الإسلاميون من وراء القضبان: حروب الجماعات وتناحر الأمراء!!
24-08-2007, 08:32 PM
الأول: هو حماية مساجين الحق العام من الأفكار المتطرفة والتي قد تدفعهم إلى الالتحاق بالعمل المسلح، وخاصة أن أغلبهم أميين…
الثاني: هو تركهم يحتكون أكثر ببعضهم البعض مما يخلق النعرات والاختلافات والصراعات، وهذا ما يخدم مشروع الدولة في مكافحة الإرهاب وتفكيك الخلفية الفكرية والإجتماعية لهؤلاء.
وأضاف ضابط سجون من الإدارة العامة للسجون سببا آخر:
الثالث: تشديد مراقبتهم ولأهاليهم أيضا، خاصة أن كل السجون تخصص لهم يوما مستقلا للزيارة، فكثيرا ما انكشفت أمور ساعدت مصالح الأمن بالقضاء على جماعات إسناد أو حتى مسلحين…
يطلق على جناحهم عبر إدارات السجون بـ “الجناح الخاص” أو “جناح القانون الخاص”، أما على مستوى المديرية العامة لإدارة السجون فتسميه “جناح الإرهاب”، وإن كان الإسلاميون يفضلون تسميته بجناح “القضية الإسلامية”… وبحكم ما جمعناه من معلومات من الذين تحدثنا إليهم، فالإسلاميون يعيشون بالأفكار والطريقة نفسها، وقد أرجع سبب ذلك الضابط عبيد (المتخرج من الجامعة الإسلامية بالجزائر العاصمة) الذي اشتغل لسنوات في أجنحة الإسلاميين، إلى تحويل المساجين من سجن لآخر، وإن كانت مثلا في سجن سركاجي أو لامبيز (ولاية باتنة - الشرق الجزائري) توجد زنزانات وليست قاعات كما هو الشأن في سجن الحراش، إلا أن الضوابط التي يسمونها شرعية واحدة تخضع لمعيار ومقياس واحد، يسير وفق منهج الجماعات المرابطة في الجبال…
في سجن الحراش…
في سنة 2005 لم يبق بسجن الحراش إلا حوالي 300 سجين، يتوزعون على سبع قاعات وهي كالتالي: (1C , 1B, 1-BIS-B, 1-BIS-A, 1A, 2-BIS-A, 2A)، وتكوين القاعات وتوزيع المساجين فيها، يخضع إلى الخلافات العقائدية والمنهجية بينهم، وحسب ولائهم أيضا للجماعات المسلحة المرابطة في الجبال، فتجد السلفيين لوحدهم من يدينون بالمذهب السعودي المعروف بالوهابية، وتجد الإخوان أو ما يعرف بتيار الجزأرة، وتجد التكفيري ين من جماعة الهجرة والتكفير الموالين للتنظيم الأكثر دموية في الجزائر، وتجد في وسط هذا البعبع أشخاصا تم توريطهم من حيث لا يعلمون، فيخضعون حسب القاعة التي تم إيداعهم بها… في الماضي كان كل الجناح يخضع لما يسمى بـ “إمارة السجن”، حيث تتم مبايعة فرد يختارونه يكون أميرا للجميع، وطبعا الخضوع لهذه “الدولة” إجباري ومن خالف الأمر أو فكر في التمرد يتعرض إلى عقوبات قاسية نتعرض لها لاحقا، وقد يتهم بالخيانة والعمالة والجاسوسية ويقتل كما حدث عام 1995 حيث قتل المساجين زميلا لهم تحت التعذيب بتهمة المخابرات، وبعد سنوات تاب القاتلون وصاموا شهرين متتابعين بحجة أنهم ظلموه، أو يعذب حتى يشرف على الهلاك كما حدث للدكتور مراد حمرون مثلا… إلا أنه بعد ظهور تيار الجزأرة وأسس تنظيمه المسلح (الفيدا) وكان يستهدف المثقفين والصحفيين كإغتيال الأستاذ الجامعي جيلالي اليابس والصحفي الطاهر جاووت والدكتور فليسي والمسرحي عبدالقادر علولة… الخ، والمعروف أن زعيمه الروحي محمد السعيد تمت تصفيته من طرف إمارة الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) وتتمثل في أميرها الوطني جمال زيتوني الذي نفذ بنفسه حكم الموت بطريقة وحشية، وقد إمتدت الحرب القائمة بين الجيا والفيدا إلى السجن، مما سبب متاعبا للموالين للجزأرة وخاصة الكوادر الجامعية من الداخل أو حتى القادمة من كبريات الجامعات الأجنبية، وأصبحوا يتقاتلون بالعصي والقفف والصحون وعلب الدواء فضلا عن العضلات التي تمت تقويتها من ممارسة الرياضات المختلفة بالسجن، وقد كان “أمير السجن” يأمر بتعذيبهم والتنكيل بهم من طرف عصبته التي يطلق عليها (جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهي عبارة عن مجموعة ممن يتسمون بالقوة العضلية والخشونة، يقومون بحراسة سلطة الأمير وتنفيذ آوامره، التي يعتقد أنها من صميم الدين الإسلامي بل أنها عصب التدين والوجود الإسلاموي عندهم… لما أصبح الجزأريون يشكلون مجموعة لا يستهان بها تدخلت إدارة السجن بطلب منهم، وأعطتهم قاعة خاصة وهي (1-BIS-A) وصارت تعرف بـ “قاعة الجزأرة”، وصارت القاعة الوحيدة التي تخرج عن طوع إمارة السجن وسلطته، وحدثت الكثير من المحاولات الإنقلابية التي يطلقون عليها عملية “الفتح” من أجل إخضاعها لسلطة الأمير، إلا أن نزلائها تصدوا لهم بقوة أسالت الدماء كثيرا، ومما رواه لنا السجين الإسلامي السابق الربيع بلخيرة أن الأمير يختار مجموعة قوية تهاجم القاعة تحت شعارات التكبير و”عليها نحيا وعليها نموت” المعروفة لدى مناضلي جبهة الإنقاذ المحظورة (الفيس)، وعلى مرأى الحراس الذين لا يتدخلون دفعا لتمرد هؤلاء وإضراباتهم، فيتصدون لهم ويمنعونهم من الدخول وجرح الكثيرون وفقد آخرون أبصارهم أو أطرافهم في هذه الحرب المتوحشة…
الإمارة والأمراء
1-BIS-A : وهي “إمارة الجزأرة” ولها أمير مستقل يخضع لنظام توارثوه منذ تأسيس القاعة.
