تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
العنف والأسرة: أي علاقة!!؟
29-03-2016, 01:48 PM
العنف والأسرة: أي علاقة!!؟



نحو فهم أكثر لقضية العنف الأسري وعوامله وتجلياته المختلفة

د. أحمد معد
الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:
الملخص:
يرى الباحث: أن مشكلة العنف تأتي كرد فعل غريزي للإحباط، أو التعرض للهجوم، أو لعدم تلبية توقعات الآباء والأمهات، بالإضافة لملاحظات الأطفال لسلوك الراشدين في الأسرة، الذي يشوبه نوبات غضب أو حدة الطبع، مما يجعل الطفل يمتلئ بمشاعرِ الذنب والخوف، وغالبًا ما يكبت انفعالاته، حتى يصبح التوتر غير محتمل، ويظهر فجأة بصورة سيئة مترفعة، وتأتي مشكلة الضرب والتشاجر مرتبطة مع العنف، وترجع أسباب الضرب والتشاجر إلى الشعور بالغيرة، والشعور بالنقص، وباضطهاد الكبار، أو الشعور بالقلق وعدم الإحساس بالذنب، أو القسوة والعنف في المعاملة، وكذلك جو الأسرة المملوء بالخلافات الأسرية المتكررة.

مقدمة:
لقد أثارت ظاهرة العنف في الآونة الأخيرة العديد من التساؤلات عن أسبابها والدوافع التي تغذي استمرارها، وقد تتحول ظاهرة العنف في بعض المجتمعات إلى ظاهرة خطيرة، وتربك المجتمع بكامله، ونظرًا لأن ظاهرة العنف كمشكلة اجتماعية تهدد كيان المجتمع برمته، وتعوق تقدمه ورقيَّه أصبح من الضروري التفكير وبجدية من قِبَل المسؤولين والباحثين في ميدان العلوم الاجتماعية، وإعداد بحوث ودراسات علمية وافية لفهم ظاهرة العنف، بهدف إيجاد حلول وإستراتيجيات فعالة من أجل التصدي لها.
في ماهية العنف:تشير كلمة عنف إلى كل سلوك يتضمن معاني الشدة والقسوة والتوبيخ واللوم.. وعلى هذا الأساس فإن العنف قد يكون سلوكًا فعليًّا أو قوليًّا، أما في اللغة الإنجليزية فإن الأصل اللاتيني للكلمة Violenceهو Violentia، ومعناها الاستخدام غير المشروع للقوة المادية بأساليب متعددة لإلحاق الأذى بالأشخاص والإضرار بالممتلكات، ويتضمن ذلك معاني العقاب والاغتصاب والتدخل في حريات الآخرين[1]، كما تعني أيضًا العمل بالخشونة والعنف والتدنيس والانتهاك والمخالفة، وكل هذه الكلمات ترتبط بكلمة "فيس" (Vis) التي تعني القوة والبأس، والقدرة والعنف، أو القوة الفاعلة والمؤثرة[2].
إذا عدنا لمعجم روبير[3] فإن الدلالة الغالبة على مفهوم العنف نجدها استعمال القوة،كما نجد أيضًا أنه يقسم إلى عنف جسدي وآخر أخلاقي.
وبتأملنا لهذه التحديدات سنجد أنها تشترك جميعًا في أن العنف عبارة عن سلوكيتضمن معاني الشدة والقسوة واللوم، ويظهر أن أوضحها يكمن في الدلالة اللاتينية للمفهوم؛ إذ حدد العنف من خلالها كاستخدام غير مشروع للقوة المادية، بأساليب متعددة، من عقاب واغتصاب، وإضرار بالآخرين وبالممتلكات،لكن هذا القصد الدلالي للمفهوم سيجعلنا نفكر في قيمة الاستخدام المشروع للقوة المادية للإضرار بالآخرين وبممتلكاتهم، هل ذلك لا يعتبر عنفًا؟
ترى في هذا الصدد "HannahArendt" في كتابها "من الكذب إلى العنف" أن القوة لا تتحول إلى عنف إلا عندما تستخدم كأداة للسيطرة والهيمنة، ولعل هذا الطابع الغائي الذي يتسم به العنف البشري، وما ينطوي عليه من عناصر القصد والإرادة والتخطيط - هو ما يميزه عن باقي أشكال العنف التي نعاينها في العالم الطبيعي، ولدى باقي الكائنات الحية[4].
فإيذاء الآخر يعتبر في حد ذاته عدوانًا، لكن العدوان يختلف عن العنف من حيث كون هذا الأخير يمثل أقصى درجة في السلوك العدواني؛ فالعنف يصدر عن العدوان، ولا يوجد عنف بدون شعور مسبق بالعدوان، إنه بالإضافة إلى هذا يعتبر إحدى الوسائل للتعبير عن العدوان، كما يمكنه اتخاذ عدة أنماط سلوكية، أبرزها إعمال القوة؛ فهو سلوك لا يمكن التنبؤ ببدايته ونهايته، ودوافعه متعددةعلى حد تعبير الباحث النفسي والاجتماعي "المصطفى حدية"[5].
إن ما يمكن استنباطه من هذا التحديد هو أن العنف يتجاوز العدوانية من حيث الدرجة، هذه الأخيرة التي وصفها "مصطفى حجازي"[6] بأنها تنخر في الوجود الإنساني، لا سيما المقهور منه، وهي عبء وتهديد للتوازن النفسي، ودافع للإقدام على بعض تصرفات تدمير الذات، وكدفاع وانتفاضة ضد التهديدات التي من الخارج[7].
يدفعنا استحضار البعد النفسي لمفهوم العنف إلى مفهوم الغضب، وهو انفعال يتميز بدرجة عالية من النشاط في الجهاز العصبي، وحينما يتمَّلك انفعال الغضب الإنسان فإنه تتعطل قدرته على التفكير السليم، وتذهب نظرية الإحباط - العنف، ومن أنصارها "دولا رد Bollard" و"ميللر Miller"، إلى أن الغضب ينشأ كلما اعترض الشخص عائق يحول بينه وبين تحقيق رغباته، ويبدأ هذا الانفعال في سن مبكرة، حين يبدأ الفرد إحساسه بذاته وبمطالبه، ويحس بأن مصدر إشباع حاجاته وعدم إشباعها موجود في بيئته، أن هذا الإشباع يؤدي إلى السرور والراحة، وأن عدم الإشباع يؤدي إلى الغضب والقلق والإحباط والعنف[8].
وقد عرَّف "الفقيه الرازي"[9] الغضب بأنه: هوى النفس، مركب في طبع الآدمي، لدفع شيء مؤذ عن نفسه، ويطلب فيه التوسط؛ لأن الإفراط فيه يضر بالغاضب أكثر مما يضر بالمغضوب عليه، وهو وسيلة للتعامل مع البيئة المهددة، ويتضمن استجابات طارئة وسلوكًا مضادًّا لمثيرات التهديد، كما تصاحبه تغيرات فسيولوجية، لإعداد الفرد لسلوك يناسب الموقف المهدد، وهو نوعان: غضب محمود، وغضب مذموم، فأما الأول فهو ضد الظلم والطغيان، وأما الثاني فإنه يكون لأجل المصالح الشخصية والبواعث الأنانية.

