حديث الصباح.. هجرة الأفكار
13-03-2021, 09:46 AM
فكرة صغيرة قادرة على أن تغير التاريخ و تؤسس حضارات

إن الاحتكار الفكري في مجتمعنا العربي و بالخصوص المجتمع الجزائري وراء الكساد الذي تعيشه "النخبة" في الجزائر، فهل حان الوقت بأن تستفد الأمة العربية من التغيرات التي حدثت في اليابان و تركيا و ماليزيا، و كيف تصنع تاريخها العربي و الإسلامي بواسطة حركة الأفكار؟ تلك هي المشكلة؟

هجرة الأفكار لا تعني هجرة العقول إلى الخارج، و صب خبرتها في مؤسسات الأجنبي مثلما نراه في الوقت الحالي، و لو أنها واحدة من أهم المشكلات الخطيرة التي تواجه المجتمع العربي و المجتمع الإسلامي في كل أقطاره ، و إنما هي الاستثمار في الأفكار و تبنيها لخدمة الصالح العام، و قد تحدث الكثير من الباحثين عن هجرة الأفكار، و منهم "جلبرت هايت" في كتابه تحت عنوان: هجرة الأفكار، وضع فيه فلسفة التاريخ، قدم أمثلة عن تطور الأفكار في جانبها الإيجابي و كيف استثمرت الشعوب في أفكار شعوب أخرى، و يكفي أن تكون فكرة صغيرة قادرة على أن تغير التاريخ و تؤسس حضارات، لقد تحدث جلبرت هايت عن التاريخ بإسهاب شديد، و قال أن التاريخ من الدراسات ألأكثر تعقيدا باعتباره الحقل الذي يحفز أحداث الماضي، و الجزء الأكبر من التاريخ لا يدور حول الأشخاص و الأفراد أو رجال عظماء، أو سجل للمعارك و الحروب، و كيف انتزعت إحدى الطبقات الثروة و المجد من طبقة أخرى، و إنما يدور حول جماعات: وطنية ، دينية، أو جماعات أخرى ( الماسون)..و الأفكار تنتقل من جماعة إلى أخرى.
رغم أن الإسلام تابع سيره مخترقا الحدود الطبيعية و الجغرافية حتى وصل شرقا إلى غيران و الهند و الصين و غربا إلى إسبانيا، و شمالا إلى جزر البحر الأبيض المتوسط و بلاد الأناضول و أرض روسيا، و جنوبا إلى قل أفريقيا وسواحلها الشرقية و الغربية، غير أن العالمين العربي و الإسلامي لم يعيشا عيشة الجسد الواحد، و لم يعملوا بدستور الإسلام، وهذا ما تؤكده العديد من الكتابات، فلم يعرف التاريخ مجتمعا نشأ سليما، أبيا مثل المجتمع العربي، ذلك أن المجتمع العربي اقبل في حماسة لكل ما يجلب له الخير و النفع، لقد كان العرب منذ أن ظهروا على مسرح ألأحداث العالمية أصحاب رسالة سامية يدعون فيها إلى المحبة و الإخاء، غير أنهم لم يستثمروا في أفكار غيرهم و حتى أفكارهم، و تخبط البعض منهم من أصحاب النفوس المريضة في فهم هذه الرسالة السامية، حيث اتخذ عداء هذه الفئة طابعا خاصا في التاريخ، و من هنا بدأت الحضارة العربية تعرف نوعا من التراجع،الصراعات و الخلافات بين المسلمين تحت ستار تيارات مختلفة فظهر الانشقاق في الأمة العربية و الإسلامية التي كانت خير امة أخرجت للناس، فعرفت بالشلل و الجمود.
و هاهو إمبراطور اليابان عام 1868 و هو يؤدي مرسوم القسم أمام الشعب، حيث قال: " سنبحث عن المعرفة في جميع أنحاء العالم" و من هنا بدأت سياسة اليابانيين تنحصر في تعلم كل ما يمكن تعلمه من الشعوب الأخرى، و طبقوا هذا الشعار في حياتهم اليومية، فاقتبسوا من الصين ذات الحضارة العظيمة، دون أن يصبحوا أسرى لها، فكانوا قوما أقوياء الإرادة، و قد سارت تركيا على نهج اليابانيين و كذلك الرومان الذين حولوا منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط من أحراش و صحاري إلى بلاد كلها حدائق و كروم و حقول يانعة، و لولا الإغريق لما كانت للرومان حضارة، إن الفكرة الواحدة يمكن أن تولد في عقل فرد واحد، ثمّ تنتشر بعد ذلك لتشمل الجماعة كلها، و قد تناول الفيلسوف مالك بن نبي رحمه الله مشكلة الأفكار، إذ يقول و هو يتحدث عن جهل المسلمين بهذه الاعتبارات : "إنّ المجتمع الإسلامي يُعاني من السخط الإلهي الصادر من النماذج الكُلِّية في محيطه الثقافي بالذات، كما يعاني من الانتقام الشديد على يد الأفكار التي استعارها من أوروبا دون نظر في الشروط التي من شأنها أن تُحافظ لها على قيمتها الاجتماعية، وينجم عن ذلك فقدان الحيوية في الأفكار الموروثة وفي الأفكار المُكْتَسَبَةِ، وهو الأمر الذي يُخِلُّ إخلالاً خطيرا بالتطور المعنوي والمادي في العالم الإسلامي، و دون تعميم طبعا.
علجية عيش



عندما تنتهي حريتكَ.. تبدأ حريتي أنا..