(2-BIS-A , 2-BIS-B , 1A, 2B): وهي تشكل ما يسمى بـ “إمارة السجن”، حيث تخضع كلها لأمير يطلق عليه “أمير السجن”، ولكل قاعة أمير يطلق عليه “أمير القاعة”، وتخضع لضوابط أكثر تشددا من “إمارة الجزأرة”، سنتحدث عنها لاحقا.
1B : لا توجد بها إمارة بل يسيرها شخص يطلق عليه لفظ “الناظر” كما هو معمول به لدى الإدارة، وهي تتكون من المغضوب عليهم من باقي القاعات، أو حتى الأقل تدينا، حيث يباح لأفرادها التدخين في الساحات ومشاهدة الأفلام والمسلسلات لكن من دون صوت ويمنع رؤية النساء سنشرح ذلك فيما بعد.
1C : لها نفس نظام القاعة السابقة، ولكن يسمح التدخين في القاعة ومشاهدة التلفزيون مشاهدة مطلقة، وكل محرم في القاعات الأخرى مباح بها، حتى عدم ممارسة طقوس العبادة، الذي يعتبر جرما لا يغتفر لدى الإمارتين… لذلك يطلقون عليها من طرف القاعات الأخرى بما يرونه تنابزا قاعة “الحق العام”.
للتذكير أنه وقع جدل فقهي عن طبيعة الإمارة المعلنة، طالما أدى إلى صراعات لا تحمد عقباها… يخلف شراطي وهو أحد زعماء جبهة الإنقاذ المحظورة، كان عضو في مجلسها الشوري، قتل في أحداث سجن سركاجي الشهيرة التي وقعت في شهر فبراير من عام 1995 وهزت العالم ببشاعتها، فقد أفتى بأنها “إمارة شرعية” يخضع لها المساجين وفق ما استنبطه العلماء من الدين عن شروط الإمارة وقواعدها وإلتزامات الرعية نحوها، وعلى سبيل التنويه أنه من الفتاوى الغريبة في السجن لهذا الشيخ المغتال، أنه أفتى بتحريم إرجاع الخبز الفائض لإدارة السجن من طرف نزلاء القاعات، وأوجب على الأمراء أن يأمروا بتفتيته إلى فتات ورميه في المراحيض حتى لا يستفيد منه “الطواغيت” حسب إعتقاده، وصار الإسلاميون يعملون بهذه الفتوى لسنوات عبر كامل سجون الجزائر… أما “أبو حفص” وهو أحد المنظرين للفكر الجهادي وتم إغتياله من طرف عناصر مسلحة قبالة المسج د الذي كان إماما له ، حيث كان وسيطا بين هذه التنظيمات والنظام من أجل المصالحة والحوار ، فقد أفتى بأنها إمارة أخرى إجتهد في تسميتها بـ “الإمارة التنظيمية”، لأنه لو تعلن “إمارة شرعية” فالواجب يقضي على الجميع مبايعتها حتى ممن هم خارج السجون، ويراها إمارة تنظيمية تهتم بحياة المساجين الإسلاميين ولها الشروط والقواعد نفسها التي للإمارة الشرعية كالطاعة مثلا، ولقد ظلت “إمارة السجن” ترى نفسها “إمارة شرعية” لأنه لا يوجد شيء في الشرع إسمه التنظيم، بل هو مستحدث وبدعة لا يقبلها الشارع أبدا، فإما الشرع أو اللاشرع ولا توجد منطقة وسطى بينهما حسب إعتقادهم طبعا، أما “إمارة الجزأرة” فتراها تنظيمية وفق ما أفتى به الإمام المغتال، وننوه أيضا أن لأبي حفص فتوى شهيرة في السجن تحرم أكل البصل إطلاقا وألف رسالة ظلت تتداول بين المساجين، ويطبق الأمراء بنودها بمرسوم يسمونه “ضابطة”…
بيعة الأمراء
، يتم توزيع قصاصات ورقية عليهم، ومن ثمة يتم الإختيار بين المرشحين، وعندما تنتهي العملية يعلن عن الفائز، الذي يتقدم ويدير الحلقة العامة، مطأطئ الرأس غالبا كدليل الإستحياء والتكليف الجسيم الذي لا يرضاه لنفسه، ويلقي كلمة تحفيزية عن الضوابط التي سوف يواصل العمل بها، ويدعوهم إلى الطاعة والتفاهم، ثم يقوم بتعيين مجلسه للشورى الذي لا يختلف عن سابقه غالبا، وأيضا يقوم بإعادة تعيين أمراء آخرين أو يزكي السابقين، ويتمثلون في “أمير المطبخ” و”أمير النظافة” و”أمير المغسل” و”أمير الساحة”… هذا ما يتعلق بأمير القاعة أما أمير السجن فيتم اختياره من طرف أمراء القاعات، سواء كان أحد منهم أو آخر لم يترشح لمنصب إمارة القاعة، وقد روى الكثير عن الويلات التي يقوم بها هؤلاء في إضطهاد الضعفاء وضربهم وتعزيرهم، وطالما حدثت صراعات بين أطراف وتكتلات تريد أن يكون الأمير منهم، لأن ذلك يوفر لهم الغطاء والح ماية والمنعة، ومما يرويه لنا السجين السابق بوعبد الله السعيد أنه مرة أتهم أحد المساجين بقضية أخلاقية، وتمثلت في التحرش الجنسي بأحد الشبان، وذلك لتلطيخه ومنعه من الترشح للإمارة نظرا لما يحظى به من التقدير بين عناصر القاعة، وآخرون يتهمون بالتجسس لصالح الإدارة … أما الشيخ فتحي وهو سجين سابق ويتمتع بسعة العلم الشرعي، فقد عانى الأمرين من هؤلاء الأمراء الذين يخالفون الشرع ويحكمون بأهوائهم، فالظلم وضرب الناس والاتهام الباطل والأنانية هي طبعهم، حتى أنه ذكر أحد أمراء السجن الذين حكموا بالقبضة الحديدية وعذبوا الكثيرين بتهم الإنحراف عن الدين، لما أفرج عنه صار يعمل نادلا في حانة… أما السجين السابق حسين بوشمة فقد روى لنا ما كان يحدث له مع “إمارة السجن” وقد كان أميرا للمطبخ، حيث أنه رفض صناعة الأطباق الخاصة للأمير وحاشيته، أو تسليمهم البعض مما يحضره لهم أهاليهم خفية على خلاف الآخرين، لذلك تعرض إلى مؤامرة وأتهم بالتكفير وأخرج من القاعة تحت الشتم والبصاق وغيره، ففضل أن يلتحق بـ “إمارة الجزأرة” التي كان أميرها حميد مباركي العون السابق والمتهم الرئيسي في مجزرة سجن سركاجي… الإنقلابات وال مؤامرات على الأمراء تحدث بكثرة فتجد الأمير لا يمكث إلا أسابيعا أو أشهرا ويتم تبديله، ويكون هذا مصيره غالبا لما يرفض خدمة مصالح التكتلات النافذة، وخاصة ما يسمى بـ “القضية الواحدة” التي عندما يكون عدد أفرادها كبيرا وهي ميزة الإسلاميين على خلاف مساجين الحق العام، فيشكلون بتلك العصبة لوبيا يخضع لسلطته الأمير وكل الأمراء، وإن كانت “إمارة الجزأرة” متفتحة بعض الشيء فإن “إمارة السجن” متشددة إلى درجة جنونية، ويروي لنا السجين السابق بلال موسى أنه تدخل لإنقاذ شاب راحت عصبة الأمير تضربه، فضرب بدوره ضربا مبرحا وتم طرده من القاعة، ليستقبل في “إمارة الجزأرة” طبعا بعد المرور على الضابطة التي سنتحدث عنها، ونال الموافقة للعيش معهم نكاية في “إمارة السجن”… وللتذكير أن إدارة السجن ليست له أي سلطة عليهم سوى المناداة أو غلق الأبواب فقط.