إشكالية الانطلاق:
إذا كان تعريف العنف بشكل عام هو أنه استخدام للقوة وللضغط بشكل مفرط وبطريقة غير مشروعة ومخالفة للقانون وتنعكس سلبًا على الفرد وعلى الآخر، وإذا كانت الأسرة تشكل وحدة اجتماعية تهدف إلى المحافظة على النوع الإنساني، وتقوم على بناء وتنشئة الفرد بما يتماشى وأعراف وعادات المجتمع والقانون المتعاقد عليه - فإن الجمع بين لفظتي "العنف" و"الأسرة" يضع الباحث أمام مفارقة يتناقض فيها العنف الذي يوحي إلى الهدم مع الأسرة التي توحي إلى البناء.
فالأسرة تشير إلى البناء والتنظيم الاجتماعي، أما العنف فإنه يوحي إلى الهدم والفوضى وغياب التنظيم وسيطرة القوة؛ لذلك فالتفكير في موضوع العنف في الأسرة من زاوية أبستمولوجية يجعلنا نضع جملة من الأسئلة، وعلى رأسها:
كيف يمكن الجمع بين العنف والأسرة من الناحية المفاهيمية، أم أن الأمر يتعلق بالأسرة كمجال لممارسة العنف، وكمجال للتنشئة على العنف والعدوان؟ ولماذا العنف في الأسرة؟ لماذا لا تكون الأسرة مجالًا للسلم والأمن النفسي والاجتماعي؟ وهل الأسرة ضحية العنف أم أنها هي مصدره؟ فما هي إذًا العوامل الكامنة وراء العنف الأسري؟ وما أهمية الاهتمام بها؟ وهل يجب أن نهتم بالعوامل المؤدية للعنف أم يجب أن نفكر بحزم ومسؤولية في كيفية محاصرته ميدانيًّا؟ ألا يمكن اعتبار أن التفكير الجدي في الظاهرة وفي تجلياتها وفي شروط تكونها وفي امتداداتها هو أساس الحد من العنف الأسري!!؟.
إن الربط بين الأسرة والعنف يقتضي تحديد مجموعة من العناصر، أهمها:تجليات وأنواع العنف الأسري، العنف والأسرة أية علاقة؟، أهمية الاهتمام بالعنف في الأسرة، أسباب ودوافع العنف داخل الأسرة.

