محيطات قرب مركز الأرض
13-09-2019, 03:31 PM
من منا لا يعرف المحيطات و البحار التي تشغل حوالي 70% من سطح الأرض، بل من منا لم يزر أحد الشواطئ يوما ليستمتع بالدفء و جمال الطبيعة؟ لكن هل خطر ببال أحد أن هناك محيطات تقبع في أعمق أعماق الأرض؟
لقد اكتشف العلماء مؤخرا أن الأعماق القريبة من مركز الأرض تحوي مخزونا هائلا من المياه يزيد على ثلاثة أضعاف كمية مياه المحيطات على السطح، تُحْجر مياه الأعماق هذه ضمن صخور تدعى رنغوودايت (Ringwoodite) و هي صخور قوامها الأساسي مادة سيليكات المغنيسيوم (Mg2SiO4) التي تشكلت تحت ظروف الضغط و الحرارة الشديدة في أعماق الأرض، فاتخذت شكلا بلوريا أزرق داكنا جميلا يحتجز الماء في بلوراته، فهي حِجْر لماء الأعماق أو باختصار فهي صخور (الحِجْر).
تقبع صخور الحِجْر كخزان عملاق للماء على عمق يزيد عن 700 كم من سطح الأرض و تشكل عباءة تفصل بين الوشاح السفلي الحار من طبقات الأرض الذي يحيط بنواتها و الوشاح العلوي البارد الذي يلي عباءة الحِجْر من الأعلى.
إن الكمية الهائلة من مخزون المياه في أعماق الأرض يمكن أن يلقي الضوء على مصدر هذه المياه، إذ يعتقد كثير من العلماء أن هذه المياه قد جاءت من السماء مع المذنبات و النيازك الكثيرة التي ارتطمت بالأرض عبر ملايين السنين عندما كانت في أطوار نشأتها الأولى و لم تتصلب بعد و غاصت إلى الأعماق حيث احتجزت هناك بتأثير الحرارة و الضغط الشديدين، فمن المعروف أن الماء يدخل بنسبة كبيرة في تركيب المذنبات.
للوصول إلى هذه النتائج استخدم الباحثون أكثر من 2000 جهاز لقياس الاهتزازات (Seismometer)، هذه الأجهزة تستخدم عادة لدراسة مكونات أعماق الأرض و التنقيب عن الثروات المعدنية كالنفط و الغاز، و تحديد مكامن المياه الجوفية. يعتمد مبدأ القياس على أن سرعة الأمواج الاهتزازية تختلف أثناء مرورها في باطن الأرض بين طبقة و أخرى تبعا لمكونات كل طبقة. قام العلماء بتلقي الأمواج الناتجة عن أكثر من 500 هزة أرضية بأجهزة قياس الاهتزاز، هذه الأمواج تنتشر في أعماق الأرض بما في ذلك نواتها وتجعلها تطن كالجرس العملاق لبضعة أيام بعد انقضاء الهزة فيمكن للعلماء من خلال قياس سرعة أمواج الطنين معرفة أنواع الصخور التي مرت من خلالها. تتباطأ سرعة الأمواج عند مرورها من خلال طبقة مائية تقبع بين الصخور فيسهل تحديد عمق و غزارة الماء في تلك الأعماق. لقد تبين من خلال هذه الدراسات أن عباءة صخور الحِجْر (Ringwoodite) تقع على عمق يقارب 700 كم من سطح الأرض، و أن الضغط و الحرارة عند هذا العمق مناسبان كي يظهر الماء بمكوناته الكيميائية المعروفة، و قد أيدت هذه النتائج دراسة سابقة للبحث عن الألماس في هذه الأعماق السحيقة إذ تبين أن الألماس الذي حملته البراكين إلى سطح الأرض من تلك الأعماق، يحتوي شوائب من صخور الحِجْر (Ringwoodite) المحتوية بدورها على الماء بنسبة 1.5% وزنا، فكان هذا أول دليل ملموس على وجود الماء في تلك الأعماق، ما يدعم تلك النتائج أيضا اكتشاف الحِجْر بإحدى صوره الفيزيائية لأول مرة في الطبيعة في نيزك نهر السلام الذي سقط في ألبرتا، كندا.
لقد أدت هذه النتائج إلى حل لغز كبير آخر أوقع العلماء في حيرة سنين عديدة يتعلق بانحفاظ غزارة و ملوحة مياه المحيطات على سطح الأرض عبر ملايين السنين، إذ بينت بعض الدراسات الحديثة أن هناك اتصال بين مياه أعماق الأرض و مياه المحيطات يؤدي إلى استقرار صفات هذه المحيطات.
يُرجِع العلماء سبب تبادل الماء بين محيطات السطح و محيطات الأعماق إلى الحركات التكتونية (انزياح القارات) الذي يجري بين آونة و أخرى و يؤدي إلى تشقق و انكسار عباءات عميقة من القشرة الأرضية وانصهار قسم من الصخور المحتوية على الماء و يأمل العلماء في حساب كمية المياه التي يجري تدويرها بين السطح و الأعماق بشكل أكثر دقة، فإذا قدرنا أن نسبة 1% فقط من عباءة الصخور الفاصلة بين صهارة الأعماق و طبقات الأرض العليا هي من الماء، فهذه الكمية تعادل ثلاثة أضعاف كمية الماء في المحيطات على سطح الأرض.
يُحتَجَز الماء عند هذه الأعماق في البنية البلورية للصخر فلا يظهر بشكله المألوف إلا عندما يقترب من سطح الأرض بتأثير الحركات القارية التي تؤدي إلى تخفيف ظروف احتجازه في الأعماق من حرارة و ضغط.
يقول البروفسور سنيلينغ Snelling:
هذا الاكتشاف يفسر ما جاء في الكتاب المقدس (سفر التكوين 12-13) عن طوفان نوح الذي تفجرت خلاله مخازن الأرض العميقة بالمياه لمدة 150 يوما بالإضافة إلى الماء الغزير المنهمر من بوابات السماء مما أدى إلى انغمار اليابسة بالمياه.**
و قد جاء في القرآن الكريم نحو ذلك في وصف الطوفان:
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (القمر-12)
فتفجير الأرض يعني تشقق صخور الأعماق من خلال حركات تكتونية عنيفة.
كما أشار إلى الحجارة التي يخرج منها الماء فمنها ما يتفجر فتخرج منه الأنهار على سطح الأرض، و منها ما يتشقق فيخرج منه الماء و هذا أقرب وصف لصخور الحِجْر، التي تحوي الماء على شكل أكسيد الهيدروجين و لا تحرره إلا عندما تتشقق بلوراتها:
... وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَٰرُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (البقرة-74)
و في إشارة إلى نزول الماء من السماء مع المذنبات و النيازك بكمية محسوبة، ليسكن قسم منه باطن الأرض خزانا لماء المحيطات يحافظ على معدل ملوحتها ثابتا، الأمر الضروري لاستمرار الحياة على الأرض، يقول تعالى:
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ (المؤمنون-18).
فسبحان الله.

يمكن مطالعة الموضوع كاملا مع الرسوم و المراجع (هنا)