أسئلة ما بعد رمضان...!!؟
28-06-2018, 03:08 PM
أسئلة ما بعد رمضان...!!؟
د.حمزة بن فايع الفتحي


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


يخيم علينا جلباب الكسل بعد رمضان، ويغشانا الفتور بسدوله، ويبقى محسننا من لا يتأخر عن فريضة، أو يلامس مصحفه لدقائق معدودات، وفي معناهما: صائم الست الشوالية، والمتباعد عن المحرمات المنكرة والسيئات المستشنعة...!.
وهذه أزمة في الاستقامة ومسيرة التدين والانضباط، والموحش المضني: أن نضيف إلى ذلك: تبديد نتائج رمضان الساحرة، وثماره الباهرة، من بروز الصبر وعلو الهمة، وتحقيق العلاء الإيماني، ورقة الخشوع والروحانية، ثم يبيعها بعضنا بثمن بخس دراهم معدودة، وهو من الزاهدين، وقد قال تعالى:
[ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا..].( النحل:92).
وليس العيب حصول الفتور، فهو طبيعة بشرية، ولكن العيب والشنار: أن ينتقل بِنَا لمحرمات وشبهات، فقد صح قوله صلى الله عليه وسلم:
" إن لكل عمل شِرَّةً، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت شِرَّته إلى سنتي، فقد أفلح، ومن كانت شِرَّتُه إلى غير ذلك، فقد هلك". رواه أحمد.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله:" تخلّل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رُجِي له أن يعود خيراً مما كان..".

وهنا أسئلة مشكلة، نوردها للحل والمناقشة وتقديم الإفادة.

١/ لماذا نتغير عباديا بعد رمضان!!؟:
لاختفاء عزائمنا وضعف نفوسنا، فقد تولدت همم، وشعت عزائم، لم يرعها المرء أو يَضِن بها!، قال الجُنيد رحمه الله:" عليكم بحفظ الهمة، فإن الهمة مقدمة الأشياء".
لتركنا الصيام، وفقدان روحانية رمضان، ولذا كان شوال حريما لرمضان، ومن ثم: استحب صيام ستة أيام منه، تعدل صوم الدهر، وتأخيرها عن شوال ليس حسنا، لا نصاً ولا فقها، وفي صيامها من التنشيط والقبول ما لا يخفى قال الحسَن البصرى رحمه الله:" إنَّ مِن جزاءِ الحسَنةِ: الحسَنة بَعْدَها، ومِن عقوبةِ السيئةِ: السيئةُ بعدها".
لغياب الاجتماع البشري المحفز على الصلاة لا سيما قيام الليل، وبركة روح العمل الجماعي.
خلوص الشياطين إلى عملها بعد التصفيد والتضييق السابق.
لطول الأمل عندنا، وتعلقنا بالدنيا، وارتياحنا للوضع التقليدي في الحياة.
لتراجع العلاقة الوثيقة مع القرآن، وذهاب أكثرها بسبب التأجيل والتسويف، إذ للقرآن سر عجيب في العلاء والنهوض الإيماني المتجدد.
لحاجة نفوسنا لمحفزات أخرى، وعوامل رافعة عن الفتور.
تفكيك دروع المجاهدة والمحاسبة والمراقبة التي تستوجب يقظتها على كل الأحوال، فإن الفتن خطافة، والقلوب خاوية:[ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)].( العنكبوت).
لقصر نظرنا في فهم العبادة، وضرورة تشبثنا بها، وأن خيراتها لم تنته، وأسرارها لم تنقض:[ قل إن صلاتي ونُسُكِي ومَحْيَاي ومَمَاتِي لله رب العالمين].(الأنعام).
لاكتفائنا بمراحم رمضان، واغترارنا بإنجازات النفس الذاتية، مما يعكس تفاخرا أو مراءاة، ولذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" فعلامة السعادة: أن تكون حسنات ‏العبد خلف ظهره، وسيئاته نصب عينيه".

٢/ كيف أحافظ على الخيرات بعد رمضان!!؟:
إبقاء الهمة مشتعلة، واعتقاد أثر الحسنات الدائم.
تذكر حلاوة العبادة وحسن عائدتها على الإنسان.
عدم تضييع السنن والواجبات المعروفة من صلاة ونوافل ووتر وأوراد، وأن لا يصل فتورنا للفرائض، قال علي رضي الله عنه:" إن النفس لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت، فخذها بالعزيمة والعبادة، وإذا أدبرت، فاقصرها على الفرائض والواجبات".
تذكر الموت والخوف من اللقاء بلا عدة ولا زاد.
سؤال الله الثبات والعون والتسديد، فقد صح من دعائه صلى الله عليه وسلم:" اللهم يا مقلبَ القلوب: ثبت قلبي على دينك "، " اللهم يا مصرف القلوب والأبصار: صرف قلبي على طاعتك".
قال في:( المرقاة):" مصرفها تارة إلى الطاعة، وتارة إلى المعصية، وتارة إلى الحضرة، وتارة إلى الغفلة، ( ثبت قلبي على دينك )، أي: اجعله ثابتا على دينك غير مائل عن الدين القويم، والصراط المستقيم، والخلق العظيم..".
التزام محضن إيماني ورفقة أخوية تعين وتشجع وتبارك، وكان من هدي السلف وديدن لقاءاتهم:" تعال بِنَا نؤمن ساعة".
اهتبال خيرات شوال من صيام الست، والتفكير في الحج والعشر الفاضلة.
استشعار فظاعة الضعف والفتور أو التغير السلبي:[ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا..].( النحل:92).

٣/ ما هي طرق المحافظة بعد رمضان!!؟:
تجديد الإيمان والهمة، وإبقاء سبل للتجديد والرواء الروحي.
التباعد عن كل أسباب ومنافذ التراجع من صحبة سيئة أو مجالس تافهة، أو ملاه ضائعة، وأفكار تزهيدية..!.
الخوف من تضييع الزمان، وصيانته كما صين في رمضان، وتجاوز العبث فيه أو مقارفة ما يشين ويسوء، قال تعالى:{ولمن خاف مقام ربه جنتان}، قال مجاهد وغيره:" هو الرجل يهِمُّ بالمعصية، فيذكر مقامه بين يدي الله؛ فيتركها خوفا من الله".
عدم الانسياق لدعوات إبليس ونوابه ممن يبيعون أوهام السعادة والتبسط المزعوم، فيغفل العبد، وتبدد ساعاته، وتنزاح خيراته وعزماته...!.
قال ابن مسعود رضي الله عنه:" ما ندمت على شيء ندامتي على يوم غربت فيه شمسه: نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي!!؟".
تعاهد النفس بالصيام المجدد لتلك الإيمانيات العاليات، نحو صيام الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر، وفي الحديث الصحيح:" عليك بالصوم، فإنه لا عِدل له ". أخرجه أبو دَاوُدَ وغيره.

٤/ ما هي أساليب التزام القرآن!!؟:
استحضار أهمية تلاوته، وإن تركه من علامات الهجر، وهجر التلاوة يفضي لهجر التدبر والعمل واستشعار عظمته، حتى ينتهي لقسوة القلب، فيكون الدواء شاقا حينها...!.
تفعيل لذة التدبر ومتعة التأمل القرآني المشبعة للوجدان:[ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها].(محمد).
التزام ورد يومي كما حصل في رمضان، ولو شيئا قليلا، ففي الصحيحين: " أحب الدين إلى الله: أدومه وإن قل"، وكما يقال:" قليل دائم: خير من كثير منقطع".
قال النووي رحمه الله:" بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله، بخلاف الكثير الشاق حتى ينمو القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة".
وقال ابن الجوزي رحمه الله:" إنما أحب الدائم لمعنيين:
أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرض للذم، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية ثم نسيها، وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه.
ثانيهما: أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يوم وقتا ما، كمن لازم يوما كاملا ثم انقطع".
تجديد الهدف من التلاوة، وهو سرعة الختم المطلوبة، والخروج بفوائد مثمرة، وتأملات جذابة، ولماذا لا يبقى هدف الختم غاية عند التالي، فيحمله على الإنجاز والمتابعة واستخراج الفرائد والفوائد.
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله:" ويكره أن يؤخر القرآن أكثر من أربعين يوما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله عبد الله بن عمرو في كم يختم القرآن؟، قال: في أربعين يوما، ثم قال في شهر، ثم قال في عشرين، ثم قال في خمس عشرة، ثم قال في عشر، ثم قال في سبع، لو؟ ينزل من سبع ـ. أخرجه أبو داود.
وقال أحمد: أكثر ما سمعت أن يختم القرآن في أربعين، ولأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى نسيان القرآن والتهاون به، فكان ما ذكرنا أولى، وهذا إذا لم يكن له عذر، فأما مع العذر، فواسع له".
تيقن الهلكة وقسوة القلب بدون قرآن، أو تركه المدد الطويلة، قال تعالى: [ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم ...].(يونس)، وفي الصحيحين: " مثَل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت ".
وبالقرآن والذكر حياة القلب، قال ابن القيم رحمه الله:" إن دوام الذكر سبب لدوام المحبة، فالذكر للقلب كالماء للزرع، بل كالماء للسمك لا حياة له إلا به".

٥/ ما أسباب تناقص نشاط المساجد!!؟:
هجود أئمة المساجد توجيها وتحذيرا وموعظة.
الركون للتقليدية في التدين والصلاة.
إهمال البرامج الدعوية والاستضاقات المشيخية المؤثرة.
الضن بنصح بعضنا بعضا، وتناسي منهج التواصي:[ وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر]، وحينما يعز أولئك الناصحون والمتواصون، يحصل الفتور، وتشيع ثقافة الخمول والتراجع.
المبالغة في أفراح العيد الموصلة للمحرمات وتبديد الأوقات، وإرهاق الأنفس والخلوات، والله المستعان.
إطالة السهر واستغراق الوقت في الأحاديث الجانبية، والتي تفضي لنوم عكسي: تضيع به الصلوات، وتضطرب الحياة العملية، والله المستعان.