أنواع وتجليات العنف الأسري:
لقد جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2000[10] أن العنف يقسم إلى ثلاثة أنواع:
1- العنف الموجه نحو الذات:
يتجسد هذا النوع من العنف في إلحاق الأذى بالذات، ويتضمن السلوك الانتحاري، وذلك منذ مجرد التفكير بالانتحار، مرورًا بالتخطيط لارتكابه، حتى تنفيذ الفعل.

2- العنف بين الأشخاص:
يتمثل في العنف بين شخصين، وإذا كان بين أفراد الأسرة الواحدة فإنه يدخل في إطار العنف الأسري، أما إذا وقع بين أشخاص ليسوا من أفراد نفس الأسرة، ولا تجمعهم صلة قرابة، ولا يعرفون بعضهم بعضًا - فإن ذلك يدخل في إطار العنف المجتمعي، ولأنه يحدث عادة خارج المنزل.

3- العنف الجماعي:
يتمثل في سلوك جماعي، يقوم به أشخاص، ليس باعتبارهم أفرادًا في أسرة، أو أشخاصًا لا تجمع بينهم قرابة، بل باعتبارهم أعضاء ينتمون إلى جماعة معينة ضد جماعة أخرى، ويتأسس هذا العنف على الصراع، حيث العنف والعنف المضاد؛ وذلك لتحقيق أغراض سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
كما يأخذ هذا النوع من العنف أشكالًا متعددة، مثل العنف لدى جماعة تنتمي لحزب ضد جماعة تنتمي لحزب يحمل أفكارًا أو أيديولوجية مضادة أو متعارضة، يتجلى ذلك في الأعمال العسكرية بين الدول، أو داخل الدولة الواحدة؛ كظاهرة "المتمردين"، كما يتجلى أيضًا في الصراعات بين القبائل في المجتمع القبلي وفي التصفيات العرقية، حيث القتل الجماعي والقمع المفرط والانتهاكات الممنهجة.

صور العنف الأسري: أمراض اجتماعية[11]:
إن المقارنة والمشابهة بين الأمراض العضوية عند الأفراد والأمراض الاجتماعية اعتمدها بعض علماء الاجتماع، مثل "دوركايم"، للتسيير بين الظروف الاجتماعية السوية والظروف الشاذة، ويمكن اعتبار ظاهرة العنف الأسري صورة من صور الأمراض الاجتماعية التي تحتاج إلى تشخيص، وإن أغلب صور العنف الأسري في أغلب المجتمعات نجد[12]:

1- الاعتداءات الجسدية:
تتمثل صورة العنف هنا في الأذى المباشر والمادي على الجسد؛ كالضرب والصفع واللكم والرفس، وهذه الصور الخطيرة قد تنتج عنها جروح أو كسور أو إعاقة أو قتل، وذلك حسب الطريقة المستخدمة في ممارسة العنف، والتي تتراوح بين عنف باليد أو الرجل إلى استخدام أدوات وآلات حادة كالسكين أو العصا، أو قطعة حديد أو سلاح قاتل، ويمكن اعتبار أن الاعتداءات الجسدية تظهر مباشرة على الجسد المعتدى عليه، وتؤثر فيه ماديًّا وبطريقة مباشرة.

