هذا ما ساهم به الأمازيغ في خدمة الإسلام
18-01-2018, 09:06 AM
هذا ما ساهم بهالأمازيغ في خدمةالإسلام
محمد بوالروايح
كاتب وأستاذ جامعي

تحاول بعض الأفكار الانفصالية تسويق صورة صدامية بين الأمازيغ والإسلام، تصوِّر الإسلام على أنه:" شكل من أشكال الغزو!!؟"، وتصوّر الأمازيغ على أنهم:" ضحايا هذا الغزو الإسلامي!!؟"، وهي بيقين: صورة خاطئة موروثة عن الاستعمار، تلقفها بعض المهووسين والمندسين داخل التيار الأمازيغي، وتعاملوا معها على أنها "حقيقة تاريخية!!؟"، وما هي من الحقيقة التاريخية في شيء، فوثائق الفتحالإسلامي تكشف عن حقائق صادمة لهذا التيار الصدامي، وتثبت بما لا يدع مجالا للشك: بأن القبائل والفصائل الأمازيغية الأخرى قد شكلت نواة أساسية في جيوش الفتحالإسلامي التي تحركت لفتح الأندلس، واستمر الوجود الإسلامي على إثرها هناك مدة ثمانية قرون أو تزيد.
لكن قبل الحديث عن هذه الحقائق التي تسعفنا بها وثائق الفتحالإسلامي للأندلس، لا بد من الإشارة بداية إلى أن بعض المؤرخين العرب يثبتون النسب الأمازيغي لبعض الفاتحين المسلمين، ومنهم: القائد الإسلامي: طارقبن زياد، كما ذهبت إلى ذلك المؤرخة المصرية:(نهى الزيني) بقولها إن طارق بن زياد قائدٌ أمازيغي، وإن الجيش الذي فتح الأندلس جيش أمازيغي في بداية الفتح قبل أن يلتحق به الجيش العربي، وبأنها تعترض على عبارة "الفتح العربي للأندلس"، حيث تقول بهذا الشأن:
".. طارق بن زيادقائدٌ أمازيغي، وكل الجيش الذي فتح الأندلس هو: جيش أمازيغي أصلا، كله مؤلف من الأمازيغ بعدما دخلوا الإسلام، ثم لحق بهم جيشٌ من العرب".
ولذلك، فإنني أعترض على كلمة "الفتح العربي للأندلس"، لأن الذين فتحوا الأندلس هم الأمازيغ بصفتهم مسلمين".
وتذهب نهى الزيني إلى أبعد من ذلك من خلال إيراد بعض الأفكار المثيرة للجدل بخصوص" الأمازيغ" في كتابها:( أيام الأمازيغ: أضواء على التاريخ السياسي الإسلامي): الذي سأقتبس منه بعض الفصول التي تؤكد بطلاننظرية الصدام بين الأمازيغ والإسلام، ولكن من الضروري قبل ذلك: التأكيد على أن منهج الإطلاق والاستغراق الذي اعتمدت عليه الباحثة لا يتماشى مع نظرتنا إلى الفتح الإسلامي على أنه حدثٌ وفعل إسلامي اجتمعت فيه العناصر العربية والأمازيغية وغيرها، لأنه فتحٌ يعلو على الإثنية ويقوم على مبدأ الدفاع عن الإسلام من حيث كونه قدَرا مشتركا لكل المسلمين الموحدين على اختلاف عرقياتهم ولغاتهم وأجناسهم، تقول نهى الزيني في الفصل المعنون:( الفتح الإسلامي):
".. ولقد انطلق طارق بن زياد بجيشه من البربر الذين قال عنهم أحد قواد القوط: "جند لا أدري أهم من أهل الأرض أم من أهل السماء"، وقال عنهم آخر: "رهبان الليل فرسان النهار"، وهكذا رفعهم الإسلام إلى ذراه الشامخة، فأصبحوا مثالا يحتذى به، فانضم لهم القوط الذين آمنوا بالرسالة الخاتمة، وانطلقوا يفتحون باقي مدن الأندلس، وفي رمضان التالي من عام 93 هجرية لحق بهم موسى بن نصير بجيش من العرب، فلم يمض عامان حتى كان المسلمون –البربر والقوط والعرب- قد فتحوا شبه الجزيرة الأيبيرية كلها وجنوب فرنسا، ولولا رفض الوليد بن عبد الملك: لانطلق موسى بن نصير فاتحا بلاد أوروبا متوجها إلى القسطنطينية التي ما زالت عصية على الفتح من جهة الشرق، فأراد فتحها من الغرب، لكنه عاد ومعه طارق: امتثالا لأمر الخليفة".
لا يتوقف دور الأمازيغ عند الفتح الإسلامي للأندلس كما تذهب إلى ذلك المؤرخة:( نهى الزيني)، وإنما استمر بإنقاذ الأندلس بعد الأخطاء أو بالأحرى الخطايا الكثيرة التي وقع فيها ملوكُ الطوائف، وكان ذلك على يد القائد الأمازيغي:( ابن تاشفين): الذي أنقذها من شفا الهاوية ووحَّدها بعد أن كادت تمزقهاالأهواء، وهذا بعد أن جاءته فتاوى الإمام:( الغزالي وأبو بكر الطرشوشي): المؤيدة لإسقاط حكم الطوائف، وبذلك تم توحيد الأندلس وضمها -عدا طليطلة السليبة- إلى دولة المرابطين التي تعتبرها الباحثة دولة مشكَّلة من الأمازيغ المسلمين.
إن الغاية من هذا الموضوع بيان أربعة أمور أساسية:

الأمر الأول: أن الإسلام هو: الرباط الجامع الذي التف حوله الأمازيع واتحدوا تحت لوائه مع العرب، ويشير الشيخ المصلح:( عبد الحميد بنباديس) إلى هذه الحقيقة التاريخية بقوله:
"إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ بضعة عشر قرنا، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء، وتؤلف بينهم في العسر واليسر، وتوحدهم في السراء والضراء، حتى كوَّنت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا: أمه الجزائر وأبوه الإسلام، وقد كتب أبناء يعرب وأبناء مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون بما أراقوا من دمائهم في ميادين الشرف لإعلاء كلمة الله؛ وما أسالوا من محابرهم في مجالس الدرس لخدمة العلم، فأي قوة بعد هذا يقول عاقلٌ تستطيع أن تفرقهم: لولا الظنون الكواذب والأماني الخوادع، يا عجبا!: لم يفترقوا وهم الأقوياء؛ فكيف يفترقون وغيرهم القوي؟، كلا والله، بل لا تزيدهم كل محاولة للتفريق بينهم إلا شدة في اتحادهم وقوة لرابطتهم".

الأمر الثاني: أن التنوع اللغوي ظاهرة إعجازية تدل على كمال الحكمة الإلهية، يقول الله سبحانه وتعالى:[ ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين]، إن اللغة وفق المنظور القرآني وسيلة للتواصل الإنساني، فقد علَّم الله سبحانه وتعالى آدم الأسماء كلها، ومن ثم فلا ضير أن يعبِّر بنو آدم عن هذه الأسماء بلغات مختلفة من غير أن يكون هذا الاختلاف اللغوي: ذريعة للخلاف الإنساني، فقد قرأنا في التاريخ الإنساني عن حروب الوجود والحدود وغيرها، ولكننا لم نقرأ عن حروب اللغات إلا ما كان ضرورة يحتمها التضييق المفروض على اللغة من قبل دوائر الغزو الثقافي الاستعماري على نحو ما حدث في الجزائر في فترة الاستعمار الفرنسي، فوجود اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية هو: من قبيل الاختلاف الألسني كما جاء في النص القرآني، ولا ينبغي أن يستخدم هذا الاختلاف لتفريق الصف الوطني وتفتيت الوحدة العقدية والترابية للجزائريين: عربا وأمازيغ.

الأمر الثالث: ليس في الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية: ما يشكل خطرا أو زحزحة بطريقة أو بأخرى للغة العربية كما يقول أصحاب النظرة السلبية والسوداوية، لأن العربية أخذت شرفها من الإسلام، ومن القرآن الذي احتضنها ونزل بها، وستبقى رائدة سائدة لا تنازعها لغة أخرى.

الأمر الرابع: أن الإسلام هو الذي حرّر الأمازيغي أو الرجل الحر النبيل من ظلم الوندال والرومان، ولا يمكن أن يكون الإسلام المحرِّر عاملا من عوامل الاستغلال، أو عنوانا للعنصرية على أساس الجنس والعرق، لأن الإسلام بشهادة خصومه هو: الذي أسقط:( نظرية العرق الأنقى والأبقى!!؟): لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
"يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى".