جدل المسلمين المذموم
24-01-2013, 08:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
....
أمّا الجدلُ المذمومُ فهو على نوعين:
....
الثّاني: جدلُ المسلمين: وهو القائمُ على طريقةِ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ، والذي يكون سببًا في التّحوّلِ والانتقالِ مِنَ الإيمانِ إلى الكفرِ، ومِنَ الهدى إلى الضّلالِ، ومِنَ السّنّةِ إلى البدعةِ،
قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رحمه اللهُ-: «مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ»(5)،
ومِنْ جدلِ المسلمين المذمومِ ما كان على وجهِ معارضةِ الآياتِ المتشابِهاتِ ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِها على غيرِ مقصودِ الشّارعِ ومرادِه، أو تضمّن الجدلُ تكذيبًا للآثارِ، أو مكابَرةً لنصوصِ التّشريعِ، أو معارضةً للإجماعِ بنقضِ عقدتِه، أو مغالطةً في القياسِ أو في مقدّماتِه، أو ما كان الجدلُ قائمًا على المماراةِ والخصومةِ المؤديّةِ إلى تشتيتِ الألفةِ وتصديعِ أواصرِ المحبّةِ، أو إدخالِ الشّكوكِ في الثّوابتِ وتوليدِ الشّحناءِ في النّفوسِ بتسفيهِ الكبارِ والانتقاصِ مِن أهلِ الدّينِ والملّةِ ببترِ أقوالِهم وحملِ كلامِهم على غيرِ مرادِهم بمختلفِ الأغاليطِ وأساليبِ التّنقيرِ والتّحقيرِ والتّنفيرِ، أو إثارةِ العصبيّةِ والفُرْقةِ بين المسلمين، الأمرُ الذي قد يصل إلى حدِّ التّكفيرِ والاقتتالِ.
وهذا كلُّه مذمومٌ مهما كان تبريرُ مقاصدِ المتخاصمَيْنِ، ويدلّ عليه قولُه تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال: 5-6]،
وقولُه تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197]،
وحديثُ عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: «تَلاَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 7]، فقال: يَا عَائِشَةُ، إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَاهُمُ اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ»(6)، وقولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزّخرف: 58]»(7)، وقولُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ»(8) أي: «أنّ مَن يُكثر المخاصمةَ يقع في الكذبِ كثيرًا»(9).

هذا، وقد نهى السّلفُ وأئمّةُ الهدى عنِ الجدلِ المذمومِ والمراءِ في الدّينِ ومناظرةِ المسلمين على طريقةِ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ،
قال الآجرّيُّ -رحمه الله- بعد أن ذكر طائفةً مِنَ الأدلّةِ في النّهيِ عنِ الجدلِ ما نصُّه: «لمّا سمع هذا أهلُ العلمِ مِنَ التّابعين ومَن بعدهم مِن أئمّةِ المسلمين لم يُماروا في الدّينِ ولم يجادلوا، وحذّروا المسلمين المراءَ والجدالَ، وأمروهم بالأخذِ بالسّننِ وبما كان عليه الصّحابةُ رضي الله عنهم، وهذا طريقُ أهلِ الحقِّ ممّن وفّقه اللهُ تعالى»(10)
....

المقال كاملا
في الجدل وأنواعه وأحكامه
http://www.ferkous.com/site/rep/Bq140.php