسجلات السيّئات، بلغ قلبه الحنجرة، وهو ينتظر وينظُر أيّ كفّة سترجح!!؟، لأنّه يعلم أنّ سيّئة واحدة ربّما تحدّد مصيره.
لأجل هذا، ينبغي لكلّ واحد منّا: أن يحذر أشدّ الحذر من الغفلة عن الأمر الذي لأجله خُلق، وعن الأمر العظيم الذي هو سائر إليه؛ فكلّنا الآن في بستان الدّنيا، ولكلّ واحد منّا الحرية في أن يجمع منه ما يشاء، فإمّا: أن يكون كالنّحلة من طيّب إلى طيّب، يجمع الأعمال الطيبة الصّالحة، وإمّا: أن يكون كالذّباب من قذر إلى قذر، يُدسّي نفسه بالأعمال الخبيثة السيّئة، وإمّا: أن يغامر بنفسه ومآله، فيخلط الأعمال الصّالحة والسيّئة.. وهكذا، حتى يأمر ملِك الملوك بأن يُسجن كلّ واحد منّا في قبره، في ذلك السّجن الضيّق المظلمالموحش وحده، فإمّا: أن تأتيه أعماله في صورة رجل حسن الوجه حسن الثياب طيّب الرّيح، يقول له:" أبشر بشّرك الله بالخير، فأنا عملك الصّالح، والله ما علمتك إلا سريعا في طاعة الله بطيئا عن معصيته"، وإمّا: أن تأتيه أعماله في صورة رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الرّيح، يقول له:" أبشر بشّرك الله بالشرّ، فأنا عملك الخبيث، فوالله ما علمتك إلاّ سريعا في معصيةالله، بطيئا عن طاعته".
نسأل الله أن يتوب علينا، ويحسن ختامنا ومآلنا.