2- الاعتداءات النفسية والمعنوية:
يقول المثل الشعبي في ثقافتنا: "اللهم ضربة بدمها أو كلمة بسمها"، كذلك تنظر ثقافتنا إلى أن الكلام المسموم أكثر خطورة من الضرب المفدي إلى الجرح، ولعل هذا الموقف الذي تزعمه الثقافة الشعبية نجده يتناغم ومنظري الجوانب النفسية في الإنسان، فالسب والشتم، والإهانة المتكررة، والحط من قيمة المعتدى عليه/ أو الشخص المعنف، ورميه بألفاظ دنيئة تنال من قدرته أو شرفه أو شرف أهله - كلها صور للعنف في بُعده النفسي والمعنوي، وهذه الصور بدون شك قد تؤثر على المعتدى عليه، فتُسقطه في دوامة من المشاكل والاضطرابات النفسية والمعنوية.

3- الاعتداءات وسوء المعاملة المادية والاقتصادية:
يمكن تسمية هذا النوع من الاعتداءات بالضغوطات المادية أو العقوبات الاقتصادية، هذه الضغوطات قد يمارسها الكبار أو من يتحكم في مورد رزق الأسرة مثلًا للضغط على المعتدى عليه أو عقابه أو تأنيبه، وكمثال على ذلك؛ كأن يحرم الزوج زوجته من نفقتها، أو من بعض حاجاتها الضرورية؛ كمصاريف البيت، أو عدم شراء الملابس، حتى في المناسبات، ولو كانت قد تعودت على ذلك من قبل، وقد نجد مثالًا على ذلك في حالة ضغط الآباء على أبنائهم وبناتهم، بحرمانهم من اقتناء الملابس التي يعشقونها، ولو كان في استطاعتهم شراؤها، وقد يصل الضغط إلى متطلبات الدراسة أحيانًا.

4- الاعتداءات الجنسية:
تتمثل الاعتداءات الجنسية بشكل عام في حالات العنف الجنسي والقيام بأعمال جنسية فاضحة، ويعتبر الاغتصاب أحد أخطر أنواع هذه الممارسات الجنسية العنيفة؛ لأنه يصاحبها اعتداءات جسدية مادية مباشرة، كما قد يصاحبها أعراض نفسية أو نفس - جسدية.

5- الاعتداءات السلطوية والاجتماعية:
تتمثل هذه الاعتداءات في مجموعة من السلوكيات التي يفرضها المعتدي، مثل فرض العزلة الاجتماعية على أحد أفراد الأسرة، أو العزلة عن محيط العائلة والأصدقاء؛ كأن يفرض الزوج على زوجته عدم الخروج من المنزل، سواء بحضوره أو بغيابه، ويفرض عليها رقابة وحراسة مشددة، وكأن يحرمها من لقاء أفراد عائلتها أو الذهاب إليهم، ولو في المناسبات والأعياد، وتكون هذه الممارسات أيضًا حتى على الصغار من طرف الكبار، وذلك عبر تقييد حركتهم من الاختلاط بأصدقائهم وبأقرانهم وأقاربهم من الجيران، وهكذا تفرض سلطة جائرة ومستبدة داخل الأسرة، وتصير تلك السلطة اعتداءً وعُنفًا واضحينِ.

6 - المضايقة: تمثل المضايقة إحدى صور العنف وأشكاله المتعددة، والتي تؤدي في غالب الأحيان إلى شجار، حيث يبدأ الفرد بمضايقة فرد آخر عن طريق السخرية والتقليل من شأن الطرف الآخر[13].

استخلاص (العنف والأسرة أية علاقة):
إن ما يمكن الخروج به في مسألة الأسرة والعنف في هذا الباب هو أن الأسرة تمارس العنف الذي يمارس عليها؛ لذلك يجدر بنا الإشارة إلى جدلية العلاقة الممكنة بين الأسرة والعنف، ولا تظهر تلك الجدلية المفترضة في أنواع العنف وتجلياته وحسب، بل حتى في صور العنف التي تتمظهر على شكل اعتداءات من أصناف شتى، وعلى هذا الأساس يمكن الخروج بالنقاط الثلاث الآتية:
يقسم العنف إلى ثلاثة أنواع: عنف موجه نحو الذات، عنف بين الأشخاص، عنف جماعي، كما يتخذ العنف في الأسرة تجليات كثيرة، وذلك حسب نوعية وطبيعة الأسرة؛ إذ تختلف تجليات العنف في الأسرة النووية عن تجليات العنف في الأسرة الممتدة بحيث يصبح متداخلًا من أطراف متعددة ومتفرقة؛ كعنف الخالات والأعمام وأبنائهم، بالإضافة إلى أنه يعتبر - العنف - مرضًا اجتماعيًّا يتخذ صورًا متعددة تم تصنيفها في عدة صور من الاعتداءات.

