المظاهر الحضارية في الدولة الأرتقية
29-07-2019, 01:49 PM


عناصر السكان

تنوع سكان البلاد التي دانت للأرتقيين ما بين التركمان والعرب والأكراد، من مسلمين ومسيحيين على اختلاف طوائفهم، وبعض اليهود والصابئة. وقد عامل الأرتقيون رعاياهم على اختلاف مذاهبهم معاملة طيبة وعرف عنهم تسامحهم في هذا المجال.

نظام الحكم

وكان نظام الحكم في الإِمارات الأرتقية وراثيًا، ولم يُشذ عن هذه القاعدة إِلا في عهد قطب الدين سُقمان أمير آمد وحصن كَيْفا، إِذ عهد بولاية العهد إِلى مملوك له يدعى إِياز. وتسمى الأرتقيون في البدء بالأمراء ثم بالملوك، وأول من حمل منهم لقب ملك هو أرتق أرسلان سنة 601هـ = 1204م فتسمى بالملك المنصور ثم اتخذوا بعد ذلك لقب السلطنة، وأول من تسلطن منهم نجم الدين المنصور غازي (ت 712هـ = 1312م). واستمر خلفاؤه يحملون هذا اللقب حتى سقوط إِمارة مارِدِين. وكانوا يضيفون نعتين إِلى أسمائهم.

كانت السلطة بيد الأمير أو الملك، ويساعده جهاز إداري على رأسه الوزير الذي تمتع بصلاحيات واسعة في العهود الأولى من حكم الأرتقيين، وهو الذي يعين بعض كبار الموظفين كالشحنة والمشرف على الوقف وغيرهما، وكان الأرتقيون يتوخون في وزرائهم العلم والثقافة، وقد أُحدث منصب نائب السلطنة في ماردين في زمن متأخر.

أما الولاة على المدن والقلاع فكانوا يكلفون حفظها وصيانتها وتفقد أسوارها وفتح أبوابها وإغلاقها، ولم يكن بقاؤهم في مناصبهم يدوم طويلًا، ومن كبار موظفي الدولة ناظر الديوان، ويساعده في تسيير شؤون ديوانه من الموظفين كالوكيل ومستوفي الدولة والناصح، ومنهم كذلك الحاجب وكاتب الإِنشاء والمحتسب. وقد حظي القضاء وبعض المناصب المرتبطة به كالخطابة والإفتاء بعناية كبيرة. وكان للقضاة دور مهم في السفارات السياسية، واشتهر عدد كبير منهم.

الحياة الاقتصادية

الزراعة

كانت الزراعة أهم المجالات الاقتصادية لخصب المناطق التابعة للأرتقيين، وكانت المنطقة كثيرة البساتين والضياع والقرى والرساتيق الزراعية، فقد كان لميّافارقين وحدها في مطلع القرن السادس الهجري مئتان وخمس وستون قرية وضيعة زراعية.

وكان الإِنتاج الزراعي متنوعًا وأهم المحاصيل الفواكه المتنوعة والبقول والخضروات والقطن. وساعد على ازدهار المنطقة زراعيًا ما كان فيها من ثروة مائية واسعة، وسهول فسيحة، إِلا أن الأحداث السياسية والعسكرية كانت تلقي بظلالها على الزراعة إِضافة إِلى العوامل الطبيعية.

التجارة

وكانت حركة التجارة عند الأرتقيين نشطة، وساعد في نشاطها الاتفاقيات التجارية مع الإِمارات المجاورة ووقوع عدد من أهم مدن ديار بكر، كدنيسر ونصيبين وغيرهما، على الطرق التجارية الرئيسية بين العراق والجزيرة وأرمينية والشام وفارس. وقد شملت التجارة المنتجات الزراعية والمواد الخام، والمصنوعات.

الحياة الثقافية عند الأرتقيين

اهتم الأُرْتُقيون ببناء المدارس في مختلف مدنهم وأنفقوا عليها مبالغ كبيرة، ورتبوا لها الأرزاق والوظائف والأوقاف ولاسيما في مارِدِين وحلب وغيرهما. كذلك اهتموا ببناء المساجد وتجديدها. وببناء القصور الفخمة كقصر مارِدِين.

وكان بلاط الأُرْتُقيين قبلة لكبار الشعراء مثل صفي الدين الحلي الذي مدح نجم الدين غازي الثاني المنصور بتسع وعشرين قصيدة بعدد حروف المعجم، وقد عد "لا" حرفًا منها بين الواو والياء وسماها "درر النحور في مدائح الملك المنصور" وعرفت بـ "الأرتقيات"، كما سميت "الروضة". وكذلك قصد بلاط الأرتقيين الأمير أسامة بن منقذ، والحسن بن خالد ابن محضر النصراني المارِدِيني الملقب بالوحيد، والديار بكري المشهور يحيى بن سلامة الحصفكي، الذي برع في فنون عدة ولاسيما الشعر.

كما برز مار يوحنا في علوم الهندسة والمساحة، وأسهمت المؤسسات الكنسية بنصيب وافر في الحركة الثقافية التي ازدهرت في ديار بكر، فألف رجال الدين الكتب واستنسخوها وجمعوها، وأنشؤوا المكتبات والمعاهد الدينية في العلوم المختلفة العقلية والنقلية.

كما كانت الندوات الأدبية تعقد في مجالس الملوك، وتمنح الجوائز للمبرزين. وخرَّجت ديار بكر عددًا من الأدباء والعلماء، عم نشاطهم العلمي والأدبي مختلف أنحاء العالم الإِسلامي، وأسهموا في تنشيط الحركة الثقافية، وتحفل كتب التاريخ بأسماء عدد كبير منهم. وكان بعض ملوك الأرتقيين من العلماء كحسام الدين تمرتاش الذي برع في الحكمة والفلسفة، ووقف على المشهد الذي بناه كتبًا حكمية.

وظهر في ديار بكر عدد من المتصوفة الذين لقوا تشجيعًا كبيرًا في المنطقة وبنيت لهم الربط (الأربطة) والخانقاوات وذاعت طرقهم الصوفية في بقية البلاد.

كذلك اتخذ الأرتقيون المغنين والموسيقيين والجواري ومالوا إِلى حفلات السمر واللهو، وكانت لهم جولات للصيد والقنص واحتفالات في المناسبات والأعياد.

________________

الموسوعة العربية العالمية، المجلد الأول، ص800.
مراجع للاستزادة:
- ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار صادر، بيروت 1965م).
- ابن العديم، زبدة الحلب من تاريخ حلب (المعهد الفرنسي، دمشق 1954م).
- أبو شامة، تاريخ الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية (مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة 1956م).