ضوابط وقوانين…
الضوابط تبدأ بالأكل الجماعي، حيث خصصت زاوية من القاعة كمطبخ يشرف عليه ما يسمونه بـ “أمير المطبخ”، له طباخين يساعدونه في إعداد الوجبات، حيث يتم إعادة طبخ طعام الإدارة الذي يسمونه “طعام الطاغوت” وذلك بإضافة توابل حتى تتحسن وتصير قابلة للأكل، أما في أيام الزيارة التي كانت يومين في الأسبوع في عهد المدير حسين بومعيزة وصارت يوما واحد بعد توقيفه وإيداعه السجن على خلفية المقال الذي تم تهريبه عبر هاتف نقال، وتورط في القضية الضابط نوار عبدالمالك والصحفية نائلة بن رحال… فالسجين العائد من هذه الزيارة يمنع من فتح قفته أو الإطلاع عما فيها، يسلمها مباشرة للمطبخ، وتكون طعام الجميع خلال الأسبوع وفق تنظيم يشرف عليه “أمير المطبخ” وبرعاية “أمير القاعة” و”أمير الخدمات”… وهذا الأمر نفسه بالنسبة لـ “إمارة الجزأرة” وتختلف سوى في ما يتعلق بالفواكه أو الحلويات التي تعاد إلى صاحبها بعد أخذ قسط منها يوزع فيما بعد على النزلاء، المتوزعين في جماعات يطلق عليها بلفظ محلي شهير “القرابة”… بالنسبة للقاعتين الأخريين فكل شخص له مجموعته ولا يوجد شيء إسمه “عامة”… وفي هذا الإطار فإنه يجب التنويه إلى أن من أسباب التناحر بين الأمير والآخرين هو المطبخ وتوابعه، حيث تجد المقربين من القيادة لهم حظوظ أخرى ومميزات، تدفع الآخرين إلى النقد وهذا الذي يجر لهم الويل لأن الأمير مقدسا والحديث فيه من الممنوعات والمحرمات…
التنظيف يكون أسبوعيا ويشارك الجميع بلا إستثناء، هذا بالنسبة للإمارتين ويوجد تنظيف يومي يقوم به أشخاص يسمح لهم الأمير بالبقاء في القاعة وعدم الخروج الإجباري للساحة، أما القاعتين الأخريين فلهم تنظيف يومي يقوم به ما يسمونه بالخدمات وأسبوعي يشارك فيه الجميع… وهنا نذكر أن “الخدمات” التي تقوم بالتنظيف بعد الوجبات وغسل الأواني والصحون، فتوجد ضابطة لا تختلف بين الإمارتين، حيث يقسم النزلاء إلى مجموعات تتكون من نزيلين في كل مجموعة، والخدمات مقسمة إلى خدمتين، “خدمات قاعة” وتتمثل في تحضير الموائد وتوزيع الأطباق بين المجموعات، وبعد الإنتهاء من الأكل يتم تنظيف القاعة وجمع الصحون والأواني في مكان أعد خصيصا لذلك، ثم يأتي دور المجموعة التي تسمى “خدمات المغسل” لتقوم بتنظيف الأواني، وهنا ننبه إلى أن الأمير وأعضاء مجلس الشورى والمقربين منه والشيوخ العجزة والمرضى لا يؤدون هذه الخدمات، وقد حدثت مشاكل كثيرة في هذا الموضوع، حيث تجد بعض النزلاء يتميزون بالراحة لأنهم من الحاشية، ويختلق الأمير وحاشيته أسبابا يزعمون أنها “موانع شرعية” يبررون بها القرار…
“إمارة السجن” تفرض ما تسميه بـ “الرباط”، وتبريرهم لذلك له البعد العقدي والبعد الإستراتيجي القتالي، حيث في الأول أنه توجد نصوص دينية تحث على السهر في سبيل الله والرباط وحراسة الثغور، وفي الثاني أنهم يتدربون على السهر والحراسة كإعداد للفرد لما يفرج عنه ويلتحق بالتنظيمات المقاتلة في الجبال، والرباط لدى تلك الإمارة هو تعيين شخص أو شخصين حسب ما يريده المرابط، والضابطة تفرض الرباط كل ساعتين، حيث يقوم النزيل أثناء هذه المهمة بعدة مهام:
- توفير الماء لنزيل قد أحس بالعطش ومن دون أن يغادر فراشه.
- تغطية نزيل سقط عنه الغطاء أثناء النوم.
- أتسوية وضعية غير مباحة لسجين أثناء النوم كأن يتمدد على بطنه مثلا، أو يتعرى جزء من جسده.
- العبادة وقيام الليل والتهجد لذلك تجد أن البعض يريدون الرباط من أجل قيام الليل والصلاة والدعاء.
- المطالعة للكتب والبحث الذي يقوم به ما يسمى عندهم بطلاب العلم الشرعي.
- حفظ القرآن والأحاديث.
- مراقبة المشبوه الذي يقع تحت طائلة “الشبهة الشرعية” كأن يرونه يختلي بشاب عليه مسحة يوسفية كما يسمونها أو يتحدث له طويلا، للتذكير أن الشاب بمثل هذه الصورة يسري عليه حكم الأنثى وسط الرجال، تحرم الخلوة به في تشريعهم طبعا.
أما بالنسبة لمشاهدة التلفزيون فهو يمنع منعا باتا في “إمارة السجن”، يوجد تلفزيون بالقاعات لكن تم إلصاق آية قرآنية أو حديث على شاشته، وصار مجرد ديكور، ولسنا بصدد الحديث عن الأسباب الشرعية التي يستندون لها فيعرف القاصي والداني الجدل والخلافات الدينية في ذلك، أما بالنسبة لـ “إمارة الجزأرة” فلها ضابطة أخرى حيث يسمح بمشاهدة نشرات الأخبار والأشرطة العلمية والمقابلات الرياضية والحصص الخاصة، ولكن يجلس دائما نزيل مكلف بالمهمة قرب التلفزيون يحمل لوحة بحجم الشاشة، حيث لما تظهر امرأة يقوم بما يسمونه “الطمس”، حتى في المقابلات الرياضية فيتم الطمس عندما تظهر الكاميرا فخذ لاعب أو دبره في لحظة ما، أو يكتم الصوت إذا انبعثت الموسيقى… في قاعة (1B) يسمح إضافة لما ذكر سابقا مشاهدة الأفلام لكن بالضابطة نفسها التي تختص بها “إمارة الجزأرة”، أما ما يسمونه بقاعة الحق العام فكل شيء مباح والتلفزيون هو عصب الحياة عندهم، لذلك تجد المحرومين من هذا الأمر يفضلون اللجوء إلى ارتكاب محظور والتعرض للعقوبات حتى يتم طردهم ويختارون طبعا التلفزيون… ويجب أن نذكر أنه حدث جدل كبير في “إمارة الجزأرة” حول المقابلات الرياضية فيوجد جناح يراها حراما لأنها قمار وتظهر عورات الرجال وفيها حتى عقيدة الولاء والبراء وتلهي عن العبادة، إلا أن الجناح الفاعل رفض تغيير هذه الضابطة الموروثة…
تنقل الأفراد بين القاعات أو الساحات فبالنسبة لـ “إمارة السجن” فيمنع تنقلهم إلا لـ “إمارة الجزأرة” هذا في السنوات الأخيرة فقط ولضرورة ملحة كأن يزور أحد شقيقه، ولا يسمح لدخول القاعة أو الساحة إلا بإذن خاص من طرف الأمير، أما للقاعتين الأخريين فيمنع منعا باتا الاحتكاك بهم، لأنهم يعتبرون فساقا ومنحرفين ومخترقين أيضا من طرف إدارة السجن، أما بالنسبة لـ “إمارة الجزأرة” فليست لهم ضابطة في الأمر سوى أنه يخبر الأمير عند تبادله مع نزيل في قاعة أخرى للمبيت، ويفعلون التبادل حتى لا يتم الإخلال بالنظام التعدادي للقاعات الذي تراقبه الإدارة في كل دخول أو خروج…
للنوم ضوابط فبالنسبة للقيلولة فتبدأ من بعد تناول وجبة الغداء وتنتهي عند رفع آذان الظهر، والسكوت النهائي في الليل يبدأ في ساعة يتفق عليها وتنتهي عندما يرن جرس الحراس للإستيقاظ…
أما بالنسبة للصلاة فهي جماعية وفي وقتها ولهم إمام يتم تعيينه من طرف الأمير وغالبا ما يكون أحفظهم للقرآن وفي بعض الأحيان أقربهم لمنهج الأمير، هذا في الصلوات اليومية أما في الجمعة فهي تقام عادية يؤدي الإمام خطبتين وركعتي الصلاة، صلاة العيدين فتكون في الساحة حيث لـ “إمارة السجن” صلاتهم ولـ “إمارة الجزأرة” صلاتهم أيضا، ففي الوقت نفسه تسمع إمامين وأذانين وصلاتين، وكذلك بالنسبة لصلاة التروايح في رمضان تقام عادية فإن وجد حافظا للقرآن فهذا يغنيهم عناء القراءة من المصحف… وقد حدث الجدال الواسع حول رخصة التقصير في الصلاة وسقوط الجمعة والعيدين والإفطار في رمضان وأدى إلى نشوب نزاعات ومعارك سالت فيها الدماء طبعا، غير أنه دفعا للعواقب الوخيمة تم ترك الأمور تسير على حالها كما ورثوها من باب دفع الفتنة على حد تعبيرهم، وخاصة في الآونة الأخيرة التي ضعفت شوكتهم وقل عددهم، وطبعا أن السابقين أفتوا بالإتمام في الصلاة وصيام رمضان، وإن كان الكثيرون يأخذون بما يرونها رخصة الإفطار لكنها سرية…
الحلقات الدينية والدروس والوعظ يوميا وبصفة دائمة، وكذلك المسابقات الفكرية وحتى الرياضية والمتمثلة في المصارعة والتي يسمونها “السمر”، أو المقابلات في كرة القدم وكرة اليد وحتى كرة السلة أحيانا… وتتوزع الحلقات بين دروس العقيدة ويتداول بين أيديهم كثيرا كتاب العقيدة الطحاوية وشرحها للعلامة محمد الصالح العثيمين وكذلك كتاب التوحيد لمحمد بن عبدالوهاب، وهنا يجدون فرصتهم البارعة في تكفير النظام وتجنيد النزلاء بالسلفية الجهادية، وكذلك في الفقه وحفظ القرآن والحديث، أما في السياسة فهم لا شأن لهم بها، بل يوجد بينهم من يقوم بتكفير جبهة الإنقاذ المحظورة وشيوخها، ولا يسمح لأي كان أن يتخلف عن الحلقات التي يطلق عليها “عامة”، وتوجد أخرى “خاصة” كتعليم قواعد ترتيل القرآن أو جماعة يحفظون سويا القرآن أو يتعلمون النحو والإعراب، وهناك أيضا دروسا لمحو الأمية… < /P>
بالنسبة للجرائد والصحف التي تحضرها الإدارة أو المشتركون من النزلاء أو حتى العوائل فالضابطة تلزم تسليمها لنزيل يسمى “أمير الصحف” يكلفه “أمير القاعة”، فيأخذ قلما ويقوم بطمس وجوه صور الأشخاص أما النساء فتطمس كاملا، والمقالات التي لا يسمح بمطالعتها كالجنسية والفنية والأبراج وحتى الدينية التي تخالف منهجهم وغيرها، أيضا تقطع الصفحات المخصصة للإشهار، أما بالنسبة للمشتركين فيمنع إشتراكهم في الصحف الفنية بل توجد قائمة يعدها “مجلس الشورى” للصحف المسموح بها…
إحضار الكتب من مكتبة السجن أيضا له ضوابط فتمنع الكتب الروائية والقصصية والكتب الدينية لبعض العلماء كالقرضاوي والغزالي والبوطي وغيرهم بسبب أنهم علما فتنة وضلال !!.
يمنع تعليق الصور في جدران القاعات، أو طلب إحضار أحدهم لصور أبنائه، فذلك من الموبقات التي يعاقب عليها الأمير…
المحاكمات والعقوبات
العقوبات مختلفة وكثيرة وهي درجات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- التعزير: ويتمثل غالبا في الجلد ويختلف عدد الجلدات حسب العقوبة التي يقرها حكم المجلس.
- الهجر: حيث يمنع الحديث مع المعاقب أو الجلوس إليه أو الأكل معه، وحسبما روي لنا يوجد من هجر أشهرا عديدة، حتى بلغ به الحال إلى محاولة الإنتحار، وللتذكير أن أي نزيل يخالف الحكم ويتحدث له يتعرض هو بدوره إلى العقوبة.
- التأديب: بالضرب المبرح وعلى مرأى المساجين الآخرين، وقد نقل الكثيرون للمستشفيات وسببت لهم عاهات، ويقوم بالتنفيذ العناصر التي تسمى بجماعة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر.
- الخدمات: وتتمثل في أداء خدمات في القاعة أو الساحة، كغسل الأواني لأسبوع أو أكثر، ويوجد من عوقب بثلاثة أشهر خدمات حتى كاد أن يفقد عقله…
- الحرمان: كأن يحرم من الزيارة أو الرياضة أو الأكل من مطبخ الإمارة، ويحتم عليه الأكل من ما يسمونه “طعام الطاغوت”.
- العبادات: كأن يعاقب بحفظ أحزاب من القرآن أو عدد معين من الأحاديث أو الصيام لأيام يحددها الأمير، أو قيام الليل.
- الرباط: وهذا يتعلق بـ “إمارة السجن” حيث يعاقب بالرباط الليل كاملا لمدة أسبوع أو أكثر، حسب ما يشرعه مجلس الشورى طبعا.
- الطرد: حيث يطرد المخالف من القاعة وترمى له أغراضه خارجها، وهذا الذي يحدث كثيرا في الإمارتين.
- إعلان التوبة: هذا بالنسبة للأشخاص الذين يتهمون بالتكفير أو التلفظ بما يخالف الشرع أو أشياء تعتبر في خانات المعصية الخفيفة.
ومما يذكره لنا السجين السابق سدي محمد أنه عاش حالات كثيرة من هذه المحاكمات وسمع القصص الكثيرة عن مساجين تم تعزيرهم وأجريت لهم عمليات جراحية فيما بعد، بل هناك من توفي بسبب أعراض الضرب والتعزير، وأغلبهم تلفق لهم المكائد حتى يتخلصون منهم، وخاصة أولئك الذين يملكون العلم الشرعي ويرفضون تجاوزات الإمارة، ولقد بقيت راسخة في ذهنه لا ينساها أبدا، ومما يرويه أن الضابط نوار عبدالمالك الذي كان في جناح الإسلاميين على إثر قضيته مع الوزير بوقرة سلطاني يعتبر أكثر المساجين الذين تعرضوا للمحاكمات وبلغت أكثر من خمسين حلقة، وآخرها أنه بسبب المقال الذي نشر في صحيفة جزائرية يكشف فيه ما سموها “الأسرار الداخلية” للإسلاميين بسجن الحراش، فقد تقرر رميه أثناء إكتظاظ المساجين من على شرفة القاعات، ولكن لحسن حظه تم عزله في زنزانة إنفرادية من طرف وزارة العدل الجزائرية… ومما يرويه السجين السابق أيضا خن افيف أحمد الذي كان موقوفا بسجن البرواقية وقد قضى أكثر من 13 سنة، أنه عاش الكثير من هذه الأحداث ولو رواها لكتبت في مجلدات، وذكر أن ما عاناه المساجين الإسلاميين من تسلط الأمراء داخل السجون أكثر مما عانوه من طرف الإدارة والنظام، أما الدكتور مراد بحرون الذي عذب في سجن الحراش حتى كاد أن يهلك، واستعملت معه طريقة “الشيفون” في مغسل القاعة بعدما أتهم بالتجسس لصالح إدارة السجن، وقد أجريت له عدة عمليات جراحية بسبب ما حدث له، ففضل القول: “الأمراء عذبونا وظلموا الناس في السجون لدرجة لا يمكن وصفها، فكل من يخالفهم في الرأي يصل به الحال إلى تدبير مكيدة مع شهود يتم مسبقا إعدادهم ويدفع الثمن باهضا”، وقد عمل كطبيب في سجن البرواقية وعالج الكثير من حالات التعزير البشعة التي يقشعر جلده لما يتخيلها… يروي لنا ما حدث لرعية فرنسية محكوم عليها بالمؤبد أن الأمير وحاشيته منعوها من إستقبال أعوان السفارة الفرنسية الذين يحظرون لها قففا ومتطلباتها في السجن من أكل ولبس، وحجتهم أنها تأتي من الكفار، ففعل السجين الفرنسي ما أمروه به وبعدما أمضى على وثيقة رفضه بصفة نهائية ما ترسله له السفارة، منعوا عنه المعونة التي وعدوه بها، وصار يشتغل حمالا للقفف مقابل تفاحة أو برتقالة أو أي شيء آخر…
أما جمال مكراز وهو من قدماء الأفغان العرب وشارك في حرب البوسنة أيضا، فقد تحدث لنا عما عاناه “الأفغان” من تسلط الأمراء بحجة أنهم غير مقتنعين بما يسمونه “جهاد الجزائر”، وأختصر لنا ما يحدث من وراء القضبان أنه “ظلم وإنحراف وفساد”… نكاع كريم وهو أفغاني جزائري سابق يتحدر من ولاية قسنطينة وقد أرسل في إطار المكتب الذي أشرف عليه الوزير سلطاني بقسنطينة لتجنيد الشباب للقتال في صفوف الأفغان ضد الإحتلال الروسي، فقد عوقب مرات متعددة وهجر بسبب رفضه لكثير من الأوامر التي - كما قال - تخالف الشرع ولا تمت بصلة لأخلاق المسلمين، فقد طلب منه مرة “أمير السجن” أن يشهد ضد سجين أتهم باللواط، غير أنه رفض رفضا قاطعا مما عرضه للسخط وثورة الأمير وحاشيته…
الحرب على “الجيا” والتكفيريين و”المرتدين”…
من ضوابط إلتحاق أي سجين بأحد الإمارتين أن لا يكون تكفيري، وهناك من يستعمل التقية، وتجدهم في صلاة الجماعة يدخلون بين الصفوف وفي نيتهم أن إمامهم أحد منهم، بل بينهم أيضا من يصلي الجماعة بنية الإنفراد، وقد تعرضوا للضرب المبرح والمحاكمات والعقوبات عبر كل السجون وخاصة حيث لا شوكة لهم، ويذكر لي خالد وهو سجين سابق أن “القعقاع” كان يتباهى علنا بأن ما تحضره له أمه العجوز من طعام هو غنيمة، لذلك تجد عناصر “إمارة السجن” يحاولون إستفزازه وهو عائد من الزيارة، ولهذا نجد أن أي شخص غير مرغوب فيه تلفق له تهمة التكفير أو أنه يصلي بنية الإنفراد، حتى أن إسماعيل وهو من منطقة بودواو (ولاية بومرداس) تعرض إلى المحاكمة لدى “إمارة السجن” فطرد من القاعة بعد ضربه طبعا، وتعرض لمحاكمة أخرى في “إمارة الجزأرة” بالتهمة نفسها، حيث أرسل الأمير أشخاصا له وراحوا يتحدثون إليه في قضايا عقدية، وإسترسل الرجل يسرد بعض أفكار الوهابية عن التوحيد، وفي سياق حديثه ذكر بوعمرة وهو أحد زعماء التكفيريين في الجزائر، حينها قدم للمحاكمة وشهد ضده أولئك المقربون من الأمير، أصدرت الحلقة في حقه أمرا بإعلان التوبة خلال ثلاثة أيام، ولحسن حظه أنه حكم عليه بالحبس غير النافذ وغادر السجن في آخر يوم من المهلة المعطاة له… الإسلاميون في السجون يعترفون بأن الجيا والتكفيريين هم من إرتكب المجازر المروعة في حق المدنيين، وإن كانوا لا يبرؤون النظام من التوجيه والتلاعب والإختراق… وقد روى لي أحدهم ما حكاه لهم أحد قدماء التكفيريين من جرائم مروعة، نذكر منها خطف النساء وإغتصابهن، حيث توضع ما تسمى بـ “السبية” في عريش وينال الأمير حظ الإستمتاع الأول بها، وبعد ذلك يتداولون عليها الواحد تلوى الآخر والضابط في ذلك هو العزل، وإن خالفه أحدهم بأن تخبر السبية الأمير به، فإنه يقتل، ويوجد من فعل بأخته على مرأى عينيه بعدما إختطفها بنفسه… بقر بطون الحوامل وإستخراج الجنين وذبحه، وضع رهينة في برميل كبير ويصب عليه الجبس المبلل حتى عنقه ثم يعرض لحرارة الشمس، مما يجعله يجف، ولما يستوي نهائيا يرمى من أعلى مكان في الجبال حيث يتدحرج ح تى يقطع عنقه ويبقى جسمه مدفونا في البرميل… آخر روى لي أنه حضر لرهينة قطعوا أطرافها ثم قطعوا لسانها وبعدها بقروا صدرها وإستخرجوا قلبها الذي راح ينبض في يد الإرهابي، مما دفع هذا الأخير بأن يسلم نفسه لمصالح الأمن… أيضا أنه من مبادئ “الجيا” أن شخصا لما يكون كبيرا في السن ويصبح يشكل عبئا عليهم، يطلبوا منه السماح لهم بقتله، فيوافق على الفور ويعقدون حلقة حيث تجد كل واحد يوصيه وصية، فمنهم من يطلب أن يبلغ سلامه إلى الصحابة وآخر للأنبياء وهكذا، وفيما بعد يقتل غيلة حتى لا يتأثر ولا يفتتن في دينه حسب إعتقادهم طبعا، وسوف نفرد ملفا عن عجائب هذا التنظيم في الجزائر…
ومما يدخل في هذا الإطار أيضا أن المسلحين الذين سلموا أنفسهم محكوم عليهم بالردة لدى الإمارتين، ويجوز فيه حد القتل، وخاصة أولئك الذين أرشدوا على مكان تواجد المسلحين، فهم يتعرضون للويل والتعذيب الوحشي، وتمنع الإمارتين إلتحاق من ثبت عليه ذلك ودخول القاعات، ولهذا وجدوا ملاذا في القاعتين الأخريين، ويذكر لنا أحدهم أن مسلحا من منطقة بومرداس سلم نفسه في جانفي 2006 وتم إيداعه السجن وقد أعتدي عليه وهو عائد من العيادة وسبب له كسر ضلعه وتهشيم أنفه، بعدما أفرج عنه في مارس 2006 في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، تم إغتياله في الأيام الأولى قرب بيته…
العلاقة مع “الطاغوت” !!
في الإضرابات التي يشنونها يزداد حقدهم أكثر، فتجد الحارس إن مر عليهم يشتمونه ويبصقون في وجهه، وطالما ضرب الحارس من طرف نزلاء قاعة لا تجد الإدارة حلا لهم، وغالبا ما تلجأ إلى الترحيل نحو سجون أخرى وتفريقهم… وقد أباحوا الكذب في هذه الحالة عندما تزورهم المنظمات الدولية كالصليب الأحمر مثلا، فيسترسلون في نسج خيالات من أجل النيل من “الطاغوت”، وإن زارهم مسؤول سامي في وزارة العدل فلا يتركون الفرصة تمر من دون أن يكيلوا الضربات للإدارة المباشرة، وقد أحلوا ذلك بناءا على مراجعات فقهية قدمها الكثيرون من طلاب العلم الشرعي أو الشيوخ المسجونين، ولا يسمح لأي كان مهما بلغت درجة علمه أن يفتي بغير ما هم مقتنعون به، فـ “الكذب على الطاغوت” واجب عند بعضهم… حتى أن أحد المساجين في البليدة كان شقيقه يعمل حارسا في السجن نفسه، فمنع من التحدث إليه أو رد حتى السلام، ولما رفض ذلك وشاهدوه يتكلم مع أخ يه، أتهم بالتجسس عليهم لصالح الإدارة وضربوه ضربا أرقده بالمستشفى 15 يوما، وهذا ما رواه لنا السجين السابق الذي رافقه في القاعة نفسها قاسة بغدوش… بلغت عدم ثقتهم فيما بينهم أنه إن تلقى أحدهم إستدعاء من العيادة مثلا لأجل التحاليل أو الكشف، فيرسل الأمير نزيلا خلفه ليراقبه ربما يكون متجها نحو وجهة أخرى، لأن هاجس المخابرات يقض مضجعهم، وخاصة إذا تعلق الأمر بشخص يظهر لهم أنه يحمل قناعات أخرى غير التي يحملونها، أو يوجد من حمل وشاية عنه للأمير…
وربما يدخل في هذا الإطار علاقاتهم مع مساجين الحق العام، وطالما هجموا عليهم في الساحات لتأديبهم، وطالما ضربوهم في العيادة أو في أماكن الزيارت لأسباب متعددة، كالتدخين أثناء وجودهم أو التلفظ بالكلام الفاحش البذيء أو الغناء أو سب الدين أو لأسباب تجارية داخلية يتفنن مساجين الحق العام فيها، كالهواتف النقالة والشرائح والألبسة والعطور والتوابل أو علب القهوة والشاي والمشروبات المختلفة غير الكحولية طبعا، التي لا يشدد مراقبتها بالنسبة إليهم، فيبيعونها على جناح السرعة للإسلاميين…
العراقيل والحرب على الهواتف النقالة !!
المشاكل والصعوبات التي تتلقاها إدارات السجون مع الإسلاميين غالبا ما تكون سياسية، فالقانون الداخلي يمنع لبس الأقمصة وإطلاق اللحى وإدخال العطور والمسك والسواك والخواتم والكتب الجهادية المحظورة، إلا أن الإسلاميين يرون ذلك مخالفا للشريعة وتحدث مواجهات لهذا السبب، أما فيما يتعلق بالمشاكل الأخرى المنتشرة بين مساجين الحق العام كالسرقة والمثلية والمخدرات والخمور المهربة من طرف الحراس و”التعراش” وغيره فلا يوجد بين الإسلاميين إلا نادرا، وإن كانت ما تسمى بـ “قاعة الحق العام” في جناحهم تنتشر فيها الحبوب المهلوسة والمخدرات والمثلية أيضا، لهذا تجد التعليمات الموجهة للحراس في أماكن الزيارات وتفتيش القفف هي البحث عن المحظورات التي ذكرناها سابقا، إضافة لشرائح الهواتف، ولا يجدون صعوبة في أداء عملهم كتحويل الأطعمة إلى الطبيب لتحليلها كما يحدث مع الكثيرين، حيث يجدو ن المرق غالبا محشو بالحبوب المهلوسة و”المدام كوراج” كما يقولون… وإن كانت في الآونة الأخير قد قادت إدارة السجون حملة ضد الهواتف النقالة، التي سربت من طرف الحراس وبأثمان باهضة تعادل أضعاف مضاعفة قيمتها في الأسواق، ودر ذلك ربحا وفيرا عليهم، وخاصة أن الحراس محدودي الدخل، مما يذكره لنا السجين السابق قاسة بغدوش أن المخابرات قادت بنفسها عمليات التفتيش بأجهزة متطورة في سجن البليدة والحراش وسركاجي وتيزي وزو في أجنحة الإسلاميين الذين تم إكتشاف إتصالات بينهم وبين المرابطين في الجبال… وفي هذا الإطار نذكر ضوابط لإستعمال النقال لدى الإسلاميين حيث يمنع الإتصال بالنساء إلا الزوجات فقط لمن ثبت زواجهم أو الأمهات أو الأخوات، أو الإتصال بأشخاص يعملون لدى النظام حتى ولو كانوا أشقاء، فضلا من أن الأمير يضع جواسيس يتصنتون على النزلاء أثناء المكالمة… أما دس الهاتف حتى لا تصل إليه أعين الحراس فهو يخضع لأساليب ذكية للغاية، حيث يروي لنا السجين السابق حسين بوشمة والذي كان يحوز على هاتف نقال، أنه إستعمل الدلاء وعلب الزبدة والكتب ذات الحجم الكبير وحتى المصاحف وحفر في الجدران وزوايا الأسرة، ويذكر أنه مرة إضطر إلى دسه في سندويتش أثناء مداهمة مفاجئة لمدير سجن الحراش، الذي حمل السندويتش من الأرض وهو يعاتبهم على عدم إحترام نعمة الله، ويقول بوشمة: (كنت أدعو الله أن لا يتصل أحدا والهاتف في وضعية الهزاز وقد سلم الله ونجونا)، ولما عجزت الإدارة في القضاء على الظاهرة وخاصة بعد تسريب المقال الذي تحدثنا عنه آنفا، إضطرت إلى تنصيب أجهزة تشويش عبر كامل سجون التراب الجزائري، وفوق العمارات التي ينزل بها الإسلاميون، كلف ذلك الملايير من خزينة الدولة…
مواقف وطرائف
والسجين بن مبروك يحكي لنا ما كان يقوم به في سجن الحراش من أجل مشاهدة مسلسل مدبلج، حيث أنه يستغل يوم الزيارة لما يخرج كل المساجين للساحة ينتظرون المناداة عليهم لرؤية أهلهم، وكان هو يسكن في سكيكدة ولا تزوره عائلته إلا مرة واحدة في الشهر، فيستغل تلك الفرصة ليتفرج على التلفزيون ولكن من دون صوت، فهو يخشى على نفسه، وتشاء المقادير أنه مرة كان أحد أعضاء “مجلس الشورى” في مكانه نائما لم ينتبه له، وقام كعادته بالتفرج على جميلات مسلسل مكسيكي، ولكن ذلك النزيل تفطن له وكان ينتظر أن يتصرف معه تصرفا غريبا، إلا أنه تفرج معه ولم يعاتبه، بعد أيام وقع خلاف بينهما فدبر له مكيدة وأكتشف أمره بالشهود، كلفته المخالفة عقوبة أسبوع كامل من الخدمات…
حتى في أيام الإفراج عنهم فقد دأبوا على إبراز معتقداتهم، فعندما ينادى على سجين يكبرون جميعا، أما هو فيخر ساجدا شاكرا لله الذي أعاده لأهله، حتى أن “إمارة السجن” طلبت من عناصرها أن لا يصرحوا لوسائل الإعلام أمام السجن أي تصريح يخدم النظام، ومن وجد نفسه مجبرا فما عليه إلا أن يشكر الله تعالى، وإن سئل عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فليجيب بلفظ أتفق عليه: (الله يجازيه) فقط من دون زيادة ولا نقصان، وهو لفظ يعرف به التكفيريون عادة، ولا يوجد شخص لا يجازيه الله أبدا…
يذكر لنا السجين بوزينة عبدالنور الذي كان يدخن ومنع عنه التدخين، غير أنه ظل يفعل ذلك سرا، ففي اليوم الذي بدأت عملية الإفراج أشعل سيجارة وراح يدخنها علنا وهو يردد: “سقط حكم الأمراء”.
أما منصوري رحيم وهو أستاذ وأب لأطفال تبلغ إبنته الكبرى 20 سنة، فيروي لنا قصة شاب إسمه وليد، وكان في 18 من عمره، حيث يحب أن يجلس معه ويتحدث إليه، وفي يوم من الأيام جاءه الأمير وطلبه للحديث، فكانت القنبلة بأن الإمارة وضعته في خانة الشبهة وإن لم يتوقف عن ذلك فسوف يعاقب، بلغ ذلك وليد فأصيب بشك في نفسه ووسوسة جعلته لا ينام الليل، فقد أحس بنقص في رجولته…
ويروي لنا السجين السابق بوشناق عمر الذي كان نزيلا بـ “إمارة السجن” لأكثر من ثلاث سنوات، قصة نزيل واسمه بوعرعارية محمد في ليلة من الليالي وكان طبعه أنه يتكلم نائما، شتم الأمير باسمه، فأيقضه المرابط وفي الصباح قص ما جرى بالتفصيل لـ “أمير السجن” الذي أجلسه في محاكمة وعاقبه بالخدمات أسبوعا كاملا، ولما عارضه بوشناق بحجة أن القلم رفع عن النائم، برر ما فعل بأن ما ردده هو أكيد ما يختلج بين ضلوعه أو همس به لغيره، رفض بوعرعارية العقوبة فتم طرده من القاعة… وآخرون أيضا حكوا قصصا مشابهة لنزلاء يتحدثون أثناء نومهم بكلام فيه سب الدين أو سب الجماعات المسلحة وأوصلهم إلى عقوبات لا تغتفر، للتذكير أن هذا الأخير متهما بتهريب رمال الشواطئ ولا علاقة له بالإسلاميين من قريب أو من بعيد…
آخر روى لنا ما كان يدور في الحلقات عن الآيات والمعجزات التي حلت على المقاتلين في الجبال، وظل السجين شمامي محمد وهو إمام مسجد تورط في السطو على بنك البركة ببئر خادم (العاصمة) في ماي 2005، يقص قصصا فاقت الخيال سماها الكرامات على غرار القصص التي حكاها عبدالله عزام في كتابه الشهير “آيات الرحمان في جهاد الأفغان”، حتى سميت حلقاته بـ “القول المبين في كرامات المجاهدين الجزائريين”، ويؤثر ذلك على الشباب الذين يندفعون غالبا باكين مما يرويه من قصص فاقت كل الخيال…
حكايات الجن لا تحص ولا تعد، فطالما تجدهم يجتمعون وأحدهم يروي لهم قصة رآها أثناء يقظته، أو أثناء رباطه، وهم من حوله يهللون ويكبرون، لذلك تجد الرقية الشرعية منتشرة بكثرة ويتدربون عليها، حتى أن السجين سعادو إلياس مرة تسبب في شلل نزيل كان يتدرب على رقيته ويضربه بسوط على ساقه لإخراج الجن، والسجين مريض بداء السكري، وتدخل الطبيب لنقله للعيادة حيث قضى حوالي ستة أشهر حتى شفي تماما… ويروي لنا بوزينة عبدالنور أن مريني فضيل روى لهم قصة رؤيته للأمير في المغسل وتحدث له بصوت منخفض أثناء إستيقاضه في ساعة متأخرة، والعجب أنه لما عاد لفراشه تاركا الأمير يتوضأ تفاجأ به يغط في نوم عميق، ولقد كان سريره على مقربة منه، ظل الأمير يفاخر بأن الله سخر الجن في صورته يمارس العبادات بدله ليدعو له، وكذلك ما يحدث مع السجين جاوتي مراد (36 عاما) المهلوس من الجن إلى حد الخوف من الذهاب وحيدا إلى المغسل لوحده…
المواقف لا يمكن حصرها والطرائف كثيرة ومتعددة لو إسترسلنا فيها ما كفتنا المجلدات، نكتفي بهذا القدر ونظن أننا أعطينا صورة تبدو واضحة عن الإسلاميين وتشريعاتهم وحياتهم من وراء القضبان، وإن كانت مختصرة وتجاوزنا الأشياء الكثيرة، إلا أننا روينا بأمانة ما نراه قد أجمع عليه الكثيرون، قد اتخذنا منهج علماء الحديث المسمى بالجرح والتعديل طريقا في تحقيقنا هذا، وما شذ فيه تركناه وقد نرويه مستقبلا على ألسنة أصحابه… ربما بحثنا سيكون مادة خصبة للعلماء والمفكرين الذين يعالجون الظاهرة ويبحثون عن آفاقها وأسبابها ودواعيها، وطرق معالجتها بالنسبة للذين يؤمنون بأنها مرض عضال ينخر جسد الأمة، وهي الصورة نفسها التي يعيشونها في الجبال وتم استنساخها من طرف مسلحين موقوفين، وإن كانت تختلف الحياة بين الصورتين إلا أن الضوابط تبقى واحدة، فهي حسب زعمهم مستوحاة من الدين الإسلامي الحنيف…
عن صحيفة "مصر الحرة".
أنور مالك
من مواضيعي
0 إذهب إلى الغرب و أخسر أولادك وزوجتك و عش شحاذا على أبواب المؤسسات الإجتماعية
0 من هو أفضل صحفي وكاتب جزائري؟
0 نظام يتغذى بالكوارث والأزمات
0 هل نحاسب على الزندقة أدونيس أم خليدة مسعودي؟
0 وكيل حزب الله في كندا يفتح النار على الكاتب الجزائري أنور مالك
0 انور مالك يفتح النار على سمير القنطار
0 من هو أفضل صحفي وكاتب جزائري؟
0 نظام يتغذى بالكوارث والأزمات
0 هل نحاسب على الزندقة أدونيس أم خليدة مسعودي؟
0 وكيل حزب الله في كندا يفتح النار على الكاتب الجزائري أنور مالك
0 انور مالك يفتح النار على سمير القنطار