أهمية الاهتمام بالعنف في الأسرة:
نجد اهتمامًا عالميًّا بالعنف في الأسرة[14]؛ ففي تقرير منظمة العفو الدولية عن حقوق الإنسان في العالم "امنستي إنترناشونال، مارس 2001" نجد أن حقوق المرأة منتهكة كثيرًا، بحيث تتعرض المرأة للضرب داخل منزل الأسرة كل خمس عشرة ثانية، وأن هناك زوجة من كل خمس زوجات تضرب بانتظام من قِبل زوجها، وإذا كانت الأمور فعلًا كذلك فإنه يجب دق ناقوس الخطر؛ لأن المرأة باعتبارها زوجة وباعتبارها أمًّا فهي عماد الأسرة، وصانعة الدفء النفسي والعائلي للأطفال.
ليس منظمة العفو الدولية هي الوحيدة التي تنذر بخطورة العنف الذي يهدد الأسر، بل إن هيئة الأمم المتحدة هي الأخرى تؤكد على نفس المشكل [15]، وذلك في تقريرها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.
إن مِثلَ هذه التقارير حول واقع الأسرة، وحول العنف الأسري، وامتداداته وآثاره على كل أفراد الأسرة، يجعلنا أمام سؤال لا يزال مشروعًا: ما هي أسباب ودوافع العنف في الأسرة؟

العنف في الأسرة: الأسباب والدوافع:
مما لا شك فيه أنه لا يمكن تحديد سبب أو دافع وحيد يؤدي إلى العنف في الأسرة؛ إذ هناك تعدد في الأسباب، وذلك بحسب زاوية النظر إليه؛ لذلك نجد عدة تفسيرات ترتبط بما هو وراثي مثلًا؛ إذ تساهم العوامل الوراثية في استعداد الطفل للإصابة بالعنف، ومثل هذا الاستعداد يبقى خفيًّا، وعندما يتعرض الشخص لمواقف في الأزمات الاجتماعية والعاطفية، والصدمات والخبرات المؤلمة والقسوة والتهديد والحرمان، فإن هذه الأسباب تعمل على تنشيط الاستعداد لديه[16]، كما ترتبط بما هو اقتصادي واجتماعي ونفسي، في الوقت الذي نجد فيه أنظمة اجتماعية مختلفة تمنح الزوج حق التصرف التام في شؤون الأسرة، بما في ذلك استعمال كل الأساليب لضبط وإدارة الأسرة بما فيها العنف داخل الأسرة[17].

مشكلات اقتصادية:
يعتبر المشكل الاقتصادي من بين المشاكل الرئيسة التي قد تؤثر سلبًا على نفسية الفرد، فتعكر مزاجه، وتضعه تحت الضغط، وكل ذلك ينعكس على أسرته، فإذا كانت هذه الأخيرة متماسكة ومتعلمة ومستواها الاقتصادي والثقافي والمعيشي مقبول، قلَّ احتمال حدوث العنف[18].

ويمكن اختصار تجليات المشكل الاقتصادي بإيجاز كما يلي[19]:
البطالة وزيادة الأعباء الأسرية.
زيادة الاستهلاك في مقابل ضعف الموارد وانخفاض الدخل.
تراكم الديون والظروف المعيشية الصعبة.
العجز عن تلبية متطلبات الحياة اليومية الأساسية للأسرة.
زيادة عدد أفراد الأسرة، وبالتالي زيادة متطلباتهم وحاجاتهم.
الخلاف بين الزوجين حول تدبير راتب الزوجة ضمن ميزانية الأسرة.
الأزمات الاقتصادية المفاجئة عند وقوع حادث لفرد من الأسرة مثلًا، أو خسارة مالية تتعرض لها الأسرة.
الشعور بالنقص المادي أو الدونية الاجتماعية ماديًّا وطبقيًّا مقابل الأوضاع المادية التي يعيشها بعضُ الناس في محيط أفراد الأسرة.
ضيق السكن[20].

المشكلات الاجتماعية:
يتفاعل الاقتصادي مع الاجتماعي، فإذا كانت الظروف الاجتماعية غنية، وكانت الروابط متماسكة، فإنها قد تحتوي الضغوط والمشكلات الاقتصادية وتخفف منها، ومن بين المشكلات الاجتماعية نجد التقاليد المقدسة لقيمة الرجل على حساب المرأة؛ "فالمعتقدات حول التمييز بين الجنسين وأفضلية الذَّكر على الأنثى تؤدي إلى التمييز بين الأبناء والبنات، ومنح الأفضلية للذكور، سواء في النفقة أو في فرص التعليم[21]، وهذا عنف اجتماعي قد يولد عنفًا مضادًّا، كما نجد أيضًا الخلافات الزوجية والصراع الأسري، فالزوج يمارس العنف ضد زوجته وأولاده، والزوجة تمارس العنف ضد أولادها كنوع من ردِّ الفعل الواقع عليها، ومن ثم فإنهما يزرعان في أولادهم بذرة العنف تجاه الآخرين[22].
إن نمط العلاقة بين الطفل ووالديه واتجاهاتهم نحوه، والحماية الزائدة والدلال، أو الإهمال وعدم إشباع الحاجات الأساسية له، بالإضافة إلى نمط التربية الأسرية السائد في الأسرة، وبخاصة نمط التربية المتشددة أو الفوضوية، كما أن للظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة أثر في حدوث مثل هذه المشكلات لدى الطفل[23].
وكتنبيه في هذا السياق نشير إلى أنه ليس الزوج هو الذي يمارس العنف على زوجته دائمًا؛ فقد يحصل العكس، كما قد يحصل فقط سوء تفاهم في العلاقة الزوجية، فينشب صراع أو خلاف أو مشاجرة بين الزوجين، وهذا الوضع خطير على سيكولوجية الأبناء داخل الأسرة.

المشكلات النفسية: يمكن جرد مجموعة من الخبرات النفسية كدوافع نفسية للعنف من خلال ما يلي:

1- الهجوم والانزعاج: نجد ذلك من المظاهر العنيفة الأكثر انتشارًا، وهناك أمثلة كثيرة؛ فمثلًا شخص يقرأ صحيفة معينة، وقام شخص آخر بصورة غير متوقعة بسكب كوب من الماء على رأسه[24]، نجد ذلك في الأسر؛ إذ تكون بدايته هي اللعب لكنه ينتج عنه في كثير من الحالات ردود أفعال عنيفة، فالأول يريد أن يلعب، والثاني في لحظة تركيز لا تسمح له بذلك، تقع مثل هذه الحالات كثيرًا عند الأبناء فيما بينهم داخل الأسرة، أو بين الزوجين، وكذلك في المدرسة أو أمام جماعة الأقران في الشارع، فعندما يسلك الفرد بطريقة عدوانية وسلبية يكون لديه هدف معين، وخطورة ذلك أن الفرد يتعلم الوصول إلى أهدافه عن طريق العدوان[25]، وعادة ما يكون السلوك العدواني غير المباشر كامنًا، وكثيرًا ما يحدث من قِبل الأطفال الأذكياء، حيث يتصفون بإيذاء الآخرين بالسخرية منهم، أو بتحريض الآخرين للقيام بأعمال غير مرغوبة اجتماعيًّا [26].

2- الإحباط:يعتبر الإحباط شعورًا نفسيًّا ناتجًا عن خلل في إدارة الصراع مع المواقف، وأبسط تعريف للإحباط هو الحالة التي يشعر بها الفرد عندما يصطدم مع شيء ما أو عندما يحول أمر أو آخر بينه وبين تحقيق ما يريده... مثلما يحدث أن يلغي صديق لك فجأة موعدًا كان قد حدده معك دون أن يذكر لك أسباب ذلك[27].
وينبغي التنبيه هنا إلى أنه حتى ولو تم ذكر أسباب إلغاء الموعد، فإنه إذا كانت أسبابًا غير موضوعية، وغير عقلانية قد يحصل الإحباط، كما قد يحصل أيضًا نتيجة لبناء آمال وأحلام لم يتم تحقيقها، ولو لأسباب موضوعية، نجد ذلك في مثال: الشاب الذي علق آماله على شابة فتركته وتزوجت، وقد يحصل أيضًا بالنسبة للفتاة التي تركها صديقها وتزوج غيرها[28].

3- الإشكال الجنسي:يعتبر الجنس في مجتمعنا من القضايا التي يصعب الحديث فيها بصدق وبصراحة، وكثيرة هي المشاكل الجنسية من ضعف جنسي أو عدم التوافق والتكافؤ في القدرة الجنسية بين الرجل والمرأة، أو من خلال اختلاف طريقة الإشباع عند بعضهما البعض، هذه الأمور وغيرها قد تحدث خللًا في نظام التواصل بين الزوجين، ولعل أصعب هذه المشاكل هو شعور الزوج بأنه غير قادر على إشباع رغبات زوجته الجنسية، وقد أجريت بالفعل دراسة على (34) زوجًا ضربوا زوجاتهم، فتبين أن (91%) منهم يشعرون بالعجز الجنسي، وأنهم ينزعجون حين تبادر الزوجة بإظهار رغبتها الجنسية، وتشرع في استثارتهم، فهذا هو دورهم، وقد يثير هذا الموقف بذور الشك فيها، وخوفهم من أن تجد من هو أكثر جاذبية منهم، مما يزيد شعورهم بعدم الأمان من ناحيتها، وهي أوضاع يسهل في ظلها صدور السلوك العنيف حيالها [29].

خلاصة:
هكذا يظهر أن للعنف امتدادات متعددة داخل الأسرة، يتفاعل فيها الاقتصادي بالاجتماعي بالنفسي، فبالرغم من أن الضرورة المنهجية فرضت علينا تقسيم دوافع العنف في الأسرة إلى مشكلات اقتصادية وأخرى اجتماعية وثالثة نفسية - علمًا بأن هناك عوامل متعددة يصعب حصرها - فإننا لا ننكر تداخل المشكلات وتفاعلها وتناغمها، لتعطي لنا صورة عن المأزق الذي تتسم به الأسرة؛ فالأزمات المادية محرك للاحتقان داخل الأسرة، ومفجر لصراعات متعددة بين الزوجين على وجه التحديد، وحتى في العلاقات الوالدية لما يعجز الوالدان عن تلبية مطالب أبنائهما المادية، كما أن التناقضات المجتمعية تنتج صراعات بين أفراد الأسرة التي تبقى ضحية أيديولوجيتين مختلفتين: أيديولوجية عائلة الزوج، التي تريد أن يظل ابنها هو صاحب القرار، وهو المتحكم في الأسرة، وأيديولوجية عائلة الزوجة، التي تهدف إلى بسط سيطرتها على الزوج "الغريب"، وتطويعه وجعله أداة لتنفيذ مخططاتها، وتصادم الأيديولوجيتين من شأنه أن يحدث احتقانًا في العلاقات الأسرية وتقسيمها إلى حزبين متصارعين، وقد يزيد الجيران أو الأبناء من حدة الانقسام والاستقطاب، فتحدث أزمات اجتماعية داخل الأسرة، قد يتخللها عنف، وهكذا ننظر إلى الأسرة وكأننا أمام دولة وأمام أزمات سياسية ودبلوماسية تحتاج إلى اجتماعات ومفاوضات متواصلة بين الأطراف المتنازعة.
على نفس المنوال، نجد الإشكالات النفسية هي الأخرى تتفاعل وتتناغم مع المشكلات الاجتماعية، فقد تعددت المشاكل النفسية وإن لم نذكر إلا بعضها، ولعل أهمها في نظرنا ليس هو الإحباط كشعور نفسي يعكس ذاتًا نفسية مكلومة داخليًّا، ولكن الإحباطات المتكررة، بحيث تحدث تراكمات نفسية تزيد من حدة التوتر والصراع النفسي الداخلي، الذي يترجم إلى عراك في الأسرة، كما أن المشكل الجنسي يعتبر هو الآخر غاية في الأهمية، ما دام غياب التوافق الجنسي يحدث فجوات نفسية عميقة.
وهكذا يبقى العنف في الأسرة مشكلًا له امتداداته، ويحتاج - من بين ما يحتاج إليه - إلى مزيد من التشخيص من أجل ضبط الظاهرة في شموليتها.

