الزفرة الأخيرة
18-08-2016, 05:34 PM
الزفرة الأخيرة
سلطان إبراهيم
خرج:( أبو عبد الله محمد الصغير: آخر ملوك الأندلس) من القصر الملكي بعد سقوط غرناطة، وسار بعيداً في اتجاه المغرب، ثم صعد على ربوةٍ عالية تطل على قصور الحمراء، يتطلع إلى المجد الضائع، فلم يستطع أن يتمالك نفسه، فبكى حتى بللت دموعه لحيته، فقالت له أمه:( عائشة الحرة):
"نعم، ابكِ كالنساءِ: ملكاً لم تدافع عنه كالرجال!!؟".
مِثلَ النِّسا فلتَبكِ ملككَ بعدما ÷ أسلمتَهُ بيديكَ خَصماً مُجرما
غرناطةُ الأمجادِ حاضرةُ الدُّنى ÷ كانت تطاوِلُ فِي علاها الأنجُما
لم تحمِها مثلَ الرجالِ، وإنما ÷ قد خُنتها و رضِيتَ أن تَستسلما
فكرتَ فِي دنياكَ وحدكَ ناسِياً ÷ حقَّ الشعوبِ لكي تعيشَ منعَّما
وقصورُكَ الحمراءُ قد عبَّأتَها ÷ بالغانياتِ ومَن يُجيد ترنُّما
وغرقتَ فِي دُنيا الخلاعةِ والهوَى ÷ وسلكتَ دربَ المُترفِينَ مذمَّما
تبكي إذا ضاعَت حمامةُ سَبْقِكمْ ÷ ويموتُ شعبكَ دون أن تتألَّما
وشغلتَ نفسك بالتوافهِ، تاركاً ÷ كُلَّ الثغورِ بدونِ أن تُسْتَحْكَما
وغمَدتَ أسيافَ الجهادِ حماقةً ÷ وجعلتهُ فِي العالمينَ مُحرَّما
من كانَ يرجُو البرَّ منك عقَقْتَهُ ÷ وأهنتَ مَن لو قد رشدتَ لأُكرِما
كم مرةً حاربتَ قومكَ جاهداً ÷ فسبقت فِي خُلقِ الضراوة أَرْقَمَا[1]
كم مرةً فِي النحرِ ترمى دِيننا ÷ وطعَنْت فِي الظهر الخميس المُسْلِما[2]
كم مرةً طاوعتَ جند عدوِّنا ÷ وغدوتَ فِي أيدي النصارى أسهُماً
يا للغباءِ وقد أمنتَ شُرورهمْ ÷ أظننتَهم يرعَونَ عهداً مُبرماً؟!
أرأيتَ أن الذئبَ يرعى ذمَّةً ÷ لم تَقرأ التاريخَ حتى تَفهما؟
يا مَن غرست المُرَّ بَينَ ربوعِنا ÷ هذا جناكَ فذُقهُ كي تتعلَّما
ابعَث بزَفْراتِ الأسى فِي لوعةٍ ÷ عُضَّ الأناملَ حسرةً وتندُّماً
لن تُرجعَ الحسراتُ مُلكاً ضائعاً ÷ لا لن تُشِيدَ الآهُ ما قد هُدِّما
مَن لم يصُن ملكَ الجدودِ بعزمهِ ÷ أَولى به مِن ملكهِم أن يُحرَما
فلترتحِل يا قزمُ تَلْفِظُكَ الرُّبا ÷ لتعيشَ مغموماً طريداً معدماً.
هوامش:
[1] الأرقم: ذكر الحيات أو أخبثها، والجمع أراقم.
[2] الخميس: الجيش، ويسمى بذلك لأنه يتكون من خمسة أجزاء: المقدمة، المؤخرة، الميمنة، الميسرة، القلب.