في عيـــــــــــــــــد الحـــــــــــــــــــــــب
10-06-2018, 11:36 PM
في عيد الحب
رياح لطيفة انحدرت من غيوم السماء ساعة الفجر..
داعبت جفون النائمين ووقعت ولادة يوم جديد من عمر الكرة الأرضية.
تململ قدور في سريره قليلا.. و راح يتمطى بهدوء شديد حتى لا يفسد على كريمة نومها السرمدي.
تلذذ بالنسائم المسافرة من بعيد نحو نافذته الصغيرة.
- الهواء البارد عملة نادرة جدا في شهر أغسطس – همس بينه و بين نفسه.
تأمل ذراعه الأيمن. تبرم قليلا من مشهد آثار العدوان ليلة البارحة...لقد كان البعوض أكثر شراسة هذه المرة.
تحسس السرير بقربه..لم يجد أثرا لزوجته كريمة.
- تك. تك .تك – تسلل إلى سمعه من بعيد صوت يعرفه جيدا.
أحدهم يكتب شيئا على حاسوبه المحمول...أصابه صداع مقرف و سرعان ما استمع إلى كلمات بصوت خفيض:
- هيلين....ناتاشا...ماريا....ايرينا...سوزان...بولينا ...-
كان ذلك صوت كريمة...
هتف قدور متألما :
- تبا تبا لقد نسيت أن أقفل الحاسوب ليلة البارحة –
تصنع النوم مجددا استعدادا للمعركة التي سوف تنشب لا محالة.
- بووووووووووووووووووووووووووف – ارتطمت الوسادة الكبيرة بقوة على وجهه. و تناثر القطن في كل مكان من الغرفة.
وقفت كريمة فوق السرير مهتاجة و شعرها منفوش و السخط يتوشح وجهها الملائكي. و صاحت ما وسعها الصياح :
- خائن و قذر و زير نساء. لأنك تعرف كل هذا القدر من النسوة –
و همت أن تصفعه لأول مرة منذ زواجهما. لقد شعرت بلسع الخيانة ومرارتها.
تلقف كريم يدها المرتبكة و أجاب منهزما :
- ما كان لك أن تفتحي الحاسوب دون استئذان يا كريمة –
أجابت الزوجة الجريحة و هي تستخلص يدها من بين يديه الخشنتين :
- لا تتفوه باسمي يا جبان. تكفيك ناتاشا و ارينا و مارينا و نساء بلغاريا قاطبة –
و أجهشت بالبكاء و النحيب...
شعر قدور أنه وقع في شرك لا فكاك منه. أجل انه يراسل كل النساء حول العالم عبر أثير الانترنت.
يتبادل معهن الصور و بعض الكلام الرقيق أحيانا.
لكن جذوة الحب نحو كريمة لم تنطفئ يوما واحدا.
عاشا معا تحت هذا السقف المتواضع ردحا من الزمن.
كانا زوجين سعيدين بشهادة كل سكان الحي...
قليلة هي الغيوم التي تكدر صفو منزلهما الجميل. بل هي الشمس و القمر و الياسمين و صدح العنادل و رائحة العود ونكهة البخور التي ترسم أبجديات حياتهما السعيدة..
لم يكن ينغص عشهما الدفيء غياب الولد قط...فتلك حكمة الله و لا أحد يعترض على ذلك.
منذ شهر أو يزيد زارت كريمة الطبيب و طمأنها قائلا:
- سيدة كريمة رحمك سليم أما قضية الحمل فالوقت كفيل بحلها. لا تقلقي -
شعرت كريمة بوجع الغيرة و مرارة الهزيمة ...
استردت هدوءها قليلا و أصلحت هندامها و مشطت شعرها الأخاذ ثم فتحت حقيبة ضخمة و راحت تجمع ثيابها و متاعها.
وقف قدور ذاهلا أمام هذا المشهد...شعر بوقاحة تلك الخطيئة.
شعر بالعجز عن اقناع كريمة بالعدول عن قرارها.
رفيقة دربه سوف تفارقه في هذا الصباح المشِؤوم.
أنب نفسه كثيرا و تسللت العبرات إلى مآقيه و تذكر على الفور أن عيناه لم تذرفا الدموع منذ ممات والدته.
و ذات مساء قذف قدور حاسوبه المحمول وسط أتون ملتهب و أحرق معه ذكرياته و أوجاعه الدفينة و غيب معه إلى الأبد . ناتاشا و بولينا و مارينا و و و...
مضى شهر و شهر و أمسى البيت كأنه مدفن شاحب بغيض .لا حياة فيه و لا أضواء و لا عطر و لا صخب و لا حب..
أجل لا حب..
كريمة حملت معها كل شيء و رحلت...جلد قدور ذاته مرات و مرات. شعر أن نصفا من كيانه قد تلاشى مع هبوب الرياح.
أطلق لحيته أخيرا و بدت عليه أثار الشقاء و الكآبة.
و اعتزل مباهج الحياة و الناس و الوظيفة و كره نفسه...
لإصلاح الوضع أرسل أخته ثم خالته و لاحقا أخاه الأصغر الى بيت كريمة.
لكن مصير تلك السفارات كان الفشل الذريع..
- لا زالت كريمة ساخطة و متوترة - تمتم قدور بينه و بين نفسه و هو يلتهم فناجين القهوة بشراهة..
في يوم عيد الحب حمل قدور في يده وردة حمراء طويلة و قارورة عطر مكتوب فوقها – سان فالونتان – و خرج إلى الشارع بعد أن استعاد كل أناقته.
وصل أخيرا إلى عمارة فارهة الطول. دخل المصعد الكهربائي. لكنه تذكر أنه معطل كما العادة.
صعد الأدراج مسرعا كما البرق. وصل إلى منزل كريمة و هو يتصبب عرقا.
- سرررررررررررررررررررررررررررن – عالج الجرس بأصابع مرتبكة قليلا.
فتح الباب و أطلت كريمة بوجهها الوسيم. تسارعت نبضات قدور و لم ينبس ببنت شفة.
سلمها الوردة الجميلة و قارورة العطر الفاخر. ابتسمت كريمة و أشرق وجهها الجميل كما ضياء القمر.
في هذه اللحظة العاطفية مسحت كريمة بيدها برفق على بطنها الذي كان بارزا و مكورا...