هوامش:
[1] أحمد مصطفى جابر "ضد العنف والتمييز"، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، الطبعة الأولى 2005 ص: 69.
[2] العنف الأسري، سيكولوجية الرجل العنيف والمرأة المعنفة، منير كرادشة، عالم الكتب الحديث، إربد - الأردن 2009 ص: 31.
[3] Petit Robert par Paul Robert, Dictionnaire de la langue Française. - rédaction dirigée par A.Rey et REY - Debove.107 avenue Parmentier, Paris - XI, p: 2097
[4] العنف، مقاربات فلسفية، حماني أقفلي، وليلي، العدد 14، إبريل 2009، مطبعة مرجان مكناس، ص: 80.
[5] المصطفى حدية: قضايا في علم النفس الاجتماعي، الطبعة 1 - 2005 ربانيت، الرباط، ص: 174.
[6] مصطفى حجازي 2001: التخلف الاجتماعي، مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة 8 - ص: 167.
[7] يقدم حجازي تفسيرًا للعدوانية كدافع نفسي يهدف إلى تدمير الذات، كما تحدث أيضًا الباحث المغربي مصطفى حدية عن العدوانية، واعتبرها تبقى مجرد استعداد كامن وغير جلي لدى الكائن الاجتماعي.
[8] الفاروق، أسامة مصطفى (2012)، مدخل إلى الاضطرابات السلوكية والانفعالية - الأسباب - التشخيص - العلاج، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الأردن، ص: 127.
[9] عبدالرحمن مصلح الشرادي "انحراف الأحداث في التشريع المغربي والقانون المقارن"، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى 2002 ص: 98.
[10] كاظم الشيب "العنف الأسري" قراءة في الظاهرة من أجل مجتمع سليم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2007، المغرب ص 29.
[11] "كاظم الشيب"، العنف الأسري: مرجع سابق، ص 30.
[12] العنف الأسري: "كاظم الشبيب" مرجع سابق، ص 31.
[13] ملحم، سامي محمد (2002)، القياس والتقويم في التربية وعلم النفس، دار المسيرة، عمان، الطبعة الثانية، ص: 219.
[14] جرائم العنف وأساليب مواجهتها في الدول العربي، د. عباس أبو شامة عبدالمحمود، أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الطبعة 1 الرياض 1424 - 2003، (بتصرف ص57).
[15] يمكن العودة إلى تقرير الأمم المتحدة الذي صدر في يوم المرأة العالمي سنة 2001.
[16] القمش، مصطفى، والإمام، صالح (2006)، الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة: (أساسيات التربية الخاصة)، عمان، الأردن، دار الطريق للنشر، ص: 276.
[17] جرائم العنف وأساليب مواجهتها، المرجع السابق ص: 58 - 59 - 60 (بتصرف).
2- Mcleod, J. & Kaiser, K. (2110). Childhood Emotional and Brhavioral Problems and Educational Attainment, American Sociological Review, 68 (5): 636 - 659
[19] - كاظم الشيب، العنف الأسري، مرجع سابق ص: 70 - 71.
[20] يعتبر ضيق السكن من بين المشاكل الملحوظة في عصرنا الحالي بشكل لافت للانتباه؛ إذ يحرِم الزوجين من الحرية التامة، كما يحرم الأبناء من الاستقلالية، ومن التحرك داخل البيت بحرية، وكل ذلك من شأنه أن يشكِّلَ ضغطًا معنويًّا على الأسرة بكاملها.
[21] الصحة والعنف، مرجع سابق، ص 37.
[22] نفس المرجع ص 37.
[23] نوري القمش، مصطفى، عبدالرحمن المعالطة، خليل (2007)، الاضطرابات السلوكية والانفعالية، الطبعة الأولى، دار الميرة للنشر والتوزيع والطباعة، عمان، الأردن. ص 37.
[24] معتز عبدالله، العنف في الحياة الجامعية، أساس ومظاهر، والحلول المقترحة العالمية، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 2009، ص: 100.
[25] العقاد، عصام عبداللطيف (2001)، سيكولوجية العدوانية وترويضها، القاهرة، دار غريب. ص 99.
[26] الزغبي، أحمد (1994)، الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفـال الطبعة الأولى، صنعاء، دار الحكمة اليمانية، ص: 201.
[27] نفس المرجع ص 101.
[28] يمكن الإشارة إلى أن مجالات الإحباط غالبًا ما تكون من صنفين: الصنف الأول في مجال الدراسية؛ إذ قد يحصل الإحباط نتيجة الفشل الدراسي، والصنف الثاني في مجال العلاقات العاطفية والحميمية، فعندما تدمر مفاهيم الحب والعشق يفضل الإحباط.
[29] الدكتور طريق شوقي، العنف في الأسرة المصرية، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، التقرير الثاني، القاهرة 2000 ص: 47.


  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 